العدد 251 -

العدد 251- السنة الثانية والعشرون، ذو الحجة 1428هـ، الموافق كانون الاول 2007م

عباس يخوض مع أولمرت في دماء المسلمين

عباس يخوض مع أولمرت في دماء المسلمين

 

أعلن بوش في حزيران 2007م عن مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط. وفي اليوم التالي لإعلان بوش قال الناطق الرسمي للبيت الأبيض طوني سنو «هذا ليس مؤتمر سلام كبير، فمثل هذا التعريف طموح أكثر مما ينبغي، سيكون لقاء، إذ يوجد من يحاول رسم ذلك كمؤتمر سلام كبير، فهذا ليس واقعياً. وقال بوش في 18/10/2007م لأحد سائليه عن المؤتمر: «أعدك بأن يكون حدثاً لطيفاً». وهكذا يبدو أن فكرة هذا المؤتمر ليست جادة منذ البدء، وهي ولدت في الوقت الضائع من السياسة الأميركية، ثم إن الفأر الذي تمخض عنه المؤتمر لم يكن إلا إطلاق مفاوضات معقدة في ظروف صعبة، يرجع فيها إلى نقطة الصفر بل أقل منه إذ إن قضايا الحل النهائي الست ستلغي منها إسرائيل بعضها في طريقها لإنهائها جميعها على طريقتهم في المفاوضات مع أطراف لا تملك أي شعور بالكرامة ولا بالمسؤولية عن قضاياهم بل ينحصر جميعهم في البقاء في مناصبهم وتأمين مصالحهم الشخصية على حساب مصالح شعوبهم. إذاً أميركياً هذا المؤتمر دعائي وليس بجاد.

أما إسرائيلياً فمنذ الإعلان عن اللقاء شرعت (إسرائيل) بخفض سقف التوقعات منه، فقد عرض أولمرت أن يخرج المؤتمر بإعلان مبادئ على طريقة أوسلو تحتاج كل جملة فيه إلى اتفاق مفصل فيه. ولما قبل عباس ذلك غيّر أولمرت موقفه فطالب ببيان مصالح، ثم عدّله إلى بيان ختامي أو وثيقة سياسية غامضة لا تضع أي حلول، بل تكتفي بعرض المشاكل أو القضايا على الحوار والنقاش على أن تكون مختصرة قدر الإمكان تقع في صفحة واحدة… ثم إنه لم يكتفِ بخفض مستوى هذا اللقاء عند هذا الحد، بل طالب أنه لن يجري تنفيذ أي تفاهم ينجم عن هذا اللقاء (وهو لا شيء) حتى يتم تنفيذ البند الأول من خارطة الطريق الذي يطالب الطرف الفلسطيني بتفكيك البنى التحتية للمقاومة ونزع سلاحها، ومنع أي عمليات أو فعاليات ضد (إسرائيل). ومنعاً لأي التباس فإن (إسرائيل) لا تقبل من الطرف الفلسطيني قوله إنه نفذ التزاماته فيما يتعلق بخارطة الطريق، بل تقول إنه لم ينفذ حتى 1% منه. وأكثر من ذلك فإن المطلوب أن يشمل التنفيذ الضفة والقطاع (يعني بكل بساطة الدعوة إلى الاقتتال الداخلي). وخارطة الطريق هذه وصفها محلل (إسرائيلي) مرة بأنها صيغت بأيدٍ ليكودية في أيام عز المحافظين الجدد. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن أولمرت ذهب إلى أنابوليس وهو في أضعف حالاته، ذهب وكل همه الحفاظ على الائتلاف الحكومي الذي يقوم على متشددين من مثل زعيم شاس إيلي يشاي الذي هدد أنه بمجرد طرح قضية القدس للنقاش في أنابوليس سيعني خروج شاس من الحكومة وهذا يعني فرطها. ومن مثل أفيغدور ليبرمان زعيم «إسرائيل بيتنا» صاحب مشروع إلغاء حق العودة والقدس من ملف المفاوضات، وتبادل أراضي وسكان مع الضفة، ويشمل التخلص من جزء كبير من فلسطيينيي الـ48… وليبرمان هذا قال إنه بفضل مواقفه «غدا المؤتمر مجرد لقاء والمفاوضات مجرد إعلان» وهذا يعني أن أولمرت يسعى في أنابوليس أن يرفع رصيد شعبيته المتهاوية لذلك باع كثيراً من الكلام للعرب والفلسطينيين من غير أن يحمله أحد من اليهود مسؤولية أية كلمة قالها، وهذا الجو كان سائداً داخل (إسرائيل) قبل المؤتمر وأثناءه وبعده. فقد ذكر الإعلام (الإسرائيلي) أن الأميركيين بالغوا في الاحتفالات، وأن الصور الآتية من أنابوليس تبدو لغير العالمين بحقيقة الأوضاع في الشرق الأوسط أن الاحتفال كان لمناسبة التوقيع على اتفاق سلام أبدي، لا على بداية البداية لمفاوضات في ظروف صعبة. إذاً هذا المؤتمر (إسرائيلياً) هو كذلك دعائي وليس بجاد.

أما العرب فقد حضروا المؤتمر على مستوى وزراء خارجيتهم وما دون، وهو مستوى متدنٍ يشير إلى عدم جديته، وعكست تصريحات سعود الفيصل وجود ضغوط أميركية لحضوره إذ قال إن بلاده ستشارك بعد تردد، وقال أن لا سيوف مسلطة على أعناقنا لنقبل ما لا نريد، وصرح أنه لا يؤيد عملاً مسرحياً ولا مصافحات ولا إظهار مشاعر لا نشعر بها، وصرح أنه لا يريد شق الإجماع العربي (حضوره هو الذي أمن الإجماع) ثم إن جلوسه وغيره من الوفود العربية الأخرى في هذا المؤتمر كان كجلوس الحزين المصفوع لأن أميركا جعلته يشهد سقوط المبادرة التي رعتها السعودية ورمتها هي أي أميركا تحت الأقدام. وذلك بالإعلان عن يهودية دولة إسرائيل من قبل بوش ومن قبل زعماء اليهود.

ثم إن زعماء (إسرائيل) الذين حضروا ركزوا على الحضور العربي، واعتبروا أن المشاركة العربية الواسعة في المؤتمر هي أهم إنجاز فيه لذلك تابعت (إسرائيل) باهتمام اجتماع وزراء خارجية العرب في القاهرة في 23/11 لتعرف مستوى التمثيل العربي في أنابوليس لأنه أكثر ما يعنيهم. وقد تضايقوا عندما علموا أنه متدني المستوى. ولعل تدني مستواه يشير إلى عدم أهميته إضافة إلى أنه يسير في عكس اتجاه بعضهم، بل الأنكى من ذلك فقد صرحت ليفني بأن على العرب الحضور حتى ينجح المؤتمر ولكن ليس عليهم أن يشاركوا في المفاوضات.

أما عباس فهو الوحيد الذي كان جاداً في خيانته في هذا المؤتمر، فقد قال عنه إنه «فرصة لن تتكرر» واعتبر الذئب بوش حَكَماً، وبدا مستعجلاً يريد أن يصل إلى حل على يد الذئب قبل أن يرحل من البيت الأبيض، ثم إن العداء لحماس قد ركب رأسه لدرجة أصبحت فيه قضيته الأولى هي حق العودة إلى غزة. وأصبح كأن لا قضية عنده سواها، بل هي أم القضايا. لقد كان عباس في المؤتمر هذا في أسوأ حالاته، وقام بأعمال جعل القضية تتراجع وتهبط إلى أدنى مستوياتها:

– فقد قبل الدعوة التي وجهتها إليه رايس لحضور المؤتمر بوصفه رئيساً للسلطة الفلسطينية وليس لمنظمة التحرير، وفي هذه إشارة واضحة لفصل المسلمين داخل فلسطين عن مسلمي خارجها.

– إن قبول دعوته على هذه الصورة تعني قبوله ضمناً بما دعا إليه زعماء (إسرائيل) في المؤتمر، وبما دعا إليه بوش من يهودية دولة (إسرائيل) أي (إسرائيل) دولة لليهود فقط.

– إن قبول عباس بيهودية (إسرائيل) يعني التخلي عن مسلمي الـ48 وتركهم لمصير مجهول، وسيكون التهجير أقل ما ينتظرهم.

– سقوط المبادرة العربية الخيانية التي رعتها الرياض إلى ما هو أكثر خيانة منها. إذ قبوله بإطلاق المفاوضات من غير شروط يعني الانطلاق من الصفر أو ما هو أقل من الصفر. إذ قضايا الحل النهائي الست تجري تصفيتها من قبل (إسرائيل) وموافقة عباس. وها هي بدأت الآن مع إسقاط حق عودة اللاجئين. والتفاصيل المثيرة حول باقي القضايا تجعل القضية برمتها في مهب الريح.

– إن موافقة عباس على القيام بالتزاماته المتعلقة بتنفيذ البند الأول من خارطة الطريق هي عبارة عن موافقته على استعمال القوة ضد أي مقاومة مسلحة ضد يهود. وحيث إن عباس لا يستطيع أن ينفذ هذا البند بمفرده في غزة، فإن هذا يعني بأنه يستعين بصديقه أولمرت لضرب المسلمين، وهذا ما تشير إليه الاستعدادات والتهديدات الإسرائيلية نحو غزة وما يفرض عليها من حصار بحيث يؤدي إلى استسلامها أو  إنهاكها تمهيداً لضربها أو احتلالها، أو احتلال بعض أجزائها بحيث تمنع سقوط الصواريخ على مستوطناتها. وقد صرح أولمرت في 29/11 بأن شريكه «عباس ضعيف، وكما يقول بلير لا يملك القدرة على صوغ الأدوات لتحقيق السلام، وقد لا يتمكن من ذلك، وإن مهمته تتمثل في القيام بكل شيء ليحصل عباس على تلك الأدوات…».

إن عباس بعد أن أضاف إلى سجله الخياني ما ذكرناه أراد أن لا يعلو أي صوت فوق صوت خيانته؛ فعندما تحرك المسلمون في الضفة الغربية من فلسطين في خمس مسيرات سلمية ضخمة نظمها حزب التحرير؛ لبيان أن ما أقدم عليه خيانة لله ولدينه ولرسوله وللمؤمنين، ولدعوة المسلمين والجيوش إلى إنقاذ فلسطين اعتبر هذا التحرك تحدياً له ولسلطته، وأخذته العزة بالإثم، وأعطى أوامره لشرطته ومخابراته بالبطش بالمشاركين، فاستعملوا القوة المفرطة، فكان بينهم قتيل هو هشام البرادعي، رحمه الله وعدّه برحمته من الشهداء، وعشرات الجرحى والاعتقالات التي وصلت إلى500 شاب، وتعذيب الكثير ممن اعتقل… لماذا كل هذا؟ لأنهم ينادون بالحكم بما أنزل الله، لأنهم يطلبون من الجيوش أن تهب ضد حكامها وتخوض الحروب الحقيقية ضد يهود، لأنهم يقولون لعباس لا تكن ظهيراً ليهود ولا لبوش على المسلمين فإن هؤلاء أعداء حقيقيون للإسلام والمسلمين… إنه بالرغم من أن هذه المسيرات منضبطة ومنظمة ولا تنوي إلا التعبير عما تراه أنه الحق… إلا أنهم لم يطيقوا صبراً فأفرغوا حقدهم فيها، ولكن شاء الله سبحانه أن يكون هؤلاء العزل أقوى من هؤلاء المدججين بالسلاح فأكملوا مسيراتهم وألقوا بيانهم الختامي بالرغم من الرصاص المنهمر على المنصة، وكانت للشباب مواقف مشهودة لهم في الرجولة ما جعل السلطة تعيد الكرة، وأعاد الشباب مواقف الرجولة ما جعل المسلمين يلتفون جراء ما حدث حول الحزب وشبابه ليعدوهم أبطالاً وأهلاً لأن يمثلوا قضاياهم من غير خيانة… ما جعلهم يعرفون من يقول الحق ويقوم به… ما جعلهم يعرفون من هم الناس حقاً، ويعرفون أن قضية فلسطين لا يمكن اختصارها بفتح ولا بحماس لا مجتمعين ولا منفردين، ويعرفون أن حزب التحرير بطرحه الإسلامي الجامع وبامتداده العالمي خير من يمثلهم… ولو درى عباس وزمرته أن ما قام به ضد الحزب يقويه لا يضعفه لما أقدم على ما أقدم عليه، ولكنها مشيئة الله سبحانه الذي يخلق من الشدة فرجاً، ومن العسر يسراً، ومن الضيق مخرجاً.

إن قضية فلسطين قد استعصت على الحلول الترقيعية، ولا يمثلها هؤلاء المجتمعون في أنابوليس أدنى تمثيل. وهي ليست قضية استرداد أرض، بل استرداد أرض واستئناف حكم وجهاد ودعوة، إنها قضية دعوة إلى إقامة خلافة راشدة، ولا يدعو لذلك إلا حزب التحرير؛ لذلك ندعو الله سبحانه أن يكون لنا شرف حل قضية فلسطين وكل قضايا المسلمين عاجلاً غير آجل محبةً بالله ودينه وبغضاً لإبليس وأعوانه…

إن شهيدنا ما مات إلا في أجله المحتوم، فهنيئاً له على ما شرفه الله سبحانه وتعالى به، فقد انضم إلى قافلة شهداء الحزب الذين سبقوه. نسأل الله تعالى التوفيق والخير  والنصر للحزب وشبابه في كل مكان يعملون فيه حتى يأتي أمر الله على أيديهم بإذنه إنه على كل شيء قدير، قال تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) [إبراهيم 42].

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *