العدد 128 -

السنة الحادية عشرة – رمضان 1418 – كانون الثاني 1998م

صفة الإمام العادل

صفة الإمام العادل

كتـب عمر بن عبد العـزيز رضي الله عنه لما وليَ الخلافة إلى الحسن بن أبي الحسن البصري أن يكتب إليه بصفة الإمام العادل فكتب إليه الحسن رحمه الله:

أعلم يا أمير المؤمنين أن الله جعل الإمام العادل قَوامَ كل مائل وقصد كل جائر، وصلاح كل فاسد، وقوة كل ضعيف، ونَصَفَةَ كل مظلوم، ومَفْزَعَ كل ملهوف. والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالراعي الشفيق على إبله الرفيق بها، الذي يرتاد لها أطيب المرعى، ويذودها عن مراتع الهَلَكة، ويحميها من السباع، ويكنُّها من أذى الحَرّ والقُرَ. والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالأب الحاني على ولده، يسعى لهم صغاراً ويعلمهم كباراً، يكتسب لهم في حياته ويدّخر لهم بعد مماته. والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالأم الشفيقة البَرّة الرفيقة بولدها، حملته كُرْهاً ووضعته كرهاً، وربّته طفلاً، تسهر بسهره، وتسكن بسكونه، ترضعه تارة وتفطمه أخرى، وتفرح بعافيته وتغتمّ بشكايته. والإمام العادل يا أمير المؤمنين، وصيّ اليتامى، وخازن المساكين، يربّي صغيرهم، ويُمَوِّنُ كبيرَهم. والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالقلب بين الجوارح: تصلح الجوارح بصلاحه وتفسد بفساده. والإمام العادل يا أمير المؤمنين، هو القائم بين الله وبين عباده، يسمع كلام الله ويسمعهم، وينظر إلى الله ويريهم، وينقاد إلى الله ويقودهم. فلا تكنْ يا أمير المؤمنين فيما ملكك الله عز وجل كعبد ائتمنه سيده واستحفظه ماله وعياله، فبدد المال وشرد العيال، فأفقر أهله وفرق ماله.

واعلم يا أمير المؤمنين أن الله أنزل الحدود ليزجُر بها عن الخبائث والفواحش، فكيف إذا أتاها من يليها؟ وأن الله أنزل القصاص حياة لعباده، فكيف إذا قتلهم من يقتص لهم؟ واذكر يا أمير المؤمنين الموت وما بعده، وقلة أشياعِك عنده وأنصارك عليه، فتزوّدْ له ولما بعده من الفزع الأكبر.

واعلم يا أمير المؤمنين أن لك منـزلاً غير منـزلك الذي أنت فيه، يطول فيه ثَواؤك، ويفارقك أحباؤك، يسلمونك في قعره فريداً وحيداً. فتَزَوَّدْ له ما يَصحبك: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ*  وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ).

واذكر يا أمير المؤمنين: (إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ*  وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ) فالأسـرار ظاهرة، والكتاب: (لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا).

فالآن يا أمير المؤمنين، وأنت في مَهَل قبل حلول الأجل، وانقطاع الأمل، لا تحكم يا أمير المؤمنين في عباد الله بحكم الجاهلين، ولا تسلك بهم سبيل الظالمين ولا تسلط المستكبِرين على المستضعَفين، فإنهم لا يرقبون في مؤمن إِلاًّ ولا ذِمّة، فتبوء بأوزارك وأوزارٍ مع أوزارك، وتحمل أثقالك وأثقالاً مع أثقالك. ولا يغرنك الذين يتنعمون بما فيه بؤسك، ويأكلون الطيبات في دنياهم بإذهاب طيباتك في آخرتك. ولا تنظرن إلى قدرتك اليوم، ولكن انظر إلى قدرتك غداً وأنت مأسور في حبائل الموت، وموقوف بين يدي الله تعالى في مجمع من الملائكة والنبيين والمرسلين، وقد: (وَعَنَتْ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ).

إني يا أمير المؤمنين، وإن لم أبلغ بعِظتي ما بلغه أولُو النُّهي من قبلي، فلم آلُكَ شفقةً ونصحاً، فأنزل كتابي إليك كمداوي حبيبه يسقيه الأدوية الكريهة لما يرجو له في ذلك من العافية والصحة. والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *