العدد 287-288 -

العدد 287-288، السنة الخامسة والعشرون، ذو الحجة 1431هـ، محرم 1432هـ، الموافق تشرين الثاني وكانون الأول 2010م

الأمة تنتظر أهل النصرة لإقامة شرع ربها

الأمة تنتظر أهل النصرة لإقامة شرع ربها

 

سعيد (أبو عبد الرحمن) القدس

قال تعالى: (وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ ءَاوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [الأنفال 74].

بات العدوان على الإسلام والكيد لأهله من أبرز سمات الواقع المعاصر، ولهذا العدوان صور متعددة ومظاهر متنوعة ما بين احتلال للأرض كما هو في فلسطين وأفغانستان والعراق، وطعن في المقدسات كإهانة القرآن الكريم، ورمي للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالنقائص، وتفريق لكلمة المسلمين بإذكاء نار الفتنة الطائفية بينهم، وتقسيم أنظمة حكمهم الوضعية إلى محاور معتدلة ومتشددة… ألوان من العدوان والكيد لا يعلم مداها إلا الله سبحانه وتعالى.

وإن الحديث عن الأمة وأهل النصرة، أنما هو حديث عن الإسلام، حديث عن حق من حقوق الأخوة في الدين، وهو من المقتضيات العملية التي تبرز فيها (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات 10] وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «الْمُؤْمِنُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ إِنْ اشْتَكَى رَأْسُهُ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ». رواه مسلم، وفي رواية أخرى عند مسلم أيضاً: «الْمُسْلِمُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ إِنْ اشْتَكَى عَيْنُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ، وَإِنْ اشْتَكَى رَأْسُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ». فإن دلالة هذه النصوص تؤكد على وجوب التناصر بين المسلمين والمؤمنين على حد سواء، فأهل النصرة والأمة وأهل الدعوة لا بد أن تكون بينهم علائق ووشائج ترتقي إلى مستوى عظم القضية المصيرية الأولى، ألا وهي استئناف الحياة الإسلامية من خلال إعادة دولة الإسلام بحيث لا تكون أية دولة إسلامية، وإنما ما تركنا عليها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «خلافة على منهاج النبوة» فهي المحجة البيضاء التي يجب النظر إليها، وقصدها تعظيماً لشعائر الإسلام بإقامة الأحكام، وتطبيق شرع الله وحمل دعوة الإسلام إلى العالم حتى يكون الدين في الأرض كلها لله وحده، قال تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج 32].

وإن من شعائر الله الحكم بما أنزل الله سبحانه وتعالى، ولا يقول قائل إن هذه الآية متعلقة بأعمال الحج، بل العبرة «بعموم اللفظ لا بخصوص السبب»، حيث يرى المستعرض لآيات سورة الحج الدلالات الواضحات البينات، فكان حديثاً عن دفاع الله عز وجل عن الذين آمنوا، ثم تُتابع الحديث عن الإذن بالقتال للذين ظُلموا وأُخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله، وتحدثت الآيات أيضاً عن سنة التدافع في الأرض بين أهل الحق وأهل الباطل، وتحدثت عما نحن بصدد بيان أهميته ألا وهو أهل النصرة للدين من خلال منعتهم لأهل الدعوة، وتسليمهم الحكمَ تعظيماً لشعائر الله عز وجل بقوله: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) [الحج 40]. ثم بينت دور الذين مكن الله لهم في الأرض والذين يعملون عمل من سبقهم ممن سيمكن الله لهم تحقيقاً لوعده سبحانه وتعالى، وتصديقاً لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث أبرزت الآيات بشكل واضح بيِّن.

وإن من صور تعظيم شعائر الله المبرزة للمتقين المخلصين قوله تعالى: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحج 41].

ولسنا هنا بصدد الخوض في تفسير هذه الآيات، وإنما نبين الدور المتكامل الذي لا يمكن أن ينفصل فيه أهل عن أهل، أو فريق عن فريق، أي (ألأمة وأهل النصرة وأهل الدعوة).

ومن دلائل تعظيم شعائر الله من خلال العمل لإعادة الحكم بما أنزل الله ما نراه من أهل النصرة في بيعة العقبة الكبرى، حيث قال كعب بن مالك (رضي الله عنه) بعد أن تحدث العباس بن عبد المطلب وهو يومئذ على دين قومه، قال كعب: «فقلنا له: قد سمعنا ما قلت، فتكلم يا رسول الله، فخذ لنفسك وربك ما أحببت، فتكلم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فتلا القرآن ودعا إلى الله، ورغب في الإسلام ثم قال : أبايعكم على أن تمنعوني  مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم».

والشاهد «فخذ لنفسك وربك ما أحببت» فهذا عرض أهل النصرة والمنعة ماذا يقدمون لأهل الدعوة وحملتها:

أولاً: أهل الدعوة هم أهل سياسة أمور الناس، وهم القادة عليهم بكتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).

ثانياً: أهل النصرة يأتمرون بأمر أهل الدعوة، ولا يقومون بأمر إلا بعد الرجوع لأهل الدعوة وصاحب الصلاحية فيها.

ثالثاً: أن يتمتع أهل النصرة والمنعة بالقوة القادرة على حماية الدعوة والأمة والدولة.

رابعاً: يلجأ الحزب إلى أهل النصرة والمنعة طالباً منهم نصرة الفكرة التي يقوم عليها الحزب من خلال تسليمه الحكم وتحطيم الحواجز المادية التي تعترض استلام الحكم وتطبيق الإسلام.

خامساً: تحضير الأجواء الملائمة من التفاعل الإيجابي مع أفكار الدعوة التي توجد الثقة بحاملي الدعوة وأهلها، والثقة بصلاحية قيادتهم للأمة بسبب وعيهم وصدق لهجتهم وإخلاصهم، وبسبب جرأتهم وتضحياتهم في سبيل مبدأ أمتهم مبدأ الإسلام.

سادساً: ألاستعداد الكامل من قبل أهل النصرة والمنعة والقوة على التضحية والبذل والعطاء في شتى الميادين التي يأمرهم بها أهل الدعوة، تماما كما قال كعب بن مالك (رضي الله عنه): «فخذ لنفسك -وهو هنا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو اليوم ممثل في الحزب والكتلة العاملة لإعادة الخلافة- ولربك ما أحببت» وهو الدين في دولة وفي حكم وفي استئناف الحياة الإسلامية، لذلك كان جزاء الوفاء بهذا الأمر وهو نصرة دين الله عز وجل وتنفيذ أمره سبحانه وتعالى لا يعدله جزاء إلا الجنة.

فهذان جانبان، جانب أهل النصرة وجانب أهل الدعوة وحملتها، أما جانب الأمة فإن عليها دوراً كبيراً في احتضان أهل الدعوة، وأن يحدث التفاعل فيما بينهم من خلال حملهم لفكرة الإسلام وهي الفكرة التي يحملها الحزب العامل لاستئناف الحياة الإسلامية، وإعادة الخلافة على منهاج النبوة، حتى تصبح فكرتهم بعيداً عن العموم أو التعمية، واضحة من غير تغشية، أي أن يتمثل الإسلام في دولة وليست أية دولة، إنما خلافة على منهاج النبوة، وهذا يقتضي عدم الترقيع أو الإصلاح في الأنظمة القائمة، فما كانت دعوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالصدع بما أمر إلا لقلب النظام القائم، وأخذ الحكم بالإسلام كاملاً جملة واحدة غير منقوص، فلم يمارس التسويف من خلال طرح التدرج، أو الحلول الوسط بالمداهنة أو الروغان في الدين روغان الثعلب، فيأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه بدعوى المصلحة وتغير الحال والزمان.

لذلك لا بد من أن يعي أهل الدعوة وحملتها وعياً حقيقاً وتاماً، وهم يحملون الدعوة للأمة أن يكون حملهم للدعوة حملاً ناضجاً واضحاً، حتى يوجدوا في الأمة الرأي العام المنبثق عن وعي عام، فلا يجوز أن يكون هناك رأي في الأمة الإسلامية لغير الإسلام أو فكرته مهما كان هذا الرأي أو هذه الفكرة، بل يجب أن يكون إسلاماً خالصاً لا يخالطه شيء.

وحتى ندلل على هذا الأمر وهو إيجاد الرأي العام المنبثق عن وعي عام لدى الأمة من خلال حملة الدعوة، ما حدث مع مصعب الخير (رضي الله عنه) في المدينة بعد بيعة العقبة الأولى، حيث أوجد (رضي الله عنه) الرأي العام المنبثق عن الوعي العام، بحيث أحس المسلمون فيها أنهم أصبحوا مستعدين للتضحية بأرواحهم في سبيل حماية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا هو قدم إليهم، ليبين عن الله ما أمرهم به، أي ليحكم بالإسلام، ومما قالوه للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في العقبة الثانية: «يا رسول الله إننا براء من ذلك حتى تصل إلى ديارنا، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمتنا، نمنعك مما نمنع منه آباءنا ونساءنا» عندها أمر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) المسلمين في مكة بالهجرة إلى المدينة، وكان الذي أحدثه مصعب الخير وهو من حملة الدعوة وأهلها، أن قام بالتثقيف المركز والتثقيف الجماعي، وبناء الشخصيات الإسلامية المميزة، والقيادات المتميزة، ومارس الصراع الفكري والكفاح السياسي، وتبنى المصالح على أساس الإسلام، وهي ذات الأعمال التي قام بها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمون في مكة، وكان طلب النصرة محصوراً بشخص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنه رئيس الكتلة وصاحب الصلاحية فيها، ورب قائل يقول: إن كتلة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في مكة هي أمته وهم أهل دعوته، وأن أهل النصرة والمنعة هم (الأوس والخزرج) الأنصار في المدينة، فالتحم أهل الدعوة مع أهل النصرة فشكلوا الدولة وكانت الأمة الإسلامية.

إن هذا القول بهذا الوصف صحيح لأن تلك الفترة كان التشريع والتنزيل فيها غير مكتمل بعد، فيصح هذا القول، أما اليوم وبعد هدم الخلافة الإسلامية وغياب الحكم بالإسلام وتعطيل شرع الله سبحانه وتعالى رأينا أقساماً ثلاثة لا بد من اجتماعها والتحامها، حتى تكون النهضة والعمل للتغيير مجزئاً، فالمسلمون في الأرض كلها هم الأمة، وهم بحاجة إلى إنقاذ وإخراج، إنقاذ من حكم الطاغوت وإخراج لهم إلى عبادة رب العباد.

لذلك كان خطاب حملة الدعوة اليوم ليس موجهاً إلى كفار حتى يسلموا ويدخلوا في الإسلام، بل هو خطاب لمسلمين غابوا عن الإسلام وعاشوا بعيداً عنه ردحاً من الزمن تخلله التضليل والنفاق والمعاصي والآثام، وبرز الجهل من خلال اتخاذ الناس رؤوساً جهالاً سئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا، فكان لا بد من حمل الإسلام إليهم من قبيل أنه دعوة الخير وذلك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبجعل الحكم بما انزل الله قضيتهم، والإسلام طريق عزتهم، فمهما ابتغوا العزة في غيره أضلهم الله.

وهناك أهل الدعوة وحملتها، وهم من أبناء المسلمين، وهم من الطليعة، تميزوا بأن كانوا أثقلهم حملاً وأكثرهم وعياً وريادةً، فاضطلعوا بأعباء المسؤولية وحافظوا على ثغورهم، همهم مرضاة الله عز وجل، ومرضاة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأن يعود الإسلام في الحكم ورعاية شؤون الناس من خلال عودة مشاعر الولاء إلى قلوبهم، عودة حياتهم مترابطين متحابين مع كل مسلم على وجه الأرض، لا ينظرون إلى حدود مصطنعة أو رايات مفرقة، بل ينظرون إلى الإسلام الذي جمعهم بعد فرقتهم، وقواهم بعد ضعفهم، وقدمهم على أمم الأرض بعد أن كانوا متأخرين. وصدق فيهم ما رواه أبو مالك الأشعري عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين قال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اسْمَعُوا وَاعْقِلُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عِبَادًا لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ، يَغْبِطُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ عَلَى مَجَالِسِهِمْ وَقُرْبِهِمْ مِنْ اللَّهِ. فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَعْرَابِ مِنْ قَاصِيَةِ النَّاسِ وَأَلْوَى بِيَدِهِ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، نَاسٌ مِنْ النَّاسِ لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ، يَغْبِطُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ عَلَى مَجَالِسِهِمْ وَقُرْبِهِمْ مِنْ اللَّهِ! انْعَتْهُمْ لَنَا -يَعْنِي صِفْهُمْ لَنَا-، فَسُرَّ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) لِسُؤَالِ الْأَعْرَابِيِّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم): هُمْ نَاسٌ مِنْ أَفْنَاءِ النَّاسِ وَنَوَازِعِ الْقَبَائِلِ، لَمْ تَصِلْ بَيْنَهُمْ أَرْحَامٌ مُتَقَارِبَةٌ، تَحَابُّوا فِي اللَّهِ وَتَصَافَوْا، يَضَعُ اللَّهُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، فَيُجْلِسُهُمْ عَلَيْهَا، فَيَجْعَلُ وُجُوهَهُمْ نُورًا وَثِيَابَهُمْ نُورًا، يَفْزَعُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَفْزَعُونَ، وَهُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ الَّذِينَ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ» حديث حسن أخرجه أحمد.

هكذا هو الإسلام الذي بعث به محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، هو الإسلام الذي تركنا عليه (صلى الله عليه وآله وسلم)، هو الإيمان الحق، هو الرباط الذي ينعقد بين أهله من تلقاء نفسه، هو صلة الحب والتناصر بين شتات المؤمنين في المشرق والمغرب… بهذه العقيدة وهذا الفهم تستقدم الأنصار وتبرز معاني التعاضد والتلاحم والتناصر والتحاب، تماماً كما خرج الأنصار رضوان الله عليهم بالأمس من يثرب يقولون: «حَتَّى مَتَى نَذَرُ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) يُطْرَدُ فِي جِبَالِ مَكَّةَ وَيَخَافُ؟ فَدَخَلْنَا حَتَّى قَدِمْنَا عَلَيْهِ فِي الْمَوْسِمِ، فَوَاعَدْنَاهُ شِعْبَ الْعَقَبَةِ» رواه أحمد.

واليوم نرى أن أمة الإسلام تنتظر أهل النصرة والقوة والمنعة يخرجون من بينهم وهم يقولون قولة الأنصار بالأمس: (حتى متى يبقى الإسلام طريداً مغيباً عن الحكم بعيداً عن حياتنا؟ حتى متى يبيت المسلمون على خوف من عدوهم أن يتخطفهم؟ حتى متى نخاف الكافر المستعمر يحتل أرضنا وينتهك أعراضنا ويجتاح بيضتنا؟ متى يعود الإمام الذي يقاتل من ورائه ويتقى به؟ متى نحقق أمن الإسلام من خلال استئناف الحياة الإسلامية، التي تحقق لكل مسلم الأمن والإيمان والنصر والتمكين.

هذا ما ينتظره كل مسلم وعى على الإسلام وأدرك الأحكام وعرف الغاية والمنتهى، فكان الرأي العام المنبثق عن الوعي العام على أفكار الإسلام، أي بعد إيجاد القاعدة الشعبية للإسلام نتيجة الصراع الفكري والكفاح السياسي، حيث تصبح الأمة واعية على مبدأ الإسلام الذي هو مبدؤها، وتواقة إلى تطبيق أحكامه جميعها، حيث أن هذا الأمر ليس لها فيه أي اختيار، حيث يقول سبحانه وتعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا) [النساء 60]. وقوله: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [النساء 65]. وقوله سبحانه: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) [الأحزاب 36].

لذلك يجب على الأمة وأهل الدعوة وأهل النصرة أن تنعقد قلوبهم على أمر واحد من مستلزمات إيمانهم بالفكرة ألا وهو تطبيق الإسلام وتنفيذ أحكامه من خلال دولة ليست كأية دولة إنما خلافة على منهاج النبوة، وإنهاض الأمة وبناء المجتمع الإسلامي وحمل رسالة الإسلام إلى الناس كافة.

لذلك كان على أهل الدعوة وحملتها طلب النصرة من أهل القوة والمنعة في الأمة، وهو حكم من أحكام الطريقة الشرعية لاستئناف الحياة الإسلامية، وهو فرض واجب، وقرينة فرضيته استمرار الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في طلبها رغم ما تحمله من مشقة وأذى، فقد بدأ بطلبها في السنة الثامنة للبعثة، واستمر في طلبها حتى حصل عليها في السنة الثانية عشرة للبعثة، غير مكترث بالأذى الذي لقيه في الطائف، ولا بالصد الذي واجهته به  بعض القبائل.

قال ابن اسحق: «فلما أراد الله عز وجل إظهار دينه وإعزاز نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنجاز موعده له، خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الموسم الذي لقي فيه النفر من الأنصار، فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كل موسم، فبينما هو عند العقبة لقي رهطا من الخزرج أراد الله بهم خيراً».

لذلك كان إعطاء النصرة لإقامة الدولة فرض على الأمة أو على الفئة الأقوى فيها، ودليل ذلك القاعدة الشرعية «ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب» فإقامة الدولة واجب، وهذا الواجب لا يتم إلا بقوة الأمة أو بقوة أقوى فئة في الأمة لتحطيم الحواجز المادية التي تعترض إقامة الدولة، حيث قال الأنصار رضوان الله عليهم في بيعة العقبة الثانية: «إنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف» فكان هذا قرينة على وجوب نصرهم للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ليبين عن الله عز وجل ما أمره به ومنه الحكم بما أنزل الله.

وأمر الإسلام حاصل متحقق وهو آكد حيث وضعت الخلافة بعد النبوة لحراسة الدين وسياسة الدنيا، وعقدها لمن يقوم بها في الأمة واجب، كيف لا ورسولنا (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ تَكْثُرُ، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: فُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ، وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ» رواه مسلم.

وما السعي في الأمة لأمر الخلافة على منهاج النبوة إلا سعي للفرض ثم الخلاص من الميتة الجاهلية المتحققة بعدم براءة النفس والرقبة من بيعة الإمام الخليفة الذي لا يكون إلا بتنصيبه فعلاً، وقد أرشدنا (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المخرج من كل ما نحن فيه، حيث إن أهل النصرة والقوة مع الأمة هم السلطان الذي يقام به الإمام الذي ينفذ أحكام الشرع. فقد أخرج مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) أنه قال: «… نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم): الصَّلَاةَ جَامِعَةً، فَاجْتَمَعْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) فَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا، وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلَاءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ مُهْلِكَتِي، ثُمَّ تَنْكَشِفُ، وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ هَذِهِ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنْ النَّارِ وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ، وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنْ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ».

فمن أحب أن يُزحزح عن النار ويُدخل الجنة، فلا بد له من إيمان صادق بالله عز وجل، وإيمان باليوم الآخر، وليحب للمسلمين ما يحب لنفسه، وأن يحرص على بيعة الإمام وطاعته ما دام مطيعاً لله سبحانه وتعالى.

فهذا حال أمة الإسلام لا يخفى على أحد، طاعة للحكم بغير ما أنزل الله، محارم الله تنتهك جهاراً نهاراً، لا حياء من الله ولا من عباد الله، ولا حجة للأمة أمام الله عز وجل وهو يسألها عن عيشها هذا، وعن حياتها، وكيف ترتضي هجر قرآنها وتعطيل شرع ربها وسنة نبيها (صلى الله عليه وآله وسلم)، أم أنها مغلوب عليها مقهورة لا حول ولا قوة لها، وهذا هو الراجح في ظل حكام الضرار والعار والشنار. لذلك كان لزاماً عليها أن تتفاعل مع أهل النصرة وأهل الدعوة حتى تخرج مما هي فيه من إثم الجاهلية، وإثم الحكم بغير ما أنزل الله. قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» رواه مسلم.

قال تعالى: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) [محمد 38]. هذا خير الدنيا والآخرة، لمثل هذا فليعمل العاملون، لذلك قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «… الْأَنْصَارُ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ، وَلَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَشِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الْأَنْصَارِ وَشِعْبَهُمْ…» (رواه مسلم).

 وقال أيضاً: «إِنَّ الْأَنْصَارَ كَرِشِي وَعَيْبَتِي» رواه مسلم أي جماعته وخاصته، فانظروا هذه المكانة، وهي لكل من عمل على إعادة الإسلام كما بدأ وعلى ما تركه (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد النبوة؛ خلافة على منهاج النبوة، ثم يكون النقص في الملك العاض والجبري ثم يعود خيره خلافة على منهاج النبوة.

اللهم اجمع بين أمة الإسلام وأهل دعوتها وأهل قوتها على ما تحب وترضى خلافة راشدة على منهاج النبوة يرضى عنها ساكن السماء وساكن الأرض اللهم آمين.

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *