حول مؤتمر «قمة الأمن النووي» العالمي
2010/05/18م
المقالات
1,523 زيارة
حول مؤتمر «قمة الأمن النووي» العالمي
انعقدت يومي الاثنين والثلاثاء في 12 و13/4/2010 في واشنطن في قصر المؤتمرات قمة الأمن النووي، بدعوة من الولايات المتحدة وبمشاركة 48 دولة، ووصف أوباما هذا الاجتماع الدولي بأنه «قمة تاريخية». وانطلقت أعمال القمة بلقاءات «وجهاً لوجه» بين أوباما وعدد من القادة على أن تبحث جلسات العمل الجماعية يوم الثلاثاء في الآليات المشتركة الواجب تبنيها لحماية المواد النووية. وهذه القمة قيل إنها تهدف إلى ضمان حماية مخزونات اليورانيوم والبلوتونيوم من أن تصل إلى القاعدة.
ومن اللقاءات الثنائية بين أوباما وبين رؤساء الدول لقاء جمعه برئيس كازاخستان المصنفة بلاده كأحد أكبر مصدري اليورانيوم في العالم، ورئيس جنوب أفريقيا الذي أوقفت بلاده برنامجها النووي في تسعينات القرن الماضي، كما أجرى محادثات مع رئيسي وزراء الهند وباكستان بوصفهما دولتين نوويتين متنازعتين، واجتمع كذلك بالملك الأردني ورئيس حكومة ماليزيا والرئيس الصيني، ويوم الثلاثاء التقى أردوغان.
وقد تم التطرق إلى الملف النووي الإيراني حيث شدد أوباما على أهمية الجهود الدولية للضغط على إيران لضمان أن تمتثل بالتزاماتها الدولية بما فيها فرض العقوبات.
أما (إسرائيل) التي تمثلت بوزن منخفض حيث مثّلها وزير شؤون الاستخبارات دان مريدور بعد أن امتنع نتنياهو عن الحضور معتذراً بالانشغال بمواعيد أخرى، فقد كانت حاضرة غائبة… وقد ألمح الملك الأردني إلى ضرورة التزامها بشفافية برنامجها النووي، أما أبو الغيط فقد صرح أن هناك حاجة لوضع برنامجها النووي تحت المراقبة الدولية، ولدفعها للانضمام إلى معاهدة «الحد من الانتشار النووي». أما الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون فقد طالبها بالانضمام إلى معاهدة «الحد من انتشار الأسلحة النووية» كما أكد دعمه لإقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط.
وعلى هامش اللقاءات أعلن البيت الأبيض أن أوكرانيا ستتخلص من كل مخزونها من اليورانيوم العالي التخصيب بحلول العام 2010م وستحول منشآتها الخاصة بالبحوث النووية المدنية إلى العمل باليورانيوم المنخفض التخصيب. كما أعلنت الخارجية الروسية أن روسيا والولايات المتحدة ستوقعان اليوم الثلاثاء في 13/4 اتفاقاً لخفض مخزونهما من البلوتونيوم المستخدم في صنع الأسلحة. ودعا نائب الرئيس الأميركي جو بايدن ضيوفه إلى غداء عمل لبحث مسألة التزام إدارة أوباما بـ«عالم خالٍ من الأسلحة النووية» وقد وجه الرئيس الفرنسي ساركوزي رسالة في الاتجاه الآخر خلال مقابلة مع قناة «سي بي إس» حين علق على دعوة أوباما إلى عالم خالٍ من الأسلحة النووية بالقول إنه «عالم افتراضي حيث ليس هناك أسلحة نووية، أعتقد الجميع يرحب بهذا، ولكنني لا أستطيع تعريض أمن وسلامة بلدي للخطر».
أما عن الهدف الرئيسي من هذا المؤتمر فهو ما عبر عنه أوباما بقوله: «التهديد الأكبر لأمن الولايات المتحدة، سواء أكان على المدى القصير أم المتوسط والطويل، هو إمكانية امتلاك منظمة إرهابية سلاحاً نووياً… وتنظيم القاعدة يسعى لهذا الأمر». وتابع أوباما: «الشبكات الإرهابية مثل القاعدة حاولت الحصول على مواد لسلاح نووي، وإذا نجحت في أي وقت فإنها ستستخدمها بالتأكيد، وإذا فعلت ذلك فستكون كارثة على العالم تتسبب بخسائر استثنائية، وتوجه ضربة رئيسية للسلام والاستقرار العالميين». واعتبر أن دعوته هذه هي «جزء من جدول أعمال أوسع وأشمل تسعى إليه الولايات المتحدة يشمل تقليص ترسانتنا النووية، ووقف انتشار الأسلحة النووية، وهو جدول أعمال سيقربنا أكثر من هدفنا النهائي في عالم خالٍ من الأسلحة النووية». وصرح كبير مستشاري أوباما في شؤون مكافحة الإرهاب أن تهديد الإرهاب النووي «يتنامى» محذراً من محاولة تنظيم القاعدة امتلاك سلاح نووي منذ أكثر من 15 سنة.
