العدد 181 -

السنة السادسة عشرة – صفر 1423هـ – أيار 2002م

الدعـوةُ والمنعـةُ وأَثـرُ الْتِحامِهما في إقامةِ الدولةِ

الدعـوةُ والمنعـةُ

وأَثـرُ الْتِحامِهما في إقامةِ الدولةِ

(من محاضرة للأستاذ الشيخ عصام عميرة، ألقاها في المسجد الغربي بقرية سلواد الواقعة في فلسطين المحتلة)

         الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد،

         … لا بد من التنبيه إلى أمر في غاية الأهمية بالنسبة للمسلمين، وخصوصاً العاملين في الحقل الإسلامي، وبشكل أخص من يسعون جادين لإقامة دولة الخـلافة الإسلامية الراشدة الثانية على منهاج النبوة، ذلكم الأمر هو ضرورة التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أعمال إقامة الدولة تماماً كما يحصل لدى المسلمين عندما يُصلون أو يصومون أو يحجون أو يتعاقدون أو يتصدقون أو يجاهدون أو غير ذلك من الأعمال التي يحرصون عند أدائها على الاقتداء برسول الله عليه الصلاة والسلام، عملاً بقوله تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) [الحشر/7]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، وقوله: «خذوا عني مناسككم».

===========================================

         … نأتي الآن لتعريف كلمات الدعوة والمنعة والدولة والجهاد، فالدعوة معناها حمل الإسلام بالطريق الفكري والسياسي كما حملها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة طيلة ثلاثة عشر عاماً، والسير في هذه الدعوة في مراحل محددة تشبه المراحل التي سار بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة، وهي مراحل الابتداء ثم الانطلاق والتفاعل وطلب النصرة ثم الارتكاز وقيام الدولة وتسلم الحكم. أما الابتداء فبكلمة إقرأ وما يصاحبها من توضيحات عقائدية، وبيان لأحكام شرعية تلزم لتكوين شخصيات إسلامية من المقربين لنواة الدعوة، ثم إعداد وتوطين تلك الشخصيات الجديدة على خوض غمرات حمل الدعوة في الأوساط التي تعيش فيها بغرض تغييرها، وهذا يعرف بمرحلة الابتداء أوالتثقيف. كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم عند البدء بتكوين كتلة الصحابة، وتثقيفهم بالإسلام في دار الأرقم بن أبي الأرقم، عملاً بقوله تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين @ واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين)  [الشعراء]. وأما المرحلة الثانية فالانطلاق نحو هدف التغيير المنشود، وذلك بمحاولة مخاطبة المجتمع بالأفكار الجديدة، أو ما يعرف بطرق باب المجتمع، ثم العمل على إزالة الأرتجة والمزالج التي توصد باب المجتمع أمام الدعوة وانتشارها، ثم بدخول المجتمع بعد فتح بابه، وطرح الأفكار جهراً وعلانية على كافة شرائحه في محاولة للتأثير فيها، ورسم الخط المستقيم بجانب الخطوط العوجاء، عملاً بقوله تعالى: (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين) [الحجر]. وهذا يعرف بمرحلة التفاعل التي تتضمن أيضاً استمرار أعمال مرحلة التثقيف فردياً وجماعياً. وبعد حصول التفاعل بين الناس وبين الدعوة سلباً أو إيجاباً، فإن التركيز ينصب على قادة الناس وأهل القوة والمنعة فيهم، والذين بإسلامهم تصل الدعوة إلى هدفها النهائي وهو تسلم الحكم. وهذا يعني أن تلتحم الدعوة مع المنعة ليشكلا معاً رأساً مدبباً قوياً قادراً على اختراق الجدر أو السقف التي تعترض انطلاقة الدعوة نحو المرحلة الثالثة، وهي تسلم الحكم بإقامة الدولة، ثم السير في تحقيق الأهداف التي تليها من تطبيق للإسلام في الداخل، وحمله رسالة هدىً ونور إلى العالم أجمع عن طريق الجهاد في سبيل الله.

         وهذا يقودنا تلقائياً للحديث عن المنعة، فالمنعة تعني القوة القادرة على حماية الدعوة ورجالها من الأعداء الآنيين والمستقبليين، والقيام بالإجراءات الكفيلة بالإطاحة بالحكام الحاليين، وحماية دولة الإسلام بعد قيامها من الأخطار التي تتعرض لها، ومن ثم تقديم كل الدعم اللازم لحمل دعوة الإسلام إلى العالم أجمع، ما يعني قتال الأحمر والأسود من الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. تلكم المنعة ينبغي أن تأتمر بأمر الدعوة، كما حصل يوم أن بايع الخزرجيون رسول الله عليه الصلاة والسلام بيعة العقبة الثانية، حيث وقف العباس بن عبادة بن نضلة رضي الله عنه وقال: يا رسول الله، مُـرنا لنميلن على أهل منىً بأسيافنا ميلة رجل واحد ما تخلف منا أحد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم نؤمر بذلك، ولكن ارجعوا إلى رحالكم. ولما وصل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ومعه أبو بكر رضي الله عنه قال الخزرجيون من الأنصار لهما: إركبا آمنين مطاعين، ما يعني أنهم إخوة محميون، وحكامٌ مُطاعون.

         أما الدولة فمعناها الكيان التنفيذي لمجموعة من المفاهيم والمقاييس والقناعات التي يحملها المسلمون وهي العقيدة والأحكام الشرعية المتعلقة برعاية شؤون الناس داخلياً وخارجياً، وما يستوجبه ذلك من إقامة المؤسسات الحكومية بدءاً من الخليفة والمعاونين والولاة والقضاة ومروراً بباقي أجهزة الحكم من شورى ومجلس أمة وجهاز إداري وغير ذلك من مستلزمات الحكم والإدارة، ثم إنشاء جيش قوي قادر على تنفيذ مهمات الدعوة الإسلامية، ومجهز بأحدث أنواع الأسلحة، مما يوجب البدء الفوري بالصناعات العسكرية وغير العسكرية، وحشد العلماء من الداخل والخارج، وشراء التكنولوجيا المتطورة، ووضع الخرائط الجهادية، وغير ذلك كثير جداً من الإجراءات التي تجعل الدولة الإسلامية الواحدة دولة أولى، بل الدولة الوحيدة في الحلبة الدولية. روى الإمام مسلم في صحيحه بسنده في باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض، عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنّ اللّهَ زَوَى لِي الأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنّ مُلْكَ أُمّتِي سَيَبْلُغُ مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا».

         أما الجهاد فإنه بذل الوسع في القتال في سبيل الله، مباشرةً أو معاونة بمال أو رأي أو تكثير سواد، أو غير ذلك…، كما وقع في حاشية ابن عابدين 3/336، وقال في التعليق على التعريف: [السواد: العدد الكثير…، قوله أو غير ذلك: كمداواة الجرحى، وتهيئة المطاعم والمشارب]. ويجب أن توضع في الجهاد إمكانيات كافية وطاقات هائلة لتحقيق علة الإرهاب لعدو الله وعدو المسلمين وآخرين من دونهم لا نعلمهم، الله يعلمهم. والجهاد هو ذروة سنام الإسلام، وهو الطريق إلى إحدى الحسنيين، النصر أو الجنة يقول سبحانه وتعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ)  [الصف].

         هذا باختصار شديد توضيح لمعاني كلمات الدعوة والمنعة والدولة والجهاد، وعلى المسلمين اليوم أن يقوموا بالأعمال التي من شأنها الوفاء باستحقاقات تلك المعاني منفردة أو مجتمعة، أما إن قصر الأداء عن تحقيق ذلك، فإن الإثم يلحق المسلمين جميعاً كون ذلك من فروض الكفاية. علاوة على أن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما التقى بقادة بني شيبان وطلب منهم النصرة لدين الله. وتمام القصة قد ذكرها الدكتور محمد خير هيكل في كتابه [الجهاد والقتال في السياسة الشرعية]، نقلاً عن سيرة ابن هشام (الروض الأنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام). وقد بين الدكتور هيكل، جزاه الله خيراً، كثيراً من الشروط التي يجب توفرها عند طلب النصرة والمنعة، أذكر منها طرفاً مع شيء من التصرف القليل:

         1 ـ  أن يشتد الأذى على حملة الدعوة على نحو يُحال بينهم وبين خطاب الناس بشكل طبيعي قبل البدء في طلب النصرة.

         2 ـ  وأن طلب النصرة كان وحياً من الله، وأمراً لرسوله صلى الله عليه وسلم بفعل ذلك، فهو من الطريقة، وليس أسلوباً من الأساليب التي يمكن تغييرها.

         3 ـ  وأنه محصور في زعماء القبائل وذوي الشرف والمكانة وأهل القوة ممن لهم أتباع يسمعون لهم ويطيعون، وتتوفر فيهم القدرة على الوقوف في وجه أعداء الدولة عند وبعد قيامها.

         4 ـ  وأن تكون بلادهم غير مرتبطة بمعاهدات دولية مما يناقض الدعوة، ولا يمكن التحرر منها.

         5 ـ  وأن يكونوا من المؤمنين والمصدقين بعقيدة الدعوة ومقتضياتها ومتطلباتها.

         6 ـ  وأن تكون النصرة دون أية ضمانات أو ثمن أو مكافأة، بل رضا الله والجنة.

         … نسأل الله سبحانه أن يهيئ لنا النصرة كما هيأها لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة بالأنصار الذين نصروه وآووه، فأقام الدولة، وعلا صرح الأمة وعز الإسلام والمسلمون. اللهم هيئ لعبادك العاملين لاستئناف الحياة الإسلامية أنصاراً ينصرونهم فتعود الدولة «خلافة راشدة على منهاج النبوة»، وتنهض الأمة، وتكون كما بدأت خير أمة أخرجت للناس (ويومئذ يفرح المؤمنون @ بنصر الله) [الروم/5،4] .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *