مع القرآن الكريم: الآثار الأخروية للحكم بغير ما أنزل الله (1)
2007/03/23م
المقالات
1,649 زيارة
مع القرآن الكريم:
الآثار الأخروية للحكم بغير ما أنزل الله (1)
عظَّم القرآن من هول العقاب الذي ينتظر أعداء الله المبدلين لشرعه، المفترين على دينه تحليلاً وتحريماً بغير سلطان من الله، فقال تعالى: ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ @ وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ ) [يونس 59-60].
ففي هذه الآيات الكريمات: أنكر الله تعالى على من حرم ما أحل الله أو أحل ما حرم الله، بمجرد الآراء التي لا مستند لها ولا دليل عليها. ثم توعدهم على ذلك يوم القيامة فقال: ( وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) أي: ما ظنهم أن يصنع بهم يوم مرجعهم إلينا يوم القيامة، وأي شيء ظنهم في ذلك اليوم، يوم عرض الأعمال والأقوال والمجازاة عليها مثقالاً بمثقال؟ فهو استفهام يراد منه تهويل وتفظيع ما يتعلق به مما يصنع بهم يوم القيامة. وصيغة الغائب تشمل جنس الذين يفترون على الله الكذب، وتنظمهم جميعاً، فما ظنهم يا ترى؟ ما الذي يتصورون أن يكون في شأنهم يوم القيامة؟ وهو سؤال تذوب أمامه الجبال الصلدة الجاسية.
إن الله تعالى يصبر على هؤلاء في الدنيا، ويرجئهم إلى يوم لا مرد له، وهذا من فضله سبحانه، وإلا فإن جرمهم يستحق العقاب العاجل، ولهذا قال: ( إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ ).
إن عقاب المفترين المتقولين على الله، قد نُكِّر وأبهم في تلك الآيات، لكن المتأمل في القرآن، إذا أراد أن يتعقب بعض أوصاف ذلك العقاب الأخروي، فسوف يجده في مواضع متعددة، يكشف للرائين أن عاقبة الافتراء والتغيير هي أوخم العواقب، وأن مصيرهم هو أسوأ المصير. ولنستعرض الآن بعضاً مما أشار إليه القرآن من الآثار المترتبة على الانحراف عن الشريعة في الدار الآخرة.
1- الإهانة عند قبض الأرواح:
قال الله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ @ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ @ فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ) [محمد 25-27].
إن الآيات تتهدد وتتوعد نوعاً من المنحرفين عما أنزل الله، وهم الذين يطيعون أعداء الله -كاليهود والنصارى- في بعض ما يأمرون به، والآيات تصفهم بالردة بسبب ذلك الفعل، وتتوعدهم بمصير مظلم وعذاب مؤلم يبدأ معهم منذ اللحظات الأولى من مفارقة الدنيا. ( فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ). أي: كيف حالهم إذا جاءتهم الملائكة لقبض أرواحهم، وتعاصت الأرواح في أجسادهم، واستخرجتها الملائكة بالعنف والقهر والضرب.
وقد قال الله تعالى في نوع آخر من المنحرفين عن شرعه المنـزل: ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ ءَايَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ) [الأنعام 93].
وهذه الآيات تتناول أصنافاً من المنحرفين عن الشريعة المطهرة، فهي تتعرض للمتنبئين الذين ادعوا أن الله قد أوحى إليهم، أمثال مسيلمة الكذاب والأسود العنسي وسجاج زوجة مسيلمة. وتتناول أيضاً من كان على شاكلتهم ممن أعرض عن الفقه والسنن وما كان عليه السلف من السنن فيقول: وقع في خاطري كذا، أو أخبرني قلبي بكذا، فيحكمون بما يقع في قلوبهم ويغلب عليهم من خواطرهم، وفي هذا يقول الإمام القرطبي: «هذا القول زندقة وكفر، يقتل قائله ولا يستتاب، ولا يحتاج معه إلى سؤال وجواب».
والآيات أيضاً تتناول ( وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ) وقد وقع هذا من (عبد الله بن أبي سرح) فاعتبر بذلك مرتداً، وأهدر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دمه، ولو وجد متعلقاً بأستار الكعبة، ولكنه أسلم فيما بعد وحسن إسلامه.
فالآية تحكي أحوال هؤلاء عند معاينة الموت والخروج من الدنيا ( وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ ) أي شدائده وسكراته ( وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ ) بالعذاب ومطارق الحديد لقبض أرواحهم ( أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ ) أي خلصوها إن أمكنكم ( الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ ) أي الهوان ( بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ ءَايَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ) أي تعظمون وتأنفون عن قبول ما أنزله الله في آياته.
2- الاغتراب والوحشة في الحشر:
في الآية السابقة بيّن القرآن الكريم عاقبة الانحراف عن شرع الله عند معاينة الموت ومغادرة الدنيا، والآية التالية لها تستأنف بيان حالهم في الحشر ( وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ) [الأنعام 94]. قال القرطبي: «هذا عبارة عن الحشر.. والمعنى: جئتمونا واحداً واحداً، كل واحد منفرداً بلا أهل ولا مال ولا ولد ولا ناصر ممن كان يصاحبكم في الغي».
[يتبع]
2007-03-23