الفقر العالمي… جريمة رأسمالية
2008/06/27م
المقالات
1,968 زيارة
الفقر العالمي… جريمة رأسمالية
الفقر في اللغة هو الاحتياج، وافتقر ضد استغنى، وقد ورد الفقر بمعنى: الخصاص، العدم، العوز، وقيل إن الفقير هو المكسور فقار الظهر.
والفقير في الشرع هو المحتاج الضعيف الحال الذى لا يسأل الناس. اما ما هى الحاجة التى تجعل الإنسان فقيراً (إذ إن كل الناس محتاجون)؟ من استقراء النصوص الشرعية تبين أن معنى الحاجة هو عدم القدرة على الحصول على الحاجيات الأساسية والتى تتمثل في المأكل والملبس والمسكن، قال تعالى: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة 233]، وقال: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ) [الطلاق 6] وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وإطعامهن».
أما تعريف الفقر اصطلاحاً “والذى استند إلى تعريف المنظمات الدولية” (الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي) هو الحرمان الشديد من الحياة الرضية، والفقير عندهم في الدول الفقيرة ليس هو الفقير في الدول النامية؛ لأن الفقر عندهم أمر نسبي، فالفقير في الدول الغنية من كان معدل دخله السنوي أقل من نصف معدل الدخل الأهلي في بلده، أما الفقير في الدول الفقيرة، فهو ما كان دخله اليومي أقل من دولارين. والأشد فقراًً، أي الذي يعيش في فقر مدقع، ما كان دخله أقل من دولار واحد في اليوم.
قبل أن ندخل في تفاصيل موضوع الفقر، سنقف وقفة قصيرة مع التقرير الصادر عن الأمم المتحدة والذى يبين الحالة المالية في العالم. يقول التقرير «يعيش فوق كوكب الأرض 6 مليار من البشر، يبلغ عدد سكان الدول النامية 4.3 مليار، يعيش منهم ما يقارب 3 مليار تحت خط الفقر وهو دولاران أميركيان في اليوم، ومن بين هؤلاء هنالك 1.2 مليار يحصلون على أقل من دولار واحد في اليوم. وفي المقابل توضح الإحصاءات الغربية بالأرقام أن الدول الصناعية تملك 97% من الامتيازات العالمية كافة. وأن الشركات الدولية عابرة القارات تملك 90% من الامتيازات التقنية و الإنتاج والتسويق. وأن أكثر من 80% من أرباح إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في البلدان النامية يذهب إلى 20 دولة غنية. وفي البلدان النامية نجد أن نسبة 33.3% ليس لديهم مياه صالحة للشرب، و25% يفتقرون للسكن اللائق، و20% يفتقرون لأبسط الخدمات الصحية. وتبلغ النسبة 20% من الأطفال لايصلون لأكثر من الصف الخامس الابتدائي، و20% من الطلبة يعانون من سوء ونقص التغذية. وفي المقابل نجد ثروة ثلاثة من أغنى أغنياء العالم يعادل الناتج المحلي لأفقر 48 دولة. كما أن ثروة 200 من أغنى أغنياء العالم تتجاوز نسبتها دخل 41% من سكان العالم مجتمعين (2.4 مليار نسمة) وتوضح الدراسة أنهم لو ساهموا بـ1% من هذه الثروة لغطت تكلفة الدراسة الابتدائية لكل الأطفال في العالم النامي. وبينما يموت 35 ألف طفل يومياً بسبب الجوع و المرض، ويقضي خُمس سكان البلدان النامية بقية اليوم يتضورون جوعاً، تقل المساعدات للدول الفقيرة عن طريق منظمة الأمم المتحدة عما تنفقه تسع دول من البلدان المتقدمة على غذاء القطط والكلاب في ستة أيام فقط» انتهى التقرير. إن الكثير من الاقتصاديين يرون أن مشكلة الفقر الآخذة في التفاقم تعزى إلى ضعف الدخل الأهلي لمعظم دول العالم النامي، وهذا الضعف يرجع بالأساس إلى عدة أسباب من أهمها:
1- عدم وجود التخطيط السليم.
2- عجز هذه الدول عن الاستفادة من الحزم التقنية المقدمة من المؤسسات الدولية .
3- الفساد المالي والإداري.
4- انعدام الاستقرار السياسي.
كل هذه الأسباب وغيرها تؤدي إلى إضعاف النمو الاقتصادي وزيادة التضخم ما يضعف الدخل الأهلي، والذى هو المؤشر للضعف الاقتصادي لأي بلد؛ لذلك يرى هؤلاء أن المعالجة للمشكلة الاقتصادية المتمثلة في الفقر تكمن في النمو الاقتصادي الذى يؤدي بدوره إلى زيادة الدخل الأهلي، كما قال بذلك فرانسو بورغنيو رئيس خبراء الاقتصاد ونائب رئيس البنك الدولي لشؤون اقتصاد التنمية «النمو ضروري من أجل تقليص الفقر وتخفيض أعداد الفقراء».
إن المدقق في فكرة أن الفقر الذى أصاب ويصيب الناس ناتج من فقر البلاد يخلص إلى أن هذا الوصف غير دقيق، فإن كثيراً من البلاد الغنية بها عدد من الفقراء، وإن البلاد الفقيرة بها أعداد متفاوتة من الأغنياء. فمثلاً ألمانيا، وهي من الدول الغنية بل تعتبر في المرتبة الثالثة في العالم من حيث الثراء، ومع ذلك بلغت نسبة الفقر فيها 13.5%، وأميركا، وهي الدولة الأولى في العالم، فيها حوالى 36.5 مليون فقير أي ما يعادل 12.5% من عدد السكان. ومن هنا كانت المعالجة التي تركز على زيادة الدخل الأهلي معالجة خاطئة. فزيادة الثروة في البلاد غالباً ما تذهب إلى يد فئات قليلة من المجتمع، فمثلاً في حالة ألمانيا، وكما ورد على لسان وزيرة الشؤون الاجتماعية في تقريرها (فإن نسبة الأفراد الذين يعيشون تحت خط الفقر ارتفعت بين العام 1998 – 2003م من 12.1 إلى 13.5% أما في النهاية الأخرى من السلم الاجتماعي فذكر التقرير أن الثروة الشخصية نمت لتصل إلى 5 مليار يورو عام 2004م، ما يعني أن نسبة الثروة ارتفعت بين عامي 1998م – 2003م بنسبة 17% وقد أوضح التقرير أن هذه الثروة ليست موزعة بشكل متساوٍ، فنسبة 50% من الناس يمتلكون 4% فقط من الثروة، بينما تحصل نسبة 10% منهم على 47%، فقد حصلت الزيادة في الثروة فعلاً وحصل بالمقابل زيادة في الفقر. وكذلك يمكن أخذ نموذج آخر كحالة السودان، فقد نما الاقتصاد السوداني في العام 2006م بمعدل 11%، وقد بلغ 13% في العام 2007م كما ورد على لسان د. أمين حسن عمر في اللقاء الذى أجرته معه قناة الجزيرة مباشر. أما معدل التضخم فقد انخفض في العام 2006م من 16% إلى 9%، فهل من أحد في السودان أحس بأن عضة الفقر قد خفت وطأتها، أم أن المعاناة في ازدياد؟ وإذا أخذنا الواقع في أفريقيا كنموذج آخر، فمعدل النمو في أفريقيا بلغ هذا العام 4.8%، وعدد الفقراء بلغ 300 مليون، بينما كان عددهم في العام 1981م 139 مليون.
من كل ما سبق نخلص إلى نتيجة واحدة، أن المشكلة ليست فقر البلاد، ولا المعالجة هي زيادة الدخل الأهلي وخفض معدل التضخم، إنما المشكلة هي فقر الأفراد، سواء أكانوا يعيشون في بلاد فقيرة أم غنية، فهنالك أفراد في المجتمعات لهم حاجات أساسية محتاجة إلى إشباع، عليه لابد من حصر الأسباب التي أدت وتؤدي إلى فقر الأفراد. ومن أهم تلك الأسباب:
1- الضرائب التي تفرض على السلع والخدمات، ففي السودان مثلاً نجد أن الضرائب المباشرة زائداً الجمارك ورسوم الإنتاج والضريبة على القيمة المضافة قد بلغت 7395 مليون جنيه سوداني، فإذا ما أضفنا إليها تلك الضرائب التي تفرضها حكومات الولايات، والضرائب التي تجبيها المحليات؛ لأدركنا حجم الأموال التي تؤخذ من المواطن، والتي تؤدي بشكل مباشر لزيادة أسعار السلع والخدمات ما يؤدي إلى إفقار الناس. وكمثال حي فسعر الإسمنت العالمي لا يتعدى الخمسين دولاراً للطن الواحد، بينما سعره في السوق الآن تتعدى الـ300 دولار، معظم هذه الزيادة بسبب الضرائب والجمارك. مثال آخر السكر والذى أعلن السودان اكتفاءه الذاتي منه، فإن تكلفة الإنتاج، وكما ورد على لسان محمد البشير الوقيع وزير الصناعة ومدير سابق لمشروع سكر كنانة، في اللقاء الذى أجرته معه صحيفة الصحافة الصادرة بتاريخ 3/10/2007م، حيث قال: «هذا الفرق الذى تتحدثون عنه ليس لشركة السكر علاقة فيه. فسعر السكر تسليم مصنع كنانة 320100 جنيه للطن، ومعنى هذا أن سعر الكيلو تسليم المصنع 1340 جنيه، وهذا يعني أن سعر الرطل تسليم المصنع لايتعدى 0.60جنيهاً». ونكتفي بهذين المثالين مع إمكانية ذكر العشرات من النماذج.
2- الديون الربوية التي تفرضها وترعاها المؤسسات الدولية (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيرهما) فهذه الديون من أكبر الأفواه لابتلاع ثروات الناس وإفقارهم. فالسودان الذى بلغت مديونيته 30 مليار دولار أميركي، وهو مايعادل 64% من ناتجه المحلي، فأصل هذا الدين لايتعدى الـ4 مليار دولار، كما ذكر ذلك د. التيجاني الطيب الممثل المقيم لصندوق النقد الدولي بالعراق، في الحوار الصحفي الذى أجرته معه إنعام محمد الطيب في جريدة السوداني الصادرة بتاريخ 3/10/2007م، مع العلم أن السودان دفع ويدفع سنوياً أقساطاً لتسديد هذه الديون. ولنأخذ نيجيريا نموذجاً آخر بوصفها دولة بترولية، بل هي أكبر دولة مصدرة للبترول في أفريقيا، حيث تنتج مليوني برميل يومياً، علاوة على منتجاتها الأخرى كالغاز وغيره من المعادن، ومع ذلك بلغت ديونها الخارجية 40 مليار دولار، وعائداتها من البترول وحده 64.8 مليار دولار، وقد قال رئيسها أوباسانجو: لقد دفعنا هذا الدين مرات ومرات، وقد بلغت نسبة الفقر فيها 80%.
3- سياسة الخصخصة وهي تهدف في الأساس إلى تخلي الدولة عن مسؤولياتها للقطاع الخاص، ومعروف أن القطاع الخاص يهدف بشكل أساسي للعملية الربحية، ما يساهم في زيادة أسعار السلع والخدمات، خاصة الضرورية منها كالتعليم والصحة وغيرها.
4- تنفيذ سياسات صندوق النقد والبنك الدوليين، واللذين من أهم شروطهما رفع الدعم عن السلع والخدمات، وهذا الإجراء من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من الفقر.
5- البطالة: أشار تقرير صادر عن منظمة العمل الدولية أن نسبة البطالة في العالم في حالة ازدياد، إذ بلغت حوالى 1500 مليون عاطل عن العمل، أي ما يعادل ربع سكان العالم. أما في السودان، فإن نسبة البطالة بلغت 49%، وذلك وفق ماجاء على لسان وزير العمل السوداني وهو يخاطب الجلسة الافتتاحية لندوة تأمين البطالة التى نظمها الصندوق القومي للمعاشات، كما ورد في جريدة الوطن بتاريخ 2/10/2007م.
6- الشروط المجحفة التي تفرضها الشركات متعددة الجنسيات، فشركات البترول العاملة في نيجيريا تأخذ47% من جملة البترول الذي ينتجه هذا البلد.
7- الفساد السياسي والمالي والإداري والذى يعتبر القاسم المشترك لكل الأنظمة فيما يسمى بدول العالم النامي.
أخيراً، ما هو العلاج إذاً؟
إن المدقق في كل الأسباب سالفة الذكر، يمكنه أن يخلص إلى نتيجة أن السبب الرئيسي وراء كل هذه الأسباب الفرعية هو النظام الرأسمالي، الذى جثم على صدور الناس في كل العالم، وأصابهم بالأذى ولو بدرجات متفاوتة. إذن الخطوة الأولى للعلاج هي التخلص من هذا النظام الفاسد والذي شهد به أهله قبل خصومه، من ثم تطبيق نظام عادل ينظر للإنسان بوصفه مخلوقاً كرمه الله، وليس بوصفه سوقاً قيمته بقدر عطائه، ولا يتأتى ذلك إلا بتطبيق الإسلام الذى هو من عند الله بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، ولذلك فليعمل العاملون.
المهندس حسب الله النور (أبو معاذ)
2008-06-27