العدد 208 -

السنة الثامنة عشرة جمادى الأولى 1425هـ – حزيران/ تموز 2004م

رد على مقال يتهم الإسلام والمسلمين بالتخلف والانحطاط والعقم الفكري

رد على مقال يتهم الإسلام والمسلمين بالتخلف والانحطاط والعقم الفكري

كان الدكتور جورج كاري، كبير أساقفة كانتربيري سابقاً، قد ألقى خطاباً لاذعاً في روما، تهجم فيه على الإسلام والمسلمين، متهماً المسلمين بالتخلف والانحطاط والعقم الفكري، لعدم قدرتهم على تقديم أي إنجاز يذكر للبشرية، على مدى قرون خلت. وفي الوقت نفسه زعم أنه ليس ثمة تناقض بين الإسلام والديمقراطية، داعياً المسلمين إلى الاقتداء بالمثال التركي، وداعياً من أسماهم بالمعتدلين المسلمين إلى وجوب التنصل من الأعمال الشائنة لمن اعتبرهم المتطرفين والإرهابيين المسلمين، مشدّداً على الحاجة الماسّة إلى إعادة النظر في عقائد المسلمين، بعقلية ناقدة لا تتوقف عند مجرد القول بعصمة الوحي، وترك النقد العقلي الحر في وحي السماء (حسبما جاء في مقالة جريدة الدايلي تلغراف البريطانية 26-3-2004).
فقام الدكتور عبد الله روبن، من حزب التحرير بإرسال رسالة إلى د. جورج كاري يرد فيها على مقولاته. وقد رأت (الوعي) أن تنشر فيما يلي رسالة د. عبد الله روبن:

عزيزي دكتور جورج كاري
أشكرك لاهتمامك بإيجاد المزيد من التناغم والتوافق بين المسلمين والنصارى، ولمشاركتك بعرض أفكارك حول الإسلام والبلاد الإسلامية. مع أني أختلف معك حول بعض النقاط، إلاّ أنّي لست من أولئك الذين يرَون النقد بمنظار المحظور السياسيّ، الذي يقتضي الإفراط في عدم السماح بالتعبير عن الاختلاف. أكتب هذه الرسالة بوصفي عضواً في حزبٍ سياسيٍّ إسلاميٍّ، ربّما تعتبره “متطرّفاً” بسبب دعوته إلى إعادة إقامة الخلافة الإسلامية. لست أعارضك لمجرد تعبيرك عن الرفض، كما صنع بعض الذين ردّوا عليك في وسائل الإعلام. لقد أحسنت صنعاً أنّك لم تقم بالتشويش أمام جالية ليست معدّة للنقد هذه الأيام، كما أنك لم تنفض يديْك من المسؤولية تجاه الحقّ حسب نظرك.والتزاماً بمركزك العالي في الكنيسة الإنجليزية، فإنّك لم تتبع المثال الشائن، لِمَن سأل ساخراً «ما هو الحقّ؟» قبل أن يتخلّى عن الحقّ أمام جمهور تسهل إغا ظته.
أما وقد قلت هذا، فنحن يمكن أن نتفق معك حول بعض النقاط. لقد كنتَ مصيباً في إشارتك لبعض المشاكل الفظيعة التي تتّسم بها البلاد الإسلامية اليوم. تكلمتَ عن تخلّف هذه البلاد، وعن الدكتاتوريات المستبدّة في الشرق الأوسط، التي تظلم شعوبها. إنّ ما قلته هنا هو الحقيقة فعلاً، رغم أنّي وددتُ ألاّ يكون الحال كذلك.
أعتقد أن سبب التخلف الحالي يبقى هو الضعف العام في فهم الفكرة الإسلامية، ووقف العملية الفقهية في الاجتهاد، وتكريس العالم الغربي للاستعمار. على كل حال، من المعترف به على نطاق واسع، أن العالم الإسلامي كان من قبل، الحضارة الرائدة في كل العلوم الرئيسية، لفترة دامت عدة قرون. وإذا ربطت بين ماضينا وحاضرنا المؤسف، أدركت أن العصر الذهبي السابق للإسلام، قد تحقق تحت ظلّ الخلافة الإسلامية، وهي كيان سياسي إسلامي شامل، لم يفصل الدين عن الحياة، رغم أن تقدّمه في الأمور المادية انتشر شعاعه عبر العالم. ورغم الاعتراف بهذا التقدم الفنّي والفكري، فإن كثيراً من المعلّقين الغربيين لا يزالون يقارنون تلك الدولة بالثيوقراطية (الحكم الديني) في العصور الوسطى (القرن السابع) التي خنقت التقدم عبر تاريخهم الخاص بهم. وسيكون بالطبع معجزةً، إذا جاء اليوم اكتشاف علمي أو فنّي مهم من العالم الإسلامي، بسبب أنّ الثروة المادية اللازمة لتمويل المختبرات الفنية يجري تفريغها من هذه البلاد؛ ليستمتع الأميركان بالوقود الرخيص لسياراتهم. أضف إلى ذلك، أنه من المحتمل، أن حمَلَةَ درجة الدكتوراه، في العواصم الإسلامية، يشتغلون بتقديم القهوة في المطاعم، بدلاً من بناء تقنيات جديدة للإنسانية.
وهذا يقودنا للحديث عن أنظمة الحكم الفاسدة. فنحن نجد أن المسلمين في أوزبيكستان يعذَّبون بالماء المغلي، وهم أحياء، بسبب إصرارهم على أداء صلواتهم الخمس اليومية. بينما في مصر، وبلاد أخرى، يُطارَد المسلمون، ويُستَهْدَفون من قبل حكام لا يحاسبهم أحد. ويجدر أن نذكر نقطة تلزم في الحوار مستقبلاً، وهي أن الحكومة الخاضعة للمحاسبة والمساءلة ليست من اختراع مونتسيكيو، ولا توماس جيفيرسون، بل هي في الحقيقة حجر الزاوية في نظام الخلافة الإسلامي. وبالطبع لا يزال الغرب يدعم كثيراً من الأنظمة الفاسدة الحالية، وتستحق الشكر أنك كنت صريحاً، في حديثك عن معايير الغرب المزدوجة، التي من السهل فهم إذكائها لمشاعر الغضب وسط المسلمين.
ومع هذا فمن السخرية أنك بنفسك قد امتدحت، كأمثلة للتقدم، بعض أنظمة الحكم في بلاد المسلمين، التي تعتبر من أشدها استبدادية. قد عرضت تركيا كمثال إيجابي لبلد اعتنق الإسلام والديموقراطية. ومع هذا فإن المسلمين يمارسون دينهم في جوّ من الخوف والتهديد، تحت ظل نظام تركيا العلماني العسكري. فغطاء الرأس مثلاً قد حُظِر على المرأة المسلمة، في كثير من مظاهر الحياة العامة، قبل أن تتبنى فرنسا هذا الموقف المعارض للإسلام بوقت طويل. والجيش الذي يحتفظ لنفسه بحق استعمله كثيراً، وهو عزل حكومات دُمىً منتخَبَة، يفرض أشدّ أشكال العلمانية صرامةً، دون اعتبارٍ لرغبات الشعب في تركيا. تكلمت عن الملك حسين، والأمير حسن، والملك عبدالله، كأسماء مهمة في الإسلام، كان لك معهم زمالة لسنين طويلة. ومع هذا، فإن هذه الأسماء لم يجرِ اختيارها من قبل الشعب في الأردن، الذي حكموه عدة أجيال كعشيرة، منذ نصّبهم البريطانيون في السلطة أول مرة. وإن أمير الحزب الحالي، عطا أبو الرشته، الذي هو أمير لحزب سياسي إسلامي عالمي لا يتعامل بالعنف، والذي أنا عضو فيه، قد قضى سنين طويلة في زنازن أردنية، لا جريمة له سوى كونه الناطق الرسمي لجماعة معارضة هي حزب التحرير. إن من المؤسف أنه لا توجد حكومة خاضعة للمحاسبة والمساءلة، وأن الصورة أسوأ بكثير مما تظن. ومما يثير الدهشة أنك تعتبر هؤلاء الأشخاص يحملون أفكارأً مستنيرة ومعتدلة، مع أنّ غالبية المسلمين في العالم الإسلامي يعتبرونهم مستبدين وخانعين للعواصم الغربية.
لقد تكلمت أيضاً عن الصراع، وعن بروز المعارضة الإسلامية للأنظمة الحالية، وقلت إنّ الإسلام (يعارض عملياً كل دين في العالم) بما في ذلك النصرانية. وحاولت أيضاً الحديث عن (أسباب ارتباط الإسلام بالإرهاب والموت). كنت محقّاً في بعض ما قلت، بأنّ من الواضح أنّ الإسلام في صراعٍ عبر العالم، ولكنك في رأيي لم تحسن التعبير عن طبيعة هذا الصراع.
لقد ذكرت مثلاً صراع الإسلام مع اليهودية، مشيراً إلى العنف الموجود في فلسطين. ولكنّ هذا الصراع ليس مع اليهودية، ذلك لأنه بدأ مع الاحتلال البريطاني لفلسطين، بعد الحرب العالمية الأولى، ومع الخطط الاستعمارية لإنشاء وطن يهوديّ فوق رؤوس الشعب المقيم في فلسطين، بدون أيّ اعتبار لرغباتهم. لقد فتحت الحكومة البريطانية، بصورة غير شرعية، الأبواب أمام سيلٍ من المهاجرين الأوروبيين، الذين سعَوْا للهرب من الحملة الرهيبة ضد (السامية)، تلك الحملة التي خيّمت على أوروبا العلمانية.وانتهى الأمر بأن شنّ المهاجرون اليهود حرب إرهابٍ ضد المواطنين الفلسطينيين لطردهم وإخضاعهم. ومنذ اللحظة التي وجدت فيها دولة (إسرائيل)، وهي دولة لليهود وحدهم دون غيرهم، عانى المسلمون والنصارى في فلسطين الجبروت اليوميّ للاحتلال، والطرد من أراضيهم وبيوتهم. لذلك فالإسلام اليوم في صراع في فلسطين مع الإسرائيليين، ليس بوصفهم يهوداً عاشوا تاريخياً مع المسلمين، جنباً الى جنبٍ، في سلام وأمان، لعدة قرون، ولكن بوصفهم محتلّين. وتكلمت عن الصراع مع النصرانية، ولكنّ المسلمين لا يضعون اللوم على النصرانية، كسببٍ لمآسيهم الحالية، وإنّما يعتبرون الديموقراطيات العلمانية في الغرب، تتبع سياسة خارجية مؤذية وغير إنسانية. لذلك فمن الخداع أن تشوّش عقول الناس بتصويرك الإسلام والديانات الأخرى في صدامٍ عنيف.
والمسلمون في بريطانيا ليست قضيتهم مع (المسيحية)، بل مع الديموقراطية العلمانية، التي تقف وراء طغيان مذهب المتع الجسدية، والأنانيّة الفردية، التي محت المعايير الخلقية الثابتة من كل مظاهر الحياة العامة والخاصة في البلاد. فالانحلال الاجتماعي اليوم لا علاقة له بالنصرانية، ولذلك لا نستطيع أن نضع اللوم على النصرانية، على الحالة التي عليها المجتمعات الغربية. إذا كانت الكنيسة الإنجليزية يوماً ما بوصلة توجيه خلقي، فهي الآن لا علاقة لها في نظر الغالبية العظمى من الشعب الإنجليزي، عندما يتعلق الأمر بشؤون المجتمع. فقد تراجعت الكنيسة، وميّعت جوهرها الأصلي، وظلّت تعيد تشكيل نفسها ضمن حلقات مستمرة في التناقص. وإنّ الادعاء كما تقول بأنّ القِيم الغربية مبنية (على التقاليد الخلقية والثقافة المسيحية)، ربما لا يخدم المسيحية. فالقيم الغربية مبنية على ثقافة علمانية، نشأت بعد الإصلاح الديني، وهي أكثر صلة بخُلُق (الحقّ هو القوة) وأنّ (الغاية تبرّر الوسيلة). وهاتان من تعاليم نيكولو ميكافيلي، والفلسفة النفعية لجيريمي بينثام، وليس من تعاليم العهد الجديد، أو فلسفة القدّيس أوغسطين. إنّ تحرير المجتمعات من الأساس الروحي ينتج ماديّة مدمّرة، وشركات عملاقة قوية، أصبحت اليوم بمثابة الآلهة الجدد. إنّ التحدي الذي يواجه اليوم أولئك الذين يؤمنون أنّ الله له دورٌ في المجتمعات، أكثر من مجرد ذكره في الكنيسة أو المسجد، هو أن يفهموا أن العقبة الرئيسية التي تواجهنا ليست الإسلام، ولا حتى الإسلام السياسيّ، ولكنها الشكل الجديد الهدّام من العلمانية العسكرية.
لقد كافح المفكرون العلمانيون الغربيون، إلى درجة اليأس، من أجل وضع فلسفة سياسية، حتى أصبح اليوم اعتناق أي عقيدة معينة أمراً فجّاً. فالشكّ والريبة هي فضائل الثقافة الغربية المعاصرة، ولا يوجد أي بوصلة توجيه خلقي غير هذا. ربّما كان الشيء الوحيد الأكيد هو أنه يجب مقاومة الإسلام السياسيّ، بسبب حقائقه التي لا تتفق مع العرف السائد. ولقد أنتج هذا الظرف المعاصر حب الذات، والمؤامرات السياسية، واحتلال أراضي الغير، والشعور العامّ بين الناس بتقصّد تنفيرهم من القيام بواجبهم، وعيش المجتمعات في خوف، ليس من “الإرهاب الإسلامي”، ولكن من عصابات الشوارع، والاعتداء على المارّة، والاغتصاب، وعمليات السطو الإجرامية. وأ ظنّ أنّ هذا هو السبب في أن الغرب يجد صعوبة في بناء دعاية لعقائده الأساسية، داخل العالم الإسلامي. فالمسلمون يشاهدون كيف تتغَيَّر القيم والمبادئ باسم المصلحة، ويبيّن بصدق إلى أنه إذا كانت المبادئ والقيم الغربية فعلاً مهمة وحقيقية، فلماذا لا يجري التمسّك بها، حتى في وجه العوائق والعقبات؟ وكما قال ويل هاتون مؤخّراً: (بعد أكثر من عامين منذ 11 سبتمبر، فإن سجلّ القيم والعقائد الغربية الأساسية، التي سمحنا لأنفسنا بتحريفها، في خضمّ ردّ فعلنا، يزداد كل أسبوع. فالمساواة أمام القانون، وافتراض البراءة الأصلية، والحقّ في محاكمة عادلة، كل هذه أصبحت ترى من المفيد طرحها جانباً). ويستمر قائلاً: (نحن نقوّض حضارتنا).
إنّ التحدي الذي يواجهه المسلمون هو التمسك بمبادئ الإسلام، ذلك أنه في الوقت نفسه الذي يحتفظون بحقهم، بل بواجبهم في مقاومة الاحتلال، عليهم أن يحظروا استهداف المدنيين، سواء كان ذلك في مدريد، أم في نيويورك، أم في أي مكان آخر. هناك بالطبع منطق مخيف،لم يستطع الغرب النفعيّ للأسف أن يدركه بسرعة، ذلك أن العلمانية الغربية العسكرية، وفي ظلّ (حربها ضد الإرهاب) قد تبنت المبدأ النفعي وهو (الغاية تبرر الوسيلة). وهذا المبدأ يمكن أن يلجأ اليه أيضاً بعض الذين فقدوا الصبر، إزاء العمل البطيء والصعب للتغيير السياسيّ. ولكنّ الإسلام يرفض مذهب النفعية، حتى إذا أدّى العنف ضدّ المدنيين الأبرياء إلى تحقيق غاية منشودة، مثل سحب القوات الإسبانية من عملية احتلال العراق الذي تقوده الولايات المتحدة.
فالإسلام في صراع كما تقول، ولكنه ليس صراعاً مع الإنسانية، بل هو صراع مع العلمانية العسكرية الغربية. فهل يُنظر لهذا الصراع على أنه نقد للإسلام، أو للغرب، أو لكليهما؟ وكما تعلم فإنّ الفلسفة السياسية للإسلام مبنية على التسليم للخالق، وإن قيمها واضحة لا لُبسَ فيها. لقد دعوت الى قبول النقد. حسناً، الإسلام قادر على مواجهة هذا النقد. فالعلماء المسلمون كانوا يتناقشون ويتحاورون فيما بينهم، ومع الفلاسفة الآخرين لعدة قرون. وإنّ مفهوم أن الإسلام هو نوع من الحلقات الأحادية، لأصول معلوماتية موقوفة على بعض الزُّمَر من رجال الدين، أمرٌ لا يتفق مع طبيعة الفكر الإسلامي، أو حتى مع السجلّ التاريخي. وعلى كلّ حال، فإنّ الحوار والنقاش الذي يلزم حصوله يجب أن يكون فعّالاً، وهذا هو الأمر الجوهري في المسألة.
ومن أجل أن يكون هناك حوار فعّال، يجب أن يكون ذلك بين الغرب وأولئك الذين، في مختلف الأحوال والظروف، يرضَون بنموذجٍ مجتمعيّ وسياسيّ للإنسانية. وإنه لا معنى أن يقوم المعلّقون والقادة الغربيون بحوارات ولقاءات متواصلة بين الأديان مع الإسلاميين (المعتدلين)، الذين هم في الأصل متفقون معهم في نظرتهم للمجتمع، وفي رؤيتهم السياسية. والحوار الحقيقيّ لا يكون إلاّ مع أناس يخالفونهم، ولهم أيضاً وجهات نظرٍ متميّزة، حتّى يكون بالإمكان اختبار الفرضيات والمقدّمات والنتائج لهذا الحوار بشكلٍ دقيق. والذين يُسمَّون بالإسلاميين «المعتدلين» لا يملكون بطبيعتهم وجهات نظر متميزة، وهذا هو، في المقام الأول، سبب تصنيفهم (كمعتدلين) من قِبل الغرب. ومن الواضح أيضا حسب استنتاجات منظمة بيو، أن وجهات نظر المعتدلين ليست هي الدعامة الرئيسية في العالم الإسلامي.
وهناك نقطة أخرى يلزم بيانها، وهي أن جدول أعمال مثل هذه اللقاءات يجب أن يشمل الجميع. أعترف أنّ الدعوة من أجل كيانٍ إسلاميّ سياسيّ قد يسبّب القلق، والتحفّظ لدى بعض الدوائر، ولكنّ هذه الدعوة مبنية على فكرة صائبة. لذلك يعتبر من الخداع أن يُوصَف أصحاب الأفكار المخالفة بالتطرّف، مع أنّه لا يُحكَم على الأفكار إلاّ بأحد أمرين، إمّا صحيحة أو باطلة، فحسب. إنّ استخدام تعبير التطرف هو وسيلة لتجنب استعمال تعبير باطل، الذي يمكن أن يؤدي إلى حوار فكريّ، حول الأفكار الإسلامية، والأفكار الغربية، وهو أمر يخشاه الغرب كثيراً. وإذا لم يكن الحوار مبنيّاً على الأفكار، فعلى ماذا يُبنى؟ يرغب المسلمون في الحوار حول هذه القضايا في جوٍّ عقلانيّ هادئ، وأنا شخصيّاً أرحّب بهذا التحدّي الفكري.
هل المعلّقون الغربيون مستعدون أيضاً لنقاشٍ شاملٍ للقلق العميق من حالة المجتمعات الغربية؟ لقد ألمحتَ إلى بعض القضايا الاجتماعية، ولكن يمكنك أن تضيف إلى ذلك المستويات الشائعة للجريمة، والمخدّرات، وإهمال المسنّين، والسياسة الخارجية غير الإنسانية. وحتى يكون هذا الحوار المتكامل ذا مغزى، يلزم أن يشمل النقاش مسألة ما إذا كان العالم الغربي بحاجة إلى إصلاح كبير، وعملية تغيير، رغم تقدمه التكنولوجي، حيث إنّ هذا الموضوع يلقى اهتماماً ضئيلاً. لا يكفي أن تعترفوا ببساطة بوجود ضعف داخل المجتمع الغربي، ومع هذا تظلّون تَدْعون إلى تصدير قيمه إلى العالم الإسلامي، قبل أن تقوموا ابتداءً بنقاش محكم حول صلاحية مثل هذه القيم. إنّ التحدي الذي يواجهه الغرب هو الاعتراف، بأنّ الاضمحلال الروحي الذي يكثر التحسّر عليه، لا يمكن كبحه وإيقافه بدون إطار خلقيّ ثابت، مبنيّ على أساسٍ فكريّ واضح، يعترف بمحدودية قدرة الإنسان وبفطرته الطبيعية. الإسلام يقدّم مثل هذا النموذج، والمسلمون لا يزالون يؤمنون به، ويتمسكون به. والحوار الحالي لم ينجح في أن يكون عميقاً وشاملاً، وإذا استمرّ على ما هو عليه الآن، فإنّما يزيد الشكوك بأن الدعوات لحوارات أخرى أكبر، ستكون على أحسن الأحوال حوارات ذات جانب واحد، وعلى أسوأ الأحوال هي حوارات تستخدم كأدوات صيغت من أجل إحداث تغيير سياسيّ.
ربّما يوجد انقسام كبير جداً بين الأديان، وربّما يريد العالم الغربي من جديد أن يدين بدين. فإذا كان الأمر كذلك، فيجب أن يكون إذاً ديناً يستحق الإيمان به، ديناً يقود ويهدي ويعلو فوق بحر الشكوك، ومبنيّاً على حججٍ فكرية صلبة. لذلك تعالَ وابحث معنا، تعالَ لتتحدّى وتنتقد. نعم تعال، ولكن لا تتوقع أن تعيد صياغتنا على الصورة التي تراها كشرطٍ مسبَق للنقاش. نحن المسلمين جاهزون لنقاش مخلص، وننتظر لنرى من هو المستعدّ للقائنا بافكاره الخاصة به.

المخلص: دكتور عبدالله روبين
عضو حزب التحرير، بريطانيا

………………………………………………

وقد أجاب د. جورج كاري على رسالة د. عبد الله روبين برد مستعجل، كما وصفه، يقول فيه:
عزيزي الدكتور روبين،
أريد أن أعلمك، وبامتنان، بوصول رسالتكم التي وصلت للتو. لم يكن لدي من الوقت سوى ما يكفي لقراءتها بسرعة، ولكني أريد أن أشكرك على نبرتها المتفهمة، وأيضاً الروح التي كُتِبَتْ بها. أستطيع أن ألحظ بسرعة أنها جواب قوي، ومثير للاهتمام، ويمكنني تفهمه إلى حدٍ كبير. أنا ممتن لأن هذا كان الجواب الذي كنت أتطلع إليه بالضبط.
دعنا نبقى على اتصال وسوف أحاول أن أجد الوقت للإجابة خلال أسبوع أو اثنين. سوف أغادر إلى كندا قريباً، ومن ثم إلى دنفر (أميركا)… أعذرني على هذا الرد المستعجل.

مع الشكر
جورج كيري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *