حزب التحرير نواة الدعوة إلى إحيائها: شبح الخلافة يؤرق واشنطن
2008/08/27م
المقالات
1,636 زيارة
حزب التحرير نواة الدعوة إلى إحيائها:
شبح الخلافة يؤرق واشنطن
نشرت مجلة (Le Monde) التي تصدر شهرياً عن جريدة القبس النسخة العربية العدد (5) لشهر أيار 2008م مقالاً تحت عنوان: «شبح الخلافة يؤرق واشنطن» للأستاذ المشارك في معهد الدراسات السياسية في باريس جان بيير فيليو. وقد ذكر كمقدمة لهذا المقال ما يلي:
لعدة مرات، خلال خطاباته عن «الحرب العالمية ضد الإرهاب» لوح الرئيس الأميركي جورج بوش بخطر عودة «خلافة» إسلامية كبرى تسيطر من أوروبا إلى آسيا، هذه الفكرة كانت أيضاً حاضرة في ذهن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. وبالمقابل، وحدها فرق صغيرة جداً بين المسلمين، كما حزب التحرير الذي أسسه عام 1952م شيخ فلسطيني، تأخذ على عاتقها هدف الخلافة هذا، بالاستناد إلى الحنين لماضٍ مزدهر. ومما جاء في هذا المقال:
تظاهر حوالى عشرة آلاف فلسطيني في شوارع رام الله، يوم 11 أغسطس 2007م، مطالبين بعودة الخلافة. وكان وراء هذه التظاهرة حزب التحرير الإسلامي -يعرف اختصاراً بـ«حزب التحرير»- الذي استفاد من انكفاء التأييد عن الإخوة الأعداء في حركتي فتح وحماس، معوضاً بقوة في الشارع عن رفضه خوض الانتخابات. وفي 27 نوفمبر 2007م، بادر حزب التحرير في الخليل، هذه المرة، إلى تنظيم أول تظاهرة اعتراض على مؤتمر أنابوليس، الذي كان مفترضاً فيه إطلاق مفاوضات سلام بين (إسرائيل) والفلسطينيين برعاية الولايات المتحدة، التي انتهت بتصدي فتح لها، ما أدى إلى مقتل أحد المتظاهرين.
لم ينفك حزب التحرير الإسلامي عن مد شبكاته في الضفة الغربية وصولاً إلى الجامعة، حيث تحث مجموعته «الوعي الإسلامي» الطلبة على التخلي عن أي استلهام قومي من أجل التركيز فقط على إعادة الخلافة. ويؤكد الحزب أن الطرح القومي هو أكبر عائق في طريق استعادة فلسطين.
برأيه، إن الدول الاستعمارية قد استغلت المعارضة العربية في مواجهة الخلافة العثمانية التي ألغاها مصطفى كمال عام 1924م. ويدعو النبهاني، على العكس من ذلك، إلى قيام دولة إسلامية بقيادة خليفة عربي، كما حصل منذ وفاة النبي محمد ((صلى الله عليه وآله وسلم)) عام 632م حتى سقوط بغداد عاصمة الخلافة العباسية في يد المغول. أما أداة هذا الانبعاث الشامل، فستكون طليعة نخبوية وعابرة للأوطان متمثلة في حزب التحرير الإسلامي.
بالنسبة للحزب، الذي أسسه عام 1953م الشيخ الفلسطيني تقي الدين النبهاني. إنها عودة قوية إلى الينابيع. فالنبهاني كان قاضياً شرعياً في حيفا خلال حقبة الانتداب البريطاني (1922 – 1948م)، درس في جامعة الأزهر المصرية.
فشل النبهاني عام 1953م في الحصول على ترخيص لحزبه في الأردن حيث يتمتع الإخوان المسلمون بحرية الحركة، ثم تم نفي النبهاني إلى سوريا بين 1953م و1959م، في حين ترك أعضاء حزبه يشاركون في الانتخابات التشريعية الأردنية. لكن عملية طرد جديدة، هذه المرة من دمشق إلى بيروت. ستدفعه إلى التنديد بمبدأ الانتخابات بحد ذاته من أجل التركيز على البناء السري لتنظيم حزبه، فأعضاء «الحلقة»، وهي النواة القاعدية للتنظيم، لا يعرفون شيئاً عن مراتب التنظيم الأعلى. وبفعل هذا البعد غير القانوني والدعوات المتكررة لإقامة الخلافة، يحقق حزب التحرير إجماع أجهزة المخابرات في الشرق الأوسط ضده. وبعد عقدين من الركود السياسي، عاد حزب التحرير للظهور مع دينامكية مفاجئة على أطراف العالم الإسلامي، في آسيا الوسطى من جهة، وداخل الجماعات الإسلامية المهاجرة في أوروبا، من جهة أخرى.
وهكذا، فقد شهد تفكك الاتحاد السوفياتي تمركزاً نشطاً لحزب التحرير الإسلامي في طاجيكستان.
وفي أوزبكستان تحول حزب التحرير إلى “العدو الأول” للشرطة السياسية التي تلوح بأشباح الفوضى الإقليمية من أجل الحصول على تفهم القوى الغربية. وعلى كل حال، ما من شك في أن هناك شبكة قوية في آسيا الوسطى لحزب التحرير.
وفي الشرق، يتمتع حزب التحرير بأكبر تجذر في إندونيسيا، ويدل على ذلك التجمع الذي أقامه لعشرات الآلاف من المتظاهرين باسم الخلافة في ملعب في جاكرتا في شهر أغسطس 2007م.
وفي أوروبا، تبقى بريطانيا، بالطبع، نقطة الارتكاز الرئيسية لحزب التحرير الإسلامي، الذي يقوم فيها بنشاطات دعائية مكثفة، فقد أصدر هناك مجلتين فصليتين: واحدة ذات طابع ثقافي: «الحضارة الجديدة» (New Civilisation)، والأخرى مخصصة للتوجيه العائلي: «سلام» (Salam). ويستفيد الحزب من تيار هندي – باكستاني ضمن المهاجرين يدعم تاريخياً الخلافة الإسلامية.
وقد نجح حزب التحرير الإسلامي في تجميع عضوات تنظيمه المنقبات أمام سفارة فرنسا في لندن، احتجاجاً على قانون مارس 2004م حول العلامات الدينية الفارقة في المدارس الرسمية. وهو يناضل بشراسة ضد «تذويب الإسلام» في القيم الغربية، قائلاً: «في فرنسا يريدون تغيير ما يضعه المسلمون فوق رؤوسهم. أما هنا فإنهم يريدون تغيير ما في داخل رؤوس المسلمين».
هذا الموقف الصارم يؤدي، ضمن التعددية الثقافية الإنكلوساكسونية، إلى التشدد في النظرة الدينية الذي يعبر عن نفسه بالقول: «إن أخوتنا حقيقية، أما مواطنيتهم فمغلوطة».
وعلى الرغم من إدانة حزب التحرير العلنية للإرهاب، استمر يتعرض لاتهامات بعض وسائل الإعلام اللندنية بعد اعتداءات يوليو/ أغسطس 2005م. لكن أجهزة الأمن البريطانية لم تجمع أدلة يمكن أن تؤدي لحظر الحزب. ومع ذلك فإن عداء حزب التحرير المبدئي للمؤسسات الديمقراطية وإنكاره على (إسرائيل) أي حق في الوجود قد تتسبب له في مشاكل قضائية في كل من ألمانيا والدانمرك. أما في فرنسا وإسبانيا، فتخضع خلاياه غير القانونية إلى مراقبة مشددة من قبل أجهزة الأمن.
تبرهن شعبية حزب التحرير المتجددة على قدرة هذا التنظيم العابر للأوطان أساساً على التأقلم بنجاح ضمن منطق العولمة. بيد أن موضوع الخلافة يخدم بصورة لافتة ومقلقة مطلقي «الحرب على الإرهاب» في إراداتهم توجيه الأنظار إلى خطر شامل وحيد. فالرئيس بوش يجيّش رأيه العام ضد «هذه الخلافة التي تشكل إمبراطورية إسلامية شمولية تغطي أراضي الإسلام الراهنة والماضية، لتمتد من أوروبا إلى شمال أفريقيا إلى الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا».
تصف مؤسسة “هاريتاج” منذ عام 2003م حزب التحرير بأنه «خطر ناشئ ضد المصالح الأميركية في آسيا الوسطى». ويكمل مركز نيكسون التوجه نفسه في العام التالي، عبر تخصيصه ندوة في أنقرة، وتقرير له لدراسة هذا «التمرد السياسي». على الأرجح، أن حزب التحرير الإسلامي يضم بضع عشرات الآلاف من الأعضاء في العالم أجمع. لكن رقم المليون عضو في أربعين بلداً، الذي تقدمه المراجع الأميركية نفسها، يذكي شبح أممية (الكومنترن) إسلامية حديثة.
2008-08-27