العدد 253 -

العدد 253- السنة الثانية والعشرون، صفر 1429هـ، الموافق شباط 2008م

الشخصية السياسية المطلوبة

الشخصية السياسية المطلوبة

 

لم يكنْ لدى المسلمينَ عقيدةٌ سياسيةٌ يستندونَ إليها في حياتهم سوى العقيدةِ الإسلاميةِ، فهي الفكرةُ السياسيةُ التي يستندون إليها في جميع ما يتعلقُ بحياتهم من تشريعٍ وتَصريفِ أمورٍ ورعايةِ شؤون، وهي الفكرةُ التي يُطلّونَ على العالم من خلالها، فيصنعونَ الأحداثَ أو يتعاملونَ مَعَها من خلالِ ما انبثقَ عنها من أحكام أو بُنيَ عليها من أفكار، فهي عِندَهُم عقيدةٌ سياسيةٌ حيةٌ فاعلةٌ، غيرَ أن الأمورَ قد انقلبت، والرجالُ قد أُزيحت أو تَوَلّت، فأُبعدَ الإسلامُ السياسيُّ من كونهِ أساسُ حياةِ المسلمينَ السياسيّة، وذلك بتَولّي الاتحاديين للِحكم في إسطنبول وإلغائهِم للدستورِ الإسلاميّ -على ما فيه- وتَبنيهِم لدستورٍ علمانيٍ بدلاً عنه، ثم دُمّرَ الإسلامُ السياسيُّ تماماً من حياةِ المسلمين بقرارِ الكماليينَ إلغاءَ الخلافة.

وظَلَ المسلمونَ بعدها لا يمارسونَ السياسة إلا بأفكارِ الكفارِ التي غَزَتْ العقول، وسيطرتْ على الأمور، حتى أظهرَ اللهُ تعالى لهذهِ الأمةِ مَنْ يُجدِدُ فيها ممارسةَ العملِ الإسلاميِّ السياسيِّ بالفِكر، ويعملُ لمباشـرتهِ بالفعل، من خلالِ  حزب سياسي يعمل لبناء كيانٍ يُعيدُ العقيدةَ الإسلامية أساسَ حياةِ المسلمينَ السياسية.

إن تحقيقُ العملِ السياسي الصحيح يقتضي أموراً منها.

أولاً: التفريق بين السياسي والباحث أو المفكْر:

إنَ كلَ من يدرسُ التاريخَ، والتاريخَ السياسيَّ بالذات، أو يُقدِّمُ الأبحاثَ الفكريةَ والفقهيةَ في شتَّى المواضيع، دونَ أن يعملَ على تنزيلِ فكرِهِ على الوقائعِ الجارية، أو دونَ تثقيفِ الأمةِ بهذا الفكرِ لِتتخِذهُ فكراً لها، ودون أن يُناضِلَ لجعلِ فكرِهِ مجسّداً في العلاقاتِ مُسيراً لها، من يَقتصِرُ عمله على ذلك، إنما هو باحثٌ فقط، وكذلك المفِكرُ الذي يُقدمُ لأمتهِ وجهةَ نَظرٍ جديدة أو إحياء لفكرتها التي تَركْتَها، دون أن يُباشرَ النضالَ لجعلها حيةً في الحياة، إنما هو مجردُ مفكرٍ وليسَ سياسيا،ً أما إذا ناضلَ في سبيل جعل فِكرِه تنطقُ به الأحداث، أو تتبع الأحداثِ ناقداً لها على أساسِ فكرِهِ فعندها يكونُ سياسياً. فالسياسةُ لا تنفصلُ عن العملِ بنضالٍ لجعلها مُطبقة في الحياة، والسياسيُّ لا يوجد عملياً إلا إذا ناضلَ وكافحَ وثابرَ لجعل فكره يسود الحياة والعلاقات، فالسياسيُّ غيرُ المفكرِ إلا إذا ناضلَ في سبيل أفكاره فعندها يكونُ سياسياً مفكراً.

ثانياً: التفريق بين السياسي والصحفي:

السياسةُ هي رعايةُ الشؤونِ داخلياً وخارجياً، وليستْ قراءة الصحفِ ولا سماع الأخبار، ولا حتى التعليق عليها، وإن كانت هذه وأمثالها من لوازمِ السياسي كخُبزهِ اليومي، فالسياسةُ هي أعمالٌ جاريةٌ، وأفكارٌ جارية،  وهي إنما تَصلُ عادةً إلى الناسٍ وإلى الأشخاصِ عن طريقِ الأخبار، وكان فَهمُها يتأتىّ عن طريقِ الأخبار، والسياسي أيُّ سياسي لا يمكن أن يكون سياسياً إلا إذا كان لَدْيهِ متابعة للأخبار، وكذلك لا بُدّ له من معلوماتٍ حول موضوع الخبر، سواءٌ أكان الخبرُ داخلياً أم خارجياً، لذلكَ وجدَ في الناس سياسيون كما وُجدَ صحفيونَ ينقلونَ الأخبار، ووجدَ في الناسِ رجالُ سياسةٍ كما وجد رجالُ صحافة، وأحدُهُما غَيرُ الآخرِ تماماً، وقد يرتفعُ الصحفيُّ ليصبحَ سياسياً إذا كان الخبرُ عندَهُ لرعايةِ الشؤون، وقد يهبطُ السياسيُّ إلى مستوى أنْ يكونَ صحفياً أو معلقاً صحفياً، إذا كان همُّهُ فقط نقلُ الأخبار.

وشبابُ الحزبِ يعتبرونُ سياسيينَ عمليين لا سياسيين نظريين ولا صحفيين، فهمْ وإن كانَ لا بُدَّ من أن يبذلوا العنايةَ الفائقةَ في تتبعِ الأخبار والإحاطةِ بها، ولكنهم يجبُ أن تكون لديهمْ وسيلةٌ لرعايةِ شؤون أمتهم وليست غاية بحد ذاتها، لأنهم سياسيون وليسوا صحفيين، حتى لو كانت مهنتهم هي الصحافة، وفوق ذلك فهم حملةُ دعوة، وأصحابُ فكرة، لذلك لابُدّ من أن يظلوا سائرينَ في رعايةِ شؤونِ الناسٍ بالفكرة، وبحملِ الدعوةِ يجعلون الأخبارَ السياسيةَ والمعلوماتِ السياسيةَ الأداة التي نَقلتْ إليهم الأعمالَ أو الأفكار، ولا يصحُ أن تزيدَ قيمتها لديهمْ عن ذلك، حتى لا يتحولَ السياسيُّ حاملَ الدعوةِ إلى عمل الصحفي من حيثُ لا يدرك. فيجبُ متابعةُ الأخبارِ، لكن لا نتصدى لنقلها والتعليقِ عليها، بل من أجلِ رعايةِ الشؤونِ بها.

إلا أنه لما صارتْ لهذه الأخبار والمعلوماتِ الإخبارية، من قيمةٍ ورواج، بَرزتْ أهميتُها، وأُعطيتْ عنايةً فائقةً من الدولِ بحيثُ أصبحتْ وسيلةً من وسائلِ الترويجِ للأفكارِ أو المشاريع أو الدولِ والأشخاص، هذا فوقَ دورها الموروثِ في التضليل، كل ذلك جعل لها أهميةً خاصةً وبارزة، إلا أن هذه الأهميةَ تكمُنُ في عملِ الصحافةِ كصحافة، وهي أهميةٌ تُبقيها أداة لغيرها، فالسياسي تبقى وسائلُ الإعلامِ كلِها وسيلةً من وسائله، ليس إلا.

ثالثاً: وضوحُ المعنى العملي للسياسة:

فإذا كانتِ السياسةُ هي رعايةُ الشؤون، فالشؤونُ تختلفُ باختلافِ الأوضاع، وتتجددُ بتغيرُ الأحوال، فمثلا التربُعُ على سُدّة الحكمِ من قبلِ شخصٍ عميلٍ يُنفذُ المؤامراتِ بثقةِ الناس به، هو أمرٌ من أمورِ الناسِ وشؤونِهم، وشَنُّ العدوِ حرباً على بلادِ المسلمين، هو من أمورٍ الناس، ثم أن يخسرَ فيها العدو عسكرياً، من شؤونِ الناس، ثم أن مجلسَ الأمنِ يصدرُ قراراً يحققُ المكاسبَ لأعداءِ الأمة فيقبلهُ الحكام، من شؤون الناس، فالسياسي يتابعُ أمورَ أمته، فيفْهمُ ما يجري حولهُ من أحداثٍ بعينٍ كاشفةٍ ثاقبة، ويعرف من يتحكمُ بمقدراتِ الأمةِ من جهات دون أن ينخدعَ بأحد، وبالتالي يستطيع أن يُحددَ بدقةٍ النقطةَ التي لابد من الوقوفِ عندها لأجلِ رعايتها، فهو يتابعُ الأحداثَ بدقةٍ ويحكمُ عليها بدقةٍ ويتخذُ الموقفَ منها بدقة، وهذه الرعايةُ لا تأخذَ عنده شكلاً واحداً ثابتاً، فرعايتهُ الشؤونِ قد تقتضي أحياناً كشفَ عميل، إذا كان كشفُ هذا العميلِ يحققُ معنى الرعاية، لأن شخصُهُ مثلاً نقطةَ الزاوية في تنفيذِ خِططِ الكفار ونجاحها، وقد تقتضي الرعايةُ كشفُ خِطةٍ لكافرٍ أو عميل، إذا كان العميلُ معروفاً والخطةُ غيرَ معروفة، وقد تقتضي تبني مصلحةً للأمةِ ببيانِ الحكمِ الشرعي فيها أو بيان سوءِ الرعاية أو كلاهما، وقد يكونُ بتوجيهِ الأمةِ نحو هدفٍ يسعى له، أو فكرةٍ يُحددها، وهكذا لا يمتلكُ السياسيُّ ما يسمى بـ«العادة بالتفكيرِ» و«العادةُ بالعمل»، أو بعبارة أخرى الجمود، لأن الهدف هو رعاية شؤون الأمة من خلال المبدأ.

لكن عدمَ الجمودِ هذا، لا يجوزُ أن يَجُر المسلمَ السياسي لمعنى السياسية كما هو عند الغربيين، لأن المسلمَ مقيدٌ بالحكمِ الشرعي، فالسياسةُ عند الغربيين هي فنُّ الممكناتِ أي فنُّ الواقع، أي علاجُ الواقع لا بما يقتضي علاجُهُ من فكرٍ ثابت، بل علاجهُ بما يتمشى مع روحِ العصر، فالسياسة عندهم هي فنُّ الممكنات، وهذا الفهم لمعنى السياسة، هو المسيطرُ على جميع الذين يمارسونَ السياسة عملياً في العالم، وعلى من يقلدهم في بلاد المسلمين من السياسيين، فليحذر المسلم من ذلك، فالممكن لا تعني عندهم فقط ما هو ضد المستحيل، ولا تعني عندهم فقط صنع الوقائع أو تغييرها أو تجديدها بكل الإمكانات المتوفرةِ، بل أسوأُ ما تعنيه، ترقيعُ الواقعِ أو تحسينهُ دونَ التقيدِ بأي فكرٍ ثابت، ونظرةٌ على مشكلةِ فلسطينَ أو قبرص تكشفُ هذا المعنى.

رابعاً: حقيقة الوعي السياسي:

والحديثُ عن المعنى العملي للسياسة، يقودنا إلى تحديدِ معنى الوعي السياسي المطلوب، فالوعيُ السياسي عندَ حاملِ الدعوة لا يعني الوعيَ على الأوضاعِ السياسيةِ المحليةِ أو الدولية، ولا يعني الوعيَ على الموقفِ الدولي، أو على الحوادثِ السياسية، أو تتبعِ أخبارِ السياسة الدولية، أو الأعمالِ السياسية،  وان كان ذلك من مستلزماتِ تحصيله أو كماله،  وإنما الوعيُ السياسيُ هو النظرةُ إلى العالم وإلى الأحداث من زاويةٍ خاصة، وهي بالنسبةِ لنا كمسلمين زاوية العقيدة الإسلامية زاويةُ «لا اله إلا الله محمد رسول الله» هذا هو الوعيُ السياسيُ عندنا فليس هو بكثرة الأخبارِ أو بتحليلها، فالنظرةُ إلى العالم من غير زاويةٍ خاصة تعتبرُ سطحية، وليس وعياً سياسياً، ولا يتمُ الوعيُ السياسي إلا إذا توفرَ العُنصران: أن تكونَ النظرةُ إلى العالم كله، وان تنطلقَ هذه النظرةُ من زاويةٍ خاصة محددة، هي بالطبع بالنسبة للمسلم من زاوية العقيدة الإسلامية والحكم الشرعي. هذا هو الوعي السياسي، وهذا الفهمُ لمعنى الوعيِ السياسيِ يحتمُ طبيعياً على السياسي أن يخوضَ النضالَ في سبيلِ مبدئه، ليسود وحدهُ الأرض.

فالواعي سياسياً يتحتمُ عليه أن يخوضَ النضالَ ضدَ جميعِ الاتجاهاتِ التي تناقضُ اتجاهه، وضدَ جميعِ المفاهيم التي تناقضُ مفاهيمه، في الوقت الذي يخوضُ فيه النضال لتركيزِ مفاهيمهِ وغرسِ اتجاههِ. فهو يسير في اتجاهين في آن واحد لا ينفصلُ أحدهما عن الآخر في النضالِ قيد شعرةٍ لأنهما شيءٌ واحد،  فهو يحطمُ ويقيم، ويهدمُ ويبني،  يبدد الظلامَ ويشعلُ النور، وهو كما قيل ناراً تحرقُ الفساد ونورٌ يضيءُ طريقَ الهدى.

ولأجل أن لا يظن أحد أن الوعي السياسي أمر ضخم وصعب لا يتمتع به إلا المبدعون والمثقفون، فإنه لابد أن يعرف الجميع أن الوعي السياسي ميسور لكل الناس حتى للعوام؛ لأن الوعي السياسي لا يعني الإحاطة بما في العالم من أعمال سياسية، ولا الإحاطة بالإسلام كله، وإنما يعني فقط متابعة ما يجري، وأن تكون النظرة إلى العالم من زاوية الإسلام، فالعبرة فيه هي النظرة العالمية من زاوية خاصة، ولو كان عملاً سياسياً واحداً، فبمجرد أن تنظر للأحداث وتفهمها ثم تحكم عليها من زاوية الإسلام يكفي للدلالة على توفر الوعي السياسي، وكمثال حي على هذا ما يجري في لبنان، فإنه لا يصح متابعته بمعزل عن الواقع الإقليمي والدولي المتحكم في أطراف اللعبة، وكذلك لا يجوز أن يحكم على ما يجري بعيداً عن زاوية الحكم الشرعي، فالواقع يجب أن يكون موضع العلاج لا مصدر العلاج.

صحيحٌ أن هذا الوعيَ السياسيَ يتفاوتُ قوةً وضعفاً بتفاوتِ المعارفِ عن العالمِ وعن الأحداثِ السياسية، ويتفاوتُ بتفاوتِ المعارفِ عن الإسلام، ولكن كلهُ وعيٌ سياسي، وعلى هذا فالوعيُ السياسيُ ليس خاصاً بالسياسيينَ والمفكرينَ، ولا يصحُ أن يكونَ خاصاً بالسياسيين والمفكرين، وإنما هو عامٌ، ويجب أن يكون عاماً، وممكنٌ إيجادهُ في العوام كما يمكن إيجادهُ في العلماء والمتعلمين، بل يجبُ إيجادهُ ولو إجمالاً في الأمة بجملتها؛ لأن الأمةَ هي التربةُ التي ينبتُ فيها الرجالُ، فلا بد من أن تكونَ هذه التربةُ تربةَ وعيٍ سياسي، حتى تُنبتَ الرجالَ المخلصين الواعين، وحتى تتمكنَ من محاسبةِ الحكام، ومجابهة المؤامرات الخارجيةِ الهائلةِ والشاملةِ والمستمرة بوعيٍ إسلاميٍ صحيح، فإذا لم يتوفرْ هذا الوعي لُدغنا مراراً من الجُحر الواحد.

خامساً: الوسط السياسي الذي يُسعى لإيجاده:

الوسطُ السياسيُ هو وسطُ الرجال الذين يباشرونَ رعايةَ شؤونِ الناسِ عملياً من خلالِ مباشرةِ الحكم، وكذلك الرجالُ الذين يتتبعونَ الأخبارَ السياسيةِ والأعمالَ السياسية والأحداثَ السياسية ليُعطوا رأيهم فيها ويرعوا شؤونَ الناسِ بالرأيِ الذي يحملون. فالوسطُ السياسيُ هو وسطُ السياسيينَ، سواء أكانوا حكاماً أم كانوا غيرَ حكام. فهذا الوسطُ الذي يعيشونَ فيه ويباشرونَ حياتهم فيه هو الذي يطلقُ عليه الوسطُ السياسي. ومنذ غيابِ دولة الإسلام انتهى الوسطُ السياسيُ الإسلامي تماماً، فأوجدَ الكفارُ الذين احتلوا بلادَ المسلمينَ وسطاً سياسياً فاسداً بفسادِ أفكارهِ وأشخاصه، وذلكَ بعد أن أعدّهُم الكافرُ فجعلَ فكرَهُ هو فِكرُهُم، وآمالهُم آمالاً آنية تافهة، ولما خرجَ هذا الكافرُ من بلادنا عسكرياً تسلمَ هذا الوسطُ مقاليدَ الأمور، وما زال هذا الوسطُ هو هو بأفكارهِ وآماله، وما زالَ هذا الكافرُ قادراً على صنعِ العملاءَ الذين يفهمونَ السياسةَ على مقاسه، ولذلك على السياسيِ المسلمِ أن يكونَ بعيداً عن هذا الوسطِ بل يسعى لإيجادِ وسطٍ بديلٍ في فكرهِ وأهدافه، فعلى المسلمِ أن يدركَ أن كلَ من يقبلُ على نفسهِ أو حزبهِ أن يكونَ في وزاراتِ الكفار، أو منتمياً أو متحالفاً مع الأحزابِ السياسيةِ غير الإسلاميةِ، أو محاسباً للحكام على أساس الدساتيرِ الحالية، عليه أن يُدركَ أنه بهذا الصنيعِ يكونُ جزءاً من الوسطِ السياسيِ الحالي، فالسياسيُ المسلمُ الحقُ هو سياسيٌّ عقائدي لا يقبلُ الانخراطَ بهذا الوسطِ لأنه لا يرضى بأنصافِ الأفكار؛ لأنَّ الحكم عندهُ وسيلةٌ وليسَ غاية، والمحاسبةُ حكمٌ شرعيٌ وليستْ وسيلة، فيجبُ أن تكونَ على أساسِ الإسلام أو لا تكون.

قال تعالى: (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ للهِ جَمِيعًا) [النساء 139] وقال تعالى: (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) [هود 113].

سادساً: السياسي المسلم شخصية إسلامية:

السياسيُ الذي يسهرُ على رعايةِ شؤونِ أمته، وينظرُ في حالها، مُبصراً ذلك من خلال مبدئِهِ، متخذاً عقيدتهُ أساساً لكلِ ما يصادفهُ، أي جاعلاً عقلَهُ وقلبَهُ أساسَهُما الإيمان، هو شخصيةٌ إسلاميةٌ لأنه يجعلُ قرآنهُ وعقيدتهُ حية، لا يقبل لهما الانحسارَ في أضيقِ الأعمالِ وأضعفِ الشؤون، بل هو بهذا يريدُ أن يقلبَ الأرضَ ليزرعها كُلها بالإسلام، قال تعالى في سورة الحج (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) [الحج 41].

هذه الشخصيةُ الإسلاميةُ، وهذا المسلمُ السياسيُ بهذا الفهمِ الشامل، هو من أتقى الناسِ وأعظمهم رفعةً وروحانية، لأن هذه الروحانيةَ التي لديه هي روحانيةُ المجاهدين في خنادقِ القتال، وروحانيةُ المتعبدينَ في المساجد، وروحانيةُ الباكينَ من خشيةِ الله تعالى، وروحانيةُ المرابطِ الذي باتتْ عينه تحرسُ أرضَ اللهِ في سبيل الله، وهي في نفس الوقتِ لا تظهرُ بالتمسكُن  ولا بالتشدُق، ولا بالاصطناعِ والتظاهر؛ لأن مشاعرهُ مشاعرٌ صادقةٍ جياشةٍ مسيرةٌ بالشرعِ وناتجة عنه، فهي مستقرةٌ بالنفس، ثابتةٌ في القلب، مرتكزةٌ  إلى العقل، ويكفي مظهرٌ من مظاهرها ألا وهو الحكمُ على العالم والأحداث والأشخاص من خلال «لا إله إلا الله محمد رسول الله».

قال تعالى: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النور 55].

وليد عبد المعز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *