مع القرآن الكريم
2010/06/18م
المقالات
1,346 زيارة
مع القرآن الكريم
(لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُو فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
يبين الله سبحانه في هاتين الآيتين حكماً آخر من الأحكام الشرعية في السـيـاق نفسه الذي ذكرناه سابقاً، وهذا الحكم هو أن الحلف بعدم جماع المرأة فوق أربعة أشهر وهو ما يسمى بالإيلاء حكم مختلف عن الأيمان الأخرى التي ذكرناها في تفسير الآية السابقة، فهو هنا إما أن يقسم أن لا يجامع زوجته أربعة أشهر فما دونها أو فما فوقها فيترتب عليه ما يلي:
أولاً: إن كان الحلف على عدم الجماع أربعة أشهر أو أقل من أربعة أشهر فهو لا يسمى (إيلاء) بل هو في هذه الحالة يمين كالأيمان المعتادة، إن نقضه فجامع زوجته قبل المدة التي أقسم عليها يكون حنث بيمينه ويكفر اليمين، وإن لم يجامعها المدة التي حلف عليها – وهي أقل من أربعة أشهر في هذه الحالة – يكون قد برّ بيمينه ولا شيء عليه كما ثبت في الصحيحين عن عائشة – رضي الله عنها -: «أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) آلى من نسائه شهراً فنزل لتسع وعشرين وقال: الشهر تسع وعشرون» (البخاري).
ثانياً: أن يحلف ألا يجامع زوجته فوق أربعة أشهر وهو ما يسمى بالإيلاء الشرعي والذي له أحكام بينتها الآيتان الكريمتان، ويكون الحكم على النحو التالي:
أ. إن جامعها قبل أربعة أشهر يكفر عن يمينه وينتهي الأمر.
ب. إن استمر لا يجامعها حتى انتهاء الأربعة أشهر فيوقف ويجبر على أحد أمرين:
أولاً: إما أن يفيء أي يرجع لما كان عليه قبل أن يحلف وهو كناية عن الجماع، ويكفر عن يمينه.
ثانياً: وإما أن يطلق.
فإن رفض هذا وذاك طلق عليه الحاكم.
وما بيناه آت من دلالة الآيتين الكريمتين المذكورتين على النحو التالي:
(لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ) الإيلاء – في أصله – الحلف الذي يقتضي النقيصة في الأمر الذي يحلف عليه فيحلف أن يعمل سوء أو ينقص من خير على نحو قوله سبحانه (لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا) آل عمران/آية118 (وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى) النور/آية22 ثم أصبح له معنى شرعي وهو الحلف المانع عن جماع المرأة.
(مِنْ نِسَائِهِمْ) أي زوجاتهم، وفيه دلالة على أن الإيلاء يختص بالزوجات وليس بالإماء.
(تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) التربص هو الانتظار والتوقف، أي أن له أربعة أشهر فقط مهلة وبعدها عليه التوقف لتقرير أحد الأمرين المذكورين فيما بعد.
(فَإِنْ فَاءُو) أي رجعوا لما كانوا عليه كناية عن الجماع.
(وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ) فيه دلالة على أن الزوجة لا تطلق بمضي المدة إلا أن يـطـلـقـهـا زوجـهـا أو يطـلـق عليـه الحـاكم.
وبالتالي يكون معنى الآية:
إن الذين يحلفون أن لا يجامعوا نساءهم فوق أربعة أشهر، فإنهم عند مضي الأربعة أشهر يوقفون لتنفيذ أحد أمرين: إما أن يفيئوا ويرجعوا إلى ما كانوا عليه كناية عن الجماع ويكفروا أيمانهم، أو يطلقوا، فإذا أبوا طلق عليهم الحاكم.
ويختم الله سبحانه الآيتين:
(فَإِنْ فَاءُو فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) لما حدث منهم من اليمين على إضرار المرأة تلك المضرة.
(وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) سميع لإيلائهم الذي صار منهم طلاقاً، عليم بغرضهم من هذا الإيلاء فيجازيهم بما يستحقونه.
2010-06-18