العدد 142 -

السنة الثالثة عشرة – ذو القعدة 1419 هـ – آذار 1999م

غزوة بدر الكبرى

وتسمى يوم الفرقان, يوم فرق الله بين الحق فأظهره, وبين الباطل فأزهقه، وفيها نزلت سورة الأنفال: (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ) وبشكل تفصيلي:

(وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ @ إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ)، وفي أسرى بدر نزل قوله تعالى:

(مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)@ وقد ورد ذكر بدر صراحة في سورة آل عمران: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) وفيها أنزلت الملائكة على المؤمنين يثبتونهم ويبشرونهم بالنصر : (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا) وقوله: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ @ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ) وقد وقعت في السابع عشر من رمضان في السنة الثانية للهجرة.

سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان مقبلا من الشام في عير لقريش عظيمة, فيها أموال لقريش, وتجارة من تجاراتهم, وفيها ثلاثون أو أربعون رجلا, فندب المسلمين إليهم, وقال هذه عير قريش فيها أموالهم, فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها, فانتدب الناس خفافا وثقالا, ذلك أنهم لم يظنوا أن يلقوا حربا. فبلغ أبا سفيان أن محمد قد استنفر أصحابه لملاقاته ولأخذ العير والتجارة, فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري فبعثه إلى مكة ليستنفر قريشا إلى أموالهم, ويخبرهم أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد عرض لها في أصحابه, وغير طريق العير, فسار بها بالساحل وترك بدرا عن يساره, وبذلك أحرز عيره, وأرسل إلى قريش: إنكم إنما خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم, فقد نجاها الله, فارجعوا ولكن قريشا كانت قد تجهزت, فكانوا بين رجلين: إما خارج, وإما باعث مكانه أحدا, ولم يتخلف من أشرافها أحد. ولهذا قال أبو جهل, لما بلغهم نبأ نجاة العير: والله لا نرجع حتى نرد بدرا, فنقيم عليه ثلاثا, فننحر الجزر, ونطعم الطعام, ونسقى الخمر, وتعزف علينا القيان, وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا, فلا يزالون يهابوننا أبدا بعدها, فامضوا.

منطق الاستكبار نفسه في كل زمان, يخرجون من ديارهم بطرا ورياء ويصدون عن سبيل الله. هذا ما كان من أمر قريش, أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج في ليال خلت من شهر رمضان, قال ابن هشام: خرج (يوم الاثنين) لثمان ليال خلون من شهر رمضان, واستعمل عمرو بن أم مكتوم…على الصلاة بالناس, ثم رد أبا لبابة من الروحاء, واستعمله على المدينة. ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير وكان أبيض, وكان أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم رايتان سوداوان: إحداهما مع علي بن أبي طالب, يقال لها  العقاب. والأخرى مع بعض الأنصار. وكانت إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين بعيرا, وكان الثلاثة والأربعة من المسلمين يعتقبون بعيرا.

ولما بلغ رسول الله أن أبا سفيان نجا بالبعير, استشار أصحابه, وهم الذين خرجوا يطلبون العير والتجارة, فقام أبو بكر الصديق, فقال وأحسن, ثم قام عمر بن الخطاب, فقال فأحسن, ثم قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله, امض لما أراك الله فنحن معك, والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ)، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون, فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد موضع بناحية اليمن لجالدنا معك من دونه, حتى نبلغه, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له به. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشيروا علي أيها الناس, وإنما يريد الأنصار, لأنهم حين بايعوه بالعقبة, بايعوه على أن يمنعوه في المدينة ممن دهمه من عدوه, فكان يتخوف ألا تكون الأنصار ترى عليها نصره خارج المدينة, وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو خارج المدينة. فقال له سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: أجل!. قال: فقد آمنا بك, وصدقناك, وشهدنا أن ما جئت به هو الحق, وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا, على السمع والطاعة, فامض يا رسول الله لما أردت, فنحن معك, فوالذي بعثك بالحق, لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته, لخضناه معك, ماتخلف منا رجل واحد, وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا, إنا لصبر في الحرب, صدق في اللقاء….فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد, ثم قال: سيروا وأبشروا, فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين, والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم.

وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم نفرا من أصحابه يتسقطون أخبار قريش على ماء بدر, فأصابوا اثنين من غلمان قريش, واستجوبهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف منهما أن عدة قريش ما بين التسع مئة والألف, وفيهم الكثير من أشراف قريش, فأقبل على الناس, فقال: هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها. ونزلت قريش بالعدوة القصوى من وادي بدر, ونزل صلى الله عليه وسلم بأدنى ماء من بدر, فسأله الحباب بن المنذر قال: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل, أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه, ولا نتأخر عنه, أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال :صلى الله عليه وسلم بل هو الرأي والحرب والمكيدة؛ فقال: يا رسول الله, فإن هذا ليس بمنزل, فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله, ثم نفور ما وراءه من القلب, ثم نبني عليه حوضا, فنملأه ماء, فنشرب ولا يشربون, فاستحسن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرأي, ونزل عند رأي الحباب بن المنذر. ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا قال: اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها, تحادك وتكذب رسولك, اللهم فنصرك الذي وعدتني, اللهم أحنهم (أهلكهم) الغداة. ثم عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف, ورجع إلى عريشه, ومعه فيه أبو بكر, ثم رفع يديد يدعو ربه, اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد. ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسلمين فحرضهم على القتال, وقال: والذي نفس محمد بيده, لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا, مقبلا غير مدبر, إلا أدخله الله الجنة. فقال عمير بن الحمام, وفي يده تمرات يأكلهن: بخ بخ, أفما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء, ثم قذف التمرات من يده, وأخذ سيفه, فقاتل القوم حتى قتل.

ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ حفنة من الحصباء فاستقبل قريشا بها, ثم قال: شاهت الوجوه, ثم نضحهم بها وأمر أصحابه أن شدوا, فكانت هزيمة الكفار, فقتل من صناديد قريش من قتل، وأسر من أسر من أشرافهم، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أناس معينين من المشركين, منهم عمه العباس, لأنهم أخرجوا مستكرهين. فأزعج ذلك بعض المسلمين فقال احدهم أبو حذيفة: أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخوتنا وعشيرتنا, ونترك العباس, والله لئن لقيته لألحمنه بالسيف, فبلغت مقالته رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال لعمر بن الخطاب محزونا: أيضرب وجه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف؟. فاستأذنه عمر أن يضرب عنق أبي حذيفة بالسيف؛ وقد استشعر أبو حذيفة خطأه, وما زال خائفا من قولته حتى استشهد باليمامة.

وبالنسبة لقتال الملائكة مع المسلمين, فقد وردت روايات متعددة أن الملائكة قاتلوا مع المسلمين في يوم بدر, ولم يقاتلوا في غير بدر من الغزوات, وإنما كانوا يكونون عددا ومددا لا يضربون, وهناك روايات أن الملائكة لا يقاتلون, وإنما يشهدون المواقع مع المسلمين يكثرون سوادهم ويبشرونهم بالنصر, وأن الآية الكريمة تدل على ذلك: (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )@ فالنصر من عند الله, وإنما دور الملائكة التثبيت والتبشير.

وقد طرح قتلى المشركين في القليب، ووقف عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أهل القليب هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا؟ فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا, فقال له أصحابه: يا رسول الله, أتكلم قوما موتى؟ فقال لهم: لقد علموا أن ما وعدهم ربهم حقا. وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاطب أهل القليب قائلاً: يا أهل القليب, بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم, كذبتموني وصدقني الناس, وأخرجتموني وآواني الناس, وقاتلتموني ونصرني الناس. وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيرين إلى المدينة بما فتح الله عز وجل على رسوله, قال أسامة بن زيد: فأتانا الخبر حين سوينا التراب على رقية ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كانت عند عثمان بن عفان.

ثم قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة, ومعه الأسرى من المشركين, واحتمل معه النفل الذي أصيب من المشركين, واحتمل معه النفل الذي أصيب من المشركين, وفي الطريق, قسم النفل الذي أفاء الله على المسلمين على السواء, ولقيه المسلمون يهنئونه بالنصر الذي فتح الله عليه ومن معه من المسلمين.

وقد أحل الله الغنيمة للمسلمين في غزوة بدر, فنزل قوله تعالى: (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ونزل حكم الغنائم (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *