دردشات سياسية
1999/02/25م
المقالات
1,637 زيارة
1- الشراكة الأميركية البريطانية الجديدة:
شهدت أكثر من ساحة سياسية على الصعيدين الدولي والإقليمي تلازماً جديداً في المواقف الأميركية والبريطانية يوحي بوجود شراكة أميركية وبريطانية متميزة في المسرح الدولي.
وقد ظهرت هذه الشراكة بشكل متفاوت في العراق وليبيا، وفي ايرلندا وكوسوفو، وفي قبرص وكردستان، وفي اليمن والسودان، وما زالت تتبلور في مناطق أخرى. وعلى الصعيد الدولي تجسدت تلك الشراكة في مواقف الدولتين في مجلس الأمن وفي عدة محافل دولية أخرى.
وليست الخصوصية القديمة في العلاقة البريطانية الأميركية هي التي دفعت كلا البلدين للتشارك مع البلد الآخر لتحقيق أكير قدر من المصالح في الحلبة الدولة، وإنما التحولات التي طرأت على الموقف الدولي والتي شهدتها العالم عقب تخلف روسيا عن المركز الثاني هي التي أوجدت تلك المشاركة، فرضيت أميركا بإعطاء بريطانيا دوراً بارزاً تحت قيادتها في الشؤون العالمية، ورضيت بريطانيا بهذا الدور سائرة في ركاب أميركا لكي تحافظ على ما تبقى لها من نفوذ ومصالح في العالم.
فالتصاق بريطانيا بأميركا يجعلها شريكة في اتخاذات القرارات، ويمكنها من الاطلاع على أهداف ونوايا السياسات الأميركية في مناطق العالم المختلفة، الأمر الذي يساعدها في الحفاظ على مصالحها ونفوذها ويساعدها في تقوية تلك المصالح وذلك النفوذ.
ولا تملك بريطانيا أي خيار آخر غير تلك المشاركة لأنها إن ابتعدت عن أميركا بحجة الاستقلالية في اتخاذ القرارات فلسوف تخسر وبلا شك ما تبقى لها من نفوذ، كما هو حاصل مع فرنسان التي ما زالت تزداد ضعفاً في المسرح السياسي لاتخاذها مواقف حيادية، بينما تزداد بريطانيا قوة لمشاركتها أميركا وإن كانت مشاركة طفيلية تتغذى على المائدة الأميركية، فلقد أثبتت هذه المشاركة نجاعة واضحة لبريطانيا وقدرة على التكيف مع المتغيرات السياسية العالمية.
ويتوقع للدور البريطاني المزيد من البروز اعتماداً على سياسة المشاركة خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وضعف روسيا الشديد وعدم وجود دولة تملأ الفراغ الذي أحدثه غياب الاتحاد السوفياتي عن مسرح الأحداث، كما ويتوقع لأدوار كل من روسيا وفرنسا والصين المزيد من الضعف بسبب تغييب تلك الدول الكبرى عن المشاركة الفعالة في الأحداث السياسية بالأفعال واكتفائها بالتصريحات والأقوال. ومن جهة أخرى يتوقع للدور الأميركي المزيد من القوة والتفوق وإلى حد ما التفرد في بعض المناطق.
وإذا ترجمنا أدوار الدول الكبرى تلك إلى لغة السياسة العملية فإننا نستنتج العلاقة الدولة الثالية: أميكرا تصنع الحدث، وبريطانيا تساهم فيه، وروسيا وفرنسا تتكلمان عنه بصوت مسموع، والصين تتكلم عنه من بعيد فلا يكاد يسمع صوتها.
هذه هي صيغة العلاقة الدولية الجديدة التي بدأت تتبلور وتأخذ منحاً ثابتاً في السياسات الدولية والإقليمية بعد غياب استمر أكثر من سبع سنوات للصيغة القديمة حاولت أميركا أثنائها أن تفرض على العالم صيغة التفرد وسياسة القطب الواحد، ولكنها جوبهت بمقاومة شديدة وتكتل جميع الدول الكبرى الأخرى ـ بما فيها بريطانيا ـ ضدها وظهر ذلك واضحاً في القمة الروسية الفرنسية، والقمة الصينية الروسية ودعوتهما إلى إلغاء القطب الواحد، ما أجبرها على التخلي عنها والبحث عن صيغة جديدة تكون أكثر قبولاً وواقعية وأقل استفزازاً للعالم من سابقتها، ووجدت في مشاركة بريطانيا وسيلة لتحقيق أكبر قدر ممكن من الهيمنة على العالم، ووجدت بريطانيا في ذلك إمكانية للحفاظ على ما تبقى من نفوذها ومصالحها.
وبتوافق الإدارة الأميركية مع الإدارة البريطانية نشأت المشاركة بينهما كصيغة للعلاقة الجديدة التي بدأت تتشكل قواعدها وأسسها وتتكون إسقاطاتها وملامحها.
2- الفراغ في اليمن:
اليمن يعيش في فراغ حقيقي على كل الأصعدة والمجالات، وقبل الحديث عن حقيقة وواقع الفراغ في اليمن كان لا بد لنا من تعريف الفراغ. فكلمة الفراغ اصطلاح في السياسة الدولية وهي تعني عدم القدرة على العمل وعدم القدرة على الثبات، أي أن هناك قوة ولكنها لا يمكن استخدامها وبالكفاءة المناسبة. والفراغ أنواع: فراغ سياسي، وفراغ عسكري، وفراغ استراتيجي. والفراغ الذي يعاني منه اليمن هو الفراغ الاستراتيجي وهذا هو الذي يهمنا في هذه السطور.
والفراغ الاستراتيجي هو عدم الاستقرار الناتج عن مشاكل وأمور تواجه أمن الدولة الداخي والخارجي. وحقيقة الفراغ في اليمن أن البلد لا يوجد به استقرار وثبات انعكس على الناس على جميع المستويات إلا ما رحم ربي ولعل أهم العوامل التي أدت إلى عدم الاستقرار وإيجاد هذا الفراغ ما يلي:
1- تدخل أميركا وبريطانيا والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي بشكل سافر في اليمن حيث أن هذه الأطراف لعبت دوراً كبيراً من أجل إبعاد الاستقرار والثبات على أرض اليمن السعيد. والأمثلة على ذلك كثيرة نذكر منها:
-
محاولة أميركا التغلغل داخل الجيش اليمني بحجة إزالة المتفجرات في اليمن.
-
اجتماعات السفيرة الأميركية مع الفعاليات وزعماء الحركات الاسلامية في صنعاء.
-
زيارات السفير البريطاني الدائمية لعدن.
-
تدخل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في الأمور الحياتية والاجتماعية في اليمن ما أدى إلى تدهور سعر صرف العملة اليمنية تجاه الدولار.
2- إيجاد تيارات متعاكسة في البلد تصطدم مع بعضها اصطدامات دموية ومادية وذلك من مثل قتال القبائل مع بعضها البعض وهذا يكاد يكون بشكل دائم في اليمن فقبائل مأرب في حالة صراع، والقبائل في الشمال والشرق في صراع… الخ.
3- إيجاد أعمال تخل بالأمن كالتفجيرات، ومحاولات الاغتيال في أنحاء متعددة في اليمن، وهذا يبرز جلياً في عدن، والضالع، وحضرموت والغالب في هذه الأعمال أنها مدعومة من قبل دولة إقليمية لها تأثير على اليمن ألا وهي السعودية، فهي تدفع لشيوخ القبائل، وأعطت الكثير من أهل حضرموت جنسيات سعودية.
4- ترويج إشاعات تثير القلق بين التجار وأصحاب الأعمال وبين السياسيين والحكام أو بين الناس، ولعل إشاعة اختطاف البنات في صنعاء تصب في هذا الباب.
5- تحرش الدول المجاورة واحتلالها بعض أجزاء من اليمن، من مثل احتلال جزر حنيش من قبل أريتريا، واحتلال السعودية لبعض المواقع في الصحراء.
هذه هي أهم العوامل التي أدت إلى اختلال الموازين وحصول عدم الاستقرار والثبات وقد نشأ عن هذه العوامل ما يلي:
أ- أن اليمن يعيش في فراغ وكأن الدولة غير موجودة وفي هذه الحالة لا بد من التغيير ولا بد من البحث عن البديل وهي دولة أخرى تؤمن الاستقرار.
ب- ظهور النعرة الإقليمية بشكل كبير بين الجنوب والشمال، حيث أن الناس في الجنوب مستعدون لقبول الانفصال عن الشمال، ذلك أن المراكز الحيوية والحساسة في الجنوب بيد أبناء الشمال حتى على مستوى الوظائف الصغيرة وهو ما يؤدي إلى تعميق النعرة الانفصالية بين أبناء الجنوب.
ج- ظهور الحركات النفعية الاسلامية وغير الاسلامية والتي تساعد على إفساد الناس، ونفاقهم وتذبذبهم وراء المصالح.
د- الفقر الشديد وبشكل لا يصدقه العقل، والبطالة المتزايدة بين الشباب.
ولهذا فالكل يبحث عن البديل، وقد تتقدم قوة لسد الفراغ، إما أشخاص مخلصون من الداخل يستلمون الحكم لتأمين الاستقرار بشكل ذاتي، أو أشخاص تأتي بهم قوة خارجية للحكم وتسندهم ليوجدوا الاستقرار ويسدوا الفراغ.
هذه هي صورة مختصرة عن الفراغ في اليمن وندعو الله عز وجل أن تكون فيها الفائدة، وأن يكون رجال الإسلام المخلصون هم الذين يسدون الفراغ ويعيدون لليمن السعادة.
3- التغييرات في الأدرن:
لقد كشف غياب الملك حسين عن الأردن مدة طويلة عن وجود فراغ كبير في السلطة لم يستطع الأمير حسن ولا الأسرة الحاكمة ملأه، لذلك كان لا بد من محاولة جديدة لإعادة تأهيل نظام الحكم الملكي في الأردن لمرحلة ما بعد الملك حسين خاصة وأن المنطقة تمر بظروف سياسية صعبة تهدد أمن واستقرار بعض الدول فيها، ويأتي الأردن على رأس هذه الدول المعرضة لخطر عدم الاستقرار وربما لخطر إزالته من الخريطة.
كانت بريطانيا وما زالت تتخذ من الأردن قاعدة ارتكاز صلبة لها تستخدمها بفاعلية لتمرير سياساتها وتعطيل سياسات غيرها، إلا أن هذه القاعدة بدأت تتعرض لتصدعات حقيقية أحالتها إلى قاعدة غير غير متماسكة يخشى بسببها أن تفقد دورها الذي لعبته على مر السنين.
ووجود الأردن اليوم يتهدده خطران خارجيان مباشران، الأول من الشرق ويتمثل في الهجوم الأميركي المتكرر على العراق والذي ينذر بزوال نظام الحكم القائم فيه، والثاني من الغرب ويتمثل في إعلان الدولة الفلسطينية، وكلا الخطرين يؤثرات مباشرة على وضع وتركيبة الأردن بوصفه دولة، معظم سكانها من أصل فلسطيني، وتعتمد اقتصادياً وسياسياً على العراق.
ومن أجل استباق الأحداث ومحاولة درء الأخطار عنه واستمرار قيامه بدوره في خدمة المخططات البريطانية والحفاظ على الكيان اليهودي جاءت هذه التغييرات والتي كان أبرزها إزاحة الأمير حسن عن ولاية العهد وتعيين الأمير عبد الله بدلاً منه، في عملية تبديل للوجوه، وكمحاولة لإعادة تأهيل الأسرة الحاكمة بإلباسها ثوباً جديداً يصلح للمرحلة القادمة بعد موت الملك حسين.
إن هذه التغييرات جاءت بعد أن أثبت الأمير حسن عجزه في تسيير الحكم أثناء فترة غياب الملك حسين في الستة أشهر الماضية، فتصرفاته أثارت ريبة الملك وشكوك الأسرة المالكة فيه، ولم تدعمه بريطانيا بوصفه ملكاً. وتصرف أثناء غيبة أخيه كأنه ملك وكأن الملك حسيناً لن يعود إلى الحكم ما زاد من تفسخ القوى المهيمنة على الأردن وزاد من إمكانية سقوطه كدولة، ومن هذه التصرفات:
-
عدم قيامه بعيادة الملك حسين خلال فترة مرضه في مايو كلينيك، كما أن زوجته لم تزر الملك رغم أنها أقامت في واشنطن حوالي الشهر.
-
تكرار زياراته لقيادات الجيش وأجهزة الأمن وإهماله لاحتياجات الدولة والمواطنين.
-
اصطحابه لابنه راشد في الزيارات بزيهما العسكري.
-
تقريبه للموالين له وتعيينه لهم في مراكز السلطة الحساسة كما فعل مع صهره ناصر جودة وزير الإعلام.
-
مجافاته لرجال الملك مثل رئيس الأركان الكعابنة، وتفكيره في تسريحه.
-
قيامه بحملة شرسة ضد ضباط الجيش التابعين لعبد الله قائد القوات الخاصة للحرس الملكي.
إن هذه التصرفات أثارت امتعاض أوساط الأسرة الحاكمة وحنق مراكز القوى عليه وتململ القبائل الأمر الذي كان سيؤدي إلى مزيد من ظهور الضعف والانقسام في الدولة ويساعد في عدم استقرارها.
وإذا أضيف إلى هذه التصرفات وجود بعض الصفات الخلقية الذميمة فيه مثل الشخ والطمع وبعض الممارسات القذرة كالسرقة المكشوفة ونهب الثروة العامة، فإن ذلك كله يؤكد عدم كفايته في تولي الأمور وعدم قدرته على تأليف القلوب وإدارة أجهزة الدولة، ويثبت مقولة أنه رجل أكاديمي وليس رجل سياسة كما تنعته وسائل الإعلام، وكما وصفه أخوه الملك في رسالته المطولة إليه «وستظل قريباً مني أخاً عالماً ومفكراً وصاحب رأي».
لذلك عمد الملك حسين إلى إلصاق المصائب التي توالت على الأردن ونزلت على رؤوس الناس كمشاكل المياة والفساد والسرقات وما شاكلها بالأمير حسن. ثم قام بإبلاغه بقرار العزل عن طريق إرسال رئيس الأركان ورئيس المخابرات العامة كرسالة تخويف وردع لكي لا تحدثه نفسه بأي تمرد أو عصيان.
هذا بالنسبة لموجبات إجراء التغييرات في الأسرة الحاكمة في الأردن، وأما بالنسبة لدور أميركا فيها فإنها تحاول استغلال هذه الأوضاع لزيادة نفوذها عن طريق الملكة نور وابنها حمزة وتقريبهما من دائرة صنع القرار وقد أدخلت وزيرة الخارجية الأميركية الأردن ضمن جولتها الحالية، ووصلت يوم الخميس 28/01 إلى عمان للالتقاء بولي العهد الجديد، في محاولة للتأثير في سير الأحداث في الأردن، سيما وأن الملك حسيناً أصبح في وضع صحي حرج، لذلك فليس مستبعداً أن يكون إرسال حمزة إلى لندن ودراسته في كلية ساند هيرست من أجل اعداده ليتبوأ منصباً رفيعاً عند عودته للأردن لأن أميركا تعلم أن لا مجال لوصول شخص إلى سدة الحكم في الأردن من غير المرور في لندن، وتأمل أميركا إن ظلت الملكية موجودة في الأردن أن يصبح لها رأسان: الملك عبد الله للإنجليز وولي عهده حمزة للأميركان.
1999-02-25