وفيما يعتبر إشارة واضحة إلى تخلي أميركا عن سياسة التفرد واتباع سياسة قيادة العالم بالشراكة قال: «أعتقد بشدة أن مشاكل القرن الواحد والعشرين لا يمكن معالجتها من قبل أي دولة تعمل بمعزل عن غيرها، يجب أن تعالج من قبلنا جميعاً».
وأكدت المستشارة الألمانية ميركل في 12/4 على «حاجة المجتمع الدولي إلى نظام قانوني مشترك من أجل تحقيق أمن فعال للمواد النووية بغية حمايتها من الإرهابيين» وقالت: «من اللافت للانتباه أنه لا يوجد آلية قانونية يمكن من خلالها مقاضاة الدول التي تعطي مواد نووية لمنظمات إرهابية مشددة على حاجة المجتمع الدولي إلى أمن قانوني عالمي».
إننا أمام هذا المؤتمر نحب أن نذكر بعض الحقائق:
1) إن هذا العمل يعتبر من أعمال الزعامة العالمية، استطاعت به أميركا أن تعيد مبادرة الزعامة لها، وتأكيدها، بعد أن اهتزت مكانتها دولياً مع بوش وبعد أن اهتزت بفعل الأزمة المالية العالمية التي تسببت هي بها للعالم، وبعد فشلها في حربها ضد الإرهاب في كل من العراق وأفغانستان، فهي عادت لتثبت أنها القطب الأبرز، وفي قضية ظاهرها نبيل.
وامتثل للحضور كل الدول التي من المفترض أن تكون منافسة لها، فإذا هي تابعة لجدول أعمالها، منفذة لإرادتها راضية برعايتها، فهذا عمل ناجح من أعمال السيادة وتكريس الزعامة على دول العالم. ثم هو أضاف لأوباما شخصياً كزعيم نجاحاً آخر، فهو في الداخل نجح في تمرير مشروعه للرعاية الصحية وهذا يكسبه شعبية ويجعله زعيماً شعبياً، وفي الخارج، فبالإضافة إلى الاتفاق مع روسيا على خفض السلاح النووي، وهذا عالمياً هدف نبيل، يصب فيما أعلن أنه برنامج له وهو الوصول إلى «عالم خالٍ من الأسلحة النووية، وهو بهذا المؤتمر يظهر نفسه على أنه الحريص على أمن العالم (في حين كان سلفه بوش يعطي صورة أن العالم معه صار أقل أمناً) وهذا النجاح الشخصي له في الداخل والخارج يعطيه قوة تصرف لدولته في المجال العالمي كدولة أولى في العالم.
2) إن من يتابع تصرفات أميركا يرى أنها دولة رأسمالية، مستعدة لشن الحرب على كل من يعارض مصالحها الحيوية، سواء مع أمثال بوش أو أمثال أوباما، ويرى أنها دولة إرهابية بامتياز، فهي لا تزال مع أوباما تشن الحروب ضد المسلمين وتمارس القتل الجماعي باسم محاربة الإرهاب وتقتل الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ في أفغانستان عن طريق طائرات بدون طيار بواسطة التحكم عن بعد من أجل أن تحقق أطماعها المادية التي لا نبل فيها، وهي استعملت اليورانيوم المحرم دولياً في كل من أفغانستان والعراق، وأعطته لـ(إسرائيل) لتستخدمه ضد المسلمين في فلسطين، ثم منعت استصدار أي قانون يدينها في الأمم المتحدة. وكل ذلك مستمر من غير أن يتوقف…
3) إن الولايات المتحدة التي تدعي الحفاظ على أمن العالم، باتت هي أكبر خطر عليه، ومازالت، فهي تكيل مع إيران بمكيال المنع والمحاصرة -بغض النظر عن سياستها الحقيقية- وتغض الطرف عن (إسرائيل)، وهي دولة تحتل أراضي غيرها باعتراف الأمم المتحدة، إذ يتم السكوت عن برنامجها بينما تسلط سيف العقوبات الجماعية على غيرها.
4) إن ما يخيف في هذا العالم أن أميركا ترتكب الجرائم العالمية وتستعمل السلاح المحرم دولياً، وتغزو وتحتل بلاد العالم من غير موافقة مجلس الأمن والأمم المتحدة،… وكل هذا يحدث على المسرح الدولي أمام ناظر كل دول العالم ولا أحد يجرؤ أن يحاسبها، أو حتى يشير بأصبع الاتهام إليها، بل أكثر من ذلك هي تأخذ العالم معها كشاهد زور لإدانة من تريد إدانته، والسكوت عما لا تريد ذلك، ومجلس الأمن هو أكبر شاهد زور لمصلحة السياسة الأميركية.
5) إن أكثرما يخيف في هذا المؤتمر هو تسليط الضوء على دول وجماعات متهمة، من منظور أميركي، بالإرهاب، أو يمكن أن تساعد الإرهاب أو يمكن أن يتسرب منها مواد نووية لإرهابيين. وكل هؤلاء الذين ذكرنا جهات تتعلق بالإسلام والمسلمين. (فإيران متهمة بأنها تسعى إلى امتلاك أسلحة نووية، وباكستان يوجد خوف من أن تفلت الأمور من يديها وتقع أسلحة نووية تحت يدي القاعدة من مخزوناتها، والقاعدة متهمة بالسعي للحصول على أسلحة نووية لاستعمالها ضد أميركا، وهذا ما يجعل الإسلام والمشروع الإسلامي العالمي هو المقصود الأول من هذا التحرك، إنه تحرك يجب متابعة إلى أين تريد أميركا أن تصل من خلاله، وهل تريد استعماله ضد القاعدة في أماكن معينة قبل أن تنسحب من أفغانستان، فقد تخترع الأسباب، أو أن تقوم هي بأعمال خطيرة وتتهم فيها القاعدة فيكون معها المسوغ القانوني العالمي لضربها تحت حجة القضاء على الإرهاب… إنها سلسلة من التصورات المرعبة التي تخطر للذهن مردها إلى عدم الثقة بتصرفات أميركا وإلى شدة إجرامها حيث لا تتورع عن فعل أي شيء من أجل مصالحها.
6) إن ما قاله ساركوزي من أن الدعوة إلى عالم خالٍ من السلاح النووي هي دعوة خيالية، لا يمكن أن تتحقق على أرض الواقع بعد أن فتح باب التنافس الدولي حولها، ومن يراقب طريقة تفكير الدول وتصرفاتها، وعلى رأسها أميركا، يجد أنها أبعد ما تكون عن النبل وعن القيم، وقد عودتنا على أنها عندما تعلن مثل هذه الدعوة فإنها لابد من أن تخفي أهدافاً مصلحية مخيفة، ثم إن الدول نفسها لا تثق ببعضها، فهي إن اتفقت ظاهراً على خلو العالم من السلاح النووي، فهي لابد أن تخفي شيئاً من هذا السلاح خوفاً من الآخر أن يكون أخفاه،…
7) إن الإسلام يأمر بامتلاك القوة، والقوة في الإسلام مرتبطة بتحقيق أهداف الجهاد، والغرض من الجهاد هو كما قلنا الدعوة إلى الإسلام وإنقاذ العالم من الكفر ومن جهنم وليس إهلاك الآخرين، فلا يستعمل القوة لإهلاك الناس بل لإحيائهم بالإسلام، ولكن متى امتلك العدو سلاحاً نووياً فيجب على المسلمين امتلاكه، ولكن ليس لاستعماله ابتداء بل لمنع الآخرين الذين يمتلكونه من استعماله. ثم إن وجوده بيد المسلمين يمنع أن يوقف الجهاد ضد الدول التي تهدد باستعماله إذا ما أعلن الجهاد عليها. فالنووي الإسلامي هو فقط لكي يمنع استعمال النووي غير الإسلامي ضد المسلمين؛ لأن الجهاد يجب أن يستمر حتى قيام الساعة.
وفي الختام نؤكد أن أميركا هي دولة إرهابية، وتتصرف دولياً كدولة فوق القانون، وهي لا تسمح لأحد من الدول أن يحاسبها. وكم اقترفت من الجرائم ولم يجرؤ أحد على محاسبتها. بل هي تسن القوانين التي تمنع غيرها من محاسبتها أو محاسبة أحد من مواطنيها فيما لو اقترفوا جرائم يحاسب عليها القانون الدولي… من هذا المنظار لا تنظروا إلى عيني أميركا التي تذرف دموع التماسيح، بل انظروا إلى يديها التي لا تنفك ترتكب الجرائم باسم حماية القانون الدولي وحماية السلام العالمي. فالحية تغير جلدها ولا تغير طبيعتها.