العدد 245 -

العدد 245- السنة الواحدة والعشرون، جمادى الآخرة 1528هـ، تموز 2007م

فتنة الاقتتال الداخلي

فتنة الاقتتال الداخلي

 

إن فتنة الاقتتال الداخلي تطل برأسها كالأفعى السامة، يسري سمها في جسد المسلمين في أكناف بيت المقدس، كما يسري في العراق، ويخطط له في لبنان، ويتوقع حدوثه بين الترك والأكراد… إن بذور الفتنة صنعت في مصانع غربية، وزرعت في بلاد المسلمين لتحصد أرواحهم وتوجد بينهم قاتلاً ومقتولاً كلاهما في النار، وكأن المقاتلين لم يعوا قوله تعالى: ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ) [النساء 93]. هذا التوجيه الإلهي الكريم يحذر المسلمين الواقعين في هذه الفتنة من أربع مهلكات: الخلود في جهنم، وغضب الله، واللعنة (الخروج من رحمة الله)، والعذاب العظيم.

l لقد جاء في الحديث الشريف فيما يرويه ابن مسعود (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: «تكون فتنة، النائم فيها خيرٌ من المضطجع، والمضطجع فيها خيرٌ من القاعد، والقاعد فيها خيرٌ من القائم، والقائم فيها خيرٌ من الماشي، والماشي خيرٌ من الراكب، والراكب خيرٌ من المجري، قتلاها كلها في النار. قال: قلت: يا رسول الله، ومتى ذلك؟ قال: ذلك أيام الهرج. قلت: ومتى أيام الهرج؟ قال: حين لا يأمن الرجل جليسه! قال: قلت: فما تأمرني إن أدركت ذلك؟ قال: اكفف نفسك ويدك وادخل دارك…» (رواه أحمد).

فالفتنة هنا قتال آثم بين المسلمين على تعدد فئاتهم «قتلاها في النار» ويتوجب على المسلم كما يقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يكف نفسه ويده ويدخل داره.

l وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «تكون بين يدي الساعة فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع أقوام دينهم بعرض من الدنيا» (رواه الترمذي).

l وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «يكون بعدي قوم يأخذون الملك، يقتل عليه بعضهم بعضاً» (أخرجه أحمد من طريق عمار بن ياسر، رضي الله عنهما).

l وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري لعل الشيطان ينـزع في يده، فيقع في حفرة من النار» (البخاري ومسلم).

l ورى عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) أن رسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر» (أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد)، وأخرج أحمد عن ابن مسعود أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «سباب المسلم أخاه فسوق وقتاله كفر وحرمة ماله كحرمة دمه».

إن بلاد المسلمين أصحبت مفتوحة، نهباً لكل طامع، وساحةً لكل متآمر، يحكمها الرويبضات، السنون فيها خداعات، يؤمّن الخائن، ويكذّب الصادق، ويصدّق الكاذب، وينطق فيها الرويبضة، وهو التافه الذي يتحدث ويحكم بأمر العامة… بلاد المسلمين أصبحت ساحات للاقتتال الداخلي، حلبة للصراع الدولي، اللاعبون الذين يحركون عن بعد هم الفائزون، ينالون أهدافهم ويقطفون ثمار هذه الفتنة بمزيد من الهيمنة وبسط السيطرة ونهب ثروات الأمة… والمتقاتلون يخسرون الدنيا والآخرة، والضحايا هم المسلمون…

في ظل فتنة الاقتتال بين المسلمين هدرت الدماء، وضربت الممتلكات، وسب المسلمُ المسلمَ، وسفّه رأيه… إلى هذه الدرجة وصلت الحال… نسوا لماذا وجدوا على الساحة… وجدوا لتحرير فلسطين كل فلسطين، أما الآن فإنهم يبررون اقتتالهم من أجل بسط السيطرة على مقاعد، من أجل هيمنة لدولة مؤقتة، بحدود مؤقتة، لا تملك قراراً سياسياً…

الأصل أن يتنافس الفريقان في أنجع الطرق لإزالة كيان يهود، وليس للاعتراف بيهود، وتمرير المخطط الأميركي الصهيوني بإيجاد شرق أوسط كبير مفتاح حله مع الإسلام المعتدل.

الأصل أن يتسابق الفريقان في إنقاذ فلسطين وأهلها لا أن يصوروا للناس أنهم بين خيارين لا ثالث لهما (اقتتال داخلي وفتنة) أو (حكومة وحدة وطنية) وكلا الخيارين حرام شرعاً يخالف الإسلام، وانظروا إلى أين وصلت الحال الآن!!

إن العلاج شرعي، يتمثل في قوله تعالى الذي نحيا به ونموت بما سواه: ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ ءَايَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) [آل عمران 103]، وفي قوله تعالى: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ) [الأنفال 24]، وفي قوله تعالى: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) [الأنفال 27]، وفي قوله تعالى: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ ) [الممتحنة 1] وفي قوله تعالى: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ @ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ ) [المائدة 51-52].

إن المطلوب من المسلمين جميعاً، وأولاهم بالمطلوب المسلمون من أهل الأرض المباركة، أن يعملوا لإقامة الخلافة الراشدة الثانية التي تكون على منهاج النبوة، وأن لا يكون عندهم شغل يشغلهم عنها، أن يجعلوها البضاعة والصناعة إذا أرادوا أن يضمنوا حق العودة، إن أرادوا أن يعودوا إلى القدس صافية لهم كلها، لا حدود ولا مستوطنات ولا (إسرائيل) بل جهاد وقتال لا يجد فيه اليهودي مخبأً له سوى غرقده الذي لا يستطيع حمايته ولن يغير النتائج… ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ ) [الصف 14]، ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا ) [النساء 144].

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *