العدد 179 -

السنة السادسة عشرة ذو الحجة 1422هـ – آذار 2002م

الخير الذي في آخر الأمّة

وليس المقصود بآخر الأمة قبيل قيام الساعة فعندها لا يكون أمة إسلامية ولا إسلام، أخرج مسلم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة على أحد يقول الله الله». وأخرج أحمد بإسناد صحيح والحاكم وصححه عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يأخذ الله شريطته من أهل الأرض، فيبقى فيها عجاجة لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً». وأخرج مسلم عن عبد الله بن عمرو من حديث طويل قال: «ثم يرسل الله ريحاً باردة من قبل الشام فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل لدخلته عليه حتى تقبضه» قال سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً». هذا قبيل قيام الساعة. أما آخر الأمة فإن مجموع الأدلة الواردة في ذلك تفيد أن المقصود هو عودة خلافة الأمة ونهضتها من جديد بعد انقطاع الخلافة أي بعد انقطاع الحكم بالإسلام ففي مرحلة عودته يكون الخير كما كان في أول الأمة.

والأدلة على وجود الخير في آخر هذه الأمة الكتاب والسنة:

أما الكتاب فقوله تعالى في سورة الواقعة: (ثلة من الأولين * وقليل من الآخرين) ، (ثلة من الأولين * وثلة من الآخرين) ، قال الحسن وابن سيرين وابن كثير الجميع من هذه الأمة.

وأما السنة الدالة على وجود الخير في آخر هذه الأمة فنوعان: أحاديث تدل بمنطوقها على وجود الخير في آخر هذه الأمة، وأحاديث تدل بمفهومها على ذلك.

الأحاديث الدالة بمنطوقها

على وجود الخير في آخر الأمّة

l حديث أنس عند أحمد بإسناد صحيح قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره».

l حديث عمار بن ياسر عند ابن حبان في صحيحه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أو آخره».

l حديث عمران بن حصين عند البزار بإسناد حسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره».

l حديث ابن عمر عند القضاعي في مسند الشهاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثل أمتي كالمطر لا يدرى أوله خير أم آخره».

l حديث عمرو بن عثمان المرسل عند ابن عساكر في التاريخ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أمتي أمة مباركة لا يدرى أولها خير أو آخرها».

قال ابن عبد البر في التمهيد: وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «أمتي كالمطر لا يدرى أوله خير أم آخره» فروي من حديث أنس وحديث عبد الله بن عمرو بن العاصي من وجوه حسان… وهذه الأحاديث تقتضي مع تواتر طرقها وحسنها التسوية بين أول هذه الأمة وآخرها.

ولفظ خير في الأحاديث السابقة كلها هو بمعنى أفعل التفضيل، لا الخير المجرد عن التفضيل، يقال المسلم خير من الكافر ولا يقال أخير على وزن أفعل، ولأنه ورد في هذه الأحاديث أنه لا يدرى أول الأمة خير أم آخرها سوى ابن عبد البر بين الخيرين وقد أصاب.

l حديث عمر عند الحاكم وصححه قال: «كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم جالساً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتدرون أي أهل الإيمان أفضل إيماناً؟ قالوا: يا رسول الله الملائكة، قال: هم كذلك ويحق ذلك لهم، وما يمنعهم وقد أنزلهم الله المنزلة التي أنزلهم بها؟ بل غيرهم. قالوا: يا رسول الله فالأنبياء الذين أكرمهم الله تعالى بالنبوة والرسالة، قال: هم كذلك، ويحق لهم ذلك، وما يمنعهم وقد أنزلهم الله المنزلة التي أنزلهم بها؟ بل غيرهم، قال: قلنا فمن هم يا رسول الله؟ قال: أقوام يأتون من بعدي في أصلاب الرجال، فيؤمنون بي ولم يروني، ويجدون الورق المعلق، فيعملون بما فيه فهؤلاء أفضل أهل الإيمان إيماناً»، وهؤلاء من آخر الأمة لأنهم يجدون ورقاً معلقاً وهذا كناية عن عدم تطبيق ما في الورق لغياب دولة الخلافة، فهم إنما يكونون بعد هدم الخلافة، فيجدون أوراقاً معلقة، وأحكاماً معطلة، فيعملون بها كلها لعموم “ما”، ولا يكون ذلك إلا بتطبيق الإسلام كاملاً عن طريق دولة الخلافة، وهذا يدل على أنهم من آخر الأمة، ووصفهم بأنهم أفضل أهل الإيمان إيماناً هو قمة الخير.

الأحاديث الدالة بمفهومها

على وجود الخير في آخر هذه الأمّة

l حديث عبد الله بن عمرو في فتح رومية عند الحاكم وصححه: عبد الله بن عمرو يقول: كنا عند رسول صلى الله عليه وسلم فسئل أي المدينتين تفتح أولاً يعني القسطنطينية أو الرومية فقال: «مدينة هرقل أولاً» يعني القسطنطينية. والذين سيفتحون روما فيهم خير، ولم يأتوا بعد، فهم من آخر الأمة.

l حديث حذيفة عند أحمد بإسناد رجاله ثقات قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبرية، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت».

حديث حذيفة يدل على أن الخلافة على منهاج النبوة كائنة بعد الملك الجبرية، ولما تكن، وستكون في آخر هذه الأمة، وهي علامة على الخير. ويؤكد هذا ما أخرجه مسلم من حديث جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثياً لا يعده عدداً»، ووجود هذا الخليفة أمارة على الخير في آخر هذه الأمة، أو يستلزم وجوده.

l حديث عبد الله بن عمر عند البخاري ومسلم واللفظ له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تقاتلكم اليهود فتسلطون عليهم حتى يقول الحجر يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله».

فالقوم الذين سيقتلون اليهود، فيهم خير وهم من آخر هذه الأمة.

l حديث عبد الله بن مسعود عند ابن ماجة والدارمي واحمد واللفظ له بإسناد رجاله ثقات قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء، قيل ومن الغرباء؟ قال النزاع من القبائل».

l حديث تميم الداري عند أحمد ورجاله رجال الصحيح سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار…» وحديث المقداد عند الحاكم وصححه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يبقى على ظهر الأرض من بيت مدر ولا وبر إلا أدخل الله عليهم كلمة الإسلام…» وحديث أبي ثعلبة الخشني عند الحاكم وصححه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «… حتى يبلغ حيث بلغ الليل» وهذا لا يكون إلا على أيدي ناس من آخر هذه الأمة فيهم خير.

ومن هذا النوع الدال بمفهومه على وجود الخير في آخر هذه الأمة حديث أبي عنبة الخولاني الذي صححه ابن حبان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته»، وحديث ثوبان في الرايات السود وصححه الحاكم، وحديث النواس بن سمعان الذي أخرجه ابن حبان في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «وعقر دار المؤمنين الشام» والحديث عن دار المؤمنين الثانية لأن عقر الدار الأولى كان المدينة المنورة، وحديث معقل بن يسار الذي أخرجه أحمد في المسند في مجيء العدل ثانية حتى يولد في العدل من لا يعرف غيره. هذه الأحاديث دالة بمفهومها أيضاً على وجود الخير في آخر هذه الأمة.

هذا المعنى أي وجود الخير في آخر الأمة موجود في الأحاديث المذكورة إما منطوقاً وإما مفهوماً، ويمكن القول إن هذا المعنى متواتر. فمتى يبدأ هذا الخير في آخر الأمة ومتى ينتهي؟ فقياساً على الأمر الأول أو الخير الأول الذي بدأ في مكة واستمر في المدينة بعد قيام الدولة أكثر من ثلاثة عشر قرناً حتى هدمت الخلافة، وكان الخير يقوى ويضعف حسب قوة الدولة وضعفها، فإن الخير الثاني قد بدأ منذ أن وجد في الأمة من يعمل لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة وسيستمر إن شاء الله حتى تقام وتقاتل هذه الأمة الدجال واليهود وتفتح روما ويبلغ الإسلام ما بلغ الليل، ثم ينتهي هذا الخير قبيل الساعة حيث لا يكون آنذاك إلا شرار الخلق.

فمن أحب أن يلحق بركب الخير، فليصدق الله في العمل لإقامة الخلافة على منهاج النبوة، ومن لم يبصر هذا فهو مفتون، ومن أبصره فليسأل الله الثبات، فإن الأعمال بالخواتيم. اللهم اجعلنا من القليل الآخر، الذين تجلسهم قدامك على منابر النور، واغفر اللهم لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، وفرج الكرب عن المظلومين المخلصين، وعجل بالجماعة على إمام، قد وعدت ووعدك الصدق، ومن أصدق منك قيلاً .

ع.ع

 (1) مجلة العالم الإسلامي الصادرة في السعودية 1995. (2) المصدر نفسه. (3) جريدة النهار اللبنانية 7/6/99.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *