العدد 191 -

السنة السابعة عشرة – ذو الحجة 1423هـ – شباط 2003م

مستقبل الصراع بين الإسلام والغرب

مستقبل الصراع بين الإسلام والغرب

 

يقول الله تعالى في كتابه العزيز: (والله متم نوره ولو كره الكافرون)  [الصف] ويقول أيضاً: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)  [البقرة/120] إن هذه الآيات الكريمة توضح بكل جلاء ووضوح أن الإسلام سيعلو وسينتصر بإذن الله وأن الصراع بين الإسلام والكفر لم ولن ينتهي حتى تقوم الساعة. فهناك قوى خير وقوى شر على أرض البسيطة سيظلان يتصارعان حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

         وإذا أنعمنا النظر في التاريخ الإسلامي ومنذ بزوغ نور الإسلام على البشرية ونشوء الدولة الإسلامية في المدينة المنورة نجد أن الصراع بيننا وبين بني الأصفر على الأخص كان دموياً ومستمراً وسجالاً, يوم لنا ويوم علينا. ولكن إذا حللنا هذا الصراع بجملته ومضمونه ونتيجته نجد أن الكفة كانت ترجح في أغلب الأحيان لصالح المسلمين مع أنه تخللها بعض النكسات هنا وهناك. فالحروب الصليبية وسقوط الأندلس وغيرها وأخيراً سقوط الدولة العثمانية هي بعض مظاهر هذه النكسات. وأعظم هذه النكسات كان سقوط الدولة العلية العثمانية وتنحية الشريعة الإسلامية جانباً والاحتكام بدلاً عن ذلك إلى الأحكام الوضعية وأعقب ذلك تفتتها إلى دويلات هزيلة عديمة السيادة يحكمها الغرب الكافر حكماً محكماً غير مباشر من قبل زعماء ليسوا من بني جلدتنا ولكن يتكلمون بألسنتنا ويشبهوننا شكلاً ومظهراً فقط. وبقيت هذه الدول الكافرة المستعمرة مسيطرةً على الأمة الإسلامية منذ سقوط الدولة العثمانية وحتى اليوم بفرضها نظاماً عميلاً لها في كل دويلة.

         ولكن شهدت السنوات الماضية نشوء وتطور حركات ومنظمات إسلامية بدأت تعمل على زعزعة هذا النظام الذي أقر بعد الحرب العالمية الأولى ونُفذ بشكل دقيق من قبل كل الأطراف الدولية والمحلية في كل دويلة من هذه الدويلات على أكمل وجه. كل ذلك جرى والمسلمون نائمون في سبات عميق تتخطفهم الأمم الكافرة كالأيتام على مأدبة اللئام. والأهم أن زعماءهم وحكامهم كانوا وما يزالون يُعدّون جزءاً أساسياً لا يتجزأ من هذا المخطط الخبيث المحبك بشكل متين. نعم بدأت هذه الحركات الإسلامية تعمل بين أبناء الأمة وتمكنت من إيقاظ بعض الفئات من الرجال من غفوتهم الطويلة. بعض هذه الحركات يعمل على نطاق ضيق وبعضها أجندته وهدفه أوسع وأشمل حيث إن هدفه الأساس هو نصرة الإسلام بشكل عام وإعادته إلى معترك الحياة السياسية.

         في الآونة الأخيرة بدأت تظهر شعارات ومصطلحات في وسائل الإعلام لم تكن تُتداول البتة ولكنها كانت من ضمن المصطلحات التي تستعملها الدول المعنية في أروقتها الخاصة وتقاريرها ودراساتها ومداولاتها السرية. أهم هذه المصطلحات هو مصطلح الإسلام السياسي بمعناه الشمولي. إن هذا المصطلح تقشعر له كل دوائر الحكم في الدول الغربية بدءًا من الزعماء وراسمي السياسة والمفكرين والعلماء الواعين لماهيته ومعناه. فهؤلاء يعون معناه وانعكاساته على العالم أجمع وبخاصة على العالم الغربي. إن معناه كبير وعظيم الخطر عليهم ألا وهو عودة الإسلام على الحلبة السياسية من جديد بعد أن كان مكبلاً مقيداً بكل الوسائل والطرق الجهنمية. إنهم يعون أنه المبدأ الوحيد في العالم الذي يستطيع أن يواجه ويتصدى لمبدئهم ومدنيتهم وإنهاء سيطرتهم على العالم وخيراته. وهذا يعني بالنسبة إليهم خطراً عليهم وتقوقعهم من جديد داخل قارتهم الباردة, ذات الموارد الطبيعية القليلة. ولن يكون بمقدورهم أن يبسطوا هيمنتهم على بلاد المسلمين لأنهم سيواجهون الجيش الإسلامي الذي خبروه قوياً مجاهداً فاتحاً لقلاعهم وحصونهم وناشراً للإسلام في ربوع العالم.

         إننا إذا نظرنا وتفحصنا الواقع الدولي الآن والصراعات القائمة نجد أن معظمها تتركز داخل العالم الإسلامي، وأن المسلمين هم قطب الرحى بشكل أو بآخر. والعالم كله وخاصة الغرب ينظر بوجل ورهبة لما يحدث. نعم إنها صراعات صغيرة نسبياً ولكنها بؤر تنمو وتزداد يوماً بعد يوم ويزداد ثقلها وتأثيرها. المهم في الأمر أن معظم الصراعات الدائرة حالياً ليست بين الدول القائمة في بلاد المسلمين كما كان يحدث سابقاً، ولكنها صراعات جلية بين أميركا وحلفائها من جهة وبعض الدول القائمة في بلاد المسلمين مثل العراق والسودان وأفغانستان وغيرها من جهة أخرى. إن المسلمين بشكل عام بدؤا يُحارَبون جهرةً فقط لأنهم مسلمون. طبعاً هذا التوجه لا يصرح به علناً من قبل المسؤولين الرسميين الغربيين ولكنه واضح تماماً مثل قرص الشمس. لا أقصد أن يُحاربوا بالسلاح فقط ولكن بأساليب أخرى أيضاً. فالعالم الغربي (قائد العالم اليوم بقيادة أميركا) مُجمعٌ على أنه يجب تغيير مناهج التعليم في البلاد الإسلامية. مع العلم أنهم في بدايات القرن الماضي هم الذين وضعوا أسس هذه المناهج بأيديهم لضرب الإسلام وطمس أفكاره فإذا به يطفو على السطح ويبدأ بقض مضاجعهم من جديد. إنهم عندما وضعوها توخوا أن يُبقوا على الإسلام الروحي فقط ويطمسوا مفاهيمه الأخرى المهمة كأحكام الجهاد والمعاملات. ولكن الله تعالى تكفل بحفظ هذا الدين كاملاً غير منقوص وسخر له الرجال والوسائل لذلك. ماذا يريدون الآن؟ هل يريدون محو الإسلام عن وجه البسيطة؟ نعم هذه أمانيهم ومخططاتهم ولكنهم يدركون جلياً أن هذا لن يكون.

         الجديد في هذا الصراع أنه حتى الدول القائمة في بلاد المسلمين التي تدور بفلكهم وحليفتهم حتى الساعة أصبحت الآن مُتهمة بدعم الإسلام (الإرهاب) بطريقة غير مباشرة وبدأوا يطالبونها بتغيير المناهج التعليمية حتى تتفق مع الأطر الأساسية للنظام الرأسمالي الغربي. ويطالبونها كذلك بالضغط على دعائم الحكم لديها من القبائل والعشائر والعلماء والمدارس الشرعية لكبح جماح الجماعات الإسلامية التي انبثقت عنها. إنني أرى أن الحملة الغربية على الإسلام وأهله هي في أوجها ولم يسبق لها مثيل في التاريخ الحديث. إن العالم الإسلامي الآن يرزح تحت ضغط كبير من قبل هذا المعسكر لتغيير مفاهيمه ومعتقداته حتى إنهم يطالبون المسلمين بالتنكر لتاريخهم العظيم الذي يعتزون به. هذا الأمر أثار موجة من الغضب والسخط العارم من قبل الناس وخاصة من قبل تلك الفئات التي تشكل الداعم الرئيسي لهؤلاء الحكام. وأصبح بعض حكام هذه الدول ومسؤوليها, بنظر أميركا غير جديرين بتحمل المسؤولية الملقاة على عاتقهم. هل تريد أمريكا استبدالهم بآخرين؟ ولكن كيف؟ فالحكام الحاليون بان عوارهم وبدأت زمام الأمور تفلت من أيدي بعضهم مع أنهم مخضرمون ويعرفون قواعد اللعبة جيداً. هل نتوقع إذا أُزيح هؤلاء من قبل أميركا واستُبدلوا بوجوه جديدة, هل نتوقع من هؤلاء أن يقوموا بالمهمة الصعبة؟ فالحكام الحاليون طُلب منهم أن يلبسوا ثوب الإسلام ويتظاهروا أمام شعوبهم باحترام الإسلام وسمح لهم بتبني فقط قانون الأحوال الشخصية المستقى من الشريعة الإسلامية (حتى هذا القانون المعمول به أصبح هدفاً استراتيجياً لدى الدول الغربية لاستبداله بالقانون الوضعي وتشن عليه الحملات الخبيثة من قبل مؤسسات المجتمع المدني وجمعيات المرأة العربية – إنهم يريدون هدم الأسرة المسلمة، آخر ما تبقى من معاقل الإسلام) ولكن مع هذا إن هؤلاء الحكام مكشوفون أو شبه مكشوفين. فكيف بحكام جدد يُسلطون على رقاب الأمة, كما يريد بوش، وبدون غطاء إسلامي بل بغطاء علماني محض؟

         إن هذا الرجل، أي بوش، عقيدته ومبادئه لا تستطيع تقبل الإسلام حتى ولو سمعاً أو نطقاً. لقد أعلنها صراحةً أن صراعهم مع المسلمين هو حرب صليبية جديدة. نعم نريدهم أن يعلنوها بكل وضوح أن المعركة هي بين الإسلام والكفر, وليست على مصالح مادية أو غيرها. أنها معركة ضد الإسلام وأهله. يجب أن تتضح معالم المعركة جلياً, يجب أن يزال الركام والغبار عن هذه المعالم حتى يعرف الإنسان المسلم من هو عدوه الحقيقي ويعمل بناءًا على هذه الحقيقة وعلى هذا الواقع.

         بعد أحداث 11 أيلول أصبحت أميركا مسعورةً ومهووسةً بضرب الإسلام. أنها لا ترى أمامها حاليا من عدو سوى الإسلام والمسلمين وتجاهر بهذا, وأعتقد أن هذا من مصلحتنا كمسلمين. فهذا أول الخيط في وضوح معالم الصراع بيننا وبينهم. أعتقد جازماً أن الله سخر لنا رجلين كافرين يعملان على خدمة الإسلام وذلك بإظهار العداء للإسلام جلياً والعمل بناءا على هذا العداء. هذان الرجلان هما بوش الابن وشارون. فهذا من جهة ينكل بالمسلمين ويقتلهم والآخر من جهة أخرى لا يرقب فيهم إلاًّ ولا ذمةً على أرض فلسطين. فبوش, رئيس أميركا الدولة الأولى في العالم, أعماه حقده على الإسلام وانعكس هذا على سياساته وقرارته وتصريحاته وأعماله؛ فهي غير متزنة البتة وتنم عن كراهية واضحة البيان. فالحملة التي تقودها أميركا ضد الإرهاب (لا أدري لماذا يسمونها الإرهاب, فليسموها الإسلام ويستريحوا) قد بدأت تشعل النار وتستفز المسلمين.

         إن هذا القرن الجديد بدأت معالمه تتضح ببزوغ نور الإسلام السياسي, وهذا سينعكس على الدول القائمة في بلاد المسلمين جمعاء وخاصةً تلك الدول التي لها ثقل ووزن إقليمي مثل مصر والسعودية والباكستان. إن هذه الحملة سيكون لها انعكاسات غير متوقعة, كتعكير نظام السياسات الإقليمية والتوازنات الدولية والإقليمية بشكل لم يشهد له مثيل منذ سقوط الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى. وجدير بالذكر أن كل الأنظمة العلمانية القائمة في المنطقة مثل مصر والأردن وسوريا واليمن والعراق وغيرها هي أنظمة هشة بالية بحيث إنها أصبحت لا تثق إلا بأبناء الزعماء المحليين كورثة لتلك الأنظمة للحفاظ على أسس هذه الأنظمة.

         إن كل تلك الضربات الموجعة الموجهة إلينا ما هي إلا صفعات في وجه الأمة حتى تصحو. إنها تشبه صفعات الطبيب في محاولة إفاقة مريضه المغمى عليه. نعم, بدأت الأمة الإسلامية تتململ وتترنح من غفوتها, ولكنها لم تصحُ بعد. غير أن ما يصيب الأمة من ذل وهوان فظيعين على أيدي يهود في فلسطين، ومن عدوان أميركي وحشي سافر في أفغانستان والعراق، ومن دول الكفر الأخرى، كل ذلك سيؤدي إلى أن تصحو الأمة وتدرك أن الحرب قائمة عليها بسبب إسلامها. إن الأمور تتهيأ تدريجياً, بإرادتنا أم بغير إرادتنا, إنها تتهيأ استعداداً لمواجهة شاملة بين الإسلام والغرب الكافر, مواجهة كما قال عنها هنتنجتون وهو أحد مفكريهم البارزين في أحد أهم مقالاته في أوائل التسعينات من القرن الماضي في مقاله (صراع الحضارات): “سيكون ما قبلها من صراعات بين الغرب والإسلام عبارة عن نزهة مقارنة بها”. فلا التقاء بيننا وبينهم لا فكرياً ولا عقدياً, وإذا أذيع أن هناك بعض النقاط المشتركة في مؤتمرات حوار الأديان فهذا ضرب من ضروب الكفر والنفاق ولا يمت إلى الإسلام بصلة.

         إن من يسيطر الآن على الحكم في أميركا هم الجمهوريون المحافظون بلا منازع. وهم أيضاً من يسمون باليمين المسيحي الذي يؤمن اعتقاداً بإعادة بناء الهيكل على أرض المسجد الأقصى ويعمل على دعم (إسرائيل) بكل الوسائل السياسية والعسكرية والاقتصادية بشكل غير مسبوق من أية إدارة أميركية سابقة من وقت إنشاء هذه الدولة النشاز. إن كل ذلك قد ترك أثره على صورة أميركا حتى عند من كانوا مخدوعين بها من المسلمين، وبدأ هذا الأثر يتراكم شيئاً فشيئاً مما قد يؤدي إلى رد فعل غير متوقع.

         ما أريد أن أبينه هو الهوة العميقة التي تتسع بيننا والعداء الصريح الذي يبرز على السطح يوماً بعد يوم. يقول هنتنجتون في مقاله (صراع الحضارات) يقول: «إن الحرب الباردة بين المعسكر الغربي أي أميركا وأوروبا وبين الاتحاد السوفياتي البائد يعتبر نزهة إذا ما قورن بالصراع القديم والحديث بين الغرب والإسلام؛ فالجيوش الإسلامية اكتسحت شبه الجزيرة الأيبيرية حتى وصلت فرنسا وانساحت جيوشها في بلاد البلقان حتى دكت حصون فيينا. واليوم يحدث نفس الأمر ولكن ليس بطريقة عسكرية بل عن طريق الهجرة السكانية النشطة إلى أوروبا. إن الصراعات الخطرة في المستقبل سيكون سببها الرئيسي التفاعل بين الغطرسة الغربية وعدم رضا المسلمين ورفضهم للوضع الراهن وبزوغ القوة الصينية» ويقول أيضاً «إن الفترة الحالية تشهد ظاهرة هروب نصارى الشرق من الشرق الأوسط حيث شبح الاضطهاد الإسلامي يضطرد في لبنان وسوريا والعراق ومصر والأراضي الفلسطينية».

         هكذا هم يفكرون ويخططون لضرب الإسلام والمسلمين، يسوقهم إلى ذلك غرور القوة الذي يعشعش في عقولهم، وبخاصة زعيمة الغرب الكافر، أميركا، لكن هل تعوِّض هذه القوة الخواء الفكري والانهيار الاقتصادي الذي ينتشر في بلادهم؟

         إن أميركا اليوم هي في وضع لا تحسد عليه؛ فاقتصادها هش تذروه الرياح لا يتحمل النوائب وهو في انحدار مستمر، فكل يوم تقريبا نسمع بإفلاس شركات عملاقة ميزانية كل واحدة منها تعادل ميزانية عدة دول مجتمعة. والنسيج الاجتماعي, كما نعلم, متآكل وفاسد. أما الالتزامات المالية الحكومية تجاه سكانها فقد أصبحت لا تفي باحتياجاتهم، والشعب الأمريكي تعوَّد على الرخاء الزائد ولا يستطيع العيش بتقشف، والتنازل عن نمط عيشه الحالي. أما القيم والمبادئ فهي فاسدة عفنة وذلك بإقرار مفكريها وعلمائها. لم يبق إلا قوتها العسكرية الضخمة التي تخوف بها العالم, حلفائها قبل أعدائها, ولكن هذه القوة لا تغني عنها شيئاً في ظل العوامل التي ذكرناها آنفاً وخصوصاً عامل القيم والمبادئ. ولقد شهدنا مثالاً حياً عندما انهار الاتحاد السوفياتي ولم تغن عنه ترسانته العسكرية الضخمة شيئاً ولم تدافع عن مبدئه الفاسد. إن سيطرة أميركا الحالية على العالم محدودة الوقت؛ فلا تستطيع أمة بهذه المواصفات المنحطة الاستمرار طويلاً.

         وهذا ينطبق أيضاً على أوروبا, الشيخ الهرم, نعم إن أوروبا شاخت من حيث الفئات العمرية لشعوبها, فنسبة الشباب والقوى العاملة في اضمحلال مستمر. فنسبة المواليد تتدنى باستمرار وتزداد نسبة كبار السن؛ لذا فلا نتوقع الكثير من أمة كهذه بالإضافة إلى فساد القيم والمفاهيم. وهم في صراع معضل؛ إما أن يسمحوا بهجرة الأيدي العاملة ومعظمهم من المغرب العربي المسلم لضمان تشغيل اقتصادهم وبالتالي إيجاد خلل في التوازن السكاني لصالح المسلمين، وإمَّا الحد من الهجرة وبالتالي ضعف أوروبا اقتصادياً مما يؤدي إلى تضاؤل نفوذها دوليا وخسارتها لمكتسباتها على مدى قرون خلت.

         إن السياسة الأميركية الحالية, على شدتها وقسوتها علينا كمسلمين, هي سياسة مخلخلة وترتكز على أسس خارجة عن النظام الدولي المتبع منذ مئة عام تقريباً. وهذا أمر خطير على السياسة الدولية وتوازنات القوى ويخلق أجواءاً من عدم الاستقرار والفوضى في أنحاء المعمورة وخاصة في العالم الإسلامي.

         ختاماً نقول إن الحقبة المقبلة ستكون صعبةً وحساسةً جداً للمسلمين ولذا على ذوي الفكر المستنير وذوي القوة والمنعة المخلصين من المسلمين أن يسخروا كل قدراتهم وطاقاتهم وقواهم الفكرية والمادية لمحاربة ومقارعة هذه الهجمة الشرسة من قبل الغرب علينا. المعركة ليست معركة السلاح فقط ولكنها معركة الفكر والعقيدة الصحيحة قبل كل شيئ فهي الأصل. لذا فهذه مسؤولية جسيمة تقع أولاً على كاهل العلماء والمفكرين المسلمين لتوعية عامة المسلمين وتقوية عقيدتهم الصحيحة النقية غير المشوبة بالأفكار الزائفة والبدع. هذا ليس معناه أن نغفل عن رص الصفوف والاستعداد المادي والبدني لهذه المعركة الذي يجب أن يبدأ بتنصيب خليفة يقود هذه الأمة إلى الرشاد والعزة والنصر. عندها نستطيع أن نقول إننا أعددنا ما استعطنا من قوة, والنصر بعدئذٍ من عند الله. إن الغرب الكافر يعمل بكد وجهد متواصل ليل نهار لمحاربتنا وهو على الباطل ووليه الشيطان، أمَّا نحن فنعلم يقيناً أننا على الحق وولينا الله تعالى، وأن الله سبحانه قد وعد المؤمنين الصادقين العاملين بإخلاص أن يستخلفهم في الأرض وأن يمكن لهم دينهم  (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النور] .

أبو عبد الرحمن المقدسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *