العدد 135 -

السنة الثانية عشرة – ربيع الثاني 1419هـ – آب 1998م

الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يعرض نفسه على أهل الطائف

في رحاب السيرة النبوية الشريفة    (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)

الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

يعرض نفسه على أهل الطائف

قال ابن إسحاق: فلما هلك أبو طالب، نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تكن نالته منه في حياة عمه أبي طالب، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف يلتمس من ثقيف النصرة والمنعة بهم من قومه، ورجا أن يقبلوا منه ما جاءهم به من الله تعالى، فخرج إليهم وحده. قال: انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف وعمد إلى نفر من ثقيف هم سادة ثقيف وأشرافهم، وهم إخوة ثلاثة: عبد ياليل، ومسعود، وحبيب بنو عمرو بن عوف، فجلس إليهم فدعاهم إلى الله، وكلمهم لما جاءهم له من نصرته على الإسلام، والقيام معه على من خالفه من قومه؛ فقال أحدهم: هو يمرط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك. وقال الآخر: أما وجد الله أحداً أرسله غيرك؟ وقال الثالث: والله لا أكلمك أبداً، لئن كنت رسولاً من الله كما تقول، لأنت أعظم خطراً من أن أردّ عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله، ما ينبغي لي أن أكلمك. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندهم وقد يئس من خير ثقيف، وقد قال لهم: إن فعلتم ما فعلتم فاكتموا علي. وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ قومه عنه (فيُذئرهم) ذلك عليه. فلم يفعلوا وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس، وألجأوه إلى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة وهما فيه، ورجع عنه من سفهاء ثقيف من كان يتبعه. فعمد إلى ظل حبلة من عنب فجلس فيه، وابنا ربيعة ينظران إليه، ويريان ما يلقى من سفهاء أهل الطائف. فلما اطمأن صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني: إلى بعيد يتجهمني، أم إلى عدو ملّكته أمري. إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن تُنـزل بي غضبك، أو تحل عليّ سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك». فلما رآه ابنا ربيعة وما لقي، تحركت له رحمهما، فدَعَوا غلاماً لهما نصرانياً يقال له: عداس، وقالا له: خذ قطفاً من هذا العنب، فضعه في هذا الطبق، ثم اذهب به إلى ذلك الرجل، فقل له يأكل منه. ففعل عداس، ثم ذهب به حتى وضعه بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم ثم قال له: كل، فلما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فيه قال: بسم الله، ثم أكل، ثم نظر عداس في وجهه ثم قال: إن هذا الكلام لا يقوله أهل هذه البلاد. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ومن أهل أي بلاد أنت يا عداس، وما دينك؟ قال: نصراني، وأنا من أهل نينوى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرية الرجل الصالح يونس بن متى. فقال له عداس: وما يدريك ما يونس بن متى؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلك أخي، كان نبياً وأنا نبي. فأكب عداس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبّل رأسه ويديه وقدميه. قال: يقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه: أما غلامك فقد أفسده عليك. فلما جاء عداس قالا له: ويلك يا عداس، مالك تقبّل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه؟ قال: يا سيدي ما في الأرض شيء خير من هذا، لقد أخبرني بأمر لا يعلمه إلا نبي. قالا له: ويحك يا عداس، لا يصرفنك عن دينك، فإن دينك خير من دينه.

وثبت في الصحيحين من طريق عبد الله بن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها حدثته أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل أتى عليك يوم كان أشدّ عليك من يوم أحد؟ قال: ما لقيت من قومك كان أشدّ منه يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردّوا عليك، وقد بعث لك مَلَك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. ثم ناداني مَلَك الجبال فسلّم علي ثم قال: يا محمد قد بعثني الله، إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا مَلَك الجبال قد بعثني إليك ربك لتأمرني بما شئت، إن شئت تطبق عليهم الأخشبين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً» .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *