العدد 130 -

السنة الثانية عشرة – ذو القعدة 1418هـ – آذار 1998م

قانون الزواج المدني قانون كفر

قانون الزواج المدني قانون كفر

أقرّ مجلس الوزراء في لبنان في 18/3/98 مشروع قانون الزواج المدني الذي تبناه رئيس الجمهورية. وكان رئيس الجمهورية نفسه عرض هذا المشروع قبل حوالي ثلاث سنوات ، ورفضه المسلمون. ثم جدد عرضه قبل أشهر ، ورفضه المسلمون جميعهم بكل مذاهبهم (ورفضه كثير من النصارى). وحذّروا من عواقب الإصرار على عرضه ، لأن في ذلك تحدياً واستفزازاً لهم. ولكنّ الرئيس ضرب بالتحذيرات عُرْضَ الحائط ، واستجاب له غالبية الوزراء ، وأقحموا البلد في مشروع فتنة جديد ، وليس في مشروع وِفاقي كما يزعمون.

هناك هجمة عالمية على الإسلام ، تقودها أميركا والدول الغربية عن طريق الأمم المتحدة ، للقضاء على البقية الباقية من أحكام الإسلام التي تتعلق بالأسرة والأحوال الشخصية. فمؤتمر الأسرة الذي عُقد في بكين ، ومؤتمر الإسكان الذي عُقِد في القاهرة ، وغيرها من المؤتمرات التي تدعو إلى تحرير المرأة ، ما هي إلا وسائل يُراد منها تفكيك الأسرة المسلمة، والتحلل من الأخلاق والفضيلة. وفي هذا السياق يأتي مشروع قانون الزواج المدني في لبنان.

قام بعض العلماء والقضاة المختصين بالشرع وبالأحوال الشخصية بدراسة المشروع الذي قدمه رئيس الجمهورية، وأقره مجلس الوزراء أمس. وقد أبرز هؤلاء العلماء والقضاة مسائل كثيرة في المشروع تتصادم مع الشرع الإسلامي نذكر منها ما يلي:

1- منع تعدد الزوجات: فقد ورد في المادة 9 والبند الأول من مادة 21 أنه يشترط لصحة عقد الزواج أن لا يكون أحد طالبي العقد مرتبطاً بزواج قائم، وإلا كان العقد باطلاً. وهذا يتصادم مع القرآن الكريم القائل: (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ).

2- إباحة أن يتزوج الكافر المسلمة: وقد ورد هذا في مجمل مواد المشروع. وأحكام الإسلام تحرّم تزويج المسلمة لغير المسلم. والقرآن يقول: (لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ).

3- إباحة التوارث بين المسلمين والكفار: ورد في المادة 110 من المشروع ما يلي: (لا يحول اختلاف الدين دون التوارث بين الزوجين، ودون إفادة الأولاد. يبقى اختصاص النظر في قضايا الإرث والوصية وتحرير التركات والنزاعات الناشئة عنها للمحاكم المدنية دون سواها ). وهذا يتصادم مع قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «لا يتوارث أهلُ مِلَّتين شَتَّى».

4- إباحة التبني: أجاز المشروع في الفصل السادس منه التبنّي. وأعطى عقد التبني جميع الحقوق والواجبات مثل البنوّة الشرعية. وأجاز إلغاء التبنّي في حالات عدّدها فتزول بإلغائه الحقوق والواجبات التي ترتبت عليه. فبعد أن كان  الولد المتبنَّى أخاً لولد المتبنِّي، يمتنع أن يتزوج الذكر منهم الأنثى، أصبحا غريبين بعد الإلغاء يجيز القانون لهما أن يتزوجا.

وقد أجاز المشروع تبني أولاد وآباؤهم على قيد الحياة، ويتم التبني بموافقتهم. وهذا يفسح المجال للمتاجرة بالأولاد وخاصة أولاد الفقراء.

والتبني كله حرام في الإسلام، قال تعالى: (وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ* ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ).

5- عدم الاعتراف بالأبناء الشرعيين: ورد في المادة 61 من المشروع ما يلي: (البنوة غير الشرعية في نطاق تطبيق هذا القانون هي: البنوّة الناتجة عن علاقة شخصين أحدهما متزوج وفقاً لأحكام هذا القانون). ومعنى هذا أن الرجل الذي تزوّج طبقاً لهذا القانون، ثم تزوّج امرأة أخرى فأنجب منها ولداً، فإن هذا الولد يعتبر ولداً غير شرعي، ولا تثبت بنوّته إلا باعتراف رضائي يعلن بقرار من المحكمة المختصة بعد مطالعة النيابة العامة. وإذا تم الاعتراف أصولاً فإن هذا الولد يسجل على أنه (مولود غير شرعي) وتلازمه هذه الصفة الشنيعة طول عمره.

والغريب أن المشروع أعطى للولد غير الشرعي المولود نتيجة علاقة غير شرعية ناتجة عن الخطف أو الاغتصاب أو الإغراء بالطرق الاحتيالية، حق طلب إثبات انتسابه إلى والده لدى القضاء، ولم يعط هذا الحق للولد المولود نتيجة زواج آخر (المواد 65-68 منه).

6- تغيير عِدَّة الطلاق: ورد في المادة 34 من المشروع ما يلي: (يمتنع على المرأة أن تتزوج قبل انقضاء 300 يوم على إبطال الزواج، أو انحلاله إلا إذا كانت حاملاً ووضعت مولودها قبل انقضاء هذه المدة، أو إذا رُخِّصَ بالزواج بقرار معلل تتخذه المحكمة المختصة في غرفة المذاكرة). إنهم جعلوا للموظف المختص في المحكمة صلاحية تقصير مدة العدة حسب مزاجه. وجعلوا العدة تزيد عن ثلاثة أضعاف العدة الواردة في القرآن الكريم: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ).

7- منع الطلاق بالتراضي: نصت المادة 26 من المشروع على أنه: (لا يصح الطلاق بالتراضي). فإذا جاء الزوجان إلى المحكمة، وعرضا أنهما قد اتفقا على الطلاق فإن المحكمة لا تقبل طلبهما، لأن هذا القانون أوجب أن يكون الطلاق بسبب خصومة مكشوفة. أي يجب على الزوجين نشر أسرارهما وخصوصياتهما وفضائحهما أمام المحكمة لتوافق لهما على الطلاق.

8- إباحة الزواج من الأخت بالرضاعة: نص المشروع في المادة العاشرة منه على أن قرابتي النسب والمصاهرة وحدهما تمنعان من الزواج. وهذا يعني أن قرابة الرضاع غير معتبرة من موانع الزواج، فيجوز للرجل أن يتزوج أمه أو أخته أو ابنته… من الرضاع. وهذا يتصادم مع القرآن الكريم القائل: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ) الآية.

9- إهمال صيغة العقد وشروطه وأركانه: لم ينص المشروع على تنظيم صيغة عقد الزواج من حيث لفظ الإيجاب والقبول، ومن حيث اشتراط الولي (مباشرة، وكفاءة)، ومن حيث المهر (وهو ركن في العقد). وهذه الأمور تهدم العقد عند فقدانها.

هذه بعض المسائل الواردة في هذا المشروع، وإنها لتؤكد بشكل قاطع أنه قانون كفر. وأن الدعوة إليه هي دعوة إلى كفر. وأن من يرضى به عن طيب نفس هو كافر.

نتوجه إلى الوزراء المسلمين، الذين وافقوا على هذا المشروع الذي يتصادم مع شريعة القرآن التي أنزلها الله، ونسألهم: هل أنتم حقاً مسلمون؟ هل تؤمنون حقاً أن القرآن من عند الله، وأن ما شرعه الله هو أفضل مما يشرعه البشر؟

فإن قلتم: نعم، فأنتم تناقضون أنفسكم، وتفضّلون ما وضعته أهواء الناس الجاهلين على ما أنزله الله العليم الحكيم رحمة للعالمين.

وإن قلتم: لا، فأنتم كفرة مرتدّون. ولستم أهلاً لتحكموا المسلمين وترعوْا شؤونهم.

إن التشريع في الإسلام هو لله وحده، فهو وحده سبحانه الذي يحلل ويحرّم. والعلماء يستنبطون هذا مما جاء به الوحي في الكتاب والسنة وما أرشدا إليه. قال الله تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)، وقال تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) فقال رجل نصراني للرسول صلى الله عليه وآله وسلم: إنهم لم يعبدوهم. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «بلى، إنهم أحلّوا لهم الحرام وحرّموا عليهم الحلال، فاتبعوهم. فتلك عبادتهم».

وهذا رئيس الجمهورية يحلّ الحرام ويحرّم الحلال، وهؤلاء الوزراء يتبعونه. والنواب الذين سيوافقون على ذلك يتبعونه أيضاً. والناس الذين يؤيدون ذلك ويوافقون  عليه يتبعونه. وكل هؤلاء يتخذون من رئيس الجمهورية ربّاً من دون الله.

لماذا يرضى المسلمون ونوابهم ووزراؤهم بهذا الشِّرْك الأكبر؟ هل شريعة الإسلام ناقصة فيكمّلها لهم (فخامة الرئيس!) هل نسينا قول الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا)؟!

إن لومَنا لا ينصبُّ على رئيس الجمهورية، فهو يتصرف بحسب عقيدته وهواه. ولكنّ لومَنا ينصبّ على المسلمين، وخاصة على العلماء وأهل الفتوى وحملة الدعوة إلى الإسلام، والغيورين على الإسلام. كان الواجب على المسلمين أن يسبقوا رئيس الجمهورية وغيره، ليس فقط إلى رفض الزواج المدني، بل إلى رفض كل القوانين اللبنانية المخالفة للقرآن.

العلماء يرفضون الآن مشروع الزواج المدني بحجة أنه مخالف لشرع الإسلام. إذاً عليهم أن يرفضوا أن يكون رئيس الجمهورية نصرانياً، فالله سبحانه يقول: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) فلماذا يذهبون في كل مناسبة لتهنئته ومبايعته؟! والدستور في لبنان كله كفر ومخالف لشرع الله، فلماذا تسكتون على هذا الدستور، ولماذا تستندون إلى هذا الدستور عندما تريدون نقض قانون الزواج المدني؟

وسائر القوانين في لبنان هي كفر، فلماذا لا ترونها، وترون فقط الأحوال الشخصية؟ أليست برامج التلفزيون الخلاعية مخالفة للإسلام؟ أليست برامج التعليم الرسمية مخالفة للإسلام؟ أليس الربا ونوادي القمار واليانصيب وسباق الخيل والخمور مخالفة للإسلام؟ أليس ترك مفاهيم الإسلام وأخذ مفاهيم الحضارة الغربية والأخلاق الغربية والأذواق الغربية مخالفة للإسلام؟

نسأل الله أن تكون هذه بادرة خير ليستفيق المسلمون ويقوموا بعمل جذري لإعادة الإسلام قائداً هادياً منقذاً للمسلمين وغير المسلمين، وهذا يكون بإقامة الخلافة حيث سيسود الإسلامُ ما بلغ الليل والنهار.

( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *