العدد 192 -

السنة السابعة عشرة – محرم 1424هـ – آذار 2003م

أسلحة الدمار الشامل في الغرب (1)

أسلحة الدمار الشامل في الغرب  (1)

          إن أميركا لا زالت تصرِّح، وتضجّ بالتصريح أنَّ العراق يمتلك أسلحة دمار شامل، ويجب تدميرها. وتقول بقولها بعض الدول الغربية لمقتضيات السياسة لديها، لأنها تريد نصيباً من الغنيمة بعد الحرب مثل بريطانيا، متناسين كما يحلو لهم، ان الدول الغربية، وبخاصة أميركا، تملك من أسلحة الدمار الشامل ما يكفي لتدمير الكرة الأرضية عدة مرات. ويسلط هذا الفصل الأضواء على مخزون الغرب من أسلحة الدمار الشامل، موضحا الأخطار العظيمة التي تواجهها الإنسانية، ويبين بوضوح أن للغرب سجلاً لا جدال فيه في الاستخدام المنهجي والمتعمد لأسوأ أسلحة في العالم.

ــــــــــــــ

  1. كانت أميركا أول دولة في العالم تطوّر قنبلة ذرية عام 1945م. ولقد كشفت الحكومة الأميركية حينها أن هناك إمكانية صنع سلاح انشطاري يمكن أن تكون له قدرات تدميرية ضخمة. وجازفت بصرف مبلغ 2 بليون دولار خلال الأربعينات على مشروع قنبلتهم الذرية الذي كان يسمى بمشروع مانهاتن. وقد استقطب هذا المشروع خيرة عقولهم العلمية والهندسية. واعتبروا هذا المشروع كسباق ليكونوا أول دولة في العالم لديها قنبلة ذرية لأنهم أدركوا القوة الاستراتيجية التي سيمنحها المشروع لهم. وتكلفة 2 بليون دولار في الأربعينات يعادل 20 بليون دولار حاليا. وقد برهنت الولايات المتحدة على فعالية قنبلتهم الذرية في الاختبار الذي اجروه في موقع ترنتي، قرب الأموجوردو، في نيومكسيكو. وقد وجدوا، بعد فحص الدمار إثر الانفجار، أنه أكثر قوة مما توقعوا في الأصل. فقد كان يعادل حوالي 20 ألف طن من مادة ال تي إن تي.

  2. تقويم نتائج الانفجار النووي: وجد العلماء الأميركان النتائج التالية لاختبار أنفجار ترنتي. وجدوا أن الأرض التي تحت الانفجار قد انقسمت إلى شرائح تدميرية. شريحة بنصف قطر مقداره نصف ميل من المركز سميت بمنطقة التبخّر (98٪ ضحايا، الجثث إما ستندثر أوتحترق بحيث لا يُتعرَّف عليها) , كل شيء في هذه المنطقة تحطم ودرجات الحرارة تكاد ترتفع حالا إلى 3000 – 4000 درجة مئوية. والمنطقة بنصف قطر مقداره ميل واحد سميت بمنطقة الدمار الشامل (الضحايا ستكون 90٪)، كل المباني فوق الأرض تحطمت. ومنطقة بنصف قطر قدره (1.75) ميلا سميت منطقة الانفجار الشديد [الضحايا 65٪ والإصابات 30٪], أنهارت المنشآت الكبيرة، وحصل خراب للجسور والطرق. والمنطقة بنصف قطر قدره (2.5) ميلا سميت بمنطقة الخراب الحراري الشديد [50٪ ضحايا، 45٪ إصابات], كل شيء في هذه المنطقة يصاب بنوع من التدمير الاحتراقي. والمنطقة بنصف قطر 3 أميال سميت بمنطقة التدمير الشديد بسبب النار والريح [15٪ ضحايا، 50٪ إصابات] والبيوت والمباني الأخرى تعرضت للخراب، والناس في المنطقة سيتطايرون ويتعرضون للاحتراق من الدرجة الثانية والثالثة إذا كانوا ممن نجا من الموت.

  3. الهجوم الذري على اليابان: رغم ما أكدته الحكومة الأميركية من التدمير الفعّال للقنبلة، فإنهم أصروا على اسقاط قنبلتين نوويتين على المدنيين اليابانيين في مدينتي هيروشيما وناجازاكي. وكان القتل المتعمد للمدنيين اثناء الحرب يعتبر حتى في ذلك الوقت عملا غير قانوني حسب ميثاق جنيف. ومع هذا كان حجم الأهداف التي اختيرت للقنبلتين الذريتين، والتي سميت “الولد الصغير” و”الرجل السمين” هو من أجل بيان القوة التدميرية الجديدة الموجودة لدى الولايات المتحدة.

  4. تبرير الهجوم على اليابان: بررت الحكومة الأميركية قرارها يومئذ باسقاط القنبلتين على اليابان من خلال وجهتي نظر: أولا، ان غزواً على الجزر اليابانية كان سيتسبب في إصابات مروعة مثل ما جرى في معارك مدينتي أوجيما وأوكيناوا. ثانيا، كان لا بد من نهاية سريعة للحرب التي لم يكن العسكريّون مستعدين لإيقافها. بعد سقوط ألمانيا النازية في شهر أيار 1945م، كان واضحا للجميع أن اليابان أخفقت وضعفت كثيرا. وفي آواخر عام 1945م لم يبق لدى اليابان طائرة واحدة، وإن الطيارين الأميركيين كانوا قادرين على الطيران والقاء القنابل كما يشاؤون. وكانت طوكيو وناجوبا وأوساكا وكوبي ويوكوهاما قد دمرت تماما. وكانت اليابان قد هزمت وعلى وشك الاستسلام، كما كان معروفا. وقد أعلم مكتب الخارجية الياباني الروسي رسميا في أيار 1945 أن الأمبراطور كان “راغبا في السلام” مع الحلفاء. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن بوشيدو، وهو الدستور العسكري الياباني، يطالب بالطاعة المطلقة الكاملة، بالإضافة إلى ما في هذا الدستور من البطولة، فلو قبل الامبراطور بالاستلام لكان أمره هذا سينفذ حالا وبشكل باتّ من قبل الجيش الياباني. تجاهلت روسيا هذه التحركات الدبلوماسية لأسباب استراتيجية. ذلك أنه بموجب اتفاق يالطا، كان عليها ان تدخل الحرب ضد اليابان بعد ثلاثة شهور من استسلام ألمانيا. وكانت حريصة على أن تجني بعض غنائم الحرب. ولقد علمت الاستخبارات الأميركية بهذه الاتصالات الدبلوماسية مع موسكو، ولكنها عجّلت عملها في مشروع مانهاتن خوفا من أن تستسلم اليابان قبل أن يصبح في الامكان استخدام القنبلة. ولقد تُرِكَت المدينتان اللتان اختيرتا هدفا للقنبلتين سالمتين أثناء الحرب لأنهما قد اختيرتا “للتجربة”. وكلمة “التجربة” قد استعملت من قبل ترومان وجنرال جروفز (الذي كان يومها مسؤول مانهاتن). ان القصة التي لفقها الرئيس ترومان في آب 1945 فيما يتعلق بإسقاط القنبلة على هيروشيما هي “أن العالم سيدرك أن القنبلة الذرية قد أسقطت على هيروشيما بوصفها قاعدة عسكرية، أننا أردنا في هذا الهجوم الأول أن نتجنب قدر الإمكان قتل المدنيين”. وقال أيضاً عام 1945: “قد أنفقنا 2 بليون دولار على أكبر مقامرة علمية في التاريخ، وكسبنا”. وما حققته الولايات المتحدة هو عرض واضح لقوتها الجديدة التي تسببت في قتل 200,000 شخص، اغلبيتهم الكبرى من المدنيين. بعضهم مات في الحال، وبعضهم مات نتيجة حروقهم وتعرضهم للاشعاع. كثير من الشخصيات العسكرية من الحلفاء اعتبروا ضرب هيروشيما وناجازاكي بالقنابل الذرية غير ضروري بتاتا. فالمارشال مونتغمري كتب في كتابه “تاريخ الحروب”: “لم يكن ضروريا اسقاط القنبلتين الذريتين على اليابان في آب 1945، ولا أستطيع أن أظن أنه كان صوابا فعل ذلك. كان اسقاط القنبلتين خطأ سياسيا فاضحا كبيرا، ومثلا بارزا في هبوط مستوى السلوك في الحرب الحديثة”. وقال الجنرال ايزنهاور القائد الأعلى للحلفاء والرئيس المستقبلي للولايات المتحدة: كانت اليابان في تلك اللحظة بالذات تسعى لإيجاد طريقة ما للاستسلام مع الاحتفاظ بأعلى قدر من ماء الوجه “لم يكن من الضروري ضربهم بذلك الشيء المروع”. ورئيس أركان ترومان، الأدميرال ليهي كتب يقول: “رأيي أن استخدام ذلك السلاح البربري في هيروشيما وناجازاكي لم يقدم مساعدة فعلية في حربنا ضد اليابان, فإن اليابانيين كانوا من قبل قد هزموا ومستعدين للاستسلام بسبب الحصار الفعّال والهجوم الناجح بالأسلحة التقليدية. وكوننا أول من استخدم هذا السلاح (الذري) فقد تبنينا معيارا أخلاقيا يصلح لعصور الظلام. لم أتعلم أن أخوض حربا على هذا الطراز، ولا تُكسب الحروب عن طريق افناء النساء والأطفال”. والجنرال بريجادير كارتر كلارك (ضابط الاستخبارات المسؤول عن تزويد ترومان ومستشاريه بالاتصالات اليابانية الملتقطة) كتب يقول “عندما كان لا يلزم أن نقوم بذلك، وكنا نعلم أننا لسنا بحاجة لعمل ذلك، وكانوا يعلمون أننا لسنا بحاجة لعمل ذلك، استعملناهم كتجربة لقنبلتين ذريتين”.

  5. صنع القنبلة الهيدروجينية: لم تكتف أميركا بفعالية القنبلة الذرية، بل مضت في صنع القنبلة الهيدروجينية أو القنبلة العظمى. وحسب أقوال العلماء الذين أوصوا بصنعها في تقرير للحكومة الأميركية فإنه “لا حدود للقوة التفجيرية للقنبلة نفسها سوى ما تفرضه متطلبات إطلاقها”. وقد أوصت اللجنة الاستشارية العامة للجنة الطاقة الذرية التي كانت مسؤولة عن تطوير كل الأسلحة الذرية في الولايات المتحدة بأن لا يباشَر في مشروع متعجّل لصنع القنبلة الهيدورجينية بسبب “أنها ليست سلاحا يمكن استخدامه لتدمير المنشآت المادية للأهداف العسكرية أو شبه العسكرية على وجه الحصر. لذلك فإن استخدامها يحقق أكثر بكثير مما تفعله القنبلة نفسها من سياسة افناء السكان المدنيين”. ولكن كان موقف العسكريين الأميركيين إزاء صنع القنبلة الهيدروجينية، كما قررت هيئة الأركان المشتركة “أن الولايات المتحدة ستكون في وضع خطر إذا امتلك القنبلة عدو محتمل، بينما الولايات المتحدة لا تملك ذلك”.

  6. آثار التجارب النووية الأميركية: من أجل فهم أثر الانفجارات النووية على السفن الحربية، والمباني، والحيوانات والأهداف الأخرى، ومن أجل تعديل وتحسين تكنولوجيا الأسلحة بشكل أفضل، قامت الولايات المتحدة بتجارب من أجل زيادة فعالية القنابل الذرية والهيدروجينية لعدة عقود بعد الحرب العالمية الثانية. وأول موقع تجارب اختارته أميركا بعد الحرب كان جزر بكيني في المحيط الهادي. وكانت أميركا قد انتزعت هذه الجزر التي كانت جزءاً من جزر المارشال، من السيطرة اليابانية. وبعد سنتين من ممارسة السلطة على هذه الجزر سافر كومودور بن إتش ويا ت، الحاكم العسكري لجزر مارشال، في مهمة إلى جزر بكيني. وبعد قداس أحد أيام الآحاد في شباط 1946 جمع مواطني الجزيرة ليطلب منهم مغادرة بيوتهم بصفة مؤقتة حتى تتمكن أميركا من اختبار قنابل ذرية “من أجل مصلحة البشرية ولوضع نهاية للحروب العالمية”.

  7. كان كنج جودا وسكان بكيني في حالة اضطراب وأسى وهم يبحثون ذلك الطلب. وفي النهاية قال كنج جودا لويات: “سنذهب، ونحن نعتقد أن كل شيء بيد الله”. طيلة تلك العقود عانى سكان بكيني من سوء التغذية ومن النتائج القاسية التي ترتبت على نقلهم من جزيرة إلى جزيرة أخرى، ومن الغبار الذري. وهي قضايا تتعلق كلها بخطة الولايات المتحدة لاختبار قنابلها. وبعد أكثر من خمسين سنة من بدء الاختبارات في جزر بكيني، لا يزال سكان الجزر يقدمون العرائض للولايات المتحدة من أجل دفع التعويض الذي وعدتهم به بسبب الخراب الذي وقع لأراضيهم وحياتهم. وكان ثاني موقع بري استخدمته الولايات المتحدة للاختبار هو ميدان الاختبار في نيفادا بروفنغ جراوند في يوكافلات، على بعد حوالي 65 ميلا شمال لاس فيجاس. وقد أُجرِيَ 90 اختبارا على القنابل النووية في صحراء نيفادا خلال الخمسينات والستينات. وقد قام معهد السرطان القومي (NCI) بفحص أثر هذه الاختبارات، وذلك في منتصف التسعينات. وقد أكدوا أن الاختبارات قد اطلقت سحباًمن الغبار الذري فوق معظم الولايات المتحدة. وكان من ضمن المواد الضارة التي انتشرت بسبب الانفجارات أحد النظائر المعروف باسم اليود – 131. وهذه الجزيئات الاشعاعية التي تتجمع في الغدة الدرقية، يشك أنها سبب السرطان،وقدر معهد السرطان القومي مؤخرا أن 10,000 – 75,000 حالة من سرطان الغدة الدرقية في الولايات المتحدة كانت بسبب مادة النظائر الاشعاعية اليود – 131 الناتجة عن الغبار الذري للقنابل الذرية التي اختبرت في نيفادا. وبالإضافة إلى الموظفين العسكريين الذين تعرضوا لمستويات عالية من الاشعاع الذري في منطقة الاختبارات، فمن المحتمل أن آلافاً من المواطنين الأميركيين الذي كانوا في اتجاه حركة الريح قد دفعوا ثمنا مهلكا نتيجة اختبار القنابل الذرية. وهذا مثال واضح لاستخدام الغرب لأسلحة الدمار الشامل ضد مواطنيه الغافلين.

  8. التطوير النووي أثناء الحرب الباردة: بدأت أميركا أثناء الحرب الباردة سباقا للتسلح مع الاتحاد السوفييتي وقامت بتخزين آلاف من الأسلحة النووية. وقد طورت أيضا وسائل نقل متعددة لحمل هذه الاسلحة بما فيها القاذفة بي 520، وأنواعا متعددة من الصواريخ البالستية الأرضية عابرة القارات، إضافة إلى صواريخ بالستية تقذف من الغواصات. وقد أقامت أميركا أيضا آلافا من الأسلحة النووية التكتيكية حول حدود الاتحاد السوفييتي، في أوروبا الغربية، وتركيا وكوريا الجنوبية واليابان…الخ، حتى تتاح لها القدرة على الضربة الأولى، ولتردع الاتحاد السوفييتي من الهجوم. ولكن عندما دعت كوبا الاتحاد السوفييتي لوضع صواريخ نووية روسية على الأرض الكوبية لتردع الهجوم الأميركي – حيث إن الولايات المتحدة قد أظهرت منذ بداية الستينات رغبتها في إبعاد فيدل كاسترو عن السلطة – فإن أميركا أصابها السُّعار واجبرت السوفييت على سحب صواريخهم بالتهديد بحرب شاملة.

  9. الحد من الأسلحة النووية: لقد وقعت أميركا كثيرا من الاتفاقيات للحد من الأسلحة النووية وكان آخرها سولت – 1 وسولت – 2 واتفاقية وقف التطوير النووي واتفاقية الوقف التام للاختبارات واتفاقية القوات النووية متوسطة المدى وغيرها. وإذا أخذنا بعين الاعتبار التقدم التكنولوجي، ودقة الصواريخ، ومداها، وقدرة الصواريخ على التسلل، الذي تم في العقود الأخيرة، بجانب المعلومات الاختبارية الواسعة التي تتوفر لدى أميركا، فإنه ما من واحدة من هذه الاتفاقيات أضعفت بشكل جوهري قدرة الولايات على القيام بهجوم نووي ضد أي دولة أو التهديد به. وفي بعض هذه الاتفاقيات تمييز ومحاباة ضد معظم الدول في العالم. لنأخذ مثلا “اتفاقية عدم تطوير الأسلحة”، والتي اصبحت نافذة المفعول عام 1970، وتؤيدها الولايات المتحدة بقوة، فإنها تسعى لمنع انتشار الأسلحة النووية. والدول التي وقعت عليها وعددها 187 دولة، تمثل صنفين: دولا نووية وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة، والصنف الآخر هو الدول غير النووية. وحسب الاتفاقية، فإن الدول النووية الخمس تناضل من أجل نزع السلاح بشكل شامل وكامل، بينما الدول غير النووية تمتنع عن تطوير وامتلاك الأسلحة النووية. وأوسع التزام عالمي بهذه الاتفاقية هو الالتزام باتفاقية عدم انتاج الأسلحة، الذي يكاد يكون عالمياً باستثناء كوبا، والهند و(إسرائيل) وباكستان، التي بقيت خارج الاتفاقية. وحتى تنضم هذه الدول للاتفاقية يجب ان تفعل ذلك كدول غير نووية، لأن الاتفاقية تحصر الدول النووية بتلك التي “صنعت وفجرت سلاحا نوويا او أي جهاز ذي انفجار نووي قبل 1 كانون ثاني عام 1967”. وحتى تنضم الهند و(إسرائيل) وباكستان إلى الاتفاقية كدول غير نووية مع أنه معروف أو محتمل أنها تملك اسلحة نووية , عليها أن تفكك اسلحتها النووية وتضع موادها النووية تحت حراسة دولية. وبناء على هذه الاتفاقية، فكل دولة غير نووية تسعى لامتلاك أسلحة نووية يمكن أن توصف بسهولة أنها دولة شريرة وتصبح مستهدفة، كما حصل مع العراق وإيران وكوريا الشمالية مؤخرا. ومع أن أميركا تبقى الدولة العظمى الوحيدة في العالم، فهي تصر على تهديد الدول الأخرى بالبدء باستخدام الأسلحة النووية حتى تردع أي خصم محتمل. ومن الناحية العملية، لم تبد أي دولة من الدول النووية الخمس نيّة جديّة في نزع السلاح كما تقتضى الاتفاقية. ومع هذا فإنها، وعلى رأسها أميركا، تهدف إلى احتكار السيطرة على الأسلحة النووية، منكرين على الدول الأخرى حقها في التمتع بنفس المظلّة التي تعمل هذه الدول الخمس تحتها، مما يعد شكلا شاذا آخر للمعايير المزدوجة. وهكذا فإن أميركا تعتبر اتفاقية عدم انتاج الأسلحة النووية مجرد أداة لكبح القدرات النووية لدول أخرى مثل إيران والعراق وكوريا الشمالية، وكطريقة لتحسين سلوك روسيا والصين بالنسبة لانتاج وتطوير الأسلحة، دون أن تظهر أي تقدم تجاه نزع أسلحتها النووية نفسها. بل الواقع أن أميركا تخطط من أجل تطوير سلسلة جديدة من الأسلحة النووية. وهذا يُظهر نفاق الولايات المتحدة التي انسحبت منفردة مؤخرا من اتفاقية الصواريخ البالستية المضادة مع الاتحاد السوفيتي، رغبة في متابعتها الحماسية لتطوير “نظام صاروخي دفاعي”، ومع هذا فهي تدين الآن العراق وكوريا الشمالية لنقضهما الاتفاقيات، وتمنعهما من امتلاك أسلحة نووية خاصة بهما.

  10. التطوير النووي الحالي والمستقبلي:  في بداية عام 2002، قامت أميركا بإعادة النظر باستراتيجتها النووية تحت عنوان “مراجعة الوضع النووي الأميركي”. وقد تسربت بعض أجزاء هذه المراجعة إلى الصحف الأميركية. وقد هدفت المراجعة الى وضع خطط طارئة لاستهداف كوريا الشمالية وايران وليبيا وسوريا وروسيا والصين. وتدعو المراجعة الولايات المتحدة لأن تكون أكثر مرونة في تطوير ونشر قواتها النووية التي يمكن أن تكون بحاجة لها. وإحدى مجالات المرونة هذه هي استئناف التجارب النووية. وأحد الأسباب الموجبة لهذه التجارب هو الحاجة لتطوير قنابل وصواريخ قادرة على تدمير أهداف محصنة ومدفونة في الأعماق (HDBTs). وهذه الأهداف هي مبان ومنشآت يمكن أن يستخدمها الخصم لإيواء عمليات القيادة والسيطرة، وملاجئ للقيادة أو مناطق للتخزين. وهناك وثائق متعلقة بسياسة الولايات المتحدة. كتلك التي بقلم بول روبنسون، مدير مختبرات سانديا القومية، تدعو إلى تطوير أسلحة نووية ذات فعالية منخفضة. وتعتبر أميركا الآن احدى الدول الموقعة على اتفاقية المنع الشامل للتجارب رغم أن الكونجرس لم يوقع على الاتفاقية. وهكذا فإن الرسالة التي تحملها هذه المراجعة لدول العالم هو أن اميركا مهتمة بتطوير أسلحة نووية أكثر استعمالا وأنها سوف تتجاهل اتفاقية المنع الشامل للتجارب بسبب مصالحها. وقد صرحت أميركا أيضا في خطة مراجعة الوضع النووي الأميركي والخطط الأخرى عن نيّتها في بناء دفاعات من الصواريخ الاستراتيجية التي تردع الدول الأخرى من الحصول على صورايخ بعيدة المدى. ويعتقد أن نظام دفاع صاروخي عالمي سيعطي أميركا دفاعا واقيا يمنحها حرية العمل حول العالم مع قدرة نسبية في الإفلات من العقوبة. وهكذا تستطيع أميركا أن تتعامل، وهي آمنة من العقوبة, مع الدول الأخرى المالكة لأسلحة الدمار الشامل والصورايخ بعيدة المدى اللازمة لإطلاق هذه الأسلحة ضدها. ففي 13 كانون أول عام 2001، أعلنت الولايات المتحدة أنها ستنسحب من اتفاقية 1972 الخاصة بالصواريخ البالستية المضادة، لأن من الواضح أن هذه الاتفاقية تمنع تجارب دفاعات صواريخ متحركة ضد الصواريخ البالستية عابرة القارات. لذلك طلبت الإدارة الأميركية الجديدة في أول ميزانية دفاع لها زيادة 57٪ في تمويل الدفاع الصاروخي، من مبلغ 5.3 بليون دولار إلى 8.3 بليون دولار، وقد حصلت من الكونجرس على 7.8 بليون دولار. كل هذا يدل على أن من المحتمل أن كثيرا من الدول ستزداد خشية من الولايات المتحدة وهي تراها تعمل لجعل نفسها آمنة من أي هجوم صاروخي نووي بجانب صنعها أسلحة نووية أكثر استعمالا. هذه هي الدولة، التي كما رأينا سابقا، لا تجد حرجا ولا عارا في استخدام الأسلحة ضد المدنيين الأبرياء .

[يتبع]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *