العدد 135 -

السنة الثانية عشرة – ربيع الثاني 1419هـ – آب 1998م

لا عصمة لأحد بعد الأنبياء

لا عصمة لأحد بعد الأنبياء

من المعلوم من الدين بالضرورة أن الله سبحانه رضي عن الصحابة ومدحهم، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم مدحهم، وهذا مما لا يحتاج إلى بيان. ومما هو معلوم أيضاً بالقطع أن إجماعهم حجة، وأنهم كأفراد ليسوا معصومين، وإنما هم بشر متميزون، ليس هناك أفضل منهم إلا الأنبياء. وكونهم غير معصومين يعني أن الخطأ والزلل ممكن في حقهم، إلا انه قليل معدود، وكفى المرء نبلاً أن تعد أخطاؤه.

 

وورد في سورة الواقعة أن هناك قليلاً من الآخرين في عداد السابقين:  (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ*  أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنْ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنْ الْآخِرِينَ[الواقعة:10-14]، وأن هناك ثلة منهم أي من الآخرين من أصحاب اليمين: (ثُلَّةٌ مِنْ الْأَوَّلِينَ*وَثُلَّةٌ مِنْ الْآخِرِينَ) [الواقعة:39-40]، كما وردت أحاديث تدل على أن هناك خيراً في أمة محمد صلى الله عليه وسلم يكون في آخرها. من هذه الأحاديث: الحديثان اللذان أخرجهما الحاكم في المستدرك وصححهما: أولهما عن أبي جمعة الأنصاري قال: تغدينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا أبو عبيدة بن الجراح قال: فقلنا يا رسول الله أحد خير منا؟ أسلمنا معك وجاهدنا معك. قال: «نعم قوم يكونون بعدكم يؤمنون بي ولم يروني». وثانيهما عن عمر رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم جالساً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتدرون أي أهل الإيمان أفضل إيماناً؟ قالوا يا رسول الله الملائكة. قال هم كذلك ويحق ذلك لهم، وما يمنعهم وقد أنزلهم الله المنـزلة التي أنزلهم بها؟ بل غيرهم، قالوا يا رسول الله فالأنبياء الذين كرمهم الله تعالى بالنبوة والرسالة. قال: هم كذلك ويحق لهم ذلك، وما يمنعهم وقد أنزلهم الله المنـزلة التي أنزلهم بها؟ بل غيرهم. قال قلنا فمن هم يا رسول الله؟ قال: أقوام يأتون من بعدي في أصلاب الرجال، فيؤمنون بي ولم يروني، ويجدون الورق المعلق، فيعملون بما فيه، فهؤلاء أفضل أهل الإيمان إيماناً». ومنها الحديث الذي أخرجه أحمد عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل أمتي مثل المطر لا يُدرى أوله خير أم آخره». ومنها الحديث الذي أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه عن عبد الرحمن بن جبر بن نفير قال: لما اشتد حزن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أصيب منهم مع زيد في مؤتة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليدركن المسيحَ من هذه الأمة أقوام إنهم لمثلكم أو خير ثلاث مرات، ولن يخزي الله أمة أنا أولها والمسيح آخرها».

والخيرية في هذه الأحاديث ليست مطلقة وإنما هي في مضاعفة الأجر لمن عمل مثل عمل الصحابة بدليل حديث عبد الله بن مسعود الذي أخرجه البزار، وقال في المجمع رجاله رجال الصحيح: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن من ورائكم زمانَ صبر للمتمسك فيه أجر خمسين شهيداً، فقال عمر: يا رسول الله منا أو منهم؟ قال: منكم». وحديث عتبة بن غزوان الذي أخرجه الطبراني وقال في المجمع عن اثنين من رواته إن فيهما كلاماً وكلاهما قد وثق، أن النبي الله صلى الله عليه وسلم قال:«إن من ورائكم أيام الصبر المتمسك فيهن يومئذ بمثل ما أنتم عليه كأجر خمسين منكم، قالوا يا نبي الله أو منهم قال: بل منكم، قالوا يا نبي الله أو منهم، قال: لا بل منكم ثلاث مرات أو أربعاً». هؤلاء الناس الخيرون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في آخر الزمان ليسوا معصومين أيضاً وما جاز على الصحابة رضوان الله عليهم جائز عليهم رغم إجزال الله سبحانه مثوبتهم، فهم كالصحابة بشر خطاؤون، إن عُدت أخطاؤهم فهم نبلاء، ولا يعد فيهم إلا من كانت أخطاؤه قليلة أي معدودة، أما من كثر خطؤه وزلـله فليس هناك.

وسأورد طرفاً من أخبار الصحابة جمعتها من بطون الكتب، وهي على قلتها تدل على أن آحادهم غير معصومين وعلى أنهم بشر مميزون تعد أخطاؤهم، فليعلم القارئ أن من جاء بعدهم ليسوا خيراً منهم وانه يقع منهم الخطأ ويذنبون، وإن الباحث عن المعصوم لن يجده بعد محمد صلى الله عليه وسلم. وليس ما أورده تنقـصاً لآحاد الصحابة وإنما هو للاعتبار، ولن أعلق على الروايات تاركاً ذلك للقارئ، والاقتداء إنما يكون في المعروف.

  • من الكبير للطبراني وقال في المجمع رجاله رجال الصحيح:

عن الشعبي أن المقداد بن الأسود استقرض من عثمان بن عفان سبعة آلاف، فلما طلبها منه قال: إنما هي أربعة آلاف، فخاصمه إلى عمر، فقال عثمان: أقرضته سبعة آلاف، وقال المقداد: تحلف أنها سبعة آلاف؟ فقال: قد أنصفت.فأبى أن يحلف. فقال: خذ ما أعطاك. فقال: والله الذي لا إله غيره إنما هي سبعة آلاف. فقال: فما يمنعك أن تحلف أن هذا الليل وهذا النهار.

  • من السير  الكبير  لمحمد  بن الحسن الشيباني:

وعن مجاهد قال: قلت لابن عمر رضي الله عنهما: ما تقول في الغزو؟ فقد صنع الأمراء ما قد رأيت. قال: أرى أن تغزو، فإنه ليس عليك مما أحدثوا شيء. قال: فإذا أردت ذلك فاجعل طريقك علي. فمررت بالمدينة فقال: إني أحب أن أعينك في وجهك هذا بطائفة من مالي، قلت: إذن لا أقبل، إني رجل قد وسع الله علي. قال: إن غناك لك، إني أحب أن تكون طائفة من مالي في هذا الوجه. فانطلق يلتمس القرض، فلم يجد أحداً يقرضه، فقال: أتخافون أن لا أقضيكم؟  ثم كتب إلى قيم له بالشام أن يدفع إلي دنانير قد سماها أستعين بها على وجهي. قال: فانطلقت فلم أزل مرابطاً في جزيرة من البحر سنين، ثم بدا لبعض أمراء المؤمنين أن يخرب تلك الجزيرة ويخرج أهلها منها، فوالله لكأنما جيء بي سبياً حيث رجعت إلى أهلي.

  • من مصنف ابن أبي شيبة:

عن قيس قال: شهدت عبد الله بن مسعود جاء يتقاضى سعداً دراهم أسلفها إياه من بيت المال فقال: رد هذا المال. فقال سعد: أظنك لاقياً شراً. قال: رد هذا المال. قال: فقال سعد: هل أنت إلا ابن مسعود عبد من هذيل؟ قال: فقال عبد الله: هل أنت إلا ابن حمنة؟ قال: فقال ابن أخي سعد: أجد أنكما لصاحبا رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر الناس إليكما. فرفع سعد يديه يقول: اللهم رب السموات والأرض … فقال ابن مسعود: ويحك قل قولاً لا تلعنن. قال: فقال سعد: أما والله إن لولا مخافة الله لدعوت عليك دعوة لا تخطئك. قال فانصرف عبد الله كما هو.

  • من تاريخ الإسلام للذهبي:

وقال إبراهيم بن المنذر حدثنا عبد الله بن محمد بن يحي بن عروة عن هشام بن عروة قال: ضرب الزبير أسماء فصاحت لعبد الله بن الزبير، فأقبل، فلما رآه قال: أمك طالق إن دخلت، قال: أتجعل أمي عرضة ليمينك؟ فاقتحم عليه وخلصها، فبانت منه.

  • من تاريخ دمشق لابن عساكر:

عن أبي أمامة قال: عَيَّرَ أبو ذر بلالاً بأمه فقال: يا ابن السوداء؛ وإن بلالاً أتى رسول الله  صلى الله عليه وسلم فأخبره فغضب. فجاء أبو ذر ولم نشعر، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما أعرضك عني إلا شيء بلغك يا رسول الله. قال: أنت الذي تعير بلالاً بأمه؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «والذي أنزل الكتاب على محمد – –أو ما شاء الله أن يحلف- ما لأحد على أحد فضل إلا بعمل، إن أنتم إلا كطف الصاع».

  • ومن تاريخ ابن عساكر والطبراني في الكبير واللفظ له وقال في المجمع فيه مبارك بن فضالة وحديثه حسن وبقية رجاله ثقات:

عن ربيعة الأسلمي قال: كنت أخدم رسول الله  صلى الله عليه وسلم، فأعطاني أرضاً وأعطى أبا بكر أرضاً، وجاءت الدنيا فاختلفنا في عذق نخلة فقال أبو بكر رضي الله عنه: هي في حدّ أرضي. وقلت أنا: هي في حدّي. وكان بيني وبين أبي بكر كلام، فقال لي أبو بكر كلمة كرهتها، وندم، فقال لي: يا ربيعة ردّ علي مثلها حتى يكون قصاصاً، قلت: لا أفعل. فقال أبو بكر: لتقولن أو لأستعدين عليك رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: ما أنا بفاعل. قال رفض الأرض. فانطلق أبو بكر رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فانطلقت أتلوه. فجاء أناس من أسلم فقالوا: رحم الله ابا بكر في أي شيء يستعدي عليك رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي قال لك ما قال؟ فقلت: أتدرون من هذا؟ هذا أبو بكر الصديق وهو ثاني اثنين، هو ذو شيبة المسلمين، فإياكم يلتفت فيراكم تنصروني عليه فيغضب فيأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيغضب لغضبه،فيغضب الله لغضبهما فيهلك ربيعة. قالوا: فما تأمرنا؟ قال: ارجعوا. فانطلق أبو بكر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبعته وحدي، وجعلت أتلو، حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فحدثه الحديث كما كان فرفع إلي رأسه فقال: «يا ربيعة ما لك وللصديق؟ قلت: يا رسول الله كان كذا وكان كذا، فقال لي كلمة كرهتها، فقال لي قل كما قلت لك حتى يكون قصاصاً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجل فلا ترد عليه ولكن قل غفر الله لك يا أبا بكر غفر الله لك يا أبا بكر». قال فولى أبو بكر رحمه الله وهو يبكي.

عبد الرحمن العقبي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *