العدد 286 -

العدد 286، السنة الخامسة والعشرون، ذو القعدة 1431هـ، الموافق تشرين الأول 2010م

الجذور التاريخية لمشكلة أبيي في السودان وتطورها

الجذور التاريخية لمشكلة أبيي في السودان وتطورها

 

عوض خليل (أبو الفاتح)

 أم درمان- السودان.

لقد احتدم الصراع بين شريكي الحكم في السودان (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية )، حول منطقة أبيي الغنية بالنفط إلى أن وصل أضابير هيئة التحكيم الدولية بلاهاي.

 فما هي الجذور التاريخية لمشكلة أبيي؟ وماهي الأسباب التي أدت إلى تفاقمها إلى هذا الحد؟ وما هو العلاج الصحيح؟وقبل الإجابة على هذه التساؤلات نعطي نبذة مختصرة عن هذه المنطقة، وذلك مما يكشف الأسباب التي تجعل لبعض المناطق أهمية.

خارطة أبيي:

تقع منطقة أبيي بين كردفان ومنطقة بحر الغزال، ضمن حزام السافنا الغنية بالنباتات والأراضي الخصبة والمياه الغزيرة، فالأمطار في منطقة أبيي تستمر ثمانية أشهر خلال العام، وتتخلل المنطقة العديد من الأودية الكبيرة ذات السهول الواسعة؛ والتي فيها القابلية لإنتاج المحــــــاصــــــيل الزراعية بمختلف أنواعها، وإن نباتات نادرة من مثل الزنجبيل والحرجل والغرنجال والشيح وغيرها تنبت بكثرة في أودية أبيي.

 وتمتاز أبيي بمناخ معتدل طوال العام. أما في باطن الأرض فقد ذكرت التقارير أن حوالى 70% من بترول السودان في منطقة أبيي وما حولها، هذا غير الثروات الأخرى التي لم تكتشف بعد.

الوجود القبلي في منطقة أبيي:

 وضعية أبيي جعلت الناس يقصدونها من كل حدب وصوب، وبالأخص الرعاة والمزارعين، فقد وفد إليها قبيلة الداجو، هرباً من سلاطين دارفور بعد أن انهار سلطانهم الذي استمر حتى القرن الخامس عشر الميلادي. وهاجر إليها قبائل المسيرية، ضمن هجرتهم إلى منطقة غرب كردفان من مملكة (ودّاي) (دولة تشاد حالياً)، ويعتبرون أنفسهم أقدم من هاجر إلى المنطقة، ويستندون على مخطوطة (الفكي النور موسى) المؤرخة عام 1110هـ؛  أي 1700م، قال هندرسون في كتابه «مذكرات هجرة المسيرية إلى جنوب غرب كردفان» [المجلد 22]: «إن النور موسى هو أقدم شخص يؤرخ للمسيرية من مملكة وداي إلى وطنهم الجديد (أبيي)».

وهاجر إلى منطقة أبيي كذلك (دينكا أنقوك)؛ الطرف الثاني في النزاع حول المنطقة مع المسيربة، وهم- أي الدينكا- كذلك يعتبرون أنفسهم الأحق بالمنطقة، أما تاريخ دخولهم إليها فيصعب تحديده، قال (بي بي هاول) في كتابه «مذكرات عن دينكا نقوك بغرب كردفان» [المجلد 30] الذي نشر مقتطفات منه عام 1951م: «يصعب تحديد الوقت الذي بدأت فيه هجرة دينكا نقوك» وقال: «يتعذر تقديم تاريخ دقيق لهذا الحدث». وغاية ما يستند إليه اليوم مرجعاً لهجرة دينكا نقوك إلى أبيي هو عام 1904 -1905م كما جاء في تقرير استخبارات السودان رقم 128 بتاريخ مارس1905 م بأن السلطان (أروب) قرر سنة 1904 م أن يتبع لمديرية كردفان وليس بحر الغزال، إلا أن هذا التاريخ لا يدل بشكل قطعي على أن الدينكا قبل ذلك لم يكن لهم وجود، فهو انضمام إداري.

فبغض النظر عن من الذي جاء لمنطقة أبيي أولاً، فإن المنطقة شهدت تعايشاً منقطع النظير بين القبائل المختلفة؛ خاصة بين القبيلتين الكبيرتين في المنطقة (المسيرية ودينكا انقوك) إثر ميثاق التعايش الذي وُقّع بين الناظر (علي الجلة) من جانب  المسيرية والسلطان (أروب) من جانب دينكا نقوك. وقد كان لميثاق الإخاء هذا دور كبير في تطور العلاقة والمودة السائدة لفترة طويلة بين القبيلتين، فكان هناك احترام متبادل من قبل الطرفين لهذا الميثاق ما أوجد انصهاراً واندماجاً ومودة بينهما، وكان يشهد بها الأعداء قبل الأصدقاء، فقد أثنى المفتش الإنجليزي على هذه المودة في تقريره سنة 1920م _ 1921م وكذلك مدير مديرية بحر الغزال أشاد بهذه العلاقة في خطابه بتاريخ 21/7/1927م وأوصى بأن يستمر دينكا نقوك في مجلس ريفي المسيرية نتيجة لعلاقتهم الجيدة. هذه لمحة بسيطة عن منطقة أبيي وما كان عليه السكان من تعايش بمختلف قبائلهم.

جذور المشكلة:

يمكننا القول إن جذور المشكلة ترجع إلى عهد الاستعمار الإنجليزي للسودان، فقد قامت الإدارة البريطانية في أواخر الثلاثينات بإجراء استفتاء لدينكا نقوك بزعامة (كوال أروب) وأعطته الخيار إذا كان يريد الانضمام إلى الجنوب أو الاستمرار في الشمال وأن يبقى تابعاً لمجلس ريفي المسيرية، وقد قامت الإدارة البريطانية بحشد عدد كبير من سلاطين الدينكا بعد أن عقدت معهم سلسلة من الاجتماعات السرية، وطلبت منهم إقناع (كوال أروب) بخيار الانضمام إلى بحر الغزال والتخلي عن الشمال.

تكررت محاولات الإدارة البريطانية وبذلت مجهوداً كبيراً لإقناع زعماء دينكا نقوك بالتخلي عن الشمال والانضمام إلى الجنوب، ولكن محاولاتها فشلت. وفي عام 1943م مات السلطان كوال أروب وخلفه ابنه السلطان (دينق مجوك)، وأثناء الاستعداد لمؤتمر جوبا عام 1943م، التقى مفتش المركز البريطاني بالسلطان (دينق مجوك) وطلب منه التخلي عن التبعية لكردفان مقابل امتيازات ومخصصات كبيرة بضمانات من الإدارة البريطانية في الانضمام لبحر الغزال، إلا أن السلطان (دينق مجوك) أيضاً رفض هذا العرض وقرر البقاء في الشمال.

استمرت الإدارة البريطانية في مجهوداتها وقامت بعدد كبير من المحاولات وأجرت استفتاءات في السنوات (1950م و1951م و1953م و1954م و1955م)، إلا أن هذه المحاولات والمجهودات لم تفلح في ثني زعماء وسلاطين دينكا نقوك عن موقفهم والوفاء لميثاق الإخاء الذي أبرمه جدهم (كوال أروب) مع المسيرية، وانتهت المحاولات بخروج الاستعمار البريطاني عام 1956م.

 والراجح أن الإنجليز لم يكونوا حريصين في ذلك الوقت على ضم منطقة أبيي لبحر الغزال أو بقائها في كردفان بقدر ما كان قصدهم إيجاد حالة من القطيعة بين أهل الوطن الواحد وإشعار كلا الطرفين أنه غير الآخر، مما يوجد حالة من الاضطراب والضغائن يمكن استغلالها في الوقت المناسب، والإنجليز مشهورون بمثل هذه الأساليب الخبيثة.

كان من المفترض أنه بخروج الاستعمار الإنجليزي أن تستقر الأمور، وأن يظل أهل البلد الواحد كما هم يتعايشون، ولكن كما هو معروف عن الاستعمار فهو يحرص أن تنفذ مشاريعه بأيدي أهل البلد أنفسهم، حتى تأخذ الشرعية، وحتى لا يرمون باللوم على أحد، وذلك عن طريق العملاء من الحكام والسياسيين، وكان أول من فتح ملف أبيي من ما يسمى بالحكومات الوطنية هي حكومة مايو (عهد الرئيس الأسبق جعفر النميري)، ففي اتفاقية أديس أبابا عام 1972م ورد في المادة 3 بند 3 تعريف المديريات الجنوبية الثلاث بحدودها لسنة 1956م، لقد ذكر هذا النص بأن «أبيي ومناطق أخرى مجاورة ثقافياً وجغرافياً تعتبر من المجتمع الجنوبي، ويتم تحديد موقفها بواسطة استفتاء»، وهو نفس الخط الذي كان يسير عليه الإنجليز كما ذكر هذا الإعلان من قبل حكومة مايو مما دفع المسيرية للقيام بتحرك واسع احتجاجاً عليه وإعلان رفضهم له ومطالبتهم حكومة مايو بتعديله، بينما فسر دينكا نقوك بأن النص الوارد في البند 3 كان لصالحهم، وأن الاستفتاء يشمل منطقة أبيي. وتمت بعض الخطوات العملية من قبل حكومة مايو في هذا الاتجاه، أهمها تعيين (جاستن أقوير) بدرجة نائب محافظ مسؤولاً جنوبياً عن أبيي الذي أغضب المسيرية ودفعهم لشن هجوم واسع عل منطقة أبيي، مما أجبر حكومة مايو على إلغاء تعيين (أقوير) ورجوع المنطقة لوضعها السابق.

وفي عام 1980م قامت مجموعة قليلة من أبناء دينكا نقوك) من المثقفين بتقديم اقتراح لبرلمان حكومة مايو، طالبوا فيه إصدار قرار بإجراء استفتاء على أبيي وقد فاز الاقتراح، إلا أن زعماء وسلاطين الدينكا قاموا بإرسال برقية عاجلة بتاريخ 08/12/1980م قالوا فيها: «نحن نرفض بشدة أصوات اولئك المعزولين عن أهلهم ولم يتمكنوا أن يدّعوا بحق أنهم يتحدثون بالنيابة عنا، وفيما يتعلق بموضوع الحدود فإننا جزء لا ينفصل عن إقليم كردفان».

 ثم هدأت الأمور إلى أن جاءت حكومة الإنقاذ عام 1989م، وكان أول موقف رسمي لها بخصوص أبيي في اتفاقية الخرطوم للسلام سنة 1997م. وفي فبراير عام 2000م وضعت حكومة الإنقاذ جدول أعمال لحل مشكلة أبيي كجزء من تنفيذ اتفاقية الخرطوم للسلام تحت البنود 2/1 و2/3 و2/4 أقرت حكومة الإنقاذ بالآتي:

1/ إن أبيي موطن المسيرية ودينكا نقوك، وهي ليست جزءاً من الجنوب.

2/ إن أبيي منطقة تعدد عرقي وثقافي، وهي واحدة من المناطق الأقل نمواً في البلاد، وأن أبيي لها مشاكلها الخاصة بها، وأن حكومة السودان مستعدة لمناقشة هذه المشاكل حسبما يكون ملائماً.

3/ تناقش مشاكل أبيي بحضور جميع من لهم حق فيها.

4/ تقترح حكومة السودان عقد مؤتمر جامع حول أبيي لمناقشة مشاكل المنطقة، والخروج بحلول وافية.

ثم تطورت قضية أبيي في عهد الإنقاذ عندما شرعت أميركا في تسوية قضية جنوب السودان بشكل جدي عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م. وأثارت قضية أبيي صراعاً حاداً بين الحكومة وحركة التمرد،  وأصبح ملفها يرحّل من جولة إلى أخرى إلى أن تدخل القس (جون دانفورث) المبعوث الأميركي آنذاك وطرح رؤية للحل سُميت بالورقة الأميركية، وذلك في مارس 2004م، وهدد دانفورث الطرفين قائلاً: «إن الإدارة الأميركية تحمّل المسؤولية في حال انهيار المفاوضات لأي طرف يعوق مسيرة السلام». فأصبحت الورقة الأميركية بعد ذلك جزءاً من اتفاقية نيفاشا.

 وأخطر ما فيها تثبيت مبدأ الاستفتاء الذي حُدد له عام 2011م تزامناً مع استفتاء الجنوب. ومن الأمور الخطيرة في ورقة دانفورث كذلك عدم تحديد حدود منطقة أبيي التي يكون الاستفتاء حولها، وتُرك ذلك للجنة الخبراء التي كونت من (15) عضواً (5) من الحكومة، و(5) من الحركة، ورئيس اللجنة هو سفير أميركي سابق بالسودان واسمه (دونالد بيترسون)، ونائبه من جنوب أفريقيا وثلاثة أعضاء من دول الإيقاد.

رفعت اللجنة تقريرها. ومما جاء فيه أنها فشلت في ترسيم حدود أبيي وفق حدود 1956م، إلا أنها بالرغم من ذلك قامت بترسيم حدود جديدة تمتد شمال بحر العرب؛ وهو نهر محاذي لمنطقة أبيي من الناحية الجنوبية تمتد شماله حوالى (100) كلم. رفضت الحكومة هذا التقرير واعتبرته تغولاً على أراضي الشمال بينما أيدته الحركة الشعبية. وعلى إثر ذلك نشأت اشتباكات عنيفة بين المسيرية والدينكا في ديسمبر 2007م واشتدت في 13/5/2008م حيث قتل العشرات ونزح حوالى 50 ألف حتى وصفت أبيي من قبل الأمم المتحدة بأنها (مدينة أشباح). وعلى اثر ذلك وفي 8/6/2008م اتفقت الحكومة السودانية وحكومة الجنوب إلى إحالة النزاع حول حدود أبيي، وتقرير لجنة الخبراء إلى هيئة التحكيم الدولية بلاهاي، وقد استمعت هيئة التحكيم إلى الطرفين وشهودهم في الفترة من 18/4 إلى 23/4/2009م على أن تصدر حكمها خلال ثلاثة أشهر من هذا التاريخ حسبما أفادت التقارير.

خطورة المعالجات المطروحة، ومواقف القوى السياسية:

هذه هي جذور مشكلة أبيي وتطوراتها، ويظهر من خلالها مدى المكر والخبث لدى الكفار المستعمرين الذين لا تهمهم إلا مصالحهم، وكيف أن الإنجليز هم من بذر بذرتها، وأن الأميركيين بعد ذلك تلقفوها وساروا فيها بنفس الخطة التي رسمها الإنجليز مع الفارق في الأدوات (العملاء)، ولكن جميعهم متفقون على تفتيت السودان من أجل إضعافه ونهب ثرواته، وقبل ذلك كله سلخ السودان عن محيطه الإسلامي، وأن هذا الهدف مخطط له منذ أمد بعيد.

كما تظهر من خلال تطورات القضية عمالة الحكام وخيانتهم، وكيف أنهم لا تهمهم إلا مصالح أسيادهم مقابل أن يتركوهم في كراسي الحكم لأطول فترة ممكنة، ولقد رأينا كيف أن حكومة البشير رفضت رفضاً باتاً محاكمة البشير في لاهاي، ووصفوها بأنها كفر، وكيف أن نفس هذه الحكومة قبلت بأن ترفع قضية أبيي إلى محكمة الكفر في لاهاي بالرغم من أن الموضوع أخطر لأنه متعلق بمصير البلاد والعباد.

ويظهر من خلال تطورات هذه القضية مدى تفاهة الوسط السياسي في السودان العاجز عن قول كلمة الحق، واللاهث وراء كراسي الحكم، حيث لم يعترض أحد بشكل جريء على هذه المهازل باستثناء حزب التحرير.

إن رفع قضية ترسيم حدود منطقة أبيي إلى محكمة دولية يعني بكل وضوح أن السودان أصبح دولتين، وأن دولة الجنوب لم ينقصها إلا الإعلان، وهذه تعتبر سابقة خطيرة في تاريخ السودان تعجّل بتفتيته إلى دويلات هزيلة يسهل ابتلاعها، فإذا كانت الحكومة قد قبلت  أن تتحاكم في هذه القضية إلى هيئة التحكيم الدولية، فما الذي يمنعها أن تقبل بالتحاكم إلى هذه الهيئة في ما يتعلق بترسيم حدود جبال النوبة، والتي هي أيضاً محل شد وجذب الآن؟ وما الذي يمنعها أن تتحاكم إلى هذه الهيئة الدولية في ما يتعلق بحدود دارفور او شرق السودان أو النيل الأزرق وغير ذلك من مناطق السودان التي تشهد منازعات؛ والتي يتحدث بعض أبنائها الذين ارتموا في أحضان الغرب الكافر عن الحكم الذاتي وعن حق تقرير المصير؟

العلاج الصحيح لمشكلة أبيي:

إن المعالجة الحقيقية لمشكلة أبيي وقبلها مشكلة جنوب السودان أو دارفور أو غيرها لا يكون عبر اتفاق نيفاشا، أو مقررات القسيس (دانفورث)، أو هيئة التحكيم الدولية بلاهاي، وذلك لسبب واحد هو: إن الذين يطرحون هذه الحلول هم الذين أوجدوا المشاكل في السودان، كما بيّنا من خلال سرد جذور مشكلة أبيي وتطوراتها. فهل يمكن أن يكون الداء دواءً؟ إذن فما هو العلاج الصحيح؟

إن العلاج لا يكون إلا بالفكر السياسي الأصيل الذي منبعه الوحي من عند الله، وهذا غير موجود اليوم إلا في الإسلام الذي جاء به محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا نحتاج إلى كبير عناء لنبرهن على ما نقول، فإن الواقغ الذي كان عليه السكان في ابيي يبين كم هو الإسلام عظيم، وكيف أن غير المسلمين من الدينكا اندمجوا مع العرب المسلمين بفضل سماحة هذا الدين، إذ إن كثيراً منهم اعتنقوا الإسلام وتسموا باسماء المسلمين، وكيف أنهم رفضوا الانضمام إلى بحر الغزال وآثروا البقاء في الشمال بجانب المسلمين بالرغم من المحاولات المتكررة التي قام بها الإنجليز.

ثم إن الإسلام حينما يدخل بلداً؛ أي بلد، لا يدخله مستعمراً كما هو عند المبدأ الراسمالي، وهذا هو سر انتشار الإسلام ومقدرته على التأثير في الشعوب بأسرع وقت، ومن أحكام الإسلام التي قضت على بؤر النزاع والقتال بين الناس الأحكام التي نظمت تملك الأرض، وما فيها من ثروات في ظاهرها وباطنها. فالإسلام لا يملك الأرض للقبيلة، وهذا واضح في تحريم الحمى التي كان يفعله زعماء القبائل في زمن الجاهلية قبل الإسلام، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لاَ حِمَى إِلاَّ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ»، وجعل للدولة وحدها الحق بأن تحمي بعض المناطق للمصلحة العامة. وكما هو معلوم. فإن ادعاء كل قبيلة أنها الأحق بملكية الأرض هو من الأسباب الرئيسة التي تؤدي إلى النزاع والقتال بين القبائل، مما يفتح للطامعين والمستعمرين الباب للدخول إلى حلبة الصراع، وتأجيج نار الفتنة.

فهذه المعالجة الشرعية من الإسلام تسد هذا الباب نهائياً، ولا يملّك الإسلام عادي الأرض إلا لمن يصلحها وبصفته الفردية، وإن عطلها أكثر من ثلاث سنين تنزع منه وتعطى لمن يفلحها، وبهذه الكيفية أخرج الإسلام الناس من دائرة النزاعات إلى دائرة الإنتاج. والإسلام جعل الناس شركاء في مناطق الرعي وموارد المياه، قال عليه الصلاة والسلام: «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلاثٍ فِي اَلْكَلأ، وَالْمَاءِ، وَالنَّارِ» – رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «ثَلاَثٌ لاَ يُمْنَعْنَ الْمَاءُ وَالْكَلأ وَالنَّارُ».

ومن المعروف أن من بين الأسباب التي تؤدي إلى النزاع ومن ثم الاقتتال بين القبائل في أبيي وما حولها هي الصراع حول المراعي والمياه؛ التي تجف وتقل في فترة الصيف شمالاً فيتجه الرعاة جنوباً إلى بحر العرب فيوجد الاصطدام.

 والإسلام جعل البترول؛ الذي هو من ثروات باطن الأرض، جعله من الملكيات العامة التي ينتفع بها جميع الناس الذين هم رعايا للدولة، فهو وغيره من المعادن التي لا تنقطع، ولا يجوز في شرع الإسلام أن تختص بها جهة دون أخرى، فكان تخصيص نسبة من قبل الدولة وفق اتفاقية نيفاشا لأهل المنطقة التي يظهر فيها البترول الأثر في إذكاء نار الصراع والاقتتال بين  القبائل في أبيي وغيرها.

وهكذا فإننا إذا استعرضنا أحكام الإسلام جميعاً نجدها صادقة في معالجة المشاكل التي تعاني منها الأمم والشعوب اليوم، ولكنها تحتاج إلى حاكم مخلص يقوم بإنزالها في أرض الواقع عبر دولة الإسلام؛ دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، ويقطع دابر الكفار المستعمرين وأذنابهم الذين أوصلوا مشكلة أبيي وغيرها، في السودان وخارج السودان، إلى ما هي عليه اليوم، يقطع دابرهم في جميع بلاد المسلمين، وما ذلك على الله بعزيز.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *