العدد 167 -

السنة الخامسة عشرة ذو الحجة 1421هـ – آذار 2000م

كلمة الوعي: الخلافةَ … الخلافةَ، أعيدوها أيها المسلمون

          في 3 آذار سنة 1924م، هدمت الخلافة الإسلامية على يد اليهودي المتمسلم مصطفى كمال، عميل الإنكليز وصنيعتهم، وحلت الطامة الكبرى على المسلمين، وفتح باب المصائب والبلايا عليهم من كل جانب، وسيم المسلمون العذاب في مختلف البلاد التي تقاسمتهم واستضعفتهم وأعملت المجازر والتشريد بهم… وبعد هدم الخلافة جزئت دولة المسلمين وتحطمت وحدتهم وذهبت قوتهم، وأصبحوا مطمع كل لئيم، وغاض حكم الله عن الأرض، وغاب العدل والخير وانحسر المعروف وفي المقابل ساد الكفر وانتشر الظلم والشر والمنكر… ذلك أن سقوط الخلافة يعني انفلات الحزام الذي يجمع المسلمين في شتى أقطار العالم، وانهيار الكيان السياسي الذي يوحد المسلمين جميعهم ـ وهم اليوم ربع سكان الكرة الأرضية تقريباً ـ تحت راية واحدة، مع ما يلحق ذلك من انحسار للحق وانتشار للباطل.

          وإننا نجد ارتباطاً واضحاً بين هدم الخلافة الإسلامية وبين ضياع فلسطين، وقيام كيان يهود عليها. فدولة المسخ هذه لم تكن لتوجد لو كانت الخلافة قائمة، وكلنا يعرف موقف الخلافة الإسلامية زمن العثمانيين، وهي في أشد حالاتها ضعفاً، وكلنا يذكر قولة السلطان عبد الحميد الثاني عن فلسطين عندما ردّ الوفد اليهودي الذي جاء يفاوضه من أجل بيع فلسطين لهم فقال: «إني لا أستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من أرض فلسطين. فهي ليست ملك يميني… بل ملك الأمة الإسلامية… وإذا مزقت دولة الخلافة يوماً فإنهم يستطيعون آنذاك أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن» وهذا فعلاً ما حدث ففلسطين ضاعت بعد هدم الخلافة ولن يعيدها من جديد إلا دولة الخلافة وأن يهود لن يقاتلهم ويقتلهم إلا مسلمون، عباد لله، يحقق الله سبحانه فيهم ما تأذّن به من أنه سيرسل عليهم من يسومهم سوء العذاب، وأنه لن يحجبهم من المسلمين حجر ولا شجر.

          إن الغرب الكافر هو الذي هدم الخلافة وليس يهود، فيهود أضعف من أن يتمكنوا من فعل ذلك بأنفسهم، ولكن حقد اليهود على المسلمين وكيدهم ومكرهم وقبولهم بأن يكونوا رأس حربة لهذا الغرب الكافر، ورضاهم بأن يكونوا جزءاً من خطته في ضرب المسلمين وإسقاط دولتهم هو الذي جعل اليهود والنصارى (بعضهم أولياء بعض)… فالغرب الكافر هو الذي مكّن لليهود، وكان حبله هو الذي يمدهم بالحياة والقوة والاستمرار.

          إن الغرب الرأسمالي المستعمر الكافر إنما لعب لعبته وضرب ضربته لأنه يعلم أنه لن تقوم له قائمة إذا لم يقضِ على الخلافة. وبما أن الغرب صاحب مصلحة مستمرة في بلادنا، ولأن بلاد المسلمين تنعم بخيرات وفيرة وكنوز دفينة وثروات هائلة كانت مصلحته تقضي بأن لا تقوم للإسلام خلافته. ولأن المبدأ الإسلامي مبدأ عالمي بعقيدته وأنظمته فإنه يشكل في نظر الغرب خطراً حضارياً عليه وتهديداً حقيقياً له، لذلك وحفاظاً على مبدئه وحضارته كان حريصاً على هدم الخلافة… لذلك عمل الغرب، وما زال يعمل بالوسائل والأساليب نفسها، وإن اختلفت بعض التفاصيل.

          إن الأدوات التي استخدمها الغرب لضرب الإسلام وهدم خلافته ما زالت تعمل، والأساليب التي اتبعها ما زالت تتَّبع، ولكن تغيّرت الوجوه وتقدم الخطاب وتطور الكيد. وبما أن المسلمين بدأوا يثوبون إلى دينهم ويصحون على واقعهم… فقد أصبحت هذه الأدوات والأساليب غير فاعلة، وغير مؤثرة، وأصبحت معزولة، وأصبح وضعها شبيهاً بوضع الأنظمة المهترئة وصارت بانتظار السقوط، وسقوطها مرهون بإقامة الخلافة الإسلامية لأن تلك الأنظمة قائمة بقوة غير ذاتية، ولا تتمتع بتأييد شعبي بل مفروضة فرضاً من الغرب الذي يمسك بزمام الأمور. نعم، لقد بدأت الأمور تتبدل، فلم تعد القومية ولا الوطنية، ولا الديمقراطية ولا طريقة العيش الغربية تستهوي المسلمين بالرغم من كل وسائل الإعلام والفضائيات التي يسخرونها لمصلحتهم، ولم تعد الأحزاب والجمعيات، ولا من يسمون أنفسهم بالمثقفين يحظون بأية شعبية بل صارت معزولة عن الأمة منكفئة، تنعق كالبوم للخراب، ولم تعد فتاوى علماء السلاطين، تنطلي على المسلمين كما كانت من قبل. وصارت وحدة المسلمين مطلبهم، وعودة الحياة الإسلامية مسعاهم، وصار الحكام لعنة كل لسان لأنهم سبب استمرار الفساد والظلم وكل بلاء عليهم، حتى مشاكل المسلمين في الشيشان وكشمير، والفلبين، والصين، والبوسنة، وكوسوفا… وما أكثرها. وهي مرشحة للمزيد، فإنها بانتظار حلها عن طريق إقامة الخلافة الإسلامية.

          إن وعي الأمة على هذا، وعودتها إلى دينها، وتحققها من أن الغرب هو المريض، وهو الذي يحتاج لمن يداويه، هو من مبشرات هذا الدين لهذه الأيام. وإنه كما استقبل العالم الإسلامي نبأ إلغاء الخلافة الإسلامية، وسقوط التاج عن رؤوسهم، وهدم البنيان الذي كان يؤويهم، بألم وحزن؛ فإنه الآن ينتظر، والحمد والمنة والفضل لله وحده، استقبال أسعد خبر له في حياته، وهو إقامة دولة الخلافة من جديد، واستئناف الحياة الإسلامية من جديد، والاستظلال بظلها والتنعم بخيرها، والعيش بعزها، وأخذ الدور من جديد في قيادة العالم قيادة تنجيه من الشقاء الذي هو فيه.

          لقد أسعد الله سبحانه وتعالى المسلمين من قبل بأسعد خبر عندما أذن بإقامة دولة الإسلام على يد أحب الخلق إليه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، نبي الرحمة والملحمة، مع أصحابه من المهاجرين والأنصار الذين رضي الله عنهم… وإن المسلمين المخلصين الواعين اليوم يأملون من الله سبحانه أن يكرمهم بأكرم خبر وأسعده بإقامة الخلافة الإسلامية من جديد.

          إن تاريخ 3 آذار سنة 1924م يجب أن يمحى وتمحى كل آثاره من حياة المسلمين. فالأمم الحية هي التي تعمل على تسجيل أيام العز، لا تسجيل أيام الذل والقهر، وهي إن احتفظت بهذا التاريخ في ذاكرتها فلكي تمحوه لا لتخلّده… ولكي تنطلق منه لإيجاد تاريخ جديد لعودة الخلافة من جديد بإذن الله.

          لقد شاء الله سبحانه أن نعيش في مرحلة أحب عمل فيها إلى الله هو العمل لإقامة الخلافة، لإقامة الدين، فلتشحذ الهمم لهذا الهم، وهنيئاً لمن أسهم في هذا الفرض. قال تعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *