العدد 169 -

السنة الخامسة عشرة صفر 1422هـ – أيار 2001م

التطبيع فرع لأصل، فاقطعوا الأصل

          في استفتاء قامت به قناة الجزيرة تبين أن حوالي 95% من المشاركين قالوا للتطبيع مع يهود وكيانهم “لا”، وكان عدد المشاركين يناهز الثلاثين ألفاً.

          مع هذا الرفض الكاسح فالتطبيع ماضٍ، وعليه فإنه لن ينفع قطعاً أن يقاوم بفتوى من علماء المسلمين، ولن يتوقف ببيان من لجنة هنا ونقابة هناك، ذلك أن هذه الفتاوى والبيانات لا تؤثر على صاحب القرار، سواء أكان من الحكام أم من أسيادهم، فالحكام وأسيادهم لم يعودوا يقيمون وزناً لمثل هذه الفتاوى والبيانات، بل لا يقيمون وزناً للأمة بعد أن وجدوا فيها من ينفذ مؤامراتهم المفضوحة والأمة ساكتة وبعضها يرقص للخونة، وتُنْهبُ خيراتُها وهي لا تفكر بالتغيير جدياً، بل ساقوا جيوشها لضرب العراق حيناً ولحفظ أمن إسرائيل حيناً آخر والأمة تفكر بتشكيل لوبي يؤثر على الكونغرس أو بمقاطعة الكولا. فإن قيل إن المقصود بنسبة الرفض هذه هي الأمة، فهي تحصيل حاصل، وهذه النسبة ربما كانت في حقيقتها أعلى من 95% لأنني أفترض مشاركة عدد من النصارى واليهود والمنافقين الناطقين بالعربية، فما عسى تفعل البيانات والفتاوى والمقالات في قوم يرفضون التطبيع أصلاً، إن هذا الفعل أشبه بما يفعله حامل الدعوة الذي يقف بعد صلاة جماعة في المسجد فيطلب من المصلين أن يحافظوا على صلاتهم في جماعة.

          إن هذه النسبة الكاسحة ليست بحاجة إلى إقناعها بأن تقول للتطبيع لا، بل هي بحاجة ماسة لأن تفهم ما يلي:

          أولاً: إن التطبيع فرع لأصل، والفرع يموت تلقائياً إذا قطع الأصل وهو كيان اليهود الغاصب لفلسطين وكل المعاهدات التي عقدها الحكام العملاء معه.

          ثانياً: أن ترفض الأمة التطبيع لأنه حرام لا لأنه يجلب مصلحة أو يدرأ مفسدة في مثل وضع كيان يهود، بل لأنه يعني اعترافاً بهذا الكيان الغاصب، والاعتراف به حرام. وكل معاهدة تعترف به باطلة، وكل صلح معه باطل، وكل ما يبنى على الصلح باطل، وكل انتفاع بهذا الصلح الباطل باطل، لأن الإجماع قائم على تحريم الانتفاع من العقد الباطل، وأعني بالإجماع إجماع الصحابة على تحريم الانتفاع من العقد الباطل على المشركات، ويقاس عليه كل عقد باطل. والاعتراف صلح دائم، لا يجيزه مسلم على الإطلاق، والصلح الذي وقعه حكام مصر دائم وكذلك صلح حكام الأردن، وما ينوي أن يوقعه المفاوضون الفلسطينيون بتفويض من مؤتمر القمة العربي الذي اعتبر المنظمة ممثلاً شرعياً ووحيداً، وما ينوي أن يفعله كل حكام المسلمين عندما تتاح لهم الفرصة أو يأمرهم أسيادهم الكفار، كله صلح باطل.

          ثالثاً: إن وقف التطبيع لا يكون بفتوى ولا بيان ولا مظاهرة ولا احتجاج ولا محاضرة ولا بنشر أسماء المطبعين، وإن كان في كل ذلك خير لكنه لا يوقف التطبيع بل هو، أي وقف التطبيع، بحاجة إلى قرار من صاحب قرار قادر على تنفيذه، ولما كان صاحب مثل هذا القرار معدوماً في الأمة لأن كل حكامها يتفلتون ويتسابقون على خطب ود كيان يهود، كان واجباً على كل مسلم أن يكون جاداً في العمل على إيجاد صاحب هذا القرار، وأنا على يقين أنه لن يكون إلا خليفة المسلمين، لأن كل ما نراه من إسراع أو إبطاء ليس بتأثير من الأمة، ورضاها أو عدمه، بل هو ناتج عن اختلاف أعدائها صناع القرار الذي ينفذه عملاؤهم.

          فعلى كل مسلم أن لا يكتفي برفض التطبيع مع أنه موقف يؤجر عليه إن شاء الله إن كان رفضه لله، أي التزاماً بالحكم الشرعي فقط، بل عليه أن يعمل جاداً لنصب الخليفة مع العاملين بالطريق الشرعي لإيجاد دولة الخلافة واستئناف الحياة الإسلامية، وعندها فقط يوقف التطبيع ويخرس المطبع (بكسر الباء)، ويهدم الكيان الذي يراد التطبيع معه.

          بهذا وحده يوقف التطبيع، وبه وحده تستردون فيئكم، وبه وحده تستعيدون سلطانكم المغصوب، وبه وحده تكونون جماعة، وبه وحده ترجع مهابتكم في قلوب أعدائكم، وبه وحده تتخلصون من الرويبضات والصبيان، وبه وحده يظهر العدل ويذهب الجور، وبه وحده تحفظ الحرمات، وبه وحده يظهر الإسلام على الدين كله، وبه وحده تتخلصون من كونكم غثاء، لا وزن لكم في الموقف الدولي، إلى اقتعاد مركز القيادة بين الأمم، تخلصون البشرية من جشع وظلم وظلام الرأسمالية، وتقودونها بنور الإسلام وعدله بعز عزيز أو بذل ذليل .

نازع بن قزعة القحطاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *