العدد 60 -

السنة الخامسة – العدد 60 – شوال 1412هـ الموافق نيسان 1992م

النظام السعودي في خدمة أميركا

بقلم: روجيه غارودي

 النص التالي للمفكر الفرنسي روجيه غارودي (ماركسي سابق، حاور الكاثوليكية ثم تحول إلى الإسلام) ينشر للمرة الأولى باللغة العربية.

وهذا النص في الأصل هو جزء من آخر كتاب صدر لغارودي تحت عنوان «الأصوليات» في شباط 1991 عن دار لافون في باريس، إلا أن الترجمة العربية للكتاب التي صدرت في نهاية العام 1991 لم تشمل هذا الفصل الذي ننشره اليوم، بعدما نقله إلى العربية د. خليل أحمد خليل الذي تولى ترجمة الكتاب أساساً.

إن المصدر الرابع، ومنذ 15 سنة، المصدر الرئيس للأصولية هو نفوذ العربية السعودية في العالم الإسلام بفضل قوتها النفطية.

فالقادة السعوديون يمكنهم، بفضل وسائلهم الضخمة، تمويل جميع الحركات الإسلامية في العالم كله، لخدمة مقاصدهم.

إن الشاغل الأساسي للقادة السعوديين هو إخفاء انحيازهم الكامل للغرب. فمنذ 1913، وقبل إنشاء المملكة سنة 1928، وقع عبدالعزيز معاهدة القطيف مع بريطانيا العظمى، التي تلتزم هذه الأخيرة بموجبها في الدفاع عنه، مقابل التزامه بالخط السياسي البريطاني، وجرى تجديد تلك العلاقات، علاقات الحماية من جهة والإذعان من جهة ثانية، في معاهدة جدة 1927. ووفق انكلترا بالتزاماتها فقامت سنة 1948 بسحق انتفاضة القطيف المسلحة.

وبعد 60 عاماً، غداة الثورة الإيرانية، صرح ريغان: «لن نسمح أبداً بأن تغدو العربية السعودية إيران جديدة».

في آب أغسطس 1990، أماط القادة السعوديون اللثام كله عن الدور الذي يضطلعون به في خدمة الاستعمار: فأمدوا الولايات المتحدة بالذريعة المطلوبة لاحتلال الخليج احتلالاً شاملاً، حين دعوها «للدفاع» عنهم.

في الحقيقة، ما يخشاه الملك فهند، بعد طرد الأمير جابر الصباح من الكويت، ليس غزواً، بل انتقال العدوى، ذلك أن مملكته هي على غرار إمارة الكويت،: استبداد الملك المطلق. فكل الوزراء هم من أفراد عائلته، كما هو الحال في الكويت، هناك أيضاً، لا يلعب الشعب ولا الأمة أي دور في الدولة، ولو من خلال شبح برلمان أو انتخاب، ولا حتى من خلال دستور وهمي.

إن هذا النظام الذي لا جذور شعبية له ولا قاعدة سياسية، لم يستمر منذ ثلاثة أرباع القرن إلا بفضل الحماية الانكليزية أولاً، والحماية الأميركية اليوم، فالنداء الذي وجهه الملك فهد، الذي كان يصف نفسه بأنه «حامي الحرمين»، لكي يحتل الجيش الأميركي بلاده، إنما يواصل ذلك التقليد الاستزلامي ويؤكد دوره كعميل لوكالة المخابرات المركزية وللولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

لقد انصبت الآمال الأميركية، بعد سقوط الشاه، على الملك فهد لجهة القيام بالمهام ذاتها، هنا التماثل مدهش: «الودائع» السعودية في الولايات المتحدة أكبر من ودائع الشاه في الماضي، وتتجاوز 172 مليار دولار، وهناك قسم كبير منها على شكل «سندات خزينة» موضوعة مباشرة في متناول تسليح الولايات المتحدة وإسرائيل، وهذه الودائع تستخدم كضمانة لتأمين إذعان الربيب، كما كان الحال في الماضي بالنسبة إلى تجميد أموال الشاه في أثناء الثورة الإيرانية.

تسهر وكالة المخابرات المركزية على أسرارا هذه الودائع: يتباهي كازي، المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية، في مذكراته، بأنه حصل على الملك فهد على مبلغ 200 مليون دولار سنة 1984 و240 مليون دولار سنة 1985!

من الأمثلة على سهر وكالة المخابرات المركزية، قيام عملائها بمصادرة تسجيلات كل الجلسات المخصصة للعربية السعودية في اللجنة الفرعية لمجس الممثلين المولجة بإجراء استقصاءات حول الاستثمارات الأجنبية، في 6 أيار/ مايو 1982، ففي 17/0281982، كان الرئيس ريغان قد وجه رسالة شخصية إلى أعضاء الكونغرس شارحاً لهم ضرورة هذه السرية.

إن هذا التستر يسمح للشركات الأميركية، خصوصاً شركة بكتل، التي تضم في مجلس أركانها اثنين من مدراء وكالة المخابرات المركزية السابقين، بأن تكون أداة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

للجيش الأميركي قواعده في هذه المستعمرة، إنه واثق من انصياع العربية السعودية ويمكنه أن يمدها بالأسلحة الأكثر تطوراً، من الأواكس التي كلفت 8 مليار ونصف المليار -دون حساب السمسرات- والتي تسمح للجيش الأميركي الذي يملك كل مختبرات فك الإشارات على الأرض بأن يراقب كل الحركات في الخليج، وصولاً إلى الستينجر (صواريخ محمولة على الكتف).

تمثل موازنة الجيش القمعي 30% من موازنة العربية السعودية التي تعتبر، بذلك، ثاني بلد في العالم، بعد الولايات المتحدة، من حيث النفقات العسكرية بالنسبة إلى الفرد الواحد، وبالطبع لا تقدم هذه الأسلحة إلا بشرط صريح هو استعمالها ضد بلدان إسلامية أخرى. جرى تدريب قوة القمع السعودية «الحرس الوطني» على أيدي مدربين من الـ Vinnel carportion في الولايات المتحدة. في 01/08/1987، جرى تعيين الجنرال الألماني أولريخ فغنر، الاختصاصي بالقمع، كمنظمة للقوات القمعية السعودية.

إن آل سعود يسترون هذا الولاء بستار الدفاع التفاخري عما يسمونه الإسلام: الأداء الشكلي لعبادات خالية من كل روحانية، القراءة الحرفية والأكثر رجعية للقرآن، الاحترام الأعمى لبعض التقاليد التي تتضمن التبجيل غير المشروط للسلطة «وفقهائها»، من ممالقي الأمراء الذين يستخدمون كـ «أفيون الشعب»، كما هو الحال في كل الأديان التي تستخدمها السلطة. وهذه الطريقة في «تطبيق الشريعة» بقطع يد السارق، ذات دلالة خاصة في العربية السعودية.

ويغدو النفاق أشد وضوحاً بقدر ما يكتفي الآمرون السعوديون بإنزال هذه العقوبات بصغار الجائحين فقط. عليه، فلم تقطع أبداً يد الأمراء الذين يتلقون من الشركات الغربية الكبرى «رشوات» بـ 500 مليون دولار مقابل طلبات أسلحة أو أعمال كبرى، والذي يخفون هذه الثروات الناجمة عن الفساد، من خلال توظيف مليارات الدولارات في الولايات المتحدة، أو من خلال تبذيرها في كازينوهات ديفون أو في خلال حفلات عربدة في مربللا.

أما قنوات هذا النفوذ الوبيل، المولد لكل أشكال الأصولية، فهي كثيرة، هناك أولاً تعيين عدد كبير من الأئمة ونشرهم عبر العالم لإدارة المساجد، يمكنهم أن يكونوا من شتى الجنسيات، شرط أن يكون منصهرين في المصهر السعودي، مصهر الدوغمائية والحرفية والظلامية.

كما أن المساجد الفخمة مثل مساجد جنيف، أو العملاقة كتلك التي وضعت تصاميمها لأجل روما ومدريد، تتولى السعودية تمويلها، وهذا، دون حساب للسكان المعنيين ولردود فعلهم المتخوفة تجاه مشاريع غير صادرة عن مجتمعات إسلامية محلية، بل هي من أعمال قوة أجنبية. إن هذا النوع من العمليات السياسية لا يساعد غير المسلمين على معرفة رسالة الإسلام، لأن هذه العمليات لا تتضمن أي مجهود للتعريف بالإسلام بطريقة يفهمها أولئك الذين لم يولدوا فيه، وإن مراكز ثقافية، مفتوحة للجميع، والتي تتضمن بالطبع مصلى للمسلمين، من شأنها أن تبين أن الإسلام يمكنه التعبير عن ذاته، كما كان الحال في القرن الهجري الأول، في لغة كل الشعوب وثقافاتها. وبخلاف ذلك تماماً، تسجن المساجد «المنزلة بالمظلات»، المسلمين في منبذ يجري في تثقيف اختلاف الإسلام، والانكماش على الذات وخلق المخاوف، من خلال عبادات بلا روح منسوخة عن النموذج السعودي، ومما يلاحظ في بلدان مثل فرنسا وايطاليا أو اسبانيا، حيث تثار ألف عقبة في وجه المتحدات الإسلامية عندما ترغب في بناء مصلى متواضع على نفقتها، وتجري الموافقة بسهولة كبيرة على إنشاء الجوامع العملاقة التي تمولها السعودية.

تعكس هذا الانحباس، كتب ونشرات «إسلامية» صادرة عن السعودية، مهمتها إدامة هذا الانطواء على الذات. وفي جوامع الهند، بلاد الروحانية القديمة والعميقة، يجري توزيع كميات كبيرة من النشرات التي تتناول أحكام أداء الصلاة، كما يتناولها أي كتاب رياضة، دون الإتيان في أية لحظة على ذكر روحانية العلاقة بالله، وفي أفريقيا، حيث تغلغل الإسلام في وقت مبكر جداًَ حيث ولدت تيارات محلية، صوفية ومتجهة نحو العمل في آن، شيمة تيار امادو بامبا، الذي يرى «أن العمل شكل من الصلاة» تنامى خصوصاً منذ «انفجار أسعار النفط» نفوذ سعودي لا يحسب حساباً إلا لعدد «حالات اعتناق الإسلام»، ولو تم تحقيقها بالطرق نفسها التي اعتمدتها أقدم الإرساليات المسيحية لـ «الداخلية في الدين». إن «إسلام» النفط هذا هو المد الأسود الطاغي على الإسلام القرآني والنبوي.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *