العدد الثاني -

السنة الأولى، العدد الثاني، ذو القعدة 1307 هـ، الموافق تموز 1987م

(إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)

أيها الشباب…

اسمعوا قوله تعالى:(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) صدق الله العظيم.

ما لنا ترى شباب الإسلام في هذه الأيام لاهثين وراء الحياة الدنيا لا يتقيدون بشرع الله إلاّ بما لائم أهواءهم وخدم مصالحهم الذاتية وما لنا نراهم ينغمسون في المعاصي دون أي وازع ديني يردعهم عن الوقوع في الإثم والمعصية. وما لنا نرى حملة الدعوة ساكتين عن الحق عاجزين عن الرد على أفكار الكفر المطروحة مُبرِّرين عجزهم بمبررات واهية لا تقبلها حتى عقولهم، وما لنا نراهم يرددِّون أفكار الغرب وثقافته كالإمَّعَةِ، بدل أن ينقضوها ويحاربوها ويغيِّروا عليها.

أمام هذا الواقع الأليم الذي يعيشه الشباب المسلم نُوَجِّه إليهم كلمة الحق علّنا نهتدي إلى الصحيح من القول والعمل، مبتغين من وراء ذلك مرضاة رب العالمين والفوز بالجنة إن شاء الله. ومن الأمور التي سيطرت على عقول شبابنا المسلم نذكر منها:

أولاً: مما يحز في النفس أن نرى الشباب المسلم في الجامعات يقعون في الإثم وهم يدركون ذلك تمام الإدراك. فهم يدركون أن الاختلاط والاختلاء بالأجنبية حرامٌ شرعاً ومع ذلك نرى الكثير منهم يرتكبون الحرام أَيَّما ارتكاب. ألم يسمعوا قول رسول الله : «لا يَخْلُوَنَّ رجل بامرأةٍ إلا مع ذي محرم» وقوله: «لأَعْلَمَنَّ أقواماً من أمّتي يأتون يوم القيامة بحسناتٍ أمثال جبال تُهامة بيضاً فيجعلها الله عز وجل هباءً منثوراً» قال ثوبان: يا رسول الله! صِفْهُم لنا جَلِّهِمْ لنا أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم. قال: «أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل ما تأخذون ولكنهم أقوامٌ، إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها».

فَلْنَحْذَرْ إخوة الإسلام من مغبَّة الوقوع في الإثم والمعصية.

ثانياً: ومما نجده في الكثير من شبابنا المسلم ومن حملة الدعوة على وجه الخصوص سكوتهم عن الباطل وعدم تصديهم لأفكار الكفر المطروحة سواءٌ على صعيد الجامعة أم على صعيد العالم الإسلامي ككل، إما لعجزهم عن الردّ على هذه الأفكار أو خوفاً من الجهر بالحق.

أما إذا كان سبب عدم الرد يعود لعجزهم فهذا ناتجٌ عن تقصير في دراسة كيفية الرد على هذه الأفكار ودراسة نقاط ضعفها وأوجه مناقضتها للإسلام. فنجد بعض الشباب المسلم يعمل على تدارس المواد التي تُدرّس في الجامعات ليلاً – نهاراً ولا يتفرغ لدراسة أو لقراءة ثقافته الإسلامية ولو لساعةٍ من نهار. فكيف له أن يَرُدّ على أفكار الكفر وهو لا يكنه أوجه مناقضتها للإسلام، ولا يعلم أنها أفكار كفر إلا لأنه سَمِعَ أنها كذلك. فهذه نقطة ضَعْفٍ في شبابنا المسلم عليهم تداركها والعمل على إزالتها من خلال الاطلاع على الإسلام، وتعلم كيفية الرد على أفكار الكفر وأوجه مناقضتها للواقع وللإسلام في آنٍ معاً. فعلينا إخوة الإسلام أن نثقف أنفسنا وأن لا يكون همنا إلا الدعوة والدعوة فقط، فاسمعوا قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث القدسي حين قال: «إن الله تعالى يقول: يا ابن أَدَمَ تفرَّغ لِعِبادَتي أَملأَ صَدْرَكَ غِنَى، وأسدُّ فَقْرَكَ، وإلاّ تَفْعَلَ مَلأتُ يَدَيْكَ شُغْلاً ولم أسدُّ فقرك». واسمعوا قوله تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ)».

أما إذا كان خوفاً من الجهر بالحق فهذه إحدى مصائب المسلمين التي استشرت بينهم، وحلّها ليس بالسهولة التي يتصورها البعض، فهذه ويا للأسف عائدةٌ لضعفٍ في الإيمان لا غير. ومن هنا أحب أن أسأل الخائفين من الجهر بالحق ألم يسمعوا كيف وعد الله الناهي عن المنكر، الآمر بالمعروف الدّاعي إلى الخير بالفلاح يوم القيامة: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) أو لم يسمعوا قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله عاملاً بعباد الله بالإثم والعدوان ولم يُغير عليه بقولٍ أو فعل كان على الله أن يُدْخله مَدْخَله»، وقوله: «سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله». إذاً ممَ الخوف أمِنْ جَنَّة عرضها السموات والأرض؟! أم من تبوؤ منزلة سيّد الشهداء يوم القيامة؟! فالجهر بالحق أيها الأخوة يتطلب منكم أن تكونوا مع الله، واثقين بالله، لعل الله يوفقكم وينجز النصر على أيديكم. عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما – عن النبي قال: «المؤمن الذي يخالِطُ الناس ويصبر على أذاهم خَيرٌ من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم».

ثالثاً: من الأمور التي ظهرت بين الشباب المسلم أخيراً، هو استغابة بعضهم البعض وذلك لاتباعهم فئات إسلامية متغايرة. إننا نقول لهؤلاء الشباب اسمعوا قوله تعالى: (وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ). فالغيبة هي من أسوأ الأمور التي ظهرت بين الشباب المسلم وهي ناتجة عن ضعف الشاب فكرياً وانحطاطه إلى مستوى الجهّال من الناس، فبدل أن يواجه أخاه المسلم لتصحيح أخطائه نجده يستغيبه ويستهزيء به في ظهر الغيب.

على شبابنا المسلم أن يدركوا أن من يتبع فئةً إسلامية يجب أن يكون واضحاً في نيته أنه لم يتبعها إلا لأنها تتبع الإسلام بحيث إذا ظهر له دليلٌ شرعي ينقض ما تقول به الفئة التي يعمل معها وجب عليه أن يترك هذه الفئة أو أن يترك هذه المسألة على الأقل فإن لم يفعل فإنه يكون في الحقيقة تابعاً لأشخاص ولأهواء وليس للإسلام. فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول: «ليس منّا من دعا إلى عصبية». ويقول: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما». فالعصبية للأشخاص والأحزاب ليست من الإسلام في شيء بل طلب مرضاة رب العالمين والبحث عن الحق هو سبيل النجاة فالولاء يجب أن يكون دائماً لله ولرسوله وللمؤمنين. فليس لحزب أو لحركة على حركة فضل إلا بمقدار تقيدها بالعقيدة الإسلامية، وما ينبثق عنها من أفكارٍ وأحكامٍ شرعية.

وعلى ذلك فإن علاقات شباب الأحزاب والحركات الإسلامية القائمة بعضها مع بعض، يجب أن تكون علاقة أخوّة وعلاقة وُدٍّ، ويجب أَن يبعد عنها كل ما يبدو عداء، أو تحدياً أو تحقيراً أو استفزازاً، أو سخريةً، أو استهزاءً، كما ويجب الحرص على حصر النقاش بينهم في الأفكار والمواقف والأحكام الشرعية، استناداً إلى الإسلام، مع تجسيد علاقة الود في حضور متبادل، في الأعياد، وفي الأفراح والأتراح، والدعوات والتجمعات والمحاضرات وغيرها. كما ويجب الحرص على استقامة الحركات على طريقة الإسلام وأحكامه وأفكاره. وهذا لا يكون بالاستغابة والتنافر بل بتسديد الطريق والنقاش الفكري البنّاء للوصول إلى مبتغانا وهو مرضاة رب العالمين والفوز بالجنة إن شاء الله.

أَيها الشباب، إننا إذ نذكر هذه العيوب في شبابنا المسلم لا نعرضها ونطرحها لمجرد العرض بل لِيَعُوا هذه الأخطاء ويصححوها في أنفسهم، فإلى التقوى والوعي على الإسلام والعيش في ظله ندعوكم.

(وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).

أسرة (الوعي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *