العدد 212 -

السنة التاسعة عشرة رمضان 1425هـ – تشرين أول 2004م

كلمة الوعي: أيّها المسلمون: لا ينتصر الإسلام والمسلمون على أميركا ويهود إلا بالخلافة الراشدة

كلمة الوعي: أيّها المسلمون: لا ينتصر الإسلام والمسلمون على أميركا ويهود إلا بالخلافة الراشدة

 

لقد بدأ يتشكل في أميركا رأي عام، لدى النخبة من السياسيين والمفكرين، أن الولايات المتحدة أضحت في ورطة، بشأن حربها على الإسلام والمسلمين، تحت مسمى محاربة الإرهاب، وأنها منيت بفشل استراتيجي ذريع، وأن الحرب التي قادها بوش وإدارته يقف وراءها أصدقاء (إسرائيل) من المحافظين الجدد، وأن هؤلاء هم الذين ورطوا أميركا في هذه الحرب القذرة لمصلحة (إسرائيل). وفي هذا السياق صرّح أنتوني زيني، الرئيس السابق للقيادة المركزية الأميركية، فقال: «أسوأ خبر تم كتمانه في واشنطن هو أن هذه الحرب تم خوضها لمصلحة إسرائيل» وصرح أرثر شليزنغير، وهو مؤرخ أميركي مرموق «من الأكيد أن التماهي الأميركي مع إسرائيل وشارون هو السبب الأهم لكراهية العرب لأميركا» وينقل هذا المؤرخ عن المنظّرة الأميركية البروفسورة آن نورتون قولها: «إن خطة وولفوفيتز الاستراتيجية بعد 11/9 مبنية في مفهومها ومداها الجغرافي حول مركزية إسرائيل» ويمكن فهم هذه الاستراتيجية على أنها تربط المصالح الأميركية والأمن بمصالح دولة (إسرائيل) وأمنها.

نعم، إن أميركا تحس بالفشل ولكن من غير إعلان؛ لأن الإعلان له انعكاساته الدولية السلبية عليها، ويمس هيبة أميركا، ويسقط بوش في الانتخابات. فهي لم تستطع أن تغير الاوضاع تماماً في أفغانستان، وتعلم أنها إذا انسحبت من هناك فإن كرازي لن يلبث خلافها إلا قليلاً. وتشكو في العراق من مقاومة شرسة تكبدها خسائر مادية وبشرية هائلة، وهي لا تطمئن إلى ترك العراق بيد حكومة مرفوضة، تعتