العدد 251 -

العدد 251- السنة الثانية والعشرون، ذو الحجة 1428هـ، الموافق كانون الاول 2007م

الخلافة والعلاقة الفكرية مع أهل الكتاب

الخلافة والعلاقة الفكرية مع أهل الكتاب

 

 لقد شرف الله الأمة الإسلامية بأمانة تبليغ الإسلام للبشرية جمعاء لتكون شاهدة على الناس يوم القيامة ويكون الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عليها شهيداً، والأمر لا يقتصر على مجرد التبليغ كنوع من أنواع التعارف الثقافي وتبادل الآراء، بل كان لزاماً على المسلمين أن يدركوا أن حملهم لدعوة الإسلام للأمم الأخرى هو فرض فرضه الله عليهم أثموا إن هم قعدوا عن أدائه. وهذا الفرض لا يمكن أداؤه إلا بالطريقة التي فرضها الله سبحانه وتعالى وهي الجهاد لكسر الحواجز التي تقف عائقاً بين تبليغ الإسلام وبين البشر. وهذا السعي الحثيث من قبل المسلمين لا يعني بحال من الأحوال إجبار الناس بقوة السيف على دخول الإسلام، فبعد التبليغ المؤثر وإظهار الحق والعدل يُترك أهل الذمة وما يعبدون، لا بل إن الدولة الإسلامية تؤمن لهم الأمن والأمان والعيش الكريم وحرية العبادة.

لقد رسم الخطاب القرآني طبيعة واضحة تحدد معالم العلاقة الفكرية مع أهل الكتاب، فهو يقرر كفرهم في غير ما موضع، والحكم بكفرهم يقتضي أن يقوم المسلمون بدعوتهم، والدعوة تقتضي وجود علاقة فكرية، ولقد بين لنا القرآن الكريم فعلاً طريقة دعوتهم، وحدد لنا مجال البحث الفكري معهم، وإذا ما استعرضنا الآيات التي بينت كيفية مخاطبة أهل الكتاب نرى أن المصطلح القرآني يستخدم كلمة مُجادلة ومُحاجة في غير ما موضع، ولا يستخدم كلمة حوار فيما يتعلق بمخاطبتهم، فعلى سبيل المثال يقول المولى سبحانه وتعالى مخاطباً رسوله الكريم: (وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [النحل 125] كما ويقول سبحانه وتعالى مخاطباً المسلمين (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا ءَامَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [العنكبوت 46] والفرق لغة بين المجادلة وبين الحوار بينة واضحة، فالمجادلة تعني مقابلة الحجة بالحجة كما وتعني المخاصمة، وقد جاء في لسان العرب “الجَدَل: اللَّدَدُ في الخصومة والقدرة عليها”، بينما المحاورة كما جاء في لسان العرب تعني المجاوبة، والتًّحاوُرُ التجاوب.

وما أن استتب أمر الدولة الإسلامية في المدينة حتى بدأ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) المبادرة تلو الأخرى للاتصال بأهل الكتاب، سواء أكانوا يهوداً أم نصارى، فالدعوة التي رأت النور في جبال مكة وحوصرت في شعابها ما أُنزلت من فوق سبع سماوات لتكون حبيسة بحدود العشيرة أو البلد أو حتى بالعرب دون غيرهم من الأقوام الآخرين، وإنما دعوة للناس كافة. لقد كانت الدعوة إلى الإسلام والتوحيد ونبذ الشرك هي الغاية من وراء اتصالات الرسول. ومن أمثلة ذلك السفارات التي بادر الرسول بإرسالها إلى مختلف الملوك والأمراء وكان لملوك أهل الكتاب من النصارى نصيب الأسد من تلك المكاتبات، ولعل ذلك كان منسجماً مع كونهم أصحاب كتاب سماوي يبشر بالمصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) الأمر الذي قد يجعلهم أقرب لتقبل هذه الدعوة. ففي أعقاب صلح الحديبية بعث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أربعة من الصحابة كلٌ يحمل كتاب دعوة إلى ملوك النصرانية آنذاك؛ فكانت وجهة دحية بن خليفة الكلبي إمبراطور بيزنطة هرقل، وتوجه عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي ملك الحبشة، وأُرسل الصحابي حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس حاكم مصر، أما شجاع بن وهب الأسدي فقد بُعث إلى المنذر بن الحارث الغساني حاكم دمشق. وجاء في الكتاب الذي أُرسل إلى هرقل «بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، وإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين، ويا أهل الكتاب، تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله… إلى قوله فقالوا اشهدوا بأنا مسلمون» (مسلم).

لقد تجلى مفهوم المجادلة في العديد من اتصالات الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مع اليهود والنصارى، وخصوصاً أن كثيراً منهم رفضوا قبول الدعوة وأنكروا نبوته. ولقد كان لليهود شأن عظيم في مجادلة الرسول، وأظهروا جحوداً ومعاندة لم يأتِ بها قوم قبلهم ولن يأتي بها قومٌ بعدهم. فجادلوه في القرآن قال الإمام الطبري في تفسير قوله تعالى: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْءَانِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) [الإسراء 88]. «يقول جل ثناؤه قل يا محمد للذين قالوا لك إنا نأتي بمثل هذا القرآن: لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله لا يأتون أبداً بمثله ولو كان بعضهم لبعض عوناً وظهراً. وذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بسبب قوم من اليهود جادلوه في القرآن وسألوه أن يأتيهم بآية غيره شاهدة له على نبوته؛ لأن مثل هذا القرآن بهم قدرة على أن يأتوا به». أما ما دار من مجادلات مع أهل الكتاب من النصارى فقد روت كتب الحديث والسير قصة وفد نصارى نجران الذين حضروا إلى المدينة عام الوفود بعد أن بعث إليهم رسول الله بكتاب جاء فيه «باسم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب، أما بعد، فإني أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد، وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد، فإن أبيتم فالجزية، فإن أبيتم فقد آذنتكم بحرب، والسلام» (زاد المعاد). ويبدو أن الوفد الذي جاء على إثر هذا الكتاب قد تجهز للمناظرة والمحاجّة، فقد ضم الوفد رجالاً من أشراف نصارى نجران وأهل العلم فيهم، ولقد نقلت العديد من كتب السير والحديث والتفسير بألفاظ متقاربة ما دار بينهم وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من مُجادلة ومحاجّة دعاهم فيها رسول الله إلى الإسلام، فأبوا وحاجّوه في ألوهية عيسى عليه السلام، فأقام عليهم الحجج القاطعة والبراهين الساطعة على أن عيسى هو مخلوق، وأن شأنه في الخلق من غير أب أهون عند الله من خلق آدم من دون أم وأب، ولمّا أصر القوم على كفرهم عناداً ومكابرة أمر الله رسوله أن يباهلهم، قال تعالى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [آل عمران 59].

ولقد سارت الدولة الإسلامية على الخط الذي رسمه لها المصطفى عليه الصلاة والسلام ولقد تجلى ذلك في الفتوحات العظيمة وما تبعها من دخول لأمم كثيرة من أهل الكتاب بعد أن تبين لهم الحق، ولقد نقلت كتب التاريخ روايات كثيرة حول سفارات قامت الخلافة الإسلامية في عصورها المزدهرة بإيفادها إلى بلاد الروم كي تباشر مجادلة ملوكهم وأحبارهم، ولعل أشهر تلك السفارات هي تلك التي أوفد فيها الخليفة العباسي عضد الدولة الإمام الباقلاني، وقد كان لسان الأمة وإماماً من أئمتها في سفارة إلى القسطنطينية، وقد كانت يومها حاضرة ملك الروم وفيها أعظم كنائسهم. ويذكر لنا الباقلاني طرفاً مما دار في مجالسه مع ملك الروم وكبار القساوسة:

«قال الباقلاني: ثم سألني في مجلس ثان-يقصد ملك الروم وكان معه كبار القساوسة-، فقال: ما تقولون في المسيح عيسى بن مريم؟

قلت: روح الله وكلمته وعبده ونبيه ورسوله، كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له: كن فيكون، وتلوت عليه النّص.

فقال: يا مسلم، تقولون المسيح عبد؟

فقلت: نعم، كذا نقول وبه ندين.

قال: ولا تقولون إنه ابن الله؟

قلت: معاذ الله، «ما أتخذ الله من ولد وما كان معه من إله», إنكم لتقولون قولاً عظيماً، فإذا جعلتم المسيح ابن الله فمن أبوه وأخوه وجده وعمه وخاله؟، وعددت عليه الأقارب.

 فتحير وقال: يا مسلم؛ العبد يخلق ويحيي ويميت، ويبرئ الأكمه والأبرص؟!

فقلت: لا يقدر العبد على ذلك، وإنما ذلك كله من فعل البارئ عز وجل.

قال: وكيف يكون المسيح عبداً لله وخلقاً من خلقه، وقد أتى بهذه الآيات، وفعل ذلك كله؟

قلت: معاذ الله، ما أحيا المسيح الموتى، ولا أبرأ الأكمه والأبرص.

فتحير وقل صبره، وقال: يا مسلم؛ تنكر هذا مع اشتهاره في الخلق، وأخذ الناس له بالقبول؟

فقلت: ما قال أحد من أهل الفقه والمعرفة إن الأنبياء عليهم السلام يفعلون المعجزات من ذاتهم، وإنما هو شيء يفعله الله تعالى على أيديهم تصديقاً لهم يجري مجرى الشهادة.

فقال: قد حضر عندي جماعة من أولاد نبيكم وأهل دينكم، المشهورين فيكم، وقالوا إن ذلك في كتابكم.

فقلت: أيها الملك؛ في كتابنا أن ذلك كان بإذن الله تعالى، وتلوت عليه قوله تعالى: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) [المائدة 110] وقلت إنما فعل ذلك كله بالله وحده لا شريك له، لا من ذات المسيح، ولو كان المسيح يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص من ذاته لجاز أن يقال إن موسى فلق البحر، وأخرج يده بيضاء من غير سوء من ذاته. وليس معجزات الأنبياء عليهم السلام من ذاتهم وأفعالهم دون إرادة الخالق، فلمّا لم يجز هذا لم يجز أن تسند المعجزات التي ظهرت على يد المسيح إليه.

فقال الملك: وسائر الأنبياء كلهم، من آدم إلى من بعده، كانوا يتضرّعون للمسيح حتى يفعل ما يطلبون!

قلت: أوفي لسان اليهود عظمٌ لا يقدرون أن يقولوا إن المسيح كان يتضرع إلى موسى؟ وكل صاحب نبي يقول إن المسيح كان يتضرّع إلى نبيه؟! فلا فرق بين الموضعين في الدعوى. وانفصل هذا المجلس.

قال الباقلاني: وفي تكلمنا في مجلس ثالث قلت: لمَ اتّحد اللاهوت بالناسوت؟

فقال: أراد أن ينجي الناس من الهلاك.

فقلت: وهل دَرَى بأنه يقتل ويصلب ويُفعل به كذا، ولم يأمن اليهود؟ فإن قلت إنه لم يدر ما أراد اليهود؛ بطل أن يكون إلهاً، وإذا بطل أن يكون إلهاً بطل أن يكون ابناً. وإن قلت قد درى ودخل في هذا الأمر على بصيرة؛ فليس بحكيم؛ لأن الحكمة تمنع من التعرض للبلاء. فبهت، وكان أخر مجلس لي معه).

ومما جرى في تلك المجالس أيضاً (أن الباقلاني قال لبعض المطارنة: كيف أنت وكيف الأهل والأولاد؟

فقال له الملك وقد عجب من قوله: ذكر من أرسلك –يقصد الخليفة العباسي عضد الدولة- في كتاب الرسالة أنك لسان الأمة ومتقدم على علماء الملة! أما علمت أننا ننـزه هؤلاء عن الأهل والولد؟

فقال الباقلاني: أنتم لا تنـزهون الله سبحانه وتعالى عن الأهل والأولاد، وتنـزهونهم؟! فكأن هؤلاء عندكم أقدس وأجل من الله سبحانه وتعالى!! فسقط في أيديهم، ولم يردوا جواباً.

ثم قال الملك: أخبرني عن قصة عائشة زوج نبيكم وما قيل فيها؟

فقال: هما اثنتان قيل فيهما ما قيل؛ زوج نبينا، ومريم بنت عمران، فأما زوج نبينا فلم تلد، وأما مريم فجاءت بولد تحمله على كتفها، وكلٌ قد برأها الله مما رميت به. فانقطع الملك ولم يجد جواباً)

ويروي القاضي عياض أن الملك قال للبطرك -في شأن الباقلاني-: ما ترى في أمر هذا الشيطان؟

فقال : تقضى حاجته، وتلاطف صاحبه، وتبعث بالهدايا إليه، وتخرج هذا عن بلدك من يومك إن قدرت، وإلا لم آمن الفتنة به على النصرانية. ففعل الملك ذلك، وأحسن جواب عضد الدولة وهداياه، وعجل تسريحه، ومعه عدة من أسارى المسلمين والمصاحف، ووكل بالباقلاني من جنده من يحفظه حتى يصل مأمنه).

بقي المسلمون على حالهم هذا من مقارعة للكفر ومجادلة لأهله بغية إخراجهم من الظلمات إلى النور حتى بدأ الضعف يدب في إدراكهم لغاية وجودهم، وأضاعوا الأمانة التي كلفوا بحملها شيئاً فشيئاً حتى صاروا هم المتأثرين بدعوات الكفر بدل أن يؤثروا هم في أهلها. وبادأهم الغرب في عقر دارهم على خلاف ما درج عليه أجدادهم من مقارعة الكفار في أعقار ديارهم. وما أن تمكن الكافر من هدم الخلافة حتى طرح طبيعة جديدة لتحديد معالم العلاقة الفكرية مع المسلمين، حاز الكافر المستعمر فيها قصب السبق في منازلة الخانعين والمهزومين فكرياً من المسلمين. وبما أن الغرب هو المبادر في هذه الجولة سمّى مصارعته الفكرية للإسلام بما يحلو له من الأسماء. فتارة أطلق عليها “حوار الأديان” أو “حوار الثقافات” وتارة أخرى “توحيد الأديان” وثالثة “دين أبناء إبراهيم”.

لم تظهر الدعوة لفكرة حوار الأديان بالشكل الذي نعرفه الآن إلا في أواخر أيام الخلافة العثمانية عندما ظهرت في بيروت جمعية “التأليف والتقريب” والتي انصب جل اهتمامها على التقريب بين الأديان السماوية الثلاثة. وكان من ضمن المؤسسين لهذه الجمعية الشيخ محمد عبده وميرزا باقر وبعض القساوسة الإنجليز والأحبار اليهود1. بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى بدأت بعض الدول الأوروبية في دفع موضوع الحوار أملاً في أن تجد لدى الشعوب الإسلامية التي ذاقت مرارة الهزيمة من يتقبل مثل هذه الطروحات، ومن أمثلة ذلك ما قامت به فرنسا عندما أرسلت ممثلين عنها عام 1932م لمفاوضة رجال الأزهر في فكرة توحيد الأديان الثلاثة. ثم تلا تلك المحاولة الأوروبية عدة مؤتمرات كمؤتمر باريس عام 1933م والذي شارك فيه مبشرون ومستشرقون من عدة دول أوروبية إضافة إلى مشاركين من تركيا، ومؤتمر الأديان العالمي عام 1936م.

لم يتوقف عقد هذه المؤتمرات منذ أن ظهرت في أوائل القرن العشرين، بل إن وتيرتها تزداد بشكل ملحوظ وبتسميات مختلفة، فتارة كانت تعقد هذه المؤتمرات تحت شعار “حوار الأديان”، وأخرى تحت عنوان “التفاهم المشترك بين الأديان”،  وثالثة باسم “الإخاء الديني”، وباسم “الصداقة الإسلامية المسيحية”، وباسم “التقريب بين أبناء إبراهيم” وباسم “الملة الإبراهيمية” وغير هذه الأسماء.

وأخيراً متى يدرك المشاركون من المسلمين في تلك المؤتمرات أن دولتهم هي التي كانت ترسل العلماء لمجادلة أهل الكتاب، لا كما هو حاصل اليوم حين تحدد الجهات النصرانية المنظمة لمؤتمرات حوار الأديان من سيحضر، وأين، وما هي المواضيع التي ستناقش، وحتى تحضير التوصيات سلفاً بما يتناسب وأسس الحرب الإعلامية على الإسلام.

ـــــــ

1- في أحدى الرسائل التي وجهها الشيخ محمد عبده للقس الإنجليزي  إسحاق تيلور جاء ما يلي ( كتابي إلى الملهم بالحق، الناطق بالصدق، حضرة القس المحترم إسحق طيلر، أيده الله في مقصده، ووفاه المذخور من موعد.. وإنّا لنهنك على هذه البركة العظمى التي إختصك الله بها من بين قومك، ونستبشر بقرب الوقت الذي يسطع فيه نور العرفان الكامل، فتهزم له ظلمات الغفلة، فتصبح الملتان العظيمتان المسيحية والإسلام، وقد تعرفت كل منهما إلى الأخرى، وتصافحتا مصافحة الوداد، وتعانقتا معانقة الألفة…وإنا نرى التوراة والإنجيل والقرآن ستصبح كتباً متوافقة، وصحفاً متصادقة، يدرسها أبناء الملتين، ويوقرها أرباب الدينين) الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده، ج2 ص363.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *