العدد 164 -

السنة الخامسة عشرة رمضان 1421هـ – كانون الأول 2000م

الإسـلامُ، لا غير، هـو الذي يَحُـل مشـاكلَ الإنسـان

         لقد خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان في أحسن تقويم، ولئن كان تركيبه المادي محكماً يدل على إتقان الصنعة، فإن تكوينه العقلي والنفسي لَيدلُّ كذلك على إعجاز وإبداع ووحدانية في الخلق، لا يستطيع الإنسان نفسه إلا أن يسجد لخالقه، ويخضع لعظمته ويسلم لأمره وتنظيمه. قال تعالى: (وفي أنفسكم أفلا تبصرون).

         ولكن الغرب الذي كان يدين بدين النصرانية، بعُد عن الدين وتعاليمه من جراء التدخل الظالم من رجال الدين عندهم بشؤون الحياة، مع أن دينهم خالٍ من المعالجات، وتدبير أمور الحياة وهذا ما أدى إلى أن ينفر الناس هناك، وعلى رأسهم المفكرون، من الدين، ويعتنقوا مبدأً جديداً يقوم على فصل الدين عن الحياة، واعتمد العلماء عندهم على العقل والعلم كمصدري قوة يستطيع الغرب بهما الاستغناء عن الدين، ليتوصل من خلالهما إلى إنشاء كل معارفه، واستكشاف كل مستور عنه، وقد فتن الغرب بالعقل كثيراً حتى صار عوضاً عن الإله، وجعل ما يتوصل إليه العقل من العلم تعاليمَه البديلة عن تعاليم الدين.

========================================

         ولقد قام مختلف العلماء الغربيين بدراساتهم المعمقة حول الإنسان لاستكشاف كل جوانب تركيبه للوصول إلى معرفة هذا الإنسان معرفة تامة تمكنهم من تحسين حياته المادية للوصول إلى وضع النظام الصحيح الذي يسعده ويريحه ويطمئنه، واعتمدوا في ذلك على الطريقة العلمية التي تصلح في بحث الأشياء المخبرية لا الإنسان.

         فكان بحثهم في الإنسان يقوم على جانبين:

         ـ جانب مادي يقوم على تركيب أعضائه المادية من عين وقلب ودم وكبد… وهذا الجانب أَقْدَرَ الله سبحانه وتعالى الإنسانَ على البحث في مادته وسبر قوانينها واكتشاف مكوناتها، وبالتالي أمكنه من الوصول إلى أروع النتائج، وكانت له في ذلك فتوحات هائلة، شأنه في ذلك شأن البحث في أي شيء مادي. وقد توصل الإنسان بعقله إلى تسخير المادة في اكتشافات واختراعات وصلت إلى درجة من التطور متقدمة جداً، فهو قد وصل إلى تطوير سلاحه إلى درجة متطورة مذهلة، ووصل إلى تطوير وسائل مواصلاته واتصالاته إلى درجة عالية جداً، ووصل إلى تطوير وسائل حياته بعامة بصورة متقدمة، وهي مرشحة إلى المزيد والمزيد. وجسم الإنسان من حيث تركيب أعضائه، وقانون عملها ينسحب على كل الأشياء المادية التي استطاع العلماء أن يخضعوها للبحث والتجريب، ووصل إلى مثل ما وصل في غيره من الأشياء المادية إلى نتائج مذهلة وبخاصة في الفترة الأخيرة، وهي مرشحة كذلك إلى المزيد.

         ـ أما الجانب الثاني، وهو الجانب العقلي والنفسي، فلم يمكِّن اللهُ سبحانه الإنسان على معرفته، بل جعله مغلقاً عليه، ومهما أوتي الإنسان من قدرات، ومهما توصل إليه من اختراعات، فإن هذا الجانب لن يستطيع الإنسان تحقيق ما يبتغيه فيه، وذلك أن العقل والغرائز ليست أعضاءً مادية كالقلب والعين، يستطيع الإنسان أن يبحث مادتها ويفحص مكوناتها.

         لذلك فشل علماء النفس والتربية والاجتماع في الغرب فشلاً ذريعاً في أن يصلوا إلى معرفة النظام الذي يحقق العلاقات الصحيحة للناس في كل شؤون حياتهم، ويوجد النفس المطمئنة والحياة السعيدة… بل على العكس من ذلك فإننا نجدهم قد توصلوا إلى نظام أدى تطبيقه إلى ما نراه اليوم في الغرب من فساد خُلُقي، وتفكك أسري، وفراغ روحي، وطغيان مادي، وفقدان قيم، وتصرفات لا إنسانية…، ما جعل البشر عندهم يعيشون كالحيوانات، حياةً البقاءُ فيها للأقوى، وصارت القوة المادية التي امتلكها الغرب نتيجة التقدم العلمي والتكنولوجي الهائل في خدمة نشر أفكاره، وفرض أنظمته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعسكرية، وصار بسيطرته الإعلامية يعمل على فرض طريقة عيشه الفاسدة والمنحلة والفارغة، وصار بقوته المالية يعمل على فرض عولمته وإغراق العالم في الديون وفوائدها ليبقى ممسكاً بخناق العالم يتحكم بمصيره. وهذا يلفت النظر بقوة إلى أن البحث في الجانب الفكري والنفسي عند الإنسان مقدم من حيث الأهمية على البحث في الجانب المادي، ويجب أن يسبقه من حيث الوجود لأنه الجانب الأهم وهو الذي يؤدي إلى إسعاد الإنسان وإيجاد الطمأنينة، ويؤدي إلى وضع الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تحقق الحياة المكتفية وتنفي الفساد في العلاقات والتي توجه الإنسان لحسن استخدام ما يتوصل إليه من اختراعات، وما يمتلكه من قوة.

         نعم لقد قام علماء النفس والتربية والاجتماع في الغرب ببحوث مضنية وجهود متتابعة ولم يدخروا وسعاً في معرفة واقع الإنسان النفسي والعقلي إلا وبذلوه، وقدموا أقصى ما يمكن تقديمه في هذا المجال… ولكنهم فشلوا؛ وفشلهم هذا جاء طبيعياً لأن هذا الأمر يفوق قدرة الإنسان كإنسان أن يتكلم فيه ويبحث عنه، وفشلهم جاء دليلاً واضحاً على أنه ليس في مقدور الإنسان أن يحدد وجهة نظره في الحياة بنفسه وأن يضع النظام الصحيح له الذي ينسجم مع الهدف من وجوده. وإذا كان العلماء هؤلاء قد فشلوا في ذلك، والعلماء هم أدلاء أمتهم على الحق أو العلم أو الخير فهذا يؤكد أن العقل البشري لا يستطيع ذلك، ويؤكد أيضاً أن أمر التشريع هو لمن خلق العقل، وخلق الإنسان، وخلق كل شيء، وهو الذي يعلم ما خلق، ويعلم ما يصلحه، وما يفسده، وهذا يعني الحاجة إلى الدين وتعاليمه فإن فيه الخير للإنسان والصلاح للبشر. والخطأ الذي ارتكبه الغرب هو أنه لما وجد علماؤه أن الدين النصراني خالٍ من أنظمة الحياة، وأن رجال الدين يظلمون الناس باسم الدين أخذوا موقفاً سلبياً من الدين النصراني ومن كل دين ونادوْا بفصل الدين عن الحياة واعتبروه حلاًّ، وفي الحقيقة لم يكن حلاًّ بل كان ردة فعل والحل الصحيح هو في الدين الصحيح إذ لا يمكن للإنسان أن يعرف معنى وجوده في الحياة ويتجه الاتجاه الصحيح فيها، ويسلك الطريق الصحيح إلا أن يأتيه خبر من السماء، وليس في الحياة إلا الدين الإسلامي القادر وحده على تخليص العالم من شر ما هو فيه وهدايته إلى الصراط المستقيم لما يحمله من فكر صادق وأنظمة صحيحة.

         إن ما ذكرناه ليس رأياً خاصاً نحمله كمسلمين، بل هو رأي بدأ الغرب يعي عليه، وبدأ علماؤه، منذ وقت مبكر يشهدون لهذا الذي نقول. ولنأخذ مثلاً صارخاً لذلكٍ هو الدكتور ألكسيس كاريل العالم الفرنسي الذي قضى الشطر الأكبر من حياته في معمله يدرس الكائنات الحية ويراقب الإنسان ليفهم علامَ تقوم حياته والذي نال جائزة نوبل عام 1912 لأبحاثه الطبية الفذة. هذا العالم له كتاب أسماه: «الإنسان .. ذلك المجهول» يقول فيه: «هناك تفاوت عجيب بين علوم الجماد وعلوم الحياة. فعلوم الفلك والميكانيكا والطبيعة تقوم على آراء يمكن التعبير عنها بسداد وفصاحة باللغة الحسابية…، بيد أن علوم الحياة تختلف عن ذلك كل الاختلاف، حتى ليبدو كأن أولئك الذين يدرسون الحياة قد ضلوا طريقهم في غاب متشابك الأشجار أو أنهم في قلب دغل سحري لا تكف أشجاره التي لا عداد لها عن تغيير أماكنها وأحجامها». ويقول: «بتعلُّمنا سر تركيب المادة وخواصها استطعنا الظفر بالسيادة تقريباً على كل شيء موجود على ظهر البسيطة فيما عدا أنفسنا». ويقول: «ليس بنو البشر مادة صالحة للبحث العلمي لأن الإنسان لا يستطيع أن يجد بسهولة أناساً ذوي صفات مميزة خاصة، كما أنه يكاد يكون من المستحيل التحقق من نتائج إحدى التجارب بإحالة الموضوع إلى ما يماثله».

         إن آراء هذا المفكر الغربي أصبحت تنتشر في أوساطهم، وصار هناك من يدرك ان الوصول إلى نظام يسعد الإنسان ويحل مشاكله، لا يمكن ان يتم عن طريق إخضاع الإنسان للأبحاث والتجارب العلمية والتعامل معه كالمواد المخبرية. إنّ علوم الجماد تختلف عن علوم الحياة، فالحياة لا يعلم كنهها ولا يعلم ما يصلحها إلا الله الذي خلقها، ولا يعلمها أحد سواه سبحانه.

         إن ما سبق من كلام، لم نورده كبحث نريد إثبات المسألة فيه، وإنما أوردناه كمقدمة أساسية لا بد من ذكرها والوعي عليها، ليعلم حامل الدعوة أنه حامل للحق وللخير للبشر جميعهم وللانطلاق في دعوته، بكل ثقة واطمئنان إلى أن ما عنده يحتاج إليه كل الناس، والغرب بخاصة، وعلماؤهم قبل عامتهم، وليعلم أنه بدعوته ينقذ العالم ويقدم له الحل والترياق وينتشله مما وقع فيه، لذلك تصغر أمام مهمة حامل الدعوة كل مهمة يقوم بها الإنسان في الحياة، ووظيفته تتقدم في أهميتها على كل وظيفة إنها مهمة تتضاءل أمامها مهمة العلماء علماء الفضاء، وعلماء الطب، وعلماء المادة ومخترعاتهم…، إنها مهمة إحياء الإنسان، مهمة إعادته إلى مركزه الطبيعي بأن يكون سيد المخلوقات، ولا يكون كذلك إلا بأن يكون عبداً لله وحده.

         وبهذا يتميز حَمَلَةُ الدعوة في دعوتهم فهُم الدعاةُ الحقيقيون إلى تغيير النفوس وتقويم العقول وهداية القلوب، ولأن دعوتهم لا تستقيم حياة البشر إلا عليها، ولأنها تقوم على أساس واحد لا غير، ولا معدى عنه، وهو الإيمان بالله الخالق المدبر، الذي عندما يأمر فأمره الحق، وما عداه الباطل، إذ الثقة بأمر الله هي من الثقة بالله سبحانه أنه المشرع الذي ليس معه شريك في الخلق ولا يقبل معه شريكاً في الأمر.

         وكم تعظم ممهة حامل الدعوة، ويجب أن يشحذ لها همته، عندما يعلم أن المسلمين يحتاجون أولاً إلى دعوته، حتى إذا ما آتت دعوته فيهم ثمارها بإقامة الدولة الإسلامية، واستئناف الحياة الإسلامية، فإنه ينتظره أكثر من ثلاثة أرباع العالم، أي بحدود خمسة مليارات نسمة، أكثر هم من الوثنيين، هم ضالون عن الحق، تائهون في مسيرة الحياة يتلمسون النهضة ولكن لا يهتدون إليها سبيلاً؛ وإنها أمانة الله التي يجب أن يحملها المسلم إلى كل مكان فيه نفس تتنفس وعين تطرف.

         ولكن، حتى يُسيِّر حامل الدعوة في دعوته الناسَ بشكل صحيح، فإنّ عليه أن يأخذ من القرآن طريقة القرآن ومنهجه وأسلوبه، ويتعلم من الرسول صلى الله عليه وسلم كيفية التأثير وإقامة الحجة بالحكمة والموعظة الحسنة، لذلك كان على حامل الدعوة أن يحملها كما يريد الله طريقة ومنهجاً وأسلوباً. فدعوته كونها من الله سبحانه وتعالى فهذا يعني أنها تقوم على معرفة بحقيقة الإنسان، لذلك كان عليه أن يعرف كيف يؤديها وكيف يجعلها تقنع العقول وتبلغ القلوب وتشكل دافعاً للالتزام ومانعاً من المعاصي.

         وبتدبر ذلك نجد أن القرآن قد اهتم كثيراً بالإنسان، فقد ذكر القرآن لفظ الإنسان في حوالي خمس وستين آية وكلمة الناس في أكثر من مائتي آية، فضلاً عن الكثير من الآيات التي ذكرت لفظ بني آدم، ولفظ البشر، ولفظ الرجال، والنساء، والإنسان، والقوم، والذكر، والأنثى، فضلاً عن استعمال لفظ الضمير (إنا خلقناكم… سخر لكم… وأنزلنا إليكم…) في أضعاف كل هذه الآيات، وفي القرآن إشارات واضحة إلى أن الإنسان هو الموضوع الأول وأن كل شيء مسخر للإنسان، قال تعالى: (وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون) فكان الإنسان هو محل الخطاب الأول في القرآن ومجال الاهتمام الأوحد.

         والقرآن ذكر قصة الإنسان قبل حياته إلى ما بعد موته، وكانت آياته تقريرية وليست تحليلية وكانت أحكامه تتناول الإنسان منذ ما قبل ولادته وهو في بطن أمه، حتى قبل أن ينشأ في بطن أمه إذ حددت كيفية الزواج وكيفية إتيان المرأة، ثم بعد موته إذ حدد كيف يغسل وكيف يكفن وكيف يدفن، وكيف تعامل أعضاؤه وهو ميت وما يقال في القرآن يقال في السنة إذ إنها وحي مثلها مثل القرآن… لذلك تكلم الله عن الإنسان تكلم الخالق المدبر، العليم، الخبير اللطيف، تكلم عنه منذ ما قبل نشأته قال تعالى: (أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئاً) وتكلم أن أصل خلقه من تراب، قال تعالى: (ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون) وذكر أنه خلق الإنسان من ماء دافق، قال تعالى: (فلينظر الإنسان مم خلق @ خلق من ماء دافق @ يخرج من بين الصلب والترائب) وذكر مراحل نموه وهو في بطن أمه، قال تعالى: (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين @ ثم جعلناه نطفة في قرار مكين @ ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين) وذكر مراحل تطور عمره فقال: (ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمىً ثم نخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً) والله سبحانه كما أن له الخلق، جعل الأمر بيده ولم يمكن الإنسان منه، قال تعالى: (ألا له الخلق والأمر، تبارك الله رب العالمين) والله سبحانه وتعالى أمر الإنسان أن يستثمر في السماء والأرض وينتفع بهذا الاستثمار بحسب أمره سبحانه وقد استخلف الله الإنسان على الأرض ابتلاءً منه وتكليفاً له قال تعالى: (وهو الذي جعلكم خلائف الأرض، ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم) وقال رسول الله r: «إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون» وأنزل له شريعة وأمره باتّباعها قال تعالى: (ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون) وأمره أن يقيم الحكم بها قال تعالى: (لتحكم بين الناس بما أراك الله) وأمر المسلمين أن يحكِّموها في حياتهم قال تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكِّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيتَ ويسلموا تسليماً) واعتبر أن الاحتكام لغيرها احتكام إلى الكفر والطاغوت الذي أُمروا أن يكفروا به قال تعالى: (ألم ترَ إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أُنزل إليك وما أُنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أُمروا أن يكفروا به). وجعله سبحانه مسؤولاً عن أعماله وتصرفاته قال تعالى: (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً) وقال تعالى: (وقفوهم إنهم مسؤولون) فالله سبحانه لم يخلق البشر عبثاً قال تعالى: (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون) ولن يترك الإنسان سدىً حيث قال: (أيحسب الإنسان أن يُترك سدىً) وأن الله يحيي ويميت ثم يبعث من في القبور ليحاسب الإنسان ويجازيه قال تعالى: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى @ وأن سعيه سوف يُرى @ ثم يجزاه الجزاء الأوفى) فإنْ فعل الخير فسيلقى الخير وإنْ فعل الشر فسيلقى الشر، قال تعالى: (فمن يعمل مثقال ذرةٍ خيراً يره @ ومن يعمل مثقال ذرةٍ شراً يره). هذه هي قصة الإنسان مختصرة، وهذه هي قصة تكليفه، وهي قصة لا يعلم مبتدأها وخبرها ومنتهاها إلا خالقها، وهي قصة لا يسلّم العقل السليم إلا بها، فالإنسان مخلوق، والله سبحانه هو خالقه ولا ريب في ذلك، وإنه من بدهيات العقول أن صانع الشيء هو الذي يحدد غايته ويضع فيه الخصائص والمواصفات التي تجعله يحقق هذه الغاية، فكما لا تحدد الطاولة شكلها وغايتها بنفسها ولا الكرسي فكذلك الإنسان فالله الذي

خلقه هو الذي يحدد غايته، وقد جعل له حاجات وغرائز تحتاج إلى إشباع، وأنزل له الدين الذي يعالجه معالجة توافق فطرته وطبيعته وتقنع عقله، وما عداه فإنه لا يورثه إلا حياة الضنك والشقاء قال تعالى: (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى @ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً). عندما يقرأ المسلم آيات الله ويرى قدرته وإحاطته بالإنسان يسلم لخالقه ويطمئن لأمره.

         من هذا المنطلق ينطلق المسلم في دعوته وكله إيمان بما عنده فإنه من عند الله العليم الخبير، ومن هذا المنطلق يفسر المسلم ما عليه العالم اليوم من شقاء وظلم وفساد وانحلال… فإنما هو نتيجة البعد عن حكم الله الحق.

         وهنا لا بد لحامل الدعوة أن يحسن التعامل مع القرآن تعاملاً صحيحاً بأن يفهم تماماً كيف يريده الله سبحانه أن يحمل الدعوة؟ وأن يحافظ على طريقة القرآن في الخطاب، وعلى منهجه وعلى أسلوبه لأن كل ذلك من لدن حكيم خبير. إن المحافظة على طريقة القرآن في الخطاب ومنهجه وأسلوبه لا بد منها لحامل الدعوة حتى تؤتي الدعوة ثمارها الطيبة وتُستأنَف الحياةُ الإسلامية في الأرض (وبشر المؤمنين)

أحمد المحمود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *