العدد 286 -

العدد 286، السنة الخامسة والعشرون، ذو القعدة 1431هـ، الموافق تشرين الأول 2010م

أرض جنوب السودان أرض إسلامية ولا يحق لكائن من كان التنازل عنها

أرض جنوب السودان أرض إسلامية

ولا يحق لكائن من كان التنازل عنها

 

المهندس: محمد هاشم

عضو مجلس الولاية في حزب التحرير – السودان

لقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن أرض الجنوب، هل هي أرض إسلامية أم أنها غير إسلامية؟ وهل يجوز التنازل عنها أم لا؟ بل نادت بعض الأحزاب بوجوب فصل الجنوب وذلك بحجة أن وجوده في إطار السودان الواحد يعيق تطبيق أحكام الإسلام، وآثر كثير من العلماء السكوت عن فصل الجنوب بالحجة السابقة ما جعل موقف عامة الناس مضطرباً. فالذين آثروا الفصل آثروه باعتبار أنه مصلحة، والذين رفضوه كذلك رفضوه لما يترتب على الانفصال من أضرار، ولكي يستبين الأمر نقول بعد الاستعانة بالله.

إن أرض جنوب السودان بأقاليمها الثلاثة فتحها المسلمون عنوة وخضعت لسلطان الإسلام في عهد الخلافة العثمانية، ومن بعدها المهدية، والأدلة على ذلك كثيرة نقسمها إلى قسمين: نقولات تاريخية لمؤرخين ثقات، ووثائق تاريخية معتمدة، مع الأخذ في الاعتبار أن الوثائق التاريخية هي الأقوى من حيث الحجة من النقولات التاريخية للمؤرخين، حيث تُعرّفُ القواميس المتخصصة بدراسة التاريخ «الوثيقة» بالتعريف الآتي: «تُعرف الوثيقة بكونها مصدر كل خبر، وأنها حجة وشاهدة على وقوع الحدث»، ومن هنا جاءت مقولة (شارل لنكوا وشارل سينوبوس): «إن التاريخ يتم بالوثائق» فصارت مقولة تدرس حتى الآن في كليات التاريخ والآثار حول العالم. [المصدر كتاب: استعمال الوثيقة في تدريس التاريخ بين الهاجس البيداغوجي والهاجس الإبستمولوجي].

وسأعرض بعض النماذج في القسم الأول وأخرى في القسم الثاني، حتى يحيط الإخوة والأخوات الكرام بالأمر من كل جوانبه.

القسم الأول: نقولات تاريخية لمؤرخين ثقات:

(أ) الدكتور محمد سعيد القدال في كتابه «تاريخ السودان الحديث»، الذي فيه خارطة توضح حدود السودان في عهد الدولة المصرية، تلك الخريطة المرفقة التي توضح أن أجزاء من يوغندا كانت تابعة للسودان حتى بحيرة ألبرت. (راجع الخريطة رقم (1)).

(ب) كما أورد التجاني عامر المؤرخ السوداني المعروف في كتابه «خلفيات تاريخية لجنوب السودان» ما نصه: «إن المهدية… قد استطاعت أن تضع يدها على الجنوب بأقاليمه الثلاثة، وتجعل الزاكي طمل أميراً على الشلك وأعالي النيل، وكرم الله كركساوي أميراً على بحر الغزال، وعربي دفع الله قائداً عسكرياً منتصراً على الاستوائية. مع هذا فإن الأسلوب الإداري في الجنوب آنذاك كان ضعيفاً مضطرباً بحيث أطمع الفرنسيين في دخول بحر الغزال عن طريق أفريقيا الوسطى.

(ج) وأيضاً أورد الدكتور يوسف فضل حسن في كتابه: «دراسات في تاريخ السودان وأفريقيا وبلاد العرب»، الجزء الثاني 1989م، طبعة أولى: «واجه الجزء الجنوبي من السودان الذي كانت قبضة الدولة عليه ضعيفة تهديدات خطيرة من بعض الدول الأوروبية، فمن الكونغو كانت بلجيكا تتجه نحو مديريتي بحر الغزال وأعالي النيل. وفي عام 1884م اشتبكوا مع الأمير عربي دفع الله، وعلى إثر اتفاق فرنسي بلجيكي بدأت حملة فرنسية بقيادة الكابتن مارشاند تتجه نحو مديريتي بحر الغزال وأعالي النيل، بينما كان البريطانيون وهم يسيطرون على يوغندا يتربصون بدولة المهدية من الجنوب» (ص 81-82).

وفي موضع آخر من الكتاب، ذكر المؤرخ «أما الجزء الجنوبي من السودان والذي ألحق إبان العهد التركي المصري في منتصف القرن التاسع عشر، فكان يعيش في شبه عزلة عن الإقليم الشمالي، وكانت الهجرة العربية التي اجتاحت السودان قد توقفت على أطراف الغابات الاستوائية عند بحر العرب وبحر الغزال ومنطقة السدود بسبب غزارة الأمطار وذبابة التسي تسي التي تؤذي البقر عماد حياة عرب البقارة. كما إن القبائل النيلية كانت تقيم حاجزاً بشرياً قوياً يتعذر تخطيه في يسر، لم تخترق المؤثرات العربية الإسلامية هذا الحاجز الجغرافي البشري إلا عندما فتحت الإدارة التركية المصرية تلك المنطقة… وبدأ العرب والمسلمون التوغل والعمل على نشر الإسلام» (ص 157).

القسم الثاني: وثائق تاريخية معتمدة:

(أ) تظهر الخريطة رقم (2) المسماة «الخارطة التاريخية للحدود السياسية في أفريقيا» عام 1885م نقلاً عن موقع «الأخبار الإسلامية على الشبكة العنكبوتية» أن حدود السودان الجنوبية في عهد دولة محمد علي باشا كانت تمتد حتى ضفاف بحيرة فكتوريا. (وتظهر حدود السودان في عهد محمد علي باللون البرتقالي في الخريطة أن حدود السودان تمتد حتى شمال بحيرة فكتوريا).

(ب) ونقلاً عن تقرير أصله موجود الآن بمكتبة الإسكندرية العالمية بمدينة الإسكندرية بمصر؛ حوى اعتراف الأوروبيين بما دونته الخرائط المصرية عن السودان، فجاء في تقريرهم ما نصه: «إن السودان بلاد كبيرة جداً مترامية الأطراف، طولها من الشمال إلى الجنوب نحو 1950 ميلاً، ويمكن تتبع حدود السودان برسم خط يبدأ من نقطة برانس على ساحل البحر الأحمر شرقاً ثم يمتد في صحراء ليبيا حتى الدرجة 22 من خطوط الطول، ومن هناك يتجه خط الحدود جنوباً بميل نحو الغرب حتى الزاوية الشمالية الغربية من دارفور في نقطة تقع حوالى درجة 23 من خط الطول، ثم يتجه في الاستقامة نحو الجنوب إلى الدرجة 11 أو 12، ثم يسير جنوباً بشرق عبر بحيرة نيانزا حتى يماس مدخل فيكتوريا نيانزا ويصعد من هناك شمالاً إلى الشرق فيشمل إقليم هور».

 (ج) خريطة رقم (3) بعنوان: «مديريات السودان المصري» أصلها بمتحف الإسكندرية بمصر يظهر فيها أن امتداد الحدود الجنوبية للسودان خلال عهد دولة محمد علي من عام 1821م وإلى سقوط الدولة المهدية في كرري كانت تمتد وتشمل كل يوغندا الحالية بما فيها كامل بحيرة فكتوريا.

(د) في يوم 7 سبتمبر 1877 م اضطرت إنجلترا إلى عقد معاهدة مع مصر، إذ اعترفت فى هذه المعاهدة بامتداد السودان شرقاً إلى البحر الأحمر، وغرباً إلى دارفور، وجنوباً إلى أوغندا. [المصدر: شبكة إسلام نيوز على شبكة الإنترنت].

الأرض الإسلامية… ماهيتها؟

بعد استعراض الوثائق التاريخية ونقولات المؤرخين الثقات حول أرض (جنوب السودان)، يتضح أنها أرض قد فتحت عنوة من قبل جيوش دولة الخلافة العثمانية، وأعيد فتحها أيام دولة المهدية، بل إن دولة المهدية عينت ولاة على كل أقاليم الجنوب الثلاث آنذاك، ليكونوا رعاةً للناس بالحق والعدل.

بقي أن نسأل سؤالاً: متى يحق لنا إطلاق وصف (الأرض الإسلامية) على البلدان؟

     باستقراء النصوص والرجوع إلى العمدة من كتب الفقه يتضح أن الأرض تتحول إلى أرض إسلامية ويطلق عليها هذا المصطلح في ثلاث حالات وهي:

– الأرض التي أسلم أهلها عليها، ويطلق عليها (أرض عشرية).

– الأرض التي افتُتحت صلحاً، ويطلق عليها (أرض خراجية).

– الأرض التي أُخذت عنوةً، ويطلق عليها (أرض خراجية).

يقول الإمام أبو عبيد القاسم في كتابه (الأموال): «وجدنا الآثار عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والخلفاء بعده قد جاءت في افتتاح الأرضين بثلاثة أحكام: أرض أسلم عليها أهلها فهي لهم مِلك أيمانهم، وهي أرض عُشرٍ لا شيء عليهم فيها غيره، وأرض افتُتحت صلحاً على خَرْجٍ معلوم، فهم على ما صولحوا عليه لا يلزمهم أكثر منه، وأرض أُخذت عنوة».

ونحن هنا تعنينا الحالة الثالثة من حالات الأراضي الإسلامية؛ وهي الأرض التي أُخذت عنوةً والتي يطلق عليها (أرض خراجية).

الخراج لغةً:

عُرف (الخراج) لغةً بأنه: «هو  الكراء والغلة»، وعُرف في كتاب (مختار الصحاح-لزين الدين الرازي) بأنه: «غنيمة للأرض»، وعُرف في كتاب (التعريفات-للجرجاني) بأنه: «المال الذي يوضع على أرض الفتح».

الأرض الخراجية شرعاً:

أما شرعاً فالأرض الخراجية هي التي استولى عليها المسلمون عنوةً، وقد أورد هذا التعريف الإمام أبو يعلى في كتابه «الأحكام السلطانية» (ص146) فقال: «فأما الأرضون إذا استولى عليها المسلمون فتنقسم ثلاثة أقسام أحدها: ما ملكت عليهم عنوة وقهراً…». ويُعرف الإمام زين الدين الحنبلي في كتابه «الاستخراج لأحكام الخراج» الأرض الإسلامية الخراجية بقوله: «أرض الخراج هي الأرض التي افتتحها المسلمون وأبقوا أهلها من أهل الذمة عليها…». وينقل الإمام القاسم بن سلام في كتابه (افتتاح الأرضين صلحاً وأحكامها) تعريفاً للإمام أحمد بن حنبل نصه: «كل أرض تؤخذ عنوة فهي لمن قاتل عليها بمنزلة الأموال». وقال أبو عبيد في كتابه «الأحكام السلطانية»: «هي الأرض التي استولى عليها الجيش بالغلبة والقوة». وأختمها بما أورده الإمام القاسم بن سلام في كتابه (الأموال): «هي الأرض التي غنمت حرباً».

إذن فبعد أن استعرضنا بعض جوانب التاريخ من نقولات لمؤرخين ثقات ووثائق معتمدة، يظهر بشكل صارخ أن أرض (جنوب السودان) أرض إسلامية خالصة؛ فتحت عنوة فصارت أرضاً خراجية؛ بحسب تعريف الفقهاء المعتبرين للأرض الخراجية.

والأرض الخراجية الإسلامية هي مال مستحق للأمة، فقد أورد أبو يوسف في كتاب (الخراج) قول عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) للأنصار الذين استشارهم: “وقد رأيت أن أحبس الأرض بعلوجها، وأضع عليهم فيها الخراج، وفي رقابهم الجزية يؤدونها؛ فتكون فيئاً للمسلمين، المقاتلة والذرية، ولمن يأتي بعدهم. أرأيتم هذه الثغور لا بد لها من رجال يلزمونها، أرأيتم هذه المدن العظام: الشام، والجزيرة، والكوفة، والبصرة، ومصر، لا بد لها من أن تشحن بالجيوش وإدرار العطاء، فمن أين يعطى هؤلاء إذا قسمت الأرض والعلوج؟ وقال بعد أن تلا آيات الفيء وقرأ آية: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ) [الحشر 10]، هذه الآية استوعبت الناس فلم يبق أحد من المسلمين إلا له في هذا المال حق، ولئن عشت لآتين كل مسلم حقه حتى يأتي الراعي بسرو حمير نصيبه لم يعرق فيه جبينه”.

لا تنازل عن الأرض الإسلامية

إن أرض جنوب السودان أرض إسلامية خالصة فلا تنازل عنها، بل إن تشريح أجسادنا ونحن أحياء لأهون علينا من أن تُقسم بلاد المسلمين، فنحن لها حافظون أوفياء. فلا يجوز التنازل للكافر عن أي أرض من بلاد المسلمين التي فتحت عنوة (كأراض جنوب السودان)، كما يجب تنفيذ أحكام الإسلام عليها وحفظها تحت سلطان المسلمين، فترفرف راية العُقاب فوقها بعزٍ وشموخ.

بل إن كل أرض إسلامية استولى عليها الكفار بالغزو أو الاستعمار يجب على المسلمين استرجاعها وضمها لدولة الخلافة القادمة قريباً بإذن الله، مثل فلسطين والأندلس وغيرها.

فالحق المزعوم للجنوبيين (حق تقرير المصير)، هو عطاء من لا يملك، فالله عز وجل لم يعطِ الحكام المتخاذلين حق التنازل عن بلاد المسلمين للكفار، بل جعل البشرية من أهل الجنوب وغيرهم في كل أرجاء الدنيا أمانةً في أعناقنا نحن المسلمين لنرعاها بأحكامه سبحانه وتعالى، فكل داع للاستفتاء (حق تقرير المصير) هو لم يرعَ أحكام الله حق رعايتها: (فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)، وهو خائن لله ولرسوله وللمؤمنين و(إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *