العدد 246-247 -

العددان 246-247، السنة الواحدة والعشرون، رجب وشعبان 1428هـ، الموافق آب وأيلول 2007م

الأمن الغذائي في ظل دولة الخلافة

الأمن الغذائي في ظل دولة الخلافة

 

تقي الدين – بيت المقدس

يعتبر الغذاء من الحاجات الأساسية للإنسان لضمان بقائه على قيد الحياة وقدرته على القيام بأعباء الحياة، ولقد كان الغذاء أحد أسباب نشوء الصراعات بين الدول. وقامت الحروب والنزاعات من أجله فالإنسان يحتاج يوميا كمية من الغذاء توفر له استمرار العيش، فمن تمكن من توفير غذائه وأمنه وعافيته فكأنما ملك الدنيا وما فيها، وذلك مصداقا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من أصبح منكم آمنا في سريه معافى في جسده ، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا” أخرجه الترمذي.

فالأمن الغذائي مرهون بمقدرة الدولة على تحقيق ما يكفي أو يزيد من الإنتاج الزراعي لكافة رعاياها ، بحيث لا تكون معتمدة على الغذاء الوافد من الدول الأخرى، والذي يجعلهم يتحكمون في مقدرات الدولة الإسلامية وسياستها وإدارتها.

وقد اهتم الإسلام بالزراعة والتي تشكل عصب الغذاء الرئيسي ؛ لأنه من خلالها يمكن تحقيق الأمن الغذائي لكافة رعايا الدولة.

وبلاد المسلمين مليئة بأجود أنواع الخيرات والموارد الزراعية التي تمكنها من تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء، ليس فقط لرعاياها بل بمقدرتها تغطية العالم أجمع من الموارد الغذائية.

فإذا نظرنا إلى البلاد العربية، وعليها سيتم تركيز هذا البحث ، لتوفر الإحصائيات والأرقام حولها وليس من أجل التمييز، مع أن هناك خيرات وموارد وثروات موجودة في بلاد المسلمين الأخرى كإندونيسيا وتركيا وباكستان وأوزبكستان وغيرها.

فالبلاد العربية المحصورة في تلك البقعة من الأرض والتي يسكنها ما يقارب 323 مليون نسمة ، والذين يسكنون على مساحة تبلغ حوالي 14 مليون كم مربع قد وصلت إلى مرحلة حرجة في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء مما جعلهم يستوردون ما يكفيهم من الدول الخارجية الكبرى ، حيث بلغت الفجوة الغذائية حتى ( سنة 2006م 21 مليار دولار ، وهي بازدياد مستمر حسب المنظمة العربية للتنمية الزراعية) وهذا الأمر سيبقي تلك البلاد تحت سيطرة تلك الدول الكافرة، وهذا من الانتحار السياسي.

إن السبب الرئيس في عدم مقدرة الدول العربية الآن على تحقيق الأمن الغذائي ليس هو نقص ” في الموارد والثروات التي تحققه والمتمثلة ب:

  • الأراضي الصالحة للزراعة.

  • المياه

  • القوى البشرية

  • الموارد المالية.

ولكن السبب الرئيس هو تبعية هذه الدول في كل صغيرة وكبيرة للدول الكافرة ، وبطبيعة الحال غياب دولة الإسلام ، وغياب خليفة المسلمين الذي يرعانا ويحقق لنا الأمن في كافة جوانب الحياة ، ويعلن البراءة من الدول الكافرة الكبرى، ويعلن الولاء لله سبحانه وتعالى وحده.

فخليفتنا القادم قريبا بإذن الله سيتخذ قرارات مصيرية لتحقيق الأمن لرعيته، ومنه الأمن الغذائي ، وذلك لكي لا يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا فلا يجعلهم يتحكمون في مقدرات الدولة الإسلامية القادمة وفي سياستها وإداراتها كما هو حاصل الآن، وهذا هو الخطر العظيم على أمن المسلمين وكيانهم.

إن البلاد العربية الآن ومع تسلك وتحكم دول الكفر بها ، حققت ما يكفي 50% من الاكتفاء الذاتي من الغذاء فقط، والباقي تحققه من أسيادهم من دول الكفر الكبرى عن طريق الاستيراد.

فقد نشرت المنظمة العربية للتنمية الزراعية في الكتاب السنوي للإحصائيات الزراعية العربية لعام 2005 م أن نسبة الاكتفاء الذاتي في الوطن العربي لبعض المواد الغذائية الضرورية والأساسية للإنسان قد بلغت من :

القمح 57.5%، السكر 35.8%، الزيوت والشحوم 31%،الخضروات 99%، الألبان ومنتجاتها 70%، الأسمالك 102.5%

وهذه المواد الغذائية لا يمكن لأحد الاستغناء عنها لما توفره من قيم غذائية ضرورية للإنسان تمكنه من القيام بأعباء حياته.

فإذا نظرنا إلى مقومات الأمن الغذائي، أي للموارد التي من خلالها يمكن زيادة الإنتاج الزراعي ، نرى أن هذه المقومات تتمثل بما يلي:

  • الأراضي الصالحة للزراعة:

تعتبر الأراضي الزراعية من أهم عناصر الأمن الغذائي التي يمكن الأعتماد عليها في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء ، وقد حث الإسلام على الزراعة والاهتمام بالأراضي الزراعية؛ لذلك كانت السياسة الزراعية في الإسلام تقوم على أمر واحد مهم ، ألا وهو زيادة الإنتاج الزراعي ، وكانت تتبع طريقين في ذلك:

  • التعميق في زيادة إنتاج الأرض ، وهذا يحصل باستعمال المواد الكيماوية وانتشار الأساليب الحديثة بين المزارعين ، والعناية بتوفير البذار وتحسينها، وتعطي الدولة المال اللازم للعاجزين، هبة وليس قرضا؛ من أجل شراء ما يلزمهم من الآلات والبذار والمواد الكيماوية؛ لزيادة الإنتاج والعناية بالمرافق التي تساعد على هذا الازدياد.

  • التوسيع في زيادة المساحات التي تزرع وذلك يحصل بتشجيع إحياء الأرض الموات وتحجيرها ، وكما قال صلى الله عليه وسلم : ” من أحيا أرضا ميتة فهي له” أخرجه البخاري وأبو داود وأحمد ومالك من طرق عدة، وتعمل الدولة على إقطاع الأراضي من ملكيتها للقادرين على الزراعة لمن لا يملك أرضا أو يملك مساحات قليلةن وتأخذ الدولة الأرض جبرا من كل من يهمل أرضه ثلاث سنوات متتالية.

ومن الأمثلة على ذلك فقد استقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم بلال المزني أراضي ما بين البحر والصخر، وهناك أمثلة أخرى من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرة الخلفاء من بعده على ذلك.

بهذين الطريقين يمكن زيادة الإنتاج الزراعي ؛ وهذه الزيادة يجب أن تكون في أربعة أمور:

  • زيادة الإنتاج في المواد الغذائية ؛ لكي تطعم المزيد من السكان ، وإبعادهم عن خطر المجاعة، وتكون مهيأة لأي طاريء.

  • زيادرة الإنتاج من المواد اللازمة للكساء كالقطن والحرير والصوف ، وهذه من الحاجيات الضرورية التي لا يمكن الاستغناء عنها.

  • زيادة الإنتاج في المواد التي لها أسواق في خارج البلاد، سواء من المواد الغذائية كالحبوب أم من مواد الكساء كالقطن والحرير.

  • العمل على رفع العراقيل أمام المواد المهمة لتسهيل زيادتها وجلبها إلى الدولة، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما رواه أبو عبيد ” كان عمر يأخذ من النبط من الزيت والحنطة نصف العشر، لكي يكثر الحمل إلى المدينة، أي لكي يرغب في جلب الزيت والقمح إلى المدينة وكان يأخذ من القطنية العشر ” .

وكما تتطلب الزراعة أراضي لزراعتها ، كذلك لا بد من توفر موارد عدة لكي تتم الزراعة وزيادة الإنتاج ومن هذه الموارد:

2– الموارد المائية:

يعتبر الماء من مقومات الحياة الأساسية وذلك مصداقا لقوله تعالى : ( وجعلنا من الماء كل شيء حي) الأنبياء 30 ، وقال صلى الله عليه وسلم ” الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار” فالماء مرتبط ارتباطا حتميا مع الأمن الغذائي، فمتى وجد الأمن المائي وجد الأمن الغذائي؛ لأن الزراعة لا تتم إلا بوجود الماء، ولذلك كان الماء أحد أسباب نشوء الحروب والنزاعات بين الدول ، فالبلاد العربية، والحمد لله ، محاطة بكميات مائية كبيرة ، فهي تشرف على ممرات استراتيجية مهمة جدا، فبلادنا الإسلامية تشرف على كثير من البحار والمحيطات وهذه تعتبر مياها غير محدودة ، ويوجد في بلادنا أيضا أنهار من أشهر أنهار العالم داخل بلاد المسلمين، وهذه وحدها فقط توفر ما يزيد على 150 مليار متر مكعب من الماء ، بالإضافة إلى كمية المياه الجوفية الموجودة تحت الأرض والتي تقدر ب 7734 مليار متر مكعب.

وهناك موارد كثيرة للمياه توفر ما يكفي لسكان الأرض جميعهم، ومع وفرة هذه المياه يمكن زراعة الأراضي الصالحة للزراعة، واستصلاح أراض أخرى موجودة في بلاد المسلمين، وإحياؤها لكي تصبح صالحة للزراعة.

ورغم كثرة المياه الموجودة في بلاد المسلمين، فما على الدولة إلا أن تعمل على ترشيد الرعية على استخدام المياه ومنعها من الهدر والضياع، وتقوم بإقامة السدود والآبار الارتوازية الضرورية لذلك، والتي لا يمكن الاستغناء عنها

  • الموارد البشرية

إن عملية استصلاح الأراضي وزراعتها وإحياءها لا يحتاج فقط إلى ماء ، بل يحتاج إلى جهود بشرية أي إلى مزارعين، لكي يقوموا بهذه المهمة ، وهذه الموارد موجودة وبكثرة ، فهناك أكثر من 48 مليون شخص في بلاد المسلمين يعملون في الزراعة، وليس هذا فحسب ، بل يمكن القضاء على الفقر من خلال تشغيل الفقراء القادرين على العمل حيث تستغل الدولة الأراضي الميتة وتقطعها إلى الفقراء لكي يحيوها ويرزعوها.

4 – الموارد المالية

إن زراعة الأراضي واستصلاحها وإحياءها يحتاج إلى أموال كثيرة، وهذه الأموال موجودة بكثرة في عالمنا الإسلامي، وأول هذه الثروات هي النفط ، فمثلا : (نشرت مجلة الوعي في عددها 233: جاء في الفيلم الوثائقي فهرنهايت 11 أن أميركا قد استفادت من نفط السعودية فقط ما قيمته 86 تريليون دولار، يعني أننا لو قسمنا هذا المبلغ على جميع المسلمين في العالم لكانت حصة كل واحد منهم ، رضيعهم وشيخهم، ذكرهم وأنثاهم حوالي 66 ألف دولار، وهذه الأموال تستفيد منها أميركا على حساب الأمة الأسلامية)

وليس هذا هو المصدر الوحيد ، بل يمكن استغلال الممرات الاستراتيجية المهمة الموجودة في بلادنا.

هذه هي المقومات الأساسية التي يمكن من خلالها تحقيق الاكتفاء الذاتي من الإنتاج الزراعي فقط، وهذه الموارد متوفرة بكثرة والحمد الله ، في مناطقة المسلمين.

ختاما نقول: من لا يملك غذاءه لا يملك قراره ، فبعد أن استعرضنا الخيرات والثروات الموجودة في البلاد العربية من دون التطرق إلى الدول الأخرى ، يتبين لنا أنه بإمكان دولة الإسلام القادمة قريبا بإذن الله تعالى ، ليس تحقيق الأمن الغذائي لرعاياها فقط ، بل بإمكانها أن تصبح دولة زراعية عالمية مؤثرة من ناحية دولية ، ودولة مثل فرنسا بثروتها الزراعية أقرب مثلا على ذلك.

وحتى لا نحصر الأمن الغذائي في الانتاج الزراعي فقط، لا بد للدولة من العناية بالثروة الحيوانية والثروة السمكية، حيث تعمل الدولة على استغلال المراعي وزيادة مساحتها وإقامة برامج للعناية بالأنعام وبتربيتها، وهذه العناية تنعكس على زيادة إنتاج هذه الحيوانات فبلادنا الإسلامية تذخر بثروة حيوانية ضخمة من حيث العدد والنوع، وقد بلغت مساحة المراعي الموجودة في بلادنا ما يقارب 552 مليون هكتار 10% بحالة ممتازة ، والباقي بحالة متردية بسبب عدم الاهتمام بها وتتوزع هذه المراعي على عدد من الدول في مقدمتهم السودان، حيث حصته من هذه المراعي 29%، يليها السعودية 32%، ثم الصومال 11% والباقي موزع على باقي الدول ، وقد بلغ عدد الأغنام في بلادنا ما يقارب 166738.000 رأس، و 57462.000 رأس من الأبقار، و 114.113.000 من الماعز. وهذا حسب المنظمة العربية للتنمية الزراعية لسنة 2005م وهناك الكثير من الأنعام قد نفقت بسبب الحروب والنزاعات الدولية كما حصل في الصومال.

ورغم هذه الأعداد إلا أنها لا تلبي إلا 70% من منتجات الألبان و 30% من الشحوم والزيوت ؛ وذلك بسبب عدم الاهتمام برعاية هذه المراعي والعناية بالحيوانات.

هذا بالنسبة للثروة الحيوانية، وأما بالنسبة للثروة السمكية فقد بلغ الاكتفاء الذاتي منها 102.5% لأن بلادنا محاطة بشواطيء بحرية ضخمة ، فقد بلغ الإنتاج السمكي في بلادنا 4 مليون طن لسنة 2005م إلا أن هذه النسبة قد تضاعفت في حال استخدام أساليب ووسائل متطورة في الصيد.

وأخيرا لا بد من التنويه أن الثورة الزراعية التي من خلالها يتم تحقيق الأمن الغذائي ترتبط ارتباطا حتماي مع الثورة الصناعية التي لا تقل أهمية عن الثورة الزراعية، بل هي الأساس الذي تعتمد عليه الدول في تقدمها وتنافسها، فالسياسة الصناعية في الإسلام تتبع طريقا واحدا ألا وهو تصنيع الآلات المدنية والعسكرية مع كافة التزاماتها وقطع غيارها، وبالتالي تفوت الفرصة أمام الدول الكافرة بأن تتحكم في أمور وسياسة الدولة وإدارتها.

وباتباع هذه السياسة الزراعية والصناعية في ظل دولة الإسلام يتم تحقيق الأمن الغذائي والصناعي، وهذا يمكننا من عدم إتاحة الفرض للإستعمار ودوله من التحكم فينا وبالتالي تبقي الدولة في مهمتها الثانية بعد تطبيق الأحكام الشرعية ألا وهو حمل الدعوة الإسلامية إلى العالم بعد أن تهيأت اقتصاديا وعسكريا لذلك وبالتالي تبقى في حالة جهاد مستمر.

نسأل الله  تعالى أن يكرمنا بخليفة يحقق لنا الأمن في كافة جوانبه ومنه الأمن الغذائي والصناعي.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *