العدد 179 -

السنة السادسة عشرة ذو الحجة 1422هـ – آذار 2002م

سقوط الأقنعة

سقط القناع وأسفر عن الوجه الحقيقي لأميركا بعد أحداث 11 سبتمبر. فقد بانت سوءة النظام الديمقراطي الذي طالما تغنت به أميركا، وافتخرت أمام العالم أنها سيدة الديمقراطية. ففي الديمقراطية الأميركية الجديدة، المتهم ليس بريئاً حتى تثبت إدانته، خصوصاً إذا كان هذا المتهم مسلماً. وفيها أيضاً إذا كنت مسلماً فأنت موضع شبهة، ويمكن أن تعتقل دون تهمة محددة ولفترات طويلة دون حكم محكمة، وفيها أيضاً يجوز قتل الأسرى بل ودفنهم أحياء في مقابر جماعية.

لقد سقط القناع عن كل الأفكار العفنة التي تولدت بعد سقوط دولة الخلافة… والتي كان للغرب دورٌ كبير في نشرها بين أبناء المسلمين، كأفكار الديمقراطية والحريات والوطنية والقومية… وها هي أميركا تعلن حرباً صليبية على المسلمين جميعاً… وهي قد بدأت بأفغانستان ولكنها لم تنته بعد. فالحبل على الجرار كما يقولون… واليوم يعلن اسم الصومال أو العراق أو اليمن… كمرحلة ثانية من هذه الحملة الشعواء التي تشنها أميركا على العالم الإسلامي. ويبدو أن المسلمين لم يفيقوا بعد رغم أن دول الكفر جميعاً قد رمتهم عن قوس واحدة، وأعلنت العداء للمسلمين الذين وصمتهم بالإرهاب… وتداعت عليهم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها.

سقط القناع منذ اللحظة الأولى بعد 11 سبتمبر عندما أعلن الرئيس بوش أنه «سيعلنها حرباً صليبية». وها هي الحرب قد بدأت… وها هي أميركا تُنهي هذه الحرب في أفغانستان بقتل المسلمين، حتى الذين استسلموا منهم وألقوا أسلحتهم وساروا رافعي الأيدي حصدتهم النيران التي أطلقها الأميركان الكفار بمساعدة تآلف الشمال الذين باعوا أمتهم وباعوا شرفهم في سبيل ثمن رخيص بخس. وها هو وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد يعلن صراحةً رفض قبول أسرى.

سقط القناع عن تلك الأنظمة القائمة في العالم… تلك الأنظمة التي لم يهتز لها جفن وهي ترى دماء أبناء أمتها تهرق في أفغانستان. لقد انكشفت وضاعة هؤلاء الحكام وخيانتهم لله ولرسوله وللمؤمنين. لقد بات واضحاً أن هؤلاء الحكام الرويبضات المتربعين على كراسي السلطة لا يمكن أن يشعروا بالخزي والندامة والعار لما ألحقوا بأمتهم من ذل وهوان وأنهم يمكن أن يفعلوا أي شيء في سبيل احتفاظهم بكراسيهم.

  سقط القناع أمام بعض الحركات الإسلامية التي قضت سنوات طويلة في عمل المستشفيات والمدارس والمساجد على اعتبار أنها خطوات في طريق بناء الأمة دون أن يركزوا جهودهم، بالإضافة إلى ذلك، في العمل لإقامة الدولة التي تحمي هذه المدارس والمساجد والمستشفيات.

سقط القناع عن أولئك المشايخ – العلماء – الذين باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم… وحاولوا إرضاء أميركا التي لا يمكن أن ترضى عنهم. قال تعالى:  (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) (البقرة/120). وأغضبوا رب العالمين الذي خلقهم، وأنعم عليهم بنعمة الإسلام وحمّلهم أمانة عظيمة، أن يقولوا كلمة الحق ولا يخافوا في الله لومة لائم… وجعلهم ورثة الأنبياء، إلاّ أنهم أبوْا أن ينالوا هذه المكانة العظيمة التي أرادها الله لهم فكانوا كأحبار بني إسرائيل «كالحمار يحمل أسفاراً»… انكشف القناع عن أولئك المشايخ – علماء السلاطين – الذين يُدينون العمليات الاستشهادية ضد يهود حرصاً على حياة أولئك الذين اغتصبوا الأرض وهتكوا العرض ودنسوا مقدسات المسلمين… انكشف القناع عن أولئك المشايخ – علماء السوء – الذين أفتوْا بجواز أن يقتل المسلم الأميركي أخاه المسلم الأفغاني أو العربي… استناداً إلى أدلة ما أنزل الله بها من سلطان.

سقط القناع عن ما أسموه، تضليلاً، عملية السلام، وإذا بنا نرى جميعاً بأم أعيننا السلام في العرف اليهودي والأميركي هو الاستسلام والخضوع للهيمنة الأميركية اليهودية بعين راضية… والتنازل عن كل المقدسات. سقط القناع وانكشف كل هؤلاء المهرولين الذين يسيرون في ركاب أميركا باعتبارها «الراعي الرسمي» لعملية السلام. ذلك الراعي «النزيه!» الذي يرى في الدفاع عن كرامة الأمة… والعمل على تحرير الأرض من هؤلاء المغتصبين عملاً إرهابياً… وها هي أميركا تصنف من تريد في قائمة ما تسميه بالإرهاب… فتجمد الأموال… وتعتقل… وتقتل… وتطالب عملاءها في بلاد المسلمين بمثل ذلك… متناسية ما كانت تتشدق به من أقوال فارغة عن حقوق الإنسان… تطالب الآخرين بالأدلة ولكنها هي لا تقيم وزناً لمن يطالبها بالأدلة.

مطلوب اليوم من المسلمين ألاّ ييأسوا مما يحدث برغم بشاعته فهو بشير خير لهذه الأمة العظيمة. وهذه الحملة الأميركية على الحركات الإسلامية هي دليل واضح على أن هذه الحركات هي الخطر الحقيقي على حضارة الغرب، وإننا رغم إمكانياتنا الضعيفة قادرون على أن نكون نداً لأميركا والغرب الكافر. والأمة قادرة بإذن الله – فهو معينها وناصرها – أن تقيم الخلافة التي تطبق الإسلام في الداخل والتي ستحمله إلى الخارج كرسالة عالمية فيها الخير لكل البشرية التي اصطلت بنار الرأسمالية العفنة التي هي اليوم أقرب إلى الأفول والانهيار. صحيح أن الحضارة الغربية اليوم متفوقة، ولكنها متفوقة بمنطق القوة المجردة عن كل القيم الإنسانية. ولذلك فإن عدداً من المفكرين في الغرب يعتبرون أن الحضارة الغربية قد وصلت إلى طريق مسدود، وأن الدين الإسلامي هو الدين الوحيد القادر على إخراج الغرب مما يتردى فيه من مادية مقيتة. فإذا كانت هذه نظرة بعض المفكرين الغربيين عن الإسلام رغم أننا اليوم أمة مهزومة لا نملك القوة المادية لمواجهة التحديات، وليس لدينا نظام سياسي يمثل الإسلام تمثيلاً حقيقياً، فكيف ستكون نظرتهم إذا امتلكنا أسباب القوة وأقمنا نظامنا السياسي القائم على أساس العقيدة الإسلامية، الذي سيكون أرقى نظام سياسي في الدنيا والذي سيملؤها عدلاً وقسطاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً. والله على كل شيء قدير، نعم المولى ونعم النصير .

شريف عبد الله – مصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *