العدد 134 -

السنة الثانية عشرة – ربيع الأول 1419هـ – تموز 1998م

اشتداد الصراع الدولي على إفريقيا

اشتداد الصراع الدولي على إفريقيا

إن عمليتي تفجير السفارتين الأميركيتين في نيروبي ودار السلام عاصمتي كينيا وتنزانيا وما نتج عنهما من سقوط ما يزيد عن مائتي قتيل وآلاف الجرحى؛ تأتيان في غمرة اشتداد الصراع الدولي على إفريقيا، فاندفاع أميركا القوي في إفريقيا، ومحاولة تغلغلها في ربوع تلك القارة السوداء البكر أمر ملحوظ منذ زيارة كلينتون الهامة لعدة دول رئيسة في القارة.

وكان نجاح أميركا في السيطرة على دول القرن الأفريقي ودول البحيرات الكبرى قد وجَّه صفعةً قاسيةً للدول الأوروبية كفرنسا وبريطانيا وبلجيكا وإيطاليا في تلك المناطق.

ولقد اعترفت فرنسا بخسارتها لنفوذها لصالح أميركا في كل من رواندا وبوروندي، لذلك قامت بتحصين مواقعها الأخرى في جمهورية إفريقيا الوسطى وتشاد والغابون والسنغال وغيرها من الدول الفرانكفونية.

ولقد عادت الصراعات القديمة التقليدية الأخرى في إفريقيا، فطفت على السطح مشاكل أنغولا بين الحكومة السائرة مع أميركا وحركة يونيتا التابعة لبريطانيا. وأما في نيجيريا وليبيريا فقد انتهى الصراع وحسم لصالح النفوذ البريطاني. وفي ليبيا نجح القذافي في تجميع زعماء دول الصحراء وتكتيلهم للسير ضد المصالح الأميركية، ومحاولة خلخلة الحصار الجوي الذي تفرضه أميركا والمجتمع الدولي على ليبيا بسبب حادثة لوكربي.

وإحساس بريطانيا وفرنسا بالخطر الشديد من استمرار تمدد النفوذ الأميركي في إفريقيا، وانطلاقه من قواعد أميركا في شرق إفريقيا متجهاً صوب الجنوب والغرب دفعهما لتحصين مواقعهما، ومحاولة عرقلة هذا المد بكل الوسائل المتاحة لديهما.

وجاءت عمليتا تفجير السفارتين الأميركيتين في نيروبي ودار السلام لتصب الزيت على النار فتُلهبَ المنطقة المشتعلة أصلاً.

وقد لوحظ من ردَّات الفعل الأولية لتفجير السفارتين الاختلاف الصريح بين المواقف الأميركية والمواقف الأُوروبية، فقد قال الناطق باسم البيت الأبيض جيمس كراولي بأن الاعتداءين هما عبارة عن هجوم نُسِّق بشكل جيد وليس عملاً من تدبير الهواة، ولمَّحت أولبرايت وزيرة الخارجية الأميركية لوجود دولة وراء الانفجارات، وقال توماس بيكرنج مساعد وزيرة الخارجية الأميركية بأن التحريات جارية بشكل مكثف خارج إفريقيا وداخلها أيضاً.

والمدقق في هذه التصريحات يجد أنها تتجنب تحميل الحركات الإسلامية مسؤولية التفجيرات، وفي المقابل يجدها تلمح إلى إمكانية وقوف دول وراء تلك التفجيرات.

وتتناغم هذه التصـريحات مع تصريحات حركة طالبان المسيطرة على أفغانستان التي أكدت على عدم وجـود علاقـة بين تفجير السفارات وبين الحركي الإسلامي أُسامة بن لادن الذي تتهمه كثير من وسائل الإعلام الأوروبية والبريطانية بأنه وراء تلك التفجيرات، ولقد صرح الناطق باسـم طالبان عبد الحي المطمئن إلى وكالة فرانس برس في اتصال هاتفي أن أي تلميح إلى ضلوع بن لادن في الاعتداءات ليس إلاّ دعاية لا تستند إلى أساس وتهدف إلى التشهير بضيف الحركة الإسلامية.

أما الموقف الأوروبي السياسي والإعلامي من عمليتي التفجير فإن وسائل الإعلام الأوروبية لا سيما البريطانية والفرنسية وتلحقها الإسرائيلية تُحمل الحركات الإسلامية مسؤولية الانفجارات بشكل أوتوماتيكي وحتى قبل البدء بالتحريات، وتحاول أن تبحث عن أدلة لإلصاقها بالحركات الإسلامية، وادعت هذه الوسائل بأن هناك أشخاصاً مشبوهين من الشرق الأوسط وذوو هيئات عربية شوهدوا بالقرب من مواقع السفارات قبيل التفجيرات. ومن ناحية أخرى تكثف وسائل الإعلام البريطانية بشكل خاص من التقارير التي تتعمد فيها إثارة الأفارقة ضد الأميركان الذين تتهمهم بأنهم لا يهتمون إلاّ بأنفسهم وأنهم غير مبالين بمآسي الكينيين والتنـزانيين، كما وتلمح وسائل الإعلام إلى ما قام به رجال مكتب التحقيقات الفدرالي من منع فرق الإنقاذ بما فيهم الإسرائيلية بكل ازدراء وشدة من التقدم إلى المواقع الحساسة التي يقومون فيها بتحريات خاصة، والظاهر أن الأميركيين يحاولون الانفراد بالتحقيق خشية قيام اليهود من دس أنوفهم في التحقيق؛ وخوفاً من التمويه على نتائج التحقيقات.

وأياً كانت الجهة التي تقف وراء التفجيرات فإنها ولا شك تعتبر ضربة صاعقة لمحاولات أميركا مد نفوذها في أنحاء القارة الأفريقية غير مبالية بالآخرين. فالصراع على إفريقيا لا شك بأنه قد اشتد واشتعلت نيرانه، وقول كلينتون: “إذا كان المقصود من التفجيرات أن تسحب أميركا قواتها فهذا أمر غير وارد”، يؤكد حقيقة هذا الصراع ويدل على أن أميركا عاقدة العزم على المضي قدماً في مدّ نفوذها في مجاهيل إفريقيا على الرغم من أنه يُواجَه بمقاومة عنيفة .

19 من ربيع الآخر 1419هـ

12/8/1998م.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *