هكذا سيكون خليفة المسلمين (عمر بن الخطاب رضي الله عنه)
2009/08/21م
المقالات
5,531 زيارة
فبهداهم اقتده:
هكذا سيكون خليفة المسلمين
(عمر بن الخطاب رضي الله عنه)
ب. أسامة – الجزائر
لقد تميز الخلفاء الراشدون بالتواضع والسهر على أمور الرعية والزهد عن مطامع الحياة والحرص على تطبيق الإسلام جملةً وتفصيلاً، ما جعلهم أئمة للخير والهداية تاركين وراءهم أثراً لا يندثر على مدار الزمان والأجيال، ومن بين هؤلاء الخلفاء عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، فقد كان لعمر عدة مواقف في نصرة الإسلام ودولته.
كان ابن مسعود (رضي الله عنه) يقول: ما كنا نقدر أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر. وقال كذلك: «مازلنا أعزةً منذ أسلم عمر».
وعن صهيب بن سنان الرومي (رضي الله عنه) قال: لما أسلم عمر ظهر الإسلام، ودعي إليه علانية، وجلسنا حول البيت حلقاً، وطفنا بالبيت، وانتصفنا ممن غلظ علينا، ورددنا عليه بعض ما يأتي به.
وكان (رضي الله عنه) مقرباً من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يستشيره في المهمات وشهد معه المشاهد كلها وقد تزوج ابنته حفصة أم المؤمنين (رضي الله عنه). وكان أبو بكر (رضي الله عنه) يستشيره كثيراً وقد عهد إليه بالخلافة بعد مشاورة كبار الصحابة ورضاهم. وقد غلبت الدولة الإسلامية في عهده الفرس والروم ومازالت في صعود وامتداد حتى اغتاله أبو لؤلؤة المجوسي وهو يؤم المسلمين في صلاة الفجر سنة 23 للهجرة. بعد خلافة دامت عشر سنين وستة أشهر وكان عمره 63 سنة.
مسيرة عمر بن الخطاب أثناء الخلافة
بعد أن أجمع المسلمون على بيعة عمر (رضي الله عنه)، صعد منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: «أيها الناس إني قد وليت عليكم، ولولا رجاء أن أكون خيركم لكم وأقواكم عليكم وأشدكم اضطلاعاً بأموركم ما توليت ذلك منكم، ولكفى عمر انتظار الحساب. ولو علمت أن أحداً من الناس أقوى عليه مني، لكنت أقدم فتضرب عنقي أحب إليّ من أن أَلِيَهُ. ثم يقول «إن الله ابتلاكم بي وابتلاني بكم وأبقاني فيكم بعد صاحبي. فوالله لا يحضرني شيء من أمركم فيليه أحد دوني. ولا يتغيب عني فآلو فيه عن الجزء. ولئن أحسنوا لأحسنن إليهم، ولئن أساؤوا لأنكلن بهم»، ثم يضرع إلى الله مستمداً منه العون «اللهم إني شديد فليّني، وإني ضعيف فقوّني، وإني بخيل فسخّني».
وبعد أن سأل عثمان وعلي عن راتبه من بيت المال قال: يحل لي حلتان: حلة في الشتاء وحلة في القيظ وما أحج عليه وأعتمر من الظهر، وقوتي وقوت أهلي كقوت رجل من قريش ليس بأغناهم ولا بأفقرهم. ثم إني أنزلت نفسي من مال الله منزلة مال اليتيم: إن استغنيت استعففت وإن افتقرت أكلت بالمعروف.
خطته في الحكم
قال عمر (رضي الله عنه): «لا ينبغي أن يلي هذا الأمر إلا رجل فيه أربع خصال، اللين في غير ضعف، والشدة في غير عنف، والإمساك في غير بخل، والسماحة في غير سرف، فإذا سقطت واحدة منهم فسدت الثلاثة».
مواقفه مع الناس
لقد حمل عمر (رضي الله عنه) نفسه على سلوك هدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخليفته أبي بكر (رضي الله عنه) كان يلبس جبة من صوف مرقع بعضها ويطوف بالأسواق وعلى عاتقه الدرة يؤدب بها الناس.
كان عمر (رضي الله عنه) يعس في الليل ويتفقد رعيته ويتعرف على أحوالهم ويقضي حوائجهم ويرشدهم ويعلمهم ويجيب طلبهم وشعاره: «أنت تحمل وزري يوم القيامة».
مواقفه مع الولاة
مع الولاة كان عمر (رضي الله عنه) يختار من لا يسأل الإمارة ولا يسعى لها، بل يخشاها ويهرب منها. وإذا استعمل عاملاً كتب له وأشهد عليه رهطاً من المهاجرين. اشترط عليه أن لا يركب دابة مطهمة، ولا يأكل نقياً، ولا يلبس رقيقاً، ولا يغلق بابه دون ذوي الحاجات. فإن فعل شيئاً من ذلك حلت عليه العقوبة. وكان يوصي الولاة بخشية الله وطاعته، فيقول لأبي موسى الأشعري: «… فإن أسعد الرعاة من سعدت به رعيته، وإن أشقى الرعاة عند الله عز وجل من شقيت به رعيته. وإياك أن ترتع فيرتع عمالك فيكون مثلك عند الله عز وجل مثل البهيمة، نظرت إلى خضرة من الأرض فرعت فيها تبتغي بذلك السمن، وإنما حتفها في سمنها، والسلام عليك».
كان عمر (رضي الله عنه) يقول للناس: «إنني لم أستعمل عليكم عمالي ليضربوا أبشاركم وليشتموا أعراضكم ويأخذوا أموالكم، ولكني استعملتهم ليعلموكم كتاب ربكم وسنة نبيكم، فمن ظلمه عامله بمظلمة فلا إذن له، ليرفعها إلي حتى أقصه منه».
وكتب عمر (رضي الله عنه) إلى أمراء الأجناد: لا تضربوا المسلمين فتزلوهم، ولا تحرموهم فتكفروهم، ولا تجرموهم فتفتنوهم، ولا تنزلوهم الغياض فتضيعوهم.
وكان يجتمع في موسم الحج بالعمال ويحاسبهم ثم يقول: «أيما عامل لي ظلم أحداً فبلغني مظلمته فلم أغيرها فأنا ظلمته».
كان عمر دائم السؤال عن أحوال العمال وما مدى رضى الناس عنهم وكان يحاسبهم أمام الرعية.
وقد أمر محمد بن مسلمة أن يحرق باب والي الكوفة سعد بن أبي وقاص لأنه أغلقه دون الناس، وكان عمر يأمر العمال بحفظ العهد والوفاء به».
وكان شديداً في تطبيق مبدأ (من أين لك هذا؟).
كان (رضي الله عنه) يجرد العمال من أموالهم التي كسبوها خلال ولايتهم كما فعل مع أبي هريرة والي البحرين، وكان ينزع الولاية ممن لا يقبِّل ولده لأنه لم يرحم أبناءه فهو بالناس أقل رحمة. كما كان يخلط شدته وحزمه باللين والرحمة وهو القائل: «إن هذا الأمر لا يصلح إلا بالشدة التي لاجبر فيها وباللين الذي لا وهن فيه».
محافظته على مال الأمة وتوزيعه على الناس:
أما سياسته (رضي الله عنه) في أموال الأمة فكانت تأخذ بالألباب، كان يقسم لو أن بعيراً من إبل الصدقة ضاع على ضفاف دجلة لخشي أن يسأله الله عنه، في اليوم الصائف كان يتعهد إبل الصدقة حتى يوردها موردها، حتى قال عنه علي (رضي الله عنه): لقد أتعبت الخلفاء من بعدك.
وكان يحرس أموال المسلمين بنفسه، أما الفقراء والمساكين فكان يبالغ في إكرامهم خاصة إذا كانوا من أهل السابقة، وكان يسرع في إنفاق المال حتى لا يبقى بين المسلمين جائع أو عارٍ أو محتاج.
وكان عمر (رضي الله عنه) يرسم مستقبل التكافل الاجتماعي فيقول: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لأخذت فضول أموال الأغنياء فقسمتها على فقراء المهاجرين» بل إن عمر أمر بضمان الشيخوخة لفقراء أهل الذمة الذين يعيشون في المجتمع الإسلامي.
وكان عمر (رضي الله عنه) يأمر بإحياء الأرض الموات فيقول: «من أحيا أرضاً ميتةً فهي له» من أجل تشجيع الزراعة والحركة الاقتصادية.
نفقته على نفسه
كان عمر (رضي الله عنه) يرقب الله في مال الأمة، فكان يأخذ نفسه وأهله بالشدة ويرضى بالكفاف، وكان إذا احتاج إلى المال لا يقترض من بيت مال المسلمين.
قال المسور بن مخرمة: كنا نلزم عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) نتعلم منه الورع. بعد أن فتح الله على المسلمين وصارت كنوز الأرض بين يدي عمر طلبت حفصة من أبيها أن يوسع على نفسه فمازال يذكرها بعيش رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى بكت.
لقد زهد عمر بالدنيا وعزفت نفسه عن ملذاتها ترفعاً مع الاقتدار عليها.
نفقته على أهله
لما زوج ابنه عاصم أنفق عليه ثم أمره أن يعمل بالتجارة حتى لا يأخذ من بيت مال المسلمين شيئاً، وكان يقول لأهله: «لا أعرف أحداً منكم يأتي شيئاً مما نهيت عنه إلا ضاعفت له العذاب ضعفين». لما باع عبد الله بن عمر إبله التي رعاها في الحمى علم عمر بالأمر فرد له رأس المال وجعل الفضل في بيت مال المسلمين، وعندما أهدى أبو موسى الأشعري طنفسة لزوجة عمر عاتكة بنت زيد ردها له وقال له: لا حاجة لنا فيها.
طعامه ولباسه
كان يأخذ من الطعام ما يقوى به على الحياة، ونأى بنفسه وأهله عن ملذات الحياة وأطايب المأكل. اعترض عليه سلمان وهو يخطب لأنه لبس ثوبين، فنادى عمر ابنه عبد الله فسأله من أين الثوب الثاني؟ قال: هذا بردي أعطيته لأبي، فقال الناس: مر نسمع ونُطع.
قال عبد الله بن مسعود: «أكثروا ذكر عمر فإنكم إذا ذكرتموه ذكرتم العدل».
عام الرمادة
في عام الرمادة كان يدعو الله ويقول: اللهم لا تهلكنا بالسنين وارفع عنا البلاء، وقد طلب الغوث من عمرو بن العاص ومن والي الشام معاوية بن أبي سفيان ووالي العراق سعد بن أبي وقاص فجاءه المدد حتى ارتاح الناس وذهب عنهم الخطر.
كان عمر (رضي الله عنه) لا يكتفي أن عماله يوزعون الطعام على الناس، بل كان يحمل بنفسه الأطعمة ويوزعها على ذوي الحاجة، بل رفض عمر أن يأكل اللحم في عام الرمادة حتى إن بطنه كان يقرقر من تناول الزيت.
فتوحاته:
لقد فتح عمر في خلافته من الشام اليرموك وبصرى ودمشق والأردن. وبيسان والجابية وطبرية وفلسطين والرملة وعسقلان وغزة والسواحل والقدس. وبعلبك وحمص وقنسرين وحلب وأنطاكية. وفتح الجزيرة وحران والرها والرقة ونصيبين وراس عين وسميساط وعين وردة وديار بكر وديار ربيعة وبلاد الموصل وأرمينيا. وفتح مصر والإسكندرية وطرابلس الغرب وبرقة. ومن جهة العراق وفارس فتح القادسية والحيرة وبهرسير وساباط وهمذان والري وقومس وخراسان واصطخر وأصبهان والسوس ومرو ونيسابور وجرجان وأذربيجان وغيرها. وقطعت جيوشه النهر مراراً. واستشهد خيله على مشارف أفغانستان والسند بلاد آسيا الوسطى.
التأ ريخ الهجري:
استشار عمر الصحابة في وضع تأريخ للمسلمين، استقر الرأي على اعتماد هجرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كبداية. وأول السنة هو شهر محرم وكان ذلك في السنة السادسة عشرة للهجرة.
حكم الأرض المفتوحة
استشار عمر الصحابة في أمر الأرض المفتوحة هل يقسمها على المجاهدين أم يأخذ منه الخراج وتبقى لأصحابها. واستقر الرأي أن يأخذ الخراج وتبقى الأرض لأصحابها وكان عملاً مسدداً.
تدوين الدواوين
بعد أن كثرت الفتوح وترامت أطراف الدولة الإسلامية وفاض المال وسالت الكنوز وتزاحمت الأموال في بيت المال، وبعد مجلس استشارة أمر عمر بكتابة الناس على منازلهم فبدؤوا ببني هاشم، قرابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان يقول في المال الذي فرضه للناس: وما أنا فيه إلا كأحدهم ولكنا على منازلنا من كتاب الله وقسمنا من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). فالرجل وبلاؤه في الإسلام، والرجل وقِدمه في الإسلام، والرجل وغناؤه في الإسلام، والرجل وحاجته، والله لئن بقيت ليأتين الراعي بجبل صنعاء حظه من هذا المال وهو في مكانه.
دار الدقيق
في الطريق بين مكة والمدينة أمر ببناء دار الدقيق والسويق والتمر والزبيب لإعانة المسافرين والمنقطعين، كما أمر بوضع السبل لتزويد الناس بالماء وما يحتاجونه.
راتب المولود
كان عمر (رضي الله عنه) يفرض للمفطوم من الأطفال، ولما سمع طفلاً يصرخ لأن أمه تريد فِطامه قبل أوانه قال: «يا بؤساً لعمر، كم قتل من أطفال المسلمين». ثم أعلن أنه فرض لكل مولود في الإسلام، ولا داعٍ للعجلة بالفطام.
لا تحبس الجيوش فوق أربعة أشهر
بينما كان عمر يطوف في أحياء المدينة ليلاً سمع امرأة تقول:
تطاولَ هذا الليلُ واسوَدَّ جانبُه
وأرّقني أن لا خليلَ أُلاعبُه
فلولا حذارِ اللهَ لا شيءَ مثلُه
لزحزحَ من هذا السريرِ جوانِبُه
فسأل عمر حفصة كم تصبر المرأة على بعد زوجها، فقالت: أربعة أشهر. فكتب عمر أن لا تحبس الجيوش فوق أربعة أشهر.
يُغزي الأعزب والفارس.
كان عمر يُغزي الأعزب عن ذي الحليلة، ويُغزي الفارس عن القاعد، وكان يعقب بين الغزاة وينهى أن تحمل الذرية إلى الثغور.
لا يجلد أحد قرب العدو
إن إنفاذ الحدود قريباً من بلاد العدو يفسح المجال للشيطان أن يلعب بقلوب بعض الضعاف فيشردون إلى الكفار؛ لذلك طلب من القادة عدم تنفيذ حد الجلد في المناطق القريبة من الأعداء.
إجلاء اليهود
عندما فتح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خيبر أقر أهلها إلى ما شاء وللمسلمين نصف الثمر. وفي عهد عمر اعتدى يهود خيبر على أحد الأنصار ثم على عبد الله بن عامر فأمر عندئذ عمر بإجلائهم عن خيبر تطبيقاً لقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا يجتمع دينان في جزيرة العرب».
لا يدخل المدينة سبي بلغ الحلم.
كان هدف عمر تحصين المدينة من خطر العلوج وكل المتآمرين على الإسلام، إلا أن والي الكوفة المغيرة بن شعبة كتب إلى عمر بغلام عنده أعمال كثيرة فأذن له. وقد أراد عمر من هذا العمل أن تبقى المدينة حصناً شامخاً للدعوة.
توسعة المسجد النبوي
بعدما كثر المسلمون في عهد عمر (رضي الله عنه) قرر توسعة مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاشترى ما حوله من الدور، إلا دار العباس بن عبد المطلب وحجر أمهات المؤمنين، فطلب من العباس داره بثمنها فرفض، وعندما أصر على موقفه ذهبا إلى أبي بن كعب ليفصل بينهما، فثبت موقف العباس بناء لحديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي ينهى عن الغصب، فرضي عمر بالحكم، عندئذ تبرع العباس بداره طيبةً من نفسه.
جمع الناس في التراويح وإنارة المسجد
جمع عمر (رضي الله عنه) الناس في صلاة التروايح ونوّر المسجد بالقناديل فقال علي بن أبي طالب (رضي الله عنه): «نوّر الله على عمر قبره كما نوّر علينا مساجدنا».
يقرّب أهل السابقة
كان عمر يقدم أهل السابقة وأصحاب البلاء إليه. حضر بابه شيوخ قريش وفيهم سهيل بن عمرو وأبو سفيان بن حرب وأناس آخرون. فقدم أهل بدر كصهيب وبلال وعمار، فقال أبو سفيان: ما رأيت كاليوم قط، إنه يأذن لهؤلاء العبيد ونحن جلوس لا يلتفت إلينا، فقال عمر: أيها القوم، إني والله قد أرى الذي في وجوهكم، فإن كنتم غضاباً فاغضبوا على أنفسكم، دعي القوم ودعيتم فأسرعوا وأبطأتم».
أوليات عمر بن الخطاب:
كان (رضي الله عنه) يسابق الزمان: هو أول من جمع القرآن في مصحف. وهو أول من كتب التاريخ الهجري. وأول من جمع الناس على إمام واحد في التراويح، وأول من جمع الناس في صلاة الجنازة على أربع تكبيرات، وأول من عس بالليل، وأول من عاقب على الهجاء، وأول من ضرب في شرب الخمر ثمانين جلدة، وأول من نهى عن بيع أمهات الأولاد، وأول من دوّن الديوان وفرض للناس الأعطية من الفيء، وأول من حمل الطعام في السفن من مصر إلى المدينة، وأول من أوقف أرضاً يتصدق بغلّتها، وأول من اتخذ الدرة، وأول من مصَّر الأمصار، وأول من استقضى القضاة، وأول من مسح السواد وأرض الجبل ووضع الخراج على الأرضين، وأول من بسط الحصى في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
تواضعه وخشيته
نقش على خاتمه: كفى بالموت واعظاً يا عمر.
خرج عمر رضوان الله عليه يعس بالمدينة ذات ليلة فمر بدار رجل من الأنصار فوافقه قائماً يصلي، فوقف يسمع قراءته، فقرأ: (وَالطُّورِ) حتى بلغ: (إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ، مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ) فقال: قسم ورب الكعبة حق. فنزل عن حماره فاستند إلى حائط فمكث ملياً ثم رجع إلى منزله فمرض شهراً يعوده الناس لا يدرون ما مرضه.
لقد وقف ذات مرة على المنبر يخطب الناس، وهو أمير المؤمنين وجيوشه تسقط سلطان كسرى والروم، فقال: «أيها الناس: لقد رأيتني وأنا أرعى غنم خالات لي من بني مخزوم نظير قبضة من تمر أو من زبيب». ثم ينزل من على المنبر وسط دهشة الناس وتساؤلهم، ويتقدم منه عبد الرحمن بن عوف ويقول له: ما أردت بهذا يا أمير المؤمنين؟ فيجيبه عمر: ويحك يا ابن عوف، خلوت بنفسي فقالت لي أنت أمير المؤمنين، وليس بينك وبين الله أحد، فمن ذا أفضل منك؟ فأردت أن أعرفها قدرها.
وكان كثيراً ما يلقى صبياً من الصبيان في طرقات المدينة، فيأخذ بيده ويقول له وعيناه تفيضان من الدمع: «ادع لي يا بني، فإنك لم تذنب بعد».
لطالما كان يدعو أبا موسى الأشعري ليتلو عليه بصوته العذب المؤثر آيات من القرآن العظيم ويقول له: «ذكرنا ربنا يا أبا موسى» فيقرأ أبو موسى ويبكي عمر.
وكان يقول: «إذا نمت الليل أضعت نفسي، وإذا نمت النهار ضيعت الرعية».
لما رجع عمر من الشام إلى المدينة، انفرد عن الناس ليتعرف أخبار رعيته، فمر بعجوز في خبائها فقصدها فقالت: يا هذا ما فعل عمر؟ قال: قد أقبل سالماً، فقالت: لا جزاه الله عني خيراً. قال: ولمَ؟ قالت: لأنه والله ما نالني من عطائه منذ ولي أمر المؤمنين دينار ولا درهم، فقال: وما يدري عمر بحالك وأنت في هذا الوضع؟ فقالت: سبحان الله، والله ما ظننت أن أحداً يلي على الناس ولا يدري ما بين مشرقها ومغربها. فبكى عمر (رضي الله عنه) وقال: «واعمراه كل أحد أفقه منك حتى العجائز يا عمر».
ثم قال لها: يا أمة، بكم تبيعيني ظلامتك من عمر، فإني أرحمه من النار؟ قالت: لا تهزأ بنا يرحمك الله، فقال: لست بهزاء، فلم يزل بها حتى اشترى منها ظلامتها بخمسة وعشرين ديناراً، فبينما هو كذلك إذ أقبل علي بن أبي طالب وابن مسعود فقالا: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فوضعت العجوز يدها على رأسها وقالت: واسوأتاه، شتمت أمير المؤمنين في وجهه؟ فقال: لا بأس عليك، رحمك الله. ثم طلب رقعة يكتب فيها وكتب فيها: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما اشترى به عمر بن الخطاب من فلانة ظلامتها منذ ولي إلى يوم كذا وكذا بخمسة وعشرين ديناراً. فما تدعي عند وقوفه في المحشر بين يدي الله تعالى فهو منه بريء، شهد على ذلك علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود». ثم رفع الكتاب إلى ولده وقال: إذا أنا مت فاجعله في كفني ألقى به ربي.
اشتكى عمر (رضي الله عنه) شكوى فنعت له العسل كعلاج، وكان في بيت مال المسلمين قليل منه فخرج حتى أتى المنبر فصعده وقال: إن أذنتم لي فيها أخذتها وإلا فإنها علي حرام. فأذنوا له فيها.
على فراش الموت
وساعة كان يستقبل الموت قال لابنه عبد الله: «يا عبد الله، خذ رأسي عن الوسادة وضعه فوق التراب لعل الله ينظر إلي فيرحمني».
لما طعن سقاه الطبيب لبناً فخرج من جرحه فبكى عمر وأبكى من حوله وقال: هذا لو أن لي ما طلعت عليه الشمس لافتديت من هول المطلع. قالوا وما أبكاك إلا هذا؟ قال: ما أبكاني غيره. فقال له ابن عباس: يا أمير المؤمنين، والله إن إسلامك كان لنصراً، وكانت إمامتك لفتحاً، والله لقد ملأت إمارتك الأرض عدلاً. ما من اثنين يختصمان إليك إلا انتهيا إلى قولك، قال عمر: أجلسوني، فلما جلس قال لابن عباس: أعد علي كلامك، فلما أعاده عليه قال: أتشهد لي بذلك عند الله يوم تلقاه. قال ابن عباس: نعم.
لما طعن عمر جاء الناس عليه يودعونه فقال عمر: أبالإمارة تزكونني؟ لقد صحبت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقبض الله رسوله وهو عني راضٍ، ثم صحبت أبا بكر فسمعت له وأطعت، فتوفي أبو بكر وأنا سامع مطيع، وما أصبحت أخاف على نفسي إلا إمارتكم هذه.
الاستخلاف وأصحاب الشورى
جعل عمر أمر الخلافة بين عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص فيختاروا واحداً منهم. أما عبد الله بن عمر فيحضر الشورى ولا يولى شيئاً. كما استأذن عائشة دفنه قرب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
رضي الله عن أمير المؤمنين، ومثله تنتظر الأمة بشرى رسولها أن يعيد لها تلك السيرة العطرة التي لم يرَ العالم مثيلاً لها بعد الأنبياء… فخير ما تنتظره الأمة في هذا الزمان هو تحقيق هذه البشرى، فيا هنيئاً لمن تحققت فيه هذه البشرى، ويا سعادة الأمة بل العالم كله به.
2009-08-21