العدد 129 -

السنة الحادية عشرة – شوال 1418 – شباط 1998م

التأدب في المحاسبة

التأدب في المحاسبة

 تحدث عبدالرحمن الشيزري في كتابه «نهاية الرتبة في طلب الحسبة» عن صفات المحتسب، وتطرق إلى حادثة حصلت في زمن الخليفة المأمون تتعلق بأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، ومما كتب في ذلك ما يلي:

  «وليكن من شيمته [المحتسب] الرفق، ولين القول، وطلاقة الوجه، وسهولة الأخلاق، عند أمره للناس ونهيه، فإن ذلك أبلغ في استمالة القلوب، وحصول المقصود. قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ). ولأن الإفراط في الزجر ربما أغرى بالمعصية، والتعنيف بالموعظة تمجَّه الأسماع؛ وقد حكي أن رجلاً دخل على المأمون، فأمره بمعروف ونهاه عن منكر، وأغلظ له في القول، فقال له المأمون: يا هذا، إن الله أمر من هو خير منك أن يلين القول لمن هو شر مني، فقال لموسى وهارون: (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)؛ ثم أعرض عنه ولم يلتفت إليه. ولأن الرجل قد ينال بالرفق ما لا ينال بالتعنيف، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله رفيق يحب كل رفيق، يعطي على الرفق ما لا يعطي على التعنيف». وليكن متأنياً، غير مبادر إلى العقوبة، ولا يؤاخذ أحداً بأول ذنب يصدر منه ولا يعاتب بأول زلة تبدو، لأن العصمة في الخلق مفقودة فيما سوى الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

وبقصد المحتسب مجالس الولاة والأمراء، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويعظهم ويذكّرهم، ويأمرهم بالشفقة على الرعية والإحسان إليهم، ويذكر لهم ما ورد لهم في ذلك من الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليكن في وعظه وقوله في ردعهم عن الظلم لطيفاً ظريفاً، أين القول بشوشاً، غير جبار ولا عبوس. قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: )وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ( وقد تقدمت الحكاية عن المأمون في أول الكتاب». [توفي المؤلف عام 589هـ /1193م].□

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *