العدد 272 -

العدد 272 – السنة الرابعة والعشرون، رمضان 1430هـ، الموافق أيلول 2009م

نفط السودان واهتمام أميركا به

نفط السودان واهتمام أميركا به

 

يحوي السودان 5%  من احتياطات النفط الأفريقية في العام 2006م، وقد تكون حصلت اكتشافات بعد هذه الإحصائيات تكشف عن الكثير الكثير من النفط، كما أن نفط السودان له مزايا كثيرة كأي نفط في أفريقيا كما جاء في حلقة برنامج بلا حدود في قناة الجزيرة بتاريخ 7/2/2008م مع الدكتور حمدي عبد الرحمن حسن خبير الشؤون والدراسات الأفريقية. إن النفط الأفريقي يعتبر ذا جودة عالية بمعنى أنه لا يحتاج إلى وقت كبير في عملية التكرير، فهو يعتبر أفضل بكثير من النفط الخليجي والشرق أوسطي كما أنه أفضل من نفط بحر قزوين، وهو يقع في مناطق المياه العميقة أي ليس بالداخل، ما يعني أنه حتى في حالات الحروب والصراعات يمكن أن يُشحن النفط في السودان في الناقلات ثم يُنقل إلى ميناء بورتسودان وفي ظرف أسبوعين وبضعة أيام يصل إلى الموانئ الأميركية، وهذا وقت قياسي جداً مقارنة بالنفط الشرق أوسطي ونفط بحر قزوين. كما أن الاستراتيجية الأميركية بخصوص النفط الأفريقي عموماً تتركز في زيادة اعتمادها عليه أكثر من أي نفط آخر مثل النفط الخليجي والعراقي ونفط بحر قزوين وغيرها بإعتباره صار موبوءاً بالتعقيدات والمشاكل السياسية، وهذا التحول قد عبر عنه الرئيس بوش الابن في الخطاب الذي ألقاه في حالة الاتحاد سنة 2006 م، والذي وعد فيه بأن الولايات المتحدة الأميركية سوف تخفض من استيراداتها النفطية من الشرق الأوسط بنسبة 75%، وبالتالي سوف تزيد من وارداتها من النفط الأفريقي بحلول عام 2010م أي بعد سنة واحدة بنسبة 25%. وهذا يعني أن الـ 25% ستزيد أيضاً لأن جشع أميركا لا ينطفئ. فكل هذا الزخم من المعلومات حول نوعية النفط و أماكنه وكمياته تدل على أن أميركا ستضع يدها في كل مكان في أفريقيا يحتوي على النفط، وبالتأكيد سيكون نفط السودان هدفاً لها، فهي في عهد الرئيس النميري جاءت بشركاتها مثل شركة شيفرون وغيرها التي جمعت معلومات ممتازة عن نوعية وكمية النفط كما وأعدت خرائط توضح أماكن تواجد النفط في السودان. ثم إن أميركا اتخذت خطوات عملية للاستئثار بالنفط في السودان، فشددت حملتها وحلفاءها على الشركات العاملة فى نفط السودان وهددتها لكي توقف عملياتها، واستطاعت أن تجبر شركة تلسمان الكندية على إيقاف استثماراتها النفطية فى السودان خصوصاً أن الشركات الأميركية لا تزال تضع خططاً لإنفاق عشرات المليارات من الدولارات سنوياً لصناعة النفط فى أفريقيا، كما أن الولايات المتحدة تتوقع أن تحصل على ربع احتياجاتها من النفط من أفريقيا العام 2015م و قامت بعملية فصل السودان إلى شمال وجنوب ووجدت في حكومة الإنقاذ خير معين، فلقد طالب وزير خارجية حكومة الإنقاذ في 2003م واشنطن بالاستمرار في لعب دورها بشفافية كاملة تجاه قضية السلام في السودان حتى تقود طرفي النزاع لتوقيع اتفاق سلام يفتح الباب أمام علاقات طبيعية بين البلدين قائمة على الاحترام المتبادل وتبادل المنافع. ويذكر أن مسؤولين سودانيين أشادوا بقرار الرئيس الأميركي بوش الابن عدم فرض عقوبات على الحكومة السودانية، ووصف القائم بالأعمال السوداني في واشنطن خضر هارون تقرير بوش إلى الكونغرس بأنه “كان متوازناً وتضمن تقييماً إيجابياً لمسيرة السلام” بين الخرطوم والمتمردين، واعتبر هارون أن التقرير “يشكل دليلاً على صدق أميركا لإحلال السلام وتشجيع المفاوضات الجارية بين الطرفين لإنهاء معاناة الجنوبيين في الشمال والجنوب بغض النظر عن انتمائهم الديني أو العرقي. ثم كلل هذا التعاون بين واشنطن والخرطوم بتوقيع اتفاق مشاكوس 2002م واتفاقية نيفاشا 2005م التي قام البيت الأبيض بالإشراف الكامل عليها؛ فرأينا على شاشات التلفاز وزير الخارجية الأميركي السابق كولن باول يوقع في نيروبي بتاريخ 5/6/2004م، على اتفاق جنوب السودان، كما ورأينا إرسال أرتال من المبعوثين لمتابعة الإشراف على ما يسمى باتفاق السلام الشامل من بوش الابن مثل المحامي القس جون دانفورث ووليامسون والقائم بالأعمال الأميركي في الخرطوم ألبرتو فرناندز وغيرهم، وكان من بين البنود التي تم الاتفاق عليها بندان خطيران: أولهما حق تقرير المصير -أي الانفصال- وذلك باستفتاء أهل الجنوب في العام 2011م، وثانيهما قسمة الثروة التي أعطت للحركة الشعبية السيطرة الكاملة على نفط الجنوب، فضمنت بذلك الثروة النفطية الهائلة في الجنوب لأن حكومة الجنوب مكونة من أفراد الحركة الشعبية، والمعلوم أن الحركة الشعبية هي مدعومة تاريخياً وحتى الآن من واشنطن مباشرة وغير مباشرة، وقد شمل الدعم كل المجالات المالية والعسكرية والإعلامية والاستراتيجية وغيرها. فمن المؤكد أنّ الحركة الشعبية لن تبخل بنفط الجنوب على أميركا، وستسمح بكل سرور بعقد صفقات نهب للنفظ السوداني مع الشركات النفطية الأميركية العملاقة، فهناك كتاب مهم أصدره المؤرخ والصحفي الأميركي جون جازفنيان اسمه «التكالب الاستعماري على النفط الأفريقي» تحدث فيه عن نوع من التكالب الجديد، ليس في شكل جيوش أميركية أو أوروبية أو غيرها وإنما في شكل الحصول على العقود النفطية والاستثمار النفطي في الدول الأفريقية. ونجحت حكومة الجنوب بتنفيذ ذلك حيث قامت بتغيير الشركات الآسيوية العاملة هناك بشركات أميركية وفرنسية، وكما سعت أميركا لأن تستأثر بنفط الجنوب فهي تسعى الآن لتنال نفط منطقة أبيي التي  تنتج الآن 70% من إنتاج النفط في السودان عن طريق خارطة طريق أبيي التي وضعها بوش الابن ومن قبل إعلان نيروبي يوم 5/6/2004م الذي تحدث عن أبيي إما بضمها للشمال بوضعية إدارية خاصة أو بضمها لبحر الغزال في الجنوب، فالأحداث التي حصلت من تقتيل لأبناء قبيلة المسيرية من قِبل جيش الحركة الشعبية المسمى بالجيش الشعبي، وتبعه إدخال لقوات الأمم المتحدة إلى منطقة أبيي يعتبر جزءاً من خارطة طريق أبيي التي وضعها بوش الابن لأجل توسيع حدود أبيي لتضم مناطق زاخرة بالنفط، والمعلوم من الحياة السياسية بالضرورة أن الأمم المتحدة تعتبر الذراع الأيمن التنفيذي لتأمين مصالح أميركا، فما قاله الأب الروحي للسياسات الأميركية وهو الرئيس الأميركي نيكسون في كتابه «الفرصة السانحة» يؤكد ذلك حيث قال: «وعندما تتعرض مصالح الولايات المتحدة للضرر فإنها سوف تتصرف بالتنسيق مع الأمم المتحدة كلما أمكن ذلك، أما إذا تعذر الأمر فسوف تتصرف بمفردها دون معاونة منها».

بقلم المهندس ابن مالك – السودان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *