العدد 149 -

السنة الثالثة عشرة – جمادى الآخرة 1420هـ – تشرين الأول 1999م

كلمة الوعي: (أشـداء على الكفار رحماء بينهم)

على الرغم من كثرة النصوص الواردة في أخوة المؤمنين والتوادد بين المسلمين والتناصح بينهم بالكلمة الطيبة والحديث الحسن، إلا أن من يراقب مجريات الأحداث ومن يراقب مجريات الأحداث في بلاد المسلمين اليوم، يتملكه العجب، من قسوة اتهام بعض المسلمين لبعض: جماعات وأفراداً، من الكفر في بعض الأحيان، ومن الجهل والعمالة للأجنبي، في أحيان كثيرة، حتى إن بعض الجماعات، أخذت تنبش الماضي، فتحاكم الأموات، بعد أن أصبحوا بين يدي الديّان.

ألم يقرأ المسلمون قول الله تعالى: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم). وقوله تعالى: (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين)، وقوله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة)!! فصار بعضهم عزيزاً على المؤمنين، ذليلاً للكافرين! ألم يطلعوا على قول رسولهم الكريم: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد: إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». ما بال المسلمين، وقد تكالبت عليهم الأمم، تريد طمس دينهم، وتضييع هويتهم، وتعويق نهضتهم، ما بالهم يشتغل بعضهم ببعض، ويناصب بعضهم بعضاً العداء، ويكيد بعضهم لبعض. بحسب المسلمين ما فعله بهم الكفار عبر التاريخ من الحروب الصليبية، إلى محاكم التفتيش، إلى هدم خلافتهم، وما يفعلونه بهم الآن في البوسنة وكوسوفا وجنوب لبنان وفلسطين وكشمير، من تقتيل، وهتك أعراض، ودوس على الكرامات، واستباحة الحرمات. نحن نفهم أن الحكام وأعوانهم يصـطـرعون على المراكز والامتيازات والأسـلاب، أما عامة المسـلـمـيـن، وجماعاتهم فعلامَ يختلفون؟ صحيح أن الكثير من أمم الأرض اقتتلت ولا تزال تقتتل، كما هو حاصـل بين الكاثوليك والبروتستانت في إيرلندا، وهم أبناء دين واحد. ولكن ذلك لا يسوّغ لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، أن يعنف بعضـهـا على بعض، أو أن يشـتد بعضـها على بعض، وهم خير الأمم، وهم حملة الرسالة الخاتمة للناس أجمعين.

يقول تعالى في محكم التنزيل: (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض)، فهل بدل أن نذيق عدونا بأسنا، نذيق بعضنا بأسنا؟! وهل مردّ ذلك إلى أننا صرنا شيعاً، على أهواء شتى، وصرنا دولاً متدابرة؟ روى الإمام أحمد في مسنده عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل لي: خرج قبل، قال: فجعلت لا أمر بأحد إلا قال: مر قبل، حتى مررت فوجدته قائماً يصلي، قال: فجئت حتى قمت خلفه، قال: فأطـال الصـلاة، فلما قـضى صـلاته قلت: يا رسول الله، قد صليت

 

صلاة طويلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني صليت صلاة رغبة ورهبة، إني سألت الله عز وجل ثلاثاً، فأعطاني اثنتين، ومنعني واحدة: سألته أن لا يهلك أمتي غرقاً فأعطاني، وسألته أن لا يُظهر عليهم عدواً ليس منهم فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فردّها علي». وفي صحيح مسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين: الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي ألا يهلكها بسنة عامة، وألا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: يا محمد، إني إذا قضيت قضاءً، فإنه لا يُرَدّ، وإني قد أعطيتك لأمتك ألاّ أهلكهم بسنة عامة، وألا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم مَن بأقطارها. حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً، ويسبي بعضهم بعضاً».

إن الاختلاف فيما كان من طبيعته الاختلاف فيه، أمر حتمي، لاختلاف الناس في الأفهام والقدرات، وقد اختلف الصحابة في فهم النصوص، ولكن هناك أدباً للاختلاف، فيجب أن يكون التعامل على قاعدة: إذا صح الحديث فهو مذهبي، واضربوا برأيي عرض الحائط، وعلى قاعدة: ما عندي صواب يحتمل الخطأ، وما عند غيري خطأ يحتمل الصواب، وبذلك يمكن التحاور على هاتين القاعدتين، ويمكن أن يؤدي الحوار إلى نتيجة طيبة يقنع بها المتحاوران، ويكون هناك مجال للتراجع عند كل منهما، ويكون هناك مكان للآخر في حديث محاوره، وما دام جرى تحديد الأساس الذي يُرجع إليه عند الاختلاف، فلا يصل الحوار إلى حد العداوة والتراشق بالتهم، أو الاقتتال. والله سبحانه وتعالى، قد حدّد لنا المرجعية التي لا يجوز أن نختلف عليها أو أن نتجاوزها، قال تعالى: (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله) وقال تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر).

أما الاختلاف فيما كان قطعياً من العقائد والأفكار والأحكام، فيجب أن لا يَرِد، وإن حصل، فعلى نطاق ضيق: «لا تجتمع أمتي على ضلالة»، ولا يصح التساهل فيه مطلقاً: «من بدّل دينه فاقتلوه»، حماية للعقيدة، «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما» حماية لوحدة الخلافة، «من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم، أو يفرّق جماعتكم فاقتلوه» حماية لوحدة الأمة الإسلامية.

 ولهذا يجب إسكات كل الأصوات، التي تخوض في غيرها من المسلمين تجريحاً واتهاماً، وبخاصـة العاملين منهم لنصرة دين الله، القائمين على حلال محمد وحرامه، الداعين لإنهاض الأمة من كبوتها، وإيقاظـهـا من غفلتها، لتـتبـوأ مركـزهـا خير أخرجت للناس، ويجب أن تتوحد الأمـة في مواجـهـة أعدائها، وما أكثرهم، وأن ترص صـفـوفـهـا حتـى لا يخـتـرقـهـا عـدو ماكـر، وأن تتوحد على العمل لاستئناف الحياة الإسـلامية، بمنهج الرسـول الكريم صلى الله عليه وسلم. (وأن هذا صـراطـي مـسـتـقـيـمـاً فاتـبـعـوه) .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *