العدد 258-259 -

العددان 258-259، السنة الثانية والعشرون، رجب وشعبان 1429هـ، الموافق تموز وآب 2008م

علي دينار سلطان دارفور قبيل الحرب العالمية الأولى

علي دينار

سلطان دارفور قبيل الحرب العالمية الأولى


من هو علي دينار هذا؟

إنه سلطان دارفور. تلك المنطقة التي لم نسمع بها إلا في السنوات الأخيرة عندما تحدث العالم عنها، ويظنها البعض أرضاً جرداء قاحلة في غرب السودان، ولكنها أرض غنية بثرواتها، كانت سلطنة إسلامية منذ  منتصف القرن السابع عشر الميلادي وحتى عام 1916م، وآخر سلاطينها السلطان علي دينار الذي دان لدولة الخلافة العثمانية وحارب الإنجليز ووقف سداً منيعاً أمامهم طوال فترة حكمه التي امتدت لأكثر من سبعة عشر عاماً، وهو من قبيلة الفور المسلمة. وهذا السلطان لما تأخرت مصر عن إرسال كسوة الكعبة لظروف الاستعمار، أقام في مدينة الفاشر (عاصمة دارفور) مصنعاً لصناعة كسوة الكعبة، وظل طوال فترة حكمه تقريباً يرسل كسوة الكعبة ومحملاً سنوياً، كما يفعل الملوك، إلى مكة المكرمة من الفاشر عاصمة دارفور. هذه الأرض الإسلامية تبلغ مساحتها ما يساوي مساحة جمهورية فرنسا، ويبلغ تعداد سكانها حوالى 6 ملايين نسمة، ونسبة المسلمين تبلغ 100% (والذي لا يعرفه البعض عنها أن فيها نسبة عالية من حفظة كتاب الله عز وجل سيما في قبيلة الفور، إذ تبلغ هذه النسبة ما يزيد عن 50% من أفراد القبيلة، وكان الطفل لا يختن إلا إذا حفظ القرآن، والبعض لا يزوج ابنته إلا لحامل القرآن، حتى إن مسلمي أفريقيا يسمون هذه الأرض “دفتي المصحف”، وقد كان السلطان علي دينار يؤمِّن طريق الحج لحجاج غرب أفريقيا مجتمعين. وكان في الأزهر الشريف حتى عهد قريب رواق اسمه “رواق دارفور”، كان أهل دارفور لا ينقطعون عن طلب العلم فيه).

آبار علي:

المدينة المنورة ميقاتها المكاني للحج والعمرة يسمى بذي الحُليفة، سماها البعض حديثاً (بآبار علي)، سميت بذلك نسبة للسلطان علي دينار بن زكريا بن السلطان محمد الفضل.

علي  دينار هذا جاء إلى الميقات أواخر القرن التاسع عشر حاجاً (منذ حوالى أكثر من مائة عام)، فوجد حالة الميقات سيئة، فحفر آباراً إضافية للحجاج ليشربوا منها ويُطعمهم عندها، وجدّد مسجد ذي الحُليفة، الذي صلى فيه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو خارج للحج من المدينة المنورة، وأقام السلطان بالميقات وعمّره، ولذلك سمي المكان بآبار علي نسبة إلى علي  دينار بن زكريا رحمه الله، وكثير من الناس يظنون أن التسمية نسبة إلى علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه).

الاستعمار الإنجليزي

ضيَّق الاستعمار الإنجليزي على السلطان علي دينار كثيراً حتى يُتْبِعوه لهم تماماً، فشكا لخليفة المسلمين وبعث له بهذه الرسالة:

«وقد أحاطت أيدي النصارى الكلاب الكفار بالمسلمين من يميننا وشمالنا وورائنا وأمامنا، وحازوا ديار المسلمين كلها، ممالك البعض سلطانها مقتول، والبعض سلطانها مأسور، والبعض سلطانها مقهور، يلعبون بأيديهم كالعصفور، ما عدا بلادنا دارفور قد حفظها الله من ظلمات الكفار. والداعي أنهم حالوا بيننا وبين الحرمين الشريفين اللذين حرسهما الله ومنحكم بخدمتهما. ولم نر حيلة نتوسل بها لأداء الفرض الذي فرضه الله علينا من حج بيته الحرام، وزيارة نبيه عليه الصلاة والسلام,…».

استشهد السلطان علي دينار رحمه الله في 6 نوفمبر 1916م بعد معارك خاضها مع الكفار الإنجليز، استخدم فيها الإنجليز لأول مرة سلاح الطيران.

مشكلة دارفور:

أصل مشكلة دارفور أنها أرض يسكنها قبائل من أصول عربية تعمل بالرعي، وقبائل من أصول أفريقية تعمل بالزراعة. وكما هي الحال في العالم أجمع، قد يحدث النزاع بين الزراع والرعاة على المرعى والكلأ، وتتناوش القبائل بعضها مع بعض في نزاع قبلي بسيط، تستطيع أي حكومة أن تنهيه بسرعة، غير أن هذا لم يحدث في دارفور، بل تطور الأمر بتدخل الدول الاستعمارية, وبخاصة أميركا وأوروبا (بريطانيا وفرنسا) في الموضوع, وصراعهما من أجل مصالحهما, وأثر هذا في موقف الدولة وفق موقعها من هذا الصراع, وهكذا تركت الدولة (عبر الأنظمة المتعاقبة على حكم السودان منذ انفصاله عن مصر) الأمر يستعر بين القبائل، بل دعمت بعضها، بالأسلحة حتى تحول الوضع فيها إلى مجازر، قُتل فيها من قتل وتشرد الآلاف.

إن السودان يُعد سلة غذاء للعالم، إذ فيه أراضٍ غنية وخصبة للزراعة، وأراضيه الصالحة للزراعة تفوق المائتي مليون فدان، وهي أرض بكر لم يزرع منها إلا خمسها، وفي السودان ثروة مائية هائلة، أنهار وأمطار ومياه جوفية، وفي دارفور وحدها بحيرة مائية جوفية تكفي لسقيها وسقي جيرانها، والسودان اكتشف فيه مؤخراً كميات هائلة من البترول، ومثلها من المعادن الثمينة في دارفور وغيرها، ولهذا لم يرد أعداء الإسلام لهذه المنطقة أن تنعم بالاستقرار، فأهل دارفور المؤمنون صمدوا أمام الاستعمار حتى سنة 1916م، في حين أن بقية السودان كان تحت الاستعمار الفعلي منذ سنة 1898م.

فكر الاستعمار الغربي في الهيمنة عليها ونهب ثرواتها، فانجلت حقيقة الصراع بين أميركا من جهة وأوروبا من جهة أخرى، ومن أجل الاستئثار بالمنطقة قُتل الآلاف وشُرِّد عشرات الآلاف.

الاستعمار أشعل النزاعات في أنحاء البلاد ليصل بذلك  إلي تقسيم السودان إلى خمس دويلات.. دولة في الغرب (تسمى دارفور) ودولة في الشرق، ودولة في الجنوب ودولة في الشمال (في جنوب مصر)، وأخرى في الوسط.

لقد نفذوا خطتهم هذه فعلاً في الجنوب، ودبّ النزاع بين الشمال والجنوب، وأقروا عبر اتفاقية نيفاشا المشؤومة (حق تقرير المصير) انفصال أهل الجنوب الذي سينفذ بعد ثلاث سنوات من الآن. وبعد أن تم لهم ما أرادوا في الجنوب، التفتوا إلى غرب السودان وأشعلوا فيه نار الفتنة والخلاف، سعياً وراء حق تقرير المصير هناك أيضاً.

هل عرفتم الآن  لماذا يذهب كارتر رئيس مجلس الكنائس العالمي إلى الجنوب دائماً؟ أتدرون أن 13 وزيراً من وزراء أوروبا وأميركا بمن فيهم وزراء خارجية، ذهبوا إلى دارفور حين اندلاع الأزمة بين القبائل وبين الحركات المتمردة والدولة السودانية.

تلكم، أيها المسلمون، هي قصة دارفور، الأرض الغالية، صاحبة النسبة العالية من حملة كتاب الله عز وجل، التي تبلغ نسبة المسلمين فيها 100%، أرض كانت في يوم من الأيام سلطنة إسلامية، لها سلطان عظيم اسمه علي دينار، يكسو الكعبة، ويحمي الحجيج…

تلكم، أيها المسلمون، دارفور، فمن لها اليوم؟ ليس لها إلا دولة الخلافة الراشدة الموعودة القادمة قريباً بإذن الله تعالى… اللهم كرمى لهذا الرجل التقي النقي، ولهذا الشعب العظيم المظلوم، هيئ لنا خليفة راشداً مهدياً، هادياً، تجمع به المسلمين على صعيد واحد، يجير أدناهم أقصاهم ويكونون يداً على من سواهم… اللهم آمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *