العدد 184 -

السنة السادسة عشرة – جمادى الأولى 1423هـ – تموز 2002م

اللغة العربية هي لغة دولة الخـلافة

اللغة العربية هي لغة دولة الخـلافة

          روى مسلم عن أنس أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى وإلى قيصر وإلى النجاشي وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله تعالى.

          وقد روى الشيخان نص كتابه صلى الله عليه وسلم إلى هرقل من حديث ابن عباس عن أبي سفيان ونصه: [بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين، ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواءٍ بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون].

===============================================

          كتابته صلى الله عليه وسلم بالعربية إلى كل من كسرى ولغته فارسية وقيصر ولغته رومية والنجاشي ولغته حبشية والمقوقس ولغته قبطية، تدل على أن اللغة العربية هي وحدها اللغة المستعملة في كل ما له علاقة بالدولة. ووجه هذا الاستدلال أن الحاجة قائمة للكتابة بلغات هؤلاء العظماء في أقوامهم، فهي أسهل في التبليغ وأقرب إلى أفهامهم، وإذا علمنا أن الكتابة إليهم كلٍّ بلغته كانت ممكنة، ومع قيام الحاجة ووجود الإمكانية فقد كتب إليهم صلى الله عليه وسلم بالعربية، مما يدل على أن اللغة العربية هي لغة الدولة الرسمية، فكل ما له علاقة بأعمال الدولة داخلياً وخارجياً يكون بالعربية. أما الرعية في علاقاتها التي لا دخل للدولة بها فلها أن تستعمل العربية وغير العربية.

          وقد سار الصحابة رضوان الله عليهم نفس سيرته صلى الله عليه وسلم في كتابة الرسائل بالعربية، أخرج الحاكم في المستدرك وعبد الرزاق وابن أبي شيبة في مصنفيهما والطبراني بإسناد قال عنه الهيثمي حسن أو صحيح ولفظه: [عن أبي وائل قال كتب خالد بن الوليد إلى أهل فارس يدعوهم إلى الإسلام: بسم الله الرحمن الرحيم من خالد بن الوليد إلى رستم ومهران وملأ فارس سلام على من اتبع الهدى أما بعد، فإنا ندعوكم إلى الإسلام فإن أبيتم فأعطوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون، فإن أبيتم فإن معي قوماً يحبون القتل في سبيل الله كما تحب فارس الخمر والسلام على من اتبع الهدى]. وأخرج سعيد بن منصور في السنن عن الشعبي قال أقرأني ابن بقيلة صاحب الحيرة كتاباً مثل هذا يعني طول الكف: [بسم الله الرحمن الرحيم من خالد بن الوليد إلى مرازبة فارس سلام على من اتبع الهدى أما بعد فالحمد لله الذي سلب ملككم ووهن كيدكم وفرق جمعكم وفض خدمتكم فاعتقدوا مني الذمة وأدوا الجزية إلى أن قال وإلا والله الذي لا إله إلا هو لآتينكم بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة].

          هذا في الكتب أي في الرسائل، وأيضاً فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكتب الكتب التي بمثابة معاهدات بالعربية إلا أنها كانت كلها لأقوام عرب أما الصحابة رضوان الله عليهم فقد عاهدوا وصالحوا أقواماً غير عرب وكتبوا بينهم معاهدات باللغة العربية، كالروم والترك والقبط وغيرهم، ولم يكتب صلح واحد بغير العربية فيما نعلم.

          وعلى الدولة أن توجد المترجمين في دوائرها من العربية إلى اللغات الأخرى وبالعكس وذلك لإحسان التعامل مع رعايا الدولة الذين لا يعرفون العربية، وكذلك لمعرفة رسائل الدول الأخرى التي تصل للدولة الإسلامية، وبخاصة الدول التي لها علاقات مع الدولة الإسلامية.

          فقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت ليتعلم خط اليهود (العبرية)، وخط النصارى (السريانية). أخرج البخاري عن زيد بن ثابت أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمره أن يتعلم كتاب اليهود ومن رواية الترمذي عن زيد بن ثابت أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلم له كتاب يهود وقال إني والله ما آمن يهود على كتاب. وأخرج أحمد عن زيد بن ثابت قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: تحسن السريانية قلت لا قال فتعلمها فإنه تأتينا كتب.

          وأخرج البخاري (وقال عمر وعنده علي وعبد الرحمن وعثمان ماذا تقول هذه أي المرأة التي وجدت حبلى قال عبد الرحمن بن حاطب فقلت تخبرك بصاحبها الذي صنع بها).

          ولما كانت اللغة العربية جزءاً من الإسلام لأنها لغة القرآن، ولا يكون القرآن قرآناً إلا بها، كان لا بد من الاهتمام بها وجعلها وحدها لغة الدولة. فهي وحدها لغة الإسلام بمعنى أن الإسلام لا يفهم إلا بها فوق أنها لغة القرآن. قال تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) [إبراهيم/4]، وقال: (بلسان عربي مبين) [الشعراء]، وقال: (وكذلك أنزلناه حكماً عربياً) [الرعد/37]، وقال: (وكذلك أوحينا إليك قرآناً عربياً) [الشورى/7]، وقال: (إنا جعلناه قرآناً عربياً) [الزخرف/3]، وقال: (قرآناً عربياً غير ذي عوج) [الزمر/28]، وقال: (وهذا لسان عربي مبين) [النحل]. فعلى كل مسلم أن يتعلم من اللسان العربي ما يلزمه في حياته كمسلم. وكلما ازداد المسلم فهماً للعربية ازداد فهمه للإسلام، والعكس صحيح. ولذلك وجدنا المسلمين في الفتوح الأولى يحملون إلى الناس العربية كما يحملون إليهم الإسلام، ووجد من أبناء العجم علماء في اللغة كما وجد منهم علماء في سائر العلوم الإسلامية، وكانوا يفخرون بذلك فترى الزمخشري الخوارزمي صاحب الكشاف في التفسير يقول في مقدمة كتابه “المفصّل في صنعة الإعراب”: [أحمد الله على أن جعلني من علماء العربية… ولعل الذين يغضون من العربية ويضيعون من مقدارها، ويريدون أن يخفضوا ما رفع الله من منارها – حيث لم يجعل خيرة رسله وخير كتبه في عجم خلقه ولكن في عربه – لا يبعدون عن الشعوبية، منابذة للحق الأبلج وزيغاً عن سواء المنهج]. وترى ابن الحاجب الكردي صاحب المختصر في الأصول يكتب الكافية في النحو والشافية في الصرف وغيرهما. وظل المسلمون من غير العرب إلى يومنا هذا يهتمون بالعربية ويدرسونها حتى في ظل الدول المعادية للإسلام المجاهرة بمقاومته، إلا أن هذا الاهتمام ضيق النطاق، فقد لقيت قبل سنتين تقريباً شاباً أعجمياً يبيع الملابس في بلد إسلامي غير عربي، فلفت انتباهي أنه يتحدث العربية بلسان فصيح فسألته أين تعلمت العربية فرد قائلاً: درست الكافية على أبي وأنا في الابتدائية.

          ولن ترجع اللغة العربية إلى مكانتها اللائقة بها بين اللغات، فتكون أقواها وأكثرها انتشاراً إلا إذا حملتها دولة قوية ذات مبدأ قوي، وهذا ما كان. ولن يكون مرة أخرى إلا بدولة خلافة راشدة على منهاج النبوة، إذ إن وزن اللغة من وزن دولتها.

          نسأل الله سبحانه العون والتوفيق لعباده العاملين لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخـلافة الراشدة، لتعود الدولةُ الدولةَ الأولى، وتعود الأمة خير أمة أخرجت للناس، وتعود لغة القرآن الكريم اللغة الأقوى والأوسع. وما ذلك على الله بعزيز .

ع.ع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *