العدد 190 -

السنة السابعة عشرة – ذو القعدة 1423هـ – كانون الثاني 2003م

أيها المسلمون… أزيلوا هذه الدولَ الضِّرار

أيها المسلمون…

أزيلوا هذه الدولَ الضِّرار

         تقوم في بلاد المسلمين دول هي حرب وشدة على المسلمين، وسلم بل استسلام وذلة أمام الكافرين. إنها منذ أقامها الغرب الكافر بعد القضاء أوائل القرن الماضي على الخلافة العثمانية، الدولة الإسلامية آنذاك، قد أصبحت مواقع متقدمة للكفار المستعمرين، تحفظ لهم مصالحهم، وتنفذ مخططاتهم، وتمكن لهم السيطرة والهيمنة على بلاد المسلمين، ونهب ثروات الأمة وإهلاك البلاد والعباد.

ـــــــــــــــــــــــــــ

         إن حكام هذه الدول، في سبيل الحفاظ على كراسيهم بسيادة مجزوءة، بل دونما سيادة، في سبيل ذلك أوقعوا الأمة في المصيبة تلو المصيبة من أعدائها، وفرَّطوا في الحرمات والمقدسات، ولاحقوا حملة الإسلام بالاعتقال والسجن والتعذيب المفضي إلى الموت بل بالقتل المباشر أحياناً لكي يحولوا دون أي عمل مخلص لإزاحتهم عن عروشهم، وكشف خيانتهم، وفضح مؤامراتهم، وإراحة البلاد والعباد من ظلمهم ومآسيهم. كما أنهم لم يعبأوا بما يقوم به الأعداء من بطش وتنكيل يرونه رأي العين يحل ببلاد المسلمين صباح مساء. ولم يكتفوا بأن يعطلوا الجهاد ويمنعوا جيوش المسلمين من نصرة أهلهم في فلسطين وكشمير والشيشان والبلقان وغيرها وهم يتعرضون لأقسى عدوان وحشي من دول الكفر وربينهم يهود، لم يكتفوا بذلك، ولم يخجلوا أن يكونوا في موقف المتفرجين على ما يحصل وما يدور، بل إنهم جعلوا البلاد التي ابتليت بتسلطهم على رقاب أهلها، جعلوها، أرضها وسماءها وماءها مستباحةً لجيوش رأس الكفر أميركا وقاذفاتها وصواريخها ومدمراتها وبوارجها وقواعدها. لقد انطلقت أميركا في عدوانها على أفغانستان من قواعد في بلاد المسلمين، في باكستان وأوزبكستان والخليج وغيرها، وهي كذلك تعتدي على ما يسمى مناطق الحظر في العراق عدواناً مستمراً من تركيا والسعودية والكويت، كما أنها تهدد وتتوعد بحرب مدمرة على العراق تعدّ لها انطلاقاً من قواعد أقامتها بل أقيمت لها في تركيا وقطر والكويت والسعودية وباقي دول الخليج.

         إن هذه الدول القائمة في بلاد المسلمين ضرر وأذىً للمسلمين، فهي دول ضرار، والضرر في الإسلام واجب الهدم والإزالة. لذلك فإنّ تغيير هذه الدول واجب على الفور وليس على التخيير، وأن يُشاد مكانها صرح دولة الإسلام، الخلافة الراشدة، التي تعز الإسلام وأهله، وتذل الكفر وأهله، وتحمي بيضة الإسلام.

         إنّ الإسلام يوجب إزالة الضرر مهما كان وحيث كان في بلاد المسلمين، فقد أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يهدم مسجد الضرار الذي اتخذه الكفار والمنافقون إضراراً بالمسلمين، وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله، وأمر الله رسوله أن لا يقوم فيه، بل في مسجد التقوى حيث المؤمنون الصادقون.

         وهكذا فإنّ هذه الدول القائمة في بلاد المسلمين هي دول ضرار بل وفوق الضرار لا بد من إزالتها وتغييرها، وأن تستأنف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة الراشدة على أنقاضها.

         وحتى تكون الصورة واضحةً بتمامها فإنه لا بد من وقفة ننعم النظر خلالها في المسجد الذي سماه الله سبحانه مسجداً ضراراً لنرى كيف كان ضرره، ثم ننعم النظر في هذه الدول القائمة في بلاد المسلمين لنرى كيف أنها دولُ ضرارٍ وأيِّ ضرار، فأبدأ باسم الله وبتوفيقه وأقول:

         كان في المدينة رجل يقال له أبو عامر من بني غنم، تنصر في الجاهلية. ولما ظهر أمر الرسول صلى الله عليه وسلم فيها وأقام دولة الإسلام وبنى مسجد قباء، شَرِقَ اللعين بريقه، وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم “لا أجد قوماً يقاتلونك إلا قاتلتك معهم” فدعا عليه الرسول أن يموت وحيداً وطريداً. ويبدو أن آمال أبي عامر في الزعامة قد تحطمت بعد أن عَظُم أمر الإسلام، شأنه في ذلك شأن عبد الله بن أبي بن سلول الذي كان سيتوج ملكاً على العرب في نفس الأسبوع الذي قامت فيه دولة الإسلام في المدينة. فملأ الحقد صدرهما وبدءا يكيدان لدولة الإسلام كل حسب رأيه. فأبو عامر هذا كانت له صلات مع قيصر الروم، فكاتبه فوعده ومناه، وبرزت فكرة ابتناء مسجد لأتباعهم يكون مقراً لعملهم الهدام. وفي ذلك روايات عديدة أذكر منها ما أخرجه ابن مردوية من طريق على بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: «… فقال لهم أبو عامر: ابتنوا مسجدكم، واستمدوا بما استطعتم من قوة وسلاح، فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم فآتي بجند فأخرج محمداً وأصحابه، فلما فرغوا من مسجدهم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له: لقد فرغنا من بناء مسجدنا فنحب أن تصلي فيه، ووقع عند الزهري أنه أتى من بنى مسجد الضرار رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إنا بنينا مسجداً لذي العلة والحاجة والليلة الشاتية والليلة المطيرة، وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه، قال: إني على جناح السفر… فلما رجع نزل بذي أوان على ساعة من المدينة فأنزل الله في المسجد (وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ {107} لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ {108} أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {109} لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة]. فدعا مالك بن الدخشم (الدخش) ومعن بن عدي أو أخاه عاصم بن عدي فقال: انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه واحرقاه، ففعلا.

         ونحن نعرف دور المسجد في الإسلام وأهميته، فهو مكان العبادة الفردية والجماعية، وهو مكان اللقاء اليومي المتكرر بين المسلمين من مختلف طبقات المجتمع الإسلامي، فتناقش فيه المواضيع والمسائل، وتتخذ فيه القرارات المناسبة، ومن المسجد تنطلق الجيوش الفاتحة، وهو المكان الوحيد الذي يؤمه المسلمون بهذه الكثافة العددية والتنوع في التخصصات والآراء من غير قيود أو ضوابط، حتى يكاد المسجد أن يكون مقراً للدولة، ولا أبالغ إن سميت دولة الإسلام بالمسجد من باب تسمية الشيء بأبرز ما فيه، وعلى هذه الخلفية أقام أبو عامر وأتباعه مسجداً كي يؤدي دوراً مضاداً في هدم دولة الإسلام، وكأنهم أقاموا بذلك دولة داخل دولة لتحقيق الأغراض التالية:

         1 –  الإضرار بالدولة الإسلامية، ولذلك سمي مسجد الضرار. ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا ).

         2 –  الكفر، لأن زعيمهم كافر ودعوتهم كافرة تتستر باسم الإسلام. ( وكفراً ).

         3 –  التفريق بين المؤمنين، بسلخ قطاع من المسلمين المفروض حضورهم حول الرسول صلى الله عليه وسلم دوماً فيذهبون للصلاة فيه وهم لا يعلمون حقيقته، ( وتفريقاً بين المؤمنين ).

         4 –  الإرصاد لمن حارب الله ورسوله من قبل، والمسجد مكان لا يشك فيه أنه نظيف، فلا يكتشف أمرهم سريعاً – كما ظنوا. ( وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ ).

         وإمعاناً منهم في التضليل فإنهم يحلفون الأيمان أنهم ما أرادوا إلا الحسنى، والله سبحانه الذي يعلم السر وأخفى قد كشفهم وشهد أنهم كاذبون. ( وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) فكان القرار السديد الذي نزل من فوق سبع سماوات بهدمه وتحريقه وجعل مكانه مكباً للنفايات، فهو كذلك إلى يومنا هذا! ولا عجب فقد أسس على جرف هار فانهار به في نار جهنم، والحكم الشرعي فيه: لا تقم فيه. وبهذا عادت الأمور إلى نصابها الصحيح، واستمرت دولة الإسلام تؤدي دورها من خلال مساجد التقوى نحواً من ثلاثة عشر قرناً من الزمان، كلما وجدوا مسجداً ضراراً أزالوه، ونشروا الدعوة والخير من أقصى الشرق، إلى أقصى الغرب. حتى قدر الله وما شاء فعل، ففي غفلة من المسلمين وضعف في دولة الإسلام العثمانية التي كانت امتداداً لدولة الرسول صلى الله عليه وسلم التي أسست على التقوى من أول يوم، في خضم تلكم الغفلة وذلكم الضعف، تسلل إلى كيان المسلمين رجال على غرار أبي عامر “الراهب” يقال لأحدهم مصطفى كمال وأحب أن أسميه أبا عامر التركي، والحسين بن علي وأطلق عليه أبا عامر العربي، حيث تعاون الرجلان مع الإنجليز – الدولة الأولى في العالم في ذلك الوقت – لشق صف المسلمين إلى قوميتين إحداهما طورانية والثانية عربية، على نفس أسس العمل في مسجد الضرار ولكن بشكل مطور يناسب معطيات العصر، وبضربة أقوى للإطاحة بالعملاق الإسلامي. ومن أراد التفاصيل فليقرأ كتب التاريخ الحديث ففيها تفاصيل المؤامرة. أما ما يهمنا في هذا المقام، وبعد نجاح المؤامرة وسقوط دولة الخلافة الإسلامية، فلقد قامت في العالم الإسلامي دويلات قومية ووطنية، ترأسها فرق متنوعة لا تحكم بما أنزل الله، منها الملكي ومنها الجمهوري ومنها الإماراتي ومنها السلطنوي، وأهواؤها وأفكارها متنوعة أيضاً، فمنها القبلي ومنها البعثي ومنها الدستوري ومنها الاشتراكي ومنها الرأسمالي وكلها تقوم على التسلط والدكتاتورية ولو تمسحت بمسوح الإسلام أو الديمقراطية، وهي بلا استثناء ترتبط بعلاقات وثيقة مع الإنجليز أو الأميركان أو غيرهم من دول الاستكبار العالمي.

         وقد توافرت فيها شروط مسجد الضرار الأربعة وبيان ذلك ما يلي:

         1 –  الإضرار بالإسلام والمسلمين، فهي حرب عليهم وشدة، وسلم على الكفار وذلة.

         2 –  أنظمة الكفر التي يطبقونها، فهم لا يحكمون بما أنزل الله.

         3 –  التفريق بين المؤمنين، فقد فرقت الدولة الواحدة إلى قوميات ووطنيات، وفرقت القوم الواحد إلى أعراق وقبليات، وفرقت الوطن الواحد إلى أجزاء وجزيئات، وفرقت الشعب الواحد إلى انتماءات جغرافية وسياسية وطبقية، وتعددت الهويات في البلد الواحد!

         4 –  الإرصاد لمن حارب الله ورسوله من قبل، فلم يعد خافياً أن تلك الدويلات تشكل أكبر وأخطر القواعد الأميركية والبريطانية وغيرها في بلاد المسلمين، ففيها تحاك المؤامرات، وعلى أرضها تربض الجيوش المجحفلة، ومنها تنطلق الطائرات والصواريخ التي تقصف المسلمين. فقاعدة إنجرلك المقامة على أرض المسلمين هي الإرصاد الأميركي الذي تنطلق منه الطائرات لضرب المسلمين في العراق، والصواريخ التي انطلقت على العراق والسودان وأفغانستان كلها قد انطلقت من قواعد منصوبة في بلاد المسلمين.

         أما الحلف بأنهم لا يريدون إلا الحسنى فحدث ولا حرج، فلقد كان ولا زال حكام هذه الدول يتآمرون على ضياع المسلمين وهم يقسمون أغلظ الأيمان أنهم لن يفرطوا بشبر منها، وكانوا يجتمعون بقادة العدو ويغلظون الأيمان أنهم لا يجتمعون، ويخرّون للأذقان مستسلمين للعدو ويعلنون أن هذا سلام الشجعان وهكذا دواليك.

         وبهذا تكتمل الصورة قياساً وتطبيقاً بين مسجد الضرار ودول الضرار، فتشترك دول الضرار مع مسجد الضرار في الحكم الشرعي اللازم في حقهما ألا وهو قول الله تعالى: ( لا تقم فيه أبداً) أي لا ترضى بوجوده، فكما هدم النبي مسجد الضرار يجب على المسلمين هدم هذه الكيانات وإعادة دولة الخلافة الإسلامية.

         والله ولي التوفيق، وبه الثقة وعليه التكلان .

عصام عميرة – رام الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *