العدد 11 -

العـدد الحادي عشر – السـنـة الأولى – شعبان 1408هـ – نيسان 1988م

مع القرآن الكريم

بسم الله الرحمن الرحيم

(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)

صدق الله العظيم

يمجد تعالى نفسه، ويعظم شأنه، لقدرته على ما لا يقدر عليه أحد سواه، (الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ) يعني محمداً صلى الله عليه وسلم، (ليلاً) أي في جنح الليل، (مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)، وهو مسجد مكة، إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى) وهو بيت المقدس الذي بإلياء معدن الأنبياء من لدن إبراهيم الخليل عليه السلام، ولهذا جمعوا له هناك كلهم فأمّهم في محلتهم ودارهم، فدلّ على أنه هو الإمام الأعظم، والرئيس المقدّم، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين. وقوله تعالى: (الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) أي في الزروع والثمار، (لِنُرِيَهُ) أي محمداً، (مِنْ آيَاتِنَا) أي العظام كما قال تعالى: (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى)، وقوله تعالى: (إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) أي السميع لأقوال عباده مؤمنهم وكافرهم، مصدقهم ومكذبهم، البصير بهم فيعطي كلاً منهم ما يستحقه في الدنيا والآخرة.

وقال الإمام أحمد حدثنا حسن بن موسى حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا ثابت البنا عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتيت بالبراق وهو دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه فركبته فسار بي حتى أتيت بيت المقدس فربطت الدابة بالحلقة التي يربط فيها الأنبياء ثم دخلت فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فأتاني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبريل: أصبت الفطرة قال ثم عرج بي إلى السماء الدنيا فاستفتح جبريل فقيل له من أنت؟ قال جبريل، قيل ومن معك؟ قال محمد، قيل وقد أرسل إليه؟ قال قد أرسل إليه ففتح لنا فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل فقيل له من أنت؟ قال جبريل قيل ومن معك؟ قال محمد قيل وقد أرسل إليه؟ قال قد أرسل إليه ففتح لنا فإذا أنا بابني الخالة يحيى وعيسى فرحبا بي ودعوا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة فاستفتح جبريل فقيل له من أنت؟ قال جبريل قيل ومن معك؟ قال محمد قيل وقد أرسل إليه؟ قال قد أرسل إليه ففتح لنا فإذا أنا بيوسف عليه السلام وإذا هو قد أعطى الشطر الحسن فرحب بي ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة فاستفتح جبريل فقيل له من أنت؟ قال جبريل قيل ومن معك؟ قال محمد قيل وقد أرسل إليه؟ قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بإدريس فرحب بي ودعا لي بخير ثم يقول الله تعالى: (ورفعناه مكاناً علياً) ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة فاستفتح جبريل فقيل له من أنت؟ قال جبريل قيل ومن معك؟ قال محمد قيل وقد أرسل إليه؟ قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بهارون فرحب بي ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء السادسة فاستفتح جبريل فقيل له من أنت؟ قال جبريل قيل ومن معك؟ قال محمد قيل وقد أرسل إليه؟ قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بموسى عليه السلام فرحب بي ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل فقيل من أنت! قال جبريل قيل ومن معك! قال محمد فقيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم عليه السلام وإذا هو مستند إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه، ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى فإذا ورقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال فلما عشيها من أمر الله ما غشيها تغيرت فما أحد من خلق الله تعالى يستطيع أن يصفها من حسنها قال فأوحى الله إليّ ما أوحى، وقد فرض عليَّ في كل يوم وليلة خمسين صلاة فنزلت حتى انتهيت إلى موسى قال ما فرض ربك على أمتك؟ قلت خمسين صلاة في كل يوم وليلة قال فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فإن أمتك لا تطيق ذلك وإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم قال فرجعت إلى ربي فقلت أي رب خفف عن أمتي فحط عني خمساً فقال إن أمتك قال فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى ويحط عني خمساً خمساً حتى قال: يا محمد هن خمس صلوات في كل يوم وليلة بكل صلاة عشر فتلك خمسون صلاة، ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت عشراً، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب فإن عملها كتبت سيئة واحدة. فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته فقال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فإن أمتك لا تطيق ذلك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد رجعت إلى ربي حتى استحييت ورواه مسلم بهذا السياق.

قال البيهقي وفي هذا السياق دليل على أن المعراج كان ليلة أسري به عليه الصلاة والسلام من مكة إلى بيت المقدس وهو الذي قاله هو الحق لا شك فيه ولا مرية.

وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان حدثنا همام عن قتادة عن عبد الله بن شقيق قال: قلت لأبي ذر لو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسألته قال وما كنت تسأله قال كنت أسأله هل رأى ربه فقال: إني قد سألته فقال: «قد رأيته نوراً أنى أراه»، هكذا من قال إنه عليه الصلاة السلام رأى ربه ليلة المعراج ولكن قال الحافظ أبو بكر البيهقي قال: وقول عائشة وابن مسعود وأبي هريرة في حملهم آيات (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى @ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى) الآيات، على رؤيته جبريل أصح وهذا الذي قاله البيهقي رحمه الله في هذه المسألة هو الحق، فإن أبا ذر قال: يا رسول الله هل رأيت ربك؟ قال: «نور أنى أراه» وفي رواية «رأيت نوراً» أخرجه مسلم. وقوله: (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ) إنما هو جبريل عليه السلام كما ثبت ذلك في الصحيحين عن عائشة أم المؤمنين، وعن ابن مسعود وكذلك هو في صحيح مسلم عن أبي هريرة ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة في تفسيره هذه الآية بهذا.

وهناك من قال في تفسير (أَسْرَى بِعَبْدِهِ) أي أسرى بروحه، ولكن الأصح أن الله عزّ وجل أسرى بجسد رسول الله صلى الله عليه وسلم بروحه، ولم يكن إسراءه رؤياً، والحديث الذي أوردناه في بداية البحث يوضح ذلك.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *