العدد 126 -

السنة الحادية عشرة – رجب 1418 – تشرين الثاني 1997م

الْمَـوْتُ

الْمَـوْتُ

بقلم: ك. ش.

يُذكّرُني طُلُوعُ الشَّمْسِ صَخْراً
فَلَوْلا كَثْرَةُ الْبَاكِينَ حَوْلي
وَمَا يَبْكِينَ مِثْلَ أخِي وَلَكِنْ
فَقَدْ وَدَّعْتُ يَوْمَ فَرَاقِ صَخْرٍ
فَيَا لَهْفِي عَلَيْهِ وَلَهْفِ أُمِّي

 

وَأَذْكُرُهُ لِكُلِّ غُروبِ شَمْسِ
عَلَىَ إِخْوَانِهِمْ لَقَتَلْتُ نَفْسِي
أُسَلِّي النَّفْسَ عَنْهُ بِالتَّأَسّي
أَبِي حَسَّانَ لَذَّاتِي وَأُنْسِي
أيُصْبِحُ فِي الضَّرِيحِ وَفِيهِ يُمْسِي

بهذِهِ الأبياتِ وَبأمثالِها رَثتِ الخَنْساءُ أخَاها صَخْراً، وَبكتْه حَتَّى فقدَتْ عَينَيْها مِن شِدّةِ البُكاءِ، جزِعَتْ، وَيئِستْ، وَتمنّت الْمَوْتَ، هَكَذَا رأت الخنساءُ الْمَوْتَ وَهَكَذَا تعامَلَتْ مَعَهُ.

وفي معركةِ القادسيةِ، وَفي مَوْقِفٍ مَهيبٍ، موقفُ القِتالِ وَالْمَوْتِ، وَقفتِ الخنساءُ وَقفةً عظيمةً مَعَ أبنائِها الأربعةِ وَقَالَتْ لَهُم: (إنَّكُم أسْلَمتم فلم تُبَدِّلوُاْ وَهاجرتم فلم تَثوُبوُاْ، ثمّ جئتُم بأمِّكم عجوزاً كبيرةً فوضعتموها بيَن يَديْ أهلِ فارسَ، إنكم لَبَنُو رجلٍ وَاحدٍ، كما أنكم بَنو امرأةٍ وَاحدَةٍ، مَا خنتُ أباكم، وَلا فَضَحْتُ خَالَكم، انطَلِقوُاْ فاشْهَدوُاْ أوّلَ القِتالِ وَآخرَهُ) وَاستشهدَ أبناؤهَا الأرْبعةُ فلمَّا بَلغَها ذَلِكَ قَالَت قولتها المشهورة: (الحمْدُ للـه الَّذِي شرَّفَنِي بقتلِهم، وَإنِّي أسألُه تعالى أن يجمعَني بهم فِي مُستقرِّ رحمتِهِ).

ما الَّذِي غَيَّرَ نظرةَ الخنساءِِ إِلَى الْمَوْتِ مِن الجاهليةِ إِلَى الإسلامِ؟ أفبعدَ فَقْدِ العينيِن لبُكاءِ الأخِ كانَ الفخرُ بموتِ الأبناءِ، وَبعدَ الجزعِ مِن الْمَوْتِ، كانَ التمَنِّي بِلِقائِهِمْ فِي الجنَّةِ، أيُّ انقلابٍ هذَا فِي الفكْرِ وَالنفسِ، وَأيُّ تغيرٍ هذَا الَّذِي يحوّلُ الإنسانَ مِن حياةٍ إِلَى حياةٍ، وَمِن تَصَوُّرٍ إِلَى تَصَوُّرٍ.

إنّه الإسلامُ بعقيدتِهِ التي جعلتْ الْمَوْتَ عندَ المسلمِ هوَ لقاءُ اللـه المنتظرُ (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللـه عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً) وَمِنهم مَن يَنتظرُ، وَمِنهم مَن صدقَ مَا عَاهدَ اللـه عَلَيْهِ أيضاً، وَلكنَّه لَمْ يقضِ نحبَهُ بعدُ، فهُوَ يَنتظِرُ.

ومِنهم مَن يَنتظِرُ، نعم! يَنتظِرُ وَكأنّه يعيشُ فِي هذِهِِ الدُّنْيَا وَيُصَبِّرُ نفسَهُ عليهَا مُنتظراً أَجَلَه، لِيلحقَ بصحبِه ويلقى وجْهَ ربّه، وَلِم لا يَنتظِرُ وَهوَ الَّذِي صدَقَ معَ اللـه فِي عهْدِهِ، وَأقرّ اللـه لَهُ ولأمثالِهِ أنَّهم لَم يُبدِّلوُاْ تبديلاً، فهمُ الذينَ ظلُّوُاْ على العهدِ معَ اللـه لَم يُبدِّلوُاْ ولَم يُغيِّروُاْ، فمِنهم مَن رَحلَ قاضِياً أجلَهُ فِي الدُّنْيَا، ومِنهم مَن يَنتظرُ دُنوَّ الأجَلِ وقَد استعدَّ لهُ وتهيَّأَ.

 ولا ينتظرُ لقاءَ اللـه مَن لَمْ يستعدّ لِهَذَا اللقاءِ ويتجهزْ لَهُ (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الّذي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ ثُمّ تُرَدُّونَ إِلى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) فالذِي يفرُّ مِن الْمَوْتِ إمَّا أنّه لا يؤمنُ بلقاءِ اللـه، ويريدُ أنْ يتمتعَ فِي الدُّنْيَا بأكبرِ قسطٍ ممكنٍ وبأطولِ زمنٍ يقدرُ عليهِ، قَالَ تعالى: (حتّى إِذَا جَاءَ أحَدَهُم الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحَاً فِيمَا تَرَكْتُ، كَلاّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلى يِوْمِ يُبْعَثُونَ* فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلاَ أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ* فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِيِنُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِيِنُهُ فَأُوْلَئِكَ الذينَ خَسِرُواْ أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ).

وإمَّا أنّهُ مؤمنٌ ضَعُفَ تذكُّرُ اللـه واليومِ الآخرِ عِندَهُ، فهُوَ غافلٌ عَنْ آخرتِهِ، مُنْشَغِلٌ بِدُنْياهُ، فَإِذا جَاءَهُ الْمَوْتُ نَدِمَ وتَحَسَّرَ (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِيِنَ يَعْمَلُونَ السَيَئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إنَي تُبْتُ الآنَ، وَلاَ الذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفّارٌ أوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً ألِيمَاً). يُروَى أنّهُ لمّا حَضَرَتْ عَبْدَ المَلِكِ بنَ مَرْوَانَ الوفاةُ نظرَ إِلَى غسَّالٍ بجانبِ دمشقَ يلْوي ثوباً بيدِه ثمّ يَضربُ بهِ المغسَلَةَ، فقَالَ عبدُ الملكِ: لَيتَنِي كنتُ غسَّالاً آكلُ مِن كَسبِ يدِي يوماً بيَومٍ، ولَمْ آلِ مِن أمرِ الدُّنْيَا شيئاً، فبلغ ذَلِكَ أبَا حازم فقَالَ: الحمدُ للـه الَّذِي جعلَهُم إذَا حَضَرَهُمُ الْمَوْتُ يتمَنَّوْنَ مَا نحنُ فيهِ، وإِذَا حَضَرَنَا الْمَوْتُ لَمْ نتمنّ مَا همْ فيهِ.

أيَّهَا الأُخْوَةُ الكِرَامُ:

إنَّ الإيمانَ بأنَّ سببَ الْمَوْتِ هُوَ انتهاءُ الأجلِ لَهُ لازِمَةٌ يجبُ ألاّ تنفصِلَ عنهُ، وهيَ ترقّبُ الْمَوْتِ فِي كلِّ لحظةٍ وفي كلِّ حينٍٍ، وما يَتبعُ هذَا الترقبَ مِن استعدادٍ وتهيُّؤٍ، يتناسقُ مَعَ الإيمانِ بالآخرةِ التي يُفتحُ البابُ لها بالْمَوْتِ، حيثُ لا عملَ ولا جهادَ ولا حملَ دعوةٍ، قَالَ رَسولُ اللـه صلّى اللـه عليه وآله وسلّم لعبد اللـه بن عمر: «إِذَا أصبحتَ فَلا تُحَدِّثْ نْفَسَك بِالمساءِ وإِذَا أمسيتَ فلا تُحَدِّثْ نْفَسَك بالصباحِ وَخُذْ مِن حَياتِكَ لِمَوْتِكَ ومِن صِحَّتِكَ لِسَقَمِكَ فَإِنَّكَ يَا عَبْدَ اللـه لاَ تَدْرِي مَا إِسْمُكَ غَدَاً»(1).

وقَالَ رَسولُ اللـه صلى الله عليه وسلم: «الكيّسُ مَن دانَ نفسَه وعَمِلَ لِما بعدَ الْمَوْتِ، والعاجزُ مَن أتبعَ نفسَه هواهَا ثمّ تمنّى على اللـه الأمانيَ» وفي الحديثِ الصّحيحِ لَمّا سألَ جِبريلُ عليهِ السلامُ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم عَن الإحْسانِ، قَالَ صلى الله عليه وسلم: «أن تَعْبُدَ اللـه كأنّك تراهُ، فإن لمَ تكنْ تَراهُ فإنّه يَراكَ».

ولا قيمةَ للإيمانَ بالْمَوْتِ مَا لَمْ يُؤمنْ بالآخرةِ، فالْمَوْتُ هُوَ بدايةُ الطريقِ للحياةِ الآخِرَةِ، الحياةِ الأبديّةِ، الحياةِ التي يتقررُ فيها المصيرُ، فَإِمَّا نعيمٌ وإمّا جحيمٌ، فَمَن خافَ الْمَوْتَ وآمَنَ بأنَّ سببَهُ انتهاءُ الأجلِ، وَلَمْ يُراقبْ نفسَهُ وَلَمْ يحاسِبْها، وَلَمْ يتصوّرْ الآخِرَةَ تصوراً يَجعلُهُ مُستعداً للرّحيلِ إليْهَا فِي أيّةِ لحظةٍ، فَإنَّهُ لا تأثيرَ لإيمانِهِ هذَا عَلَيْهِ فِي دُنْيَاهُ، وهو وإن تأثرَ فإنّ ذلكَ لاَ يَعْدُو أنْ يَكونَ مُجَرّدَ لَحَظَاتِ ندمٍ خاطفةً، لا تتبعُها محاسبةٌ ومراقبةٌ، ولِذا فإنّهُ سُرعانَ ما يَعودُ إلى سابقِ عهدِهِ، لِيَعْصيَ اللـه بعدَ زَوالِ أثرِ مَا ذُكّرَ بِهِ أَوْ سَمِعَهُ أَوْ شَاهَدَهُ.

قَالَ عثمانُ بنُ عفانَ رضي الله عنه فِي آخرِ خطبةٍ خطبَها فِي حياتِه: (إنَّ اللـه عزَّ وجلَّ إنمّا أعطاكُمُ الدُّنْيَا لِتطلُبوُاْ بِها الآخِرَةَ، ولم يُعْطِكُمُوهَا لِتَرْكَنُوُاْ إليْهَا، إنَّ الدُّنْيَا تَفْنَى والآخرةُ تَبقى، فَلا تبْطِرَنّكُم الفانِيةُ ولا تشْغِلَنّكم عنِ الباقِيةِ، فآثروُاْ مَا يَبقَى عَلى مَا يَفْنىَ فَإِنَّ الدُّنْيَا مُنْقَطِعَةٌ وَإنَّ المَصيرَ إِلَى اللـه).

فالْمَوْتُ يُذَكِّرُنَا بِالآخِرَةِ، أَنْعِمْ بِهِ مِن مُذَكّرٍ، قَالَ رَسولُ اللـه صلى الله عليه وسلم: «أكثروُاْ مِن ذِكْرِ هَادِمِ اللذّاتِ»(2) وقَالَ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ تَعْلَمُ الْبَهَائِمُ مِنَ الْمَوْتِ مَا يَعْلَمُ ابْنُ آدَمَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْهَا سَمِينِاً»(3) وقَالَ ابنُ عمرَ رضِيَ اللـه عنهُما: أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عاشرَ عشرةٍ فقَالَ رجلٌ مِنَ الأنصارِ: مَن أكْيَسُ النّاسِ وأَكْرَمُ النّاسِ يا رَسولَ اللـه؟ فقَالَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم: «أَكْثَرُهُمْ ذِكْراً لِلْمَوْتِ وَأَشَدُّهُمْ اسْتِعْدَاداً لَهُ، أوْلَئِكَ هُمُ الأَكْيَاسُ، ذَهَبُوُاْ بِشَرَفِ الدُّنْيَا وَكَرَامَةِ الآخِرَةِ»(4).

وقَالَ عُمَرُ بنُ عبدِ العزيزِ رضي الله عنه فِي إِحْدَى خُطَبِهِ: (إنَّ لِكُلِّ سَفَرٍ زَاداً لا مَحَالَةَ، فَتَزَوّدُواْ لِسَفَرِكُمْ مِنَ الدُّنْيَا إِلَىَ الآخِرَةِ بِالتّقْوَى، وَكُونوُاْ كمَنْ عَاين مَا أعَدَّ اللـه مِن ثوابِه وَعقابِهِ تَرْغَبواْ وَتَرْهَبواْ، وَلاَ يَطُولنَّ علَيْكُمُ الأمَدُ فتَقْسُو قُلُوبُكُمْ، وتَنْقَادوُاْ لِعَدُوِّكُمْ، فإنّه واللـه مَا بَسط أملُ مَن لا يدري لعلّه لا يصبحُ بعدَ مسائِه ولا يُمسي بعدَ صباحِه، وربما كانتْ بينَ ذَلِكَ خَطَفَاتُ المَنايا، وكمْ رأيتُ ورأيتُم مَن كانَ بالدُّنْيَا مغتراً، وإنّما تقرّ عين مَن وثِقَ بالنّجاةِ مِن عذابِ اللـه تعالى، وإنّما يفرحُ مَن أمِنَ أهوالَ القيامةِ، فأمّا مَن لا يُداوي كلْماً إلاّ أصابَه جرحٌ مِن ناحيةٍ أخْرى فكيفَ يفرحُ؟ أعوذُ باللـه مِن أن آمرُكم بما لا أنْهى عَنهُ نفْسي فتخسرُ صفقَتي وتظهرُ عَيْبَتِي وتبدو مسكَنتي فِي يومٍ يبدو فيِه الغِنى والفقْرُ، والموازينُ فيه مَنصوبةٌ، لقدْ عُنيتم بأمرٍ لَو عُنيَت بهِ النّجومُ لانكدرتْ، ولو عُنيت بهِ الجبالُ لذابتْ، ولو عُنيت بهِ الأرضُ لتشققتْ).

وكانَ عُمَرُ بنُ عبدِ العزيزِ يجمعُ كلَّ ليلةٍ الفقهاءَ، فيتذاكرونَ الْمَوْتَ والقيامةَ والآخرةَ، ثمّ يبكونَ كأنّ بيَن أيديِهم جنازةٌ، ورُوِيَ أنّه إِذَا ذُكِرَ الْمَوْتُ عندهُ انتفضَ انتفاضَ الطّيْرِ، فيبكي حَتَّى تجري دموعُه على لحيتِه، وبكىَ ليلةً فبكىَ أهلُ الدارِ جَميعُهُمْ، فلمَّا تجلّت عنهُم العَبْرةُ، قَالَتْ لَهُ زَوْجُهُ فَاطِمَةُ: بِأبي أنتَ يا أميَر الْمُؤْمِنِينَ مِمَّ بكيتَ؟ قَالَ: ذكرتُ مُنصَرَفَ القومِ مِنْ بين يديِ اللـه تعالـى، فريقٌ فِي الـجـنَّـةِ وفريقٌ فِي السّعيرِ، ثمّ صَرَخَ وغُشِيَ عَلَيْهِ.

فذِكرُ الْمَوْتِ يُذَكِّرُ بالآخرة، وفيه مِن الموعـظـةِ والتدبُّرِ الشيءُ الكثيرُ، دخلَ الحسنُ رضي الله عنه على رجلٍ يجودُ بنفسِه فقَالَ: (إنّ أمراً هذَا أولُّه لجديرٌ أن يُتقى آخِرُه، وإنّ أمراً هذَا آخرُه لجديرٌ أن يُزهدَ فِي أوّلِه).

ومَن تَصَور أن آخِرَتَه قَد تحين فِي أيةِ لحظةٍ، فإنَّه لا بدّ أن يستعدَّ لها أَيَّمَا استعدادٍ. لما حضرتْ أحمدَ بن خَضْرويّة الوفاةُ قَالَ لابنِه: (يا بُنيَّ، بابٌ كنتُ أدقُّه خمساً وتسعينَ سنةً هوَ ذا يُفتحُ الساعةَ لي، لا أدري أيُفتحُ بالسعادةِ أَوْ الشقاوةِ). ويُروى أنَّ أحدَ الصالحينَ احتُضِر، فبكت امرأته فقَالَ لها: مَا يُبكيك؟ فقَالَت: عليك أبكي، فقَالَ: إن كنت باكية فابكي على نفسِك، فلقد بكيتُ لِهَذَا اليومِ أربعينَ سنةً.

أرأيتَ يا أخي لو أنّ وراءَك سفراً بعيداً! أكنتَ تُهْمِلُ الاستعدادَ والتهيُّؤَ لهُ؟، فإنّكَ إنْ فعلتَ ذلكَ فأنتَ بين أحدِ أمرينِ: إمّا أنَّ السفرَ لا يَهُمُّكَ، ولا تَعْبَأُ بهِ، ولا تحسبُ لَهُ حساباً، وإما أنّك مهملٌ لا قيمةَ للزمنِ عِندَكَ. ومَا الْمَوْتُ إلاّ سَفرٌ كلّنا نؤمنُ بقُدومِه إيماناً لا يتطرقُ إليهِ ارتيابٌ. وكلُّ يومٍ يمضي علينا، نقتربُ فيهِ مِنَ الْمَوْتِ يوماً، فمَن بلغَ الثلاثينَ مِن عُمُرِه فقد اقتربَ مِنَ الْمَوْتِ ثلاثينَ سنةً، ومَنْ بلغَ الستينَ فقد اقتربَ مِنَ الْمَوْتِ ستين سنة، وهَكَذَا، فأيُّنا استعدَّ لِهَذَا السفرِ الَّذِي لا نعلم متى هو، وإلى أين سيكون فيه مصيرنا؟ وأيّنا تهيّأ للرحيلِ فِي أية  لحظة… الآن.. أَوْ بعد قليل.. أَوْ فِي الغد.. أَوْ بعدِه.. إن هما إلاّ نَفَسَـيْـنِ نَفَسٌ تَأخـذُه ونفسٌ تخرجُه وأنتَ لا تعلمُ مَعَ أيّ النَفَسَيْنِ ستَخْرُجُ الرّوحُ. اللهم السلامةَ السلامةَ يوم لقاكَ.

إن الموت تذكرة تتبعها محاسبة ومراقبة، كانَ الربيع بن خيثم قد حفر فِي داره قبراً، فكان إِذَا وجد فِي قلبه قساوةً دخل فيه فاضطجع ومكث مَا شاء اللـه ثمّ يقول: (ربِّ ارْجِعونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ)يرددها، ثمّ يردُّ على نفسِه قائلا: يا ربيع ها قد رجعت فاعمل.

وليست التذكرةُ هيَ البكاءُ والنَّحيبُ ولَوْمُ النَّفسِ ساعةَ رؤيةِ المُحتَضَرِ، أَوْ الوقوفُ على الميتِ أَوْ زيارةُ المقابرِ فحسب، بلِ التذكرةُ فِي الْمَوْتِ أن يتصوّرَ المؤمنُ فِي أيةِ لحظةٍ أنَّهُ سيقابلُ ربَّه، وأنّه سينقطع عمله وسيُعدمُ التوبةَ، فيكون متيقظاً لنفسه حريصاً على طاعةِ اللـه مراقباً ربَّه فِي كلِّ لحظةٍ مِن لحظاتِ حياته، قَالَ أنس رضي الله عنه: سمعتُ عمر بن الخطابِ رضي الله عنه وقد دخل حائطاً، فسمعته يقول وبيني وبينه جدار: (عُمَرَ بنَ الْخَطَّابِ أميرَ الْمُؤْمِنِينَ، بخٍ بخٍ، واللـه لتتقينَّ اللـه يا ابن الخطاب أَوْ ليعذبنَّك)، وقَالَ أبو بكر الصديق رضي الله عنه: (مَن مقت نفسه فِي ذات اللـه آمَنَهُ اللـه مِن مقته).

فمحاسبة النفسِ ومراقبتها عَن الزلل، نجاة للمؤمِن مِن عذاب اللـه، وقد شدّ العزم على أن يلقى اللـه طائعاً ملبياً، ملتزما بما أمره اللـه به، لَمْ يَمَلَّ ولم يكِلَّ ولم ييأس بل سار على صراط اللـه متحملا مفاتن الدُّنْيَا ومصائبها، زاهداً بما عند الخلق راغباً بما عند الخالق.

تلا رَسولُ اللـه صلى الله عليه وسلم قوله تعالى (فمَن يرد اللـه أن يهديه يشرح صدره للإسلام (فقَالَ صلى الله عليه وسلم: «إن النور إِذَا دخل الصدر انفسحَ» فقيل: يا رَسولَ اللـه هل لذلك مِن علامة تُعرف؟ قَالَ: «نعم، التّجافِي عَن دار الغرور والإنابة إِلَى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزوله»(5) وقَالَ السدّي رحمه اللـه: ( (الّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أيكم أحْسَنُ عَمَلاً) أي أيّكُم أكثر للموت ذِكراً وأحسنُ لَهُ استعداداً وأشدُّ مِنه خوفاً وحذَراً).

فهلاّ عرضتَ نفسَك يا أخي على مَا كلّفك اللـه به بصفتك مسلماً أولاً، وحاملَ دعوة ثانياً، هلاّ سألت نفسك إن كنت قد أدّيت الحقّ أَوْ قصّرتَ فِي أدائِه؟ وهل أدركت أنّك أكثرُ النّاس هماً وأكثرهم تبعة، وانك أحوج النّاس فِي هذَا الزمن إِلَى محاسبة النفس وقهرها للقيام بما كلفك اللـه به مِن أعمال، وما أُلقي على كاهلك مِن مسئوليات؟

وهل أدركت يا أخي وأنت تحسب للموت حسابه، وتتذكر الآخِرَةَ، فتبكي خوفاً مِن عذاب النَّار، وتعمل رغبة فِي نعيم الجنَّة، هل أدركت يا أخي بأن مَا لديك مِن الفكر المستنير، والفهم الدقيق، والإخلاص الواعي لن يجعل مِنك صوفياً غافلا، أَوْ درويشا أحمقَ، أَوْ مُنزويا فِي الأركان والزوايا يبكي ويولول؟ ولا ينبغي لك ذَلِكَ، ولكن كُنْ حامل الدعوة الَّذِي باع نفسه للـه، القائد السياسي الَّذِي تُبكيه آيةٌ، ويهُزُّ مشاعرَه موقف.

أمَا علمت أن رَسولَ اللـه صلى الله عليه وسلم كان أشد النّاس خوفا وأكثرهم بكاء، قال له أبو بكر الصديق رضي الله عنه يوما: يا رسول اللـه شِبْتَ، فقال صلى الله عليه وسلم: «شيبتني هود وأخواتها: الواقعة وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت» وروى ابن النجار عن ابن عمر أن رسول اللـه صلى الله عليه وسلم سمع قارئا يقرأ (إنّ لدينا أنكالا وجحيما) فصعق صلى الله عليه وسلم أي أغمي عليه. وروي عنه أنه عندما كان صلى الله عليه وسلم يسير إِلَى مكة لفتحها وقد تدجج المسلمون بالسلاح، رأى قُبّرةً تطير فوق رأسِهِ وتصيح فبكى صلى الله عليه وسلم وقَالَ: «مَن فجع هذِهِ بولدها، ردوُاْ عليها وليدها».

ولما نزل قوله تعالى: (أفمن هذا الحديث تعجبون* وتضحكون ولا تبكون) بكى أهل الصُّفَّةِ حتى جرت دموعهم على خدودهم، فلما سمع رسول اللـه صلى الله عليه وسلم حسهم بكى معهم فبكى الصحابة كلهم ببكائه، فقال صلى الله عليه وسلم: «لا يلجُ النَّار من بكى من خشية اللـه، ولا يدخل الجنَّة مُصِرٌّ على معصية، ولو لم تذنبوا لجاء اللـه بقوم يذنبون فيغفر لهم»(6).

أمَا علمت أن عُمَرَ بنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه مَعَ شدته فِي الحق وصلابته، وقوة بأسه، كانَ يخرُّ لسماع آية ويذرف الدموع عندما يُذَكَّرُ بالآخرة، وكان خاتمه قد كتب عليه (كفى بالْمَوْتِ واعظا يا عمر).

أمَا علمت أن أحد الصحابة قَالَ فِي أبي بكر الصديق: كنت إِذَا رأيته وهُوَ يعد الجيوش تظن أنّه لَمْ يتكل على اللـه أبداً، وكنت إِذَا رأيته وهُوَ يكثر مِن دعاء اللـه بالنصر وهُوَ يبتهل ويبكي، تقول: مَا أعدّ هذَا مِن عدة قط.

ألم تسمع قوله تعالى واصفا خير خلقه: (محمد رَسولُ اللـه والذين مَعَهُ أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم رُكَّعا سُجَّدا يبتغون فضلا مِنَ اللـه ورضوانا سِيمَاهُمْ فِي وجوههم مِن أثر السجود ذَلِكَ مثلهم فِي التوراة ومثلهم فِي الإنجيل كزرع أخرج شَطْأَهُ فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزُرَّاعَ ليغيظ بهم الكفار وعد اللـه الذين آمنوُاْ وعملوُاْ الصالحات مِنهم مغفرة وأجرا عظيما).

أولئك هم القادة الذين أقاموُاْ الإسلام وجاهدوُاْ فِي سبيل اللـه حَتَّى لَقُوا ربهم، رهبان الليل فرسان النهار، قَالَ فيهم عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه واصفا: (واللـه لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، فما أرى اليوم شيئاً يشبههم، لقد كانُوا يصبحون شُعْثاً غُبْراً، بينَ أعينهِم أمثالُ رُكَبِ المِعْزَى، قدْ باتوُاْ للـه سُجَّداً وقِياماً، يَتلونَ كِتابَ اللـه تعالى، يراوحون بين جباههم وأقدامهم، فإِذَا أصبحوُا فذكروُا اللـه عز وجل، مادوُا كما يميد الشجر فِي يوم الريح، وهَمَلَتْ أعينهم حَتَّى تبل ثيابهم، واللـه لكأنّ القوم باتُوا غافلين).

قَالَ أبو عُبيدةَ الباجيّ: (دخلنا على الحسن فِي مرضه الَّذِي مات فيه فقَالَ: مرحباً بكم وأهلا، حياكم اللـه بالسلام وأحلّنا وإياكم دار المقام، إن صبرتم وصدقتم واتقيتم فلا يكن حظكم مِن هذَا الخبر رحمكم اللـه أن تسمعوه بهذِهِ الأذن وتخرجوه مِن هذِهِ الأذن، فإنّ مَن رأى محمداً صلى الله عليه وسلم فقد رآه غادياً ورائحاً لَمْ يضع لَبِنَةً على لَبِنَةٍ ولا قصبة على قصبة ولكن رفع لَهُ علم فشمر إليه، الوَحى الوَحى، النَّجَا النَّجَا، رحم اللـه عبداً جعل العيش عيشاً واحداً فأكل كِسرةً ولبس خِلقةً ولزِق بالأرضِ واجتهدَ فِي العبادة وبكى على الخطيئة وهربَ مِن العقوبة وابتغـى الرحـمـةَ حَتَّى يأتيهِ أجلُهُ وهُوَ على ذلكَ)(7).

إن الدُّنْيَا أيها الاخوة بمتاعها وفتنها تلهي المؤمِن مهما كانَ متاعها قليلا وفتنتها تافهة، وتشغله عَن آخِرتِه إن قبل هُوَ أن يلهى بها وينشغل بها عَن آخِرَتِه، قَالَ تعالى: (اعلموُاْ أنّما الحياة الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر فِي الأموال والأولاد كمَثَلِ غيثٍ أعجب الكفارَ نباته ثم يهيج فتراه مصفرّاً ثم يكون حُطاما وفي الآخِرَةِ عذاب شديد ومغفرة مِن اللـه ورضوان وما الحياة الدُّنْيَا إلا متاع الغرور* سابقوُاْ إِلَى مغفرة مِن ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمَنوُاْ باللـه ورسله ذَلِكَ فضل اللـه يؤتيه مَن يشاء واللـه ذو الفضل العظيم).

وما الْمَوْتُ إلاّ الصاحب الصدوق الَّذِي يظل يذكّر المؤمِن بآخرتِهِ، وما دام المؤمِن يتذكر آخرتَهُ ويحسب حسابها فإنه إِلَى خير، وسيعيش حياته فِي رحاب تذكّر الآخِرَةِ والاستعداد لها، لذلك حثنا الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم على تذكر الْمَوْتِ، والاستعداد لَهُ كما حثنا على زيارة القبور والسلام على أهلها فهي خير واعظ وخير مذكِّر.

عن أبي ذر رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسولُ اللـه صلى الله عليه وسلم: «زر القبور تذكر بها الآخِرَةَ، واغسل الْمَوْتَى فإنّ معالجة جسد خاو موعظة بليغة، وصلِّ على الجنائز لعل ذَلِكَ أن يحزنك فإنّ الحزين فِي ظل اللـه»(8).

وقَالَ ابن أبي مُلَيْكَةَ: قَالَ رَسولُ اللـه صلى الله عليه وسلم: «زوروُاْ موتاكم وسلموُاْ عليهم فإنّ لكم فيهم عبرة»(9).

ويروى عَن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كانَ إِذَا رأى جنازة قَالَ: امضوُاْ فإنّا على الأثر. وعن الضحاك قَالَ: قَالَ رجل: يا رَسولَ اللـه مَن أزهدُ النّاس؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَن لَمْ ينسَ القبرَ، وترك فضل زينة الدُّنْيَا، وآثر مَا يبقى على مَا يفنى، ولم يعدّ غداً مِن أيامه، وعدّ نفسه مِن أهل القبور».

ولنا فِي رَسولِ اللـه صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، ولنا فِي صحبه الكرام صلى الله عليه وسلم اهتداء ورشد، ولنا فيمَن سبقنا مِن الأخيار عبرة وعظة، فقد كانُوا يحرصون على تذكر الْمَوْتِ ليعينهم تذكره على الاستعداد للآخرة، وإِذَا جاءهم الْمَوْتُ وجدتهم بين باك على نفسه خوفاً ورهبة مِن عذاب اللـه، وبين محسن فِي اللـه أحسن الظن وراج مغفرته، وبين متهيئ كل التهيؤ ومستعد كل الاستعداد.

أما الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم فقد ابتدأ استقباله للموت بالاستغفار لأهل القبور، وذلك فِي مرضه الَّذِي مات فيه، فعن أبي مُوَيْهِبَةَ مولى رَسولِ اللـه صلى الله عليه وسلم قَالَ: (بعثنِي رَسولُ اللـه صلى الله عليه وسلم مِن جوف الليل، فقَالَ لي: «يا أبا مُوَيْهِبَةَ إني قد أُمِرتُ أن استغفر لأهل البقيع، فانطلقْ معي» فانطلقتُ مَعَهُ، فلما وقف بين أظهرهم، قَالَ: «السلام عليكم أهل المقابر، لِيَهُنْ لكم مَا أصبحتم فيه مما أصبح النّاس فيه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، يتبع آخرُها أولَها والآخرة شر مِن الأولى» ثمّ أقبل عليّ فقَالَ: «يا أبا مُوَيْهِبَةَ، إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدُّنْيَا والخلد فيها، ثمّ الْجَنَّةَ، خيرت بين ذَلِكَ وبين لقاء ربي والْجَنَّةِ، فاخترت لقاء ربي والْجَنَّةَ» فقلت: بابي أنت وأمي، فخذ مفاتيح خزائن الدُّنْيَا والخلد فيها ثمّ الْجَنَّةَ، فقَالَ صلى الله عليه وسلم: «لا واللـه يا أبا مُوَيْهِبَةَ، لقد اخترت لقاء اللـه والْجَنَّةَ» ثمّ استغفر لأهل البقيع ثمّ انصرف فبُدِئَ رَسولُ اللـه صلى الله عليه وسلم بوجعه الَّذِي قُبِضَ فيه).

ولما اشتد به الوجع صلى الله عليه وسلم قَالَ للفضل وهُوَ معصوب الرأس مِن شدة الألم: «خذ بيدي يا فضل» فاخذ الفضل بيده حَتَّى جلس على المِنبر ثمّ قَالَ للفضل: «ناد فِي النّاس» فاجتمعوُاْ إليه، فحمد اللـه وصلى على أصحاب أحد، واستغفر لَهُم، واكثر الصلاة عليهم، ثمّ قَالَ: «أما بعد أيها النّاس، فإني احمد إليكم اللـه الَّذِي لا إله إلاّ هُوَ، وإنه قد دنا مِني حقوق بين أظهركم، فمَن كنتُ جلدت لَهُ ظهرا فهذا ظهري فَلْيَسْتَقِدْ مِنه، ومَن كنت شتمتُ لَهُ عرضا فهذا عرضي فَلْيَسْتَقِدْ مِنه، ألا وإنّ الشَّحْنَاءَ ليست مِن طبعي ولا مِن شأني، ألا وإنّ احبكم إليّ مَن اخذ مِني حقا إن كانَ لَهُ، أَوْ حَلَّلَنِي فلقيت اللـه وأنا أطيب النفس، وقد أرى أن هذَا غير مغن عني حَتَّى أقوم مرارا» ثمّ نزل صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر، ثمّ رجع فجلس على المِنبر، فعاد لمقَالَته الأولى فِي الشَّحْنَاءِ وغيرها، فقام رجل فقَالَ: يا رَسولَ اللـه، إنّ لي عندك ثلاثة دراهم، فقَالَ صلى الله عليه وسلم: «أعطه يا فضل»، ثمّ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «أيها النّاس، مَن كانَ عنده شيء فليؤده، ولا يقل فَضُوحُ الدُّنْيَا، ألا وإنّ فَضُوحَ الدُّنْيَا ايسر مِن فَضُوحِ الآخِرَةِ»، فقام رجل فقَالَ: يا رَسولَ اللـه عندي ثلاثة دراهم غللتها فِي سبيل اللـه، فقَالَ صلى الله عليه وسلم: «ولِمَ غللتَها»، قَالَ الرجل: كنت إليها محتاجا، فقَالَ صلى الله عليه وسلم: «خذها مِنه يا فضل»، ثمّ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «يا أيها النّاس، مَن خشي مِن نفسه شيئاً فليقم أَدْعُ لَهُ»، فقام رجل فقَالَ: يا رَسولَ اللـه، إني لكذاب، إني لفاحش، وإني لنؤوم، فقَالَ صلى الله عليه وسلم: «اللهم ارزقه صدقا وايمانا، وأذْهِبَ عنه النوم إِذَا اراد»، ثمّ قام رجل فقَالَ: واللـه يا رَسولَ اللـه إني لكذاب وإني لمنافق وما مِن شيء إلا جنيته، فقام عُمَرُ بنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فقَالَ: فضحت نفسك أيها الرجل، فقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: «يا بن الخطاب فضوح الدُّنْيَا اهون مِن فضوح الآخِرَةِ، اللهم ارزقه صدقا وإيمانا وصير امره إِلَى خير» .

(يتبع)

الهـوامـش:

(1) رواه البخاري.

(2) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن.

(3) أخرجه البيهقي في الشعب.

(4) أخرجه ابن ماجه مـخـتصـراً وابن أبي الدنيا بكماله بإسناد جيد.

(5) أخرجه الحاكم في المستدرك.

(6) أخرجه البيهقي.

(7) أخرجه ابن حبان في الثقات وأبو نعيم في الحلية.

(8) أخرجه ابن أبي الدنيا والحاكم بإسناد جيد.

(9) أخرجه ابن أبي الدنيا مرسلاً وإسناده جيد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *