العدد 309 -

العدد 309 – السنة السابعة والعشرون، شوال 1433هـ، الموافق أيلول 2012م

عصابات مسلحة أم ثورة حقيقية تجتاح بشار ونظامه طولاً وعرضاً؟

عصابات مسلحة أم ثورة حقيقية

تجتاح بشار ونظامه طولاً وعرضاً؟

 

المهندس هشام البابا

رئيـــــــس المكتب الإعلامي لحزب التحرير ولاية سوريا

قامت ثورة عارمة في ليبيا فخرج عدو الله القذافي على الشعب مهدداً إياه بالقتل والدمار وبتحويل ليبيا للبوار، واتهم الثائرين عليه بالسلفية الجهادية تارة وبالهلوسة وتعاطي المخدرات تارة أخرى، فهب بشار الأسد لنجدة أخيه القذافي (لا نجدة الشعب طبعاً) بإرسال سفن مدنية مليئة بالمعدات العسكرية، ثم بإرسال طيارين وخبراء لمساعدته في قمع الثورة، وفتح له سوريا على مصراعيها، فكانت الإذاعة الوحيدة التي بقيت تتحدث باسمه بعد سقوطه هي الإذاعة السورية، وكان الإعلام الوحيد الذي لم يعترف بموت القذافي إلا بعد أشهر طويلة هو النظام السوري. وخفف الله تعالى عن أهلنا في ليبيا باندلاع ثورة الشام بعد حوالى الشهر من انطلاقة ثورتهم، فأشغل الله تعالى بشار بنفسه وتراجع مرغماً عن مساعدة القذافي وكذلك علي عبدالله صالح في اليمن إذ أنشأ عصاباته المسلحة التي ظهرت فجأة في ذهن وخيال المعتوهين في القيادة السورية وعلى رأسهم رئيس العصابة الحاكمة، ثم ظهرت بأبشع صور الإجرام على الأرض منذ أول وجودها، واستمرت هذه (العصابات المسلحة) تحيّر العالم، فتارة تخرج من بين ثنايا التظاهرات الهاتفة بسقوط بشار ونظامه فتقتل المتظاهرين، وتارة تترصد تظاهرات أخرى تلعن روح حافظ الأسد فتقنصهم وترديهم صرعى، وتارة أخرى تقصف درعا وحمص وإدلب بمدافع هاون ومدافع الدبابات! والأغرب من ذلك أن الجيش النظامي صار ضحية لأعمال هذه (العصابات الوحشية) فصار منطق  العصابات يتحكم بكل شيء في الدولة،  وصار هو المتحكِّم الأول في ذهنية رئيس الدولة الذي تحوَّل إلى رئيس عصابة!

فلو تمشيت في دمشق، في منطقة ساحة العباسيين لوجدت في بداية الثورة حافلات كبيرة تتمركز في الساحة وحولها مليئة برجال يحملون عصياً غريبة الأشكال، رؤوسها كرؤوس الشياطين، ينزلون بها للشوارع ينكزون بها كل من يريدون؛ فإما أن يتأذى أو يُغمى عليه أو يسقط صريعاً. ولو ذهبت لأداء الصلاة في المسجد الأقرب لساحة العباسيين وهو مسجد الحمزة والعباس لوجدت مايشبه الثكنة العسكرية مقيمة هناك من العصابات المسلحة التي معها صلاحية الفتك بالجيش وبالمتظاهرين معاً. مما يدل بداهةً على أن «الجيش والشعب يد واحدة»! ثم إن رفعت رأسك لرؤية أسطح أبنية الأمن ودوائر الدولة ومؤسساتها الرسمية ستكتشف أن هذه العصابات المسلحة قد تمركزت هناك في الأعلى ومع كل فرد منها أسلحة قنص يجلس استعداداً لأمر ما! ومايكمل هذا المشهد الذي نراه بأعيننا أنه في كل فترة زمنية كانت تأتي دوريات رسمية من الدولة تحمل وجبات طعام توزعها على هذه العصابات المسلحة، فيأكلون ويشربون في الحافلات وفي الساحة وعلى أعلى الأبنية وأمام أعين الناس.

ثم يأتي أمثال شريف شحادة وأحمد صوان وغيرهما من نبِّيحة هذه العصابة ممن يرون عكس هذا المشهد ليأخذوا دورهم المرسوم لهم في قلب الحقائق والتعمية على الناس. فالمفارقات كبيرة والزاوية التي بدأت منفرجة بمسافة قليلة اتسعت حتى بَعُد مستقيمَيْها وازدادا بعداً كما بين السماء والأرض؛ ذلك أن هذه العصابات المسلحة لم تجد لها طريقاً لعقول أحد من العقلاء، ومع ذلك استمرت في إجرامها وكذبها وإصرارها على الكذب متهمة الجميع بعدم تصديق كذبها.

خطر في ذهني مثال حي يقرب هذا الأمر، وهو ما انتشر في الدول الغربية من خدمات مما سمي بالدوائر الحكومية الافتراضية، حيث يدخل المواطن لدائرة يريد قضاء أمر فيها، عبر الإنترنت، فيكتب الطلب الذي يريده ويمهره بتوقيعه الإلكتروني، ثم يضع عليه رسوماً معينة من خلال بطاقته البنكية، ثم يسلمه للموظف الافتراضي أي يرسله إلكترونياً، ثم بعد لحظات يأتيه الرد إن كان ناقصاً أو مقبولاً، ثم تُنجز معاملته وتُقضى حاجته، فيقول إنه ذهب –افتراضياً- للجهة الرسمية الفلانية وأنجز أمره وعاد، مع أنه لم يبرح مكانه.

ربما في هذا المثال تقريب لحقيقة مايدور في ذهن أو خيال رأس النظام بشار أو رأس الأفعى التي مافتئت تلدغ نفسها وهي تظن أنها تلدغ غيرها من شدة حيرتها وخوفها ورعبها، حيث أراد هذا السفاح إنزال الواقع الافتراضي على الواقع الملموس من خلال أكذوبة «العصابات المسلحة» فألبس الأمر الواقعي لباساً افتراضياً ثم علِق به ولم يعد يستطع أن يغادره أبداً. وهذا ليس بعيداً عنه فقد تحدث من عرفه عن قرب عن هوسه بألعاب الكمبيوتر وشغفه بخيالات أضفت عليه صفة الجنون، ولعل ما تسرب عن صدمة تعرض لها في طفولته على الرأس كادت تودي بحياته، ما يبين أن آثارها باقية يكتوي بها أهل سوريا الآن.

إن هذا من سنن الكون ومن طبيعة الجبابرة، فكل جبار له صولة أو صولات قبل أن يقصمه الله تعالى، فقوم لوط استباحوا كل شيء حتى لم يجد سيدنا لوط ملجأً إلا إلى الله فيقول: (قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80)) فصبر على أذاهم وهم كثرة وقوة بينما هو في قلة قليلة ضعيفة حتى نصره الله لما أراد تعالى أن ينصره. أما سيدنا موسى فكانت بينه وبين فرعون زمانه جولات، حتى ناجى ربه قائلاً: (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ) نعم هذه هي سنن الكون، طاغية بيده الجاه والمال والقوة ليضل بها عن سبيل الله، وعلى الجهة المقابلة شعب مؤمن صابر محتسب يُمتحن في إيمانه وينتظر النصر من الله.

ومن الجدير بالذكر في هذا السياق أنه لما ضاق موسى بفرعون ودعا عليه بقوله: (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (88) ) فاستجاب الله له بقوله عز وجل: (قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (89)).

هذا ما التزمت به الثورة السورية اليوم واستقامت عليه، فتحولت خلال مسيرتها من استجداء للتدخل الأجنبي إلى استقواء بدول عميلة إلى طلب المساعدة من حكام الخليج الذين خذلوها إلى الارتقاء والسمو والشموخ والتطلع لرب الكون ومخاطبته وحده بإخلاص: «ياالله… ياالله مالنا غيرك… ياالله»، اللهم يانور السموات والأرض، يامالك الملك، ياذا الجلال والإكرام، معذرة إليك أن بيننا من طلب العون من غيرك فلا تعاقبنا بتأخير الفرج… اللهم عجل فرجك لنا، ونعاهدك أن نقيم حكمك وحكم رسولك… ونعيد دولة الخلافة، التي أسقطتها دول الكفر ذاتها التي طُلب منها المساعدة، فساعدت الطاغوت على قتلنا ومازالت،ونعدك يا الله أن تكون خلافة راشدة على منهاج النبوة.

وبعد سنة ونصف من قوافل النور والكرامة، الذين نسأل الله تعالى أن يتقبلهم شهداء لهم مكانتهم التي أكرمهم الله تعالى بها بقوله: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171))

هؤلاء الشهداء الذين يريدون أن يستبشروا بثبات من تركوهم على الأرض من أجل أن يتابعوا السير للوصول للهدف الذي ماتوا دونه، كي يتم الله تعالى عليهم نعمته، فهؤلاء(الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) رغم مصابهم، من قتل وذبح وتدمير، و(مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ) لم ينتكسوا لمجلس أمن ولا لبيت أبيض ولا لاتحاد أوروبي، ولا لحكومة مؤقتة ولا لمرحلة انتقالية، بل ثبتوا حتى أقاموا شرع الله على الأرض، فبايعوا خليفة للمسلمين يحكم بما أنزل الله، فهؤلاء ذكرهم تعالى بأنه  (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ)

هنيئاً لكم يا أهل الشام هذه الحظوة التي أكرمكم الله بها، هنيئاً لكم شرف الدنيا والآخرة، إنها درجة عالية لم يصل إليها إلا ثلة الخير من الناس كأصحاب الأخدود والغلام المؤمن وآل ياسر. ومازالت هذه الثورة تنتقل من عليٍّ إلى أعلى حتى تنفث كل خبثها إلى خارجها بإذن الله فتعود لامعة براقة كالذهب الخالص، حينها سيرى العالم أجمع أن هذه الثورة حقيقية رغم الأفّاك الكذَّاب الأشر بشار رئيس العصابة المسلحة المجنون، صاحب فكرة العصابات المسلحة الذي قاد البلاد والعباد إلى الخراب، وسينتهي وينتهي معه كل الإفك والإجرام وستقطع رؤوس الأفاعي وأذنابها إيذاناً بإشراقة شمس الإسلام على العالم أجمع، بإذن الله تعالى. قال تعالى (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ…. )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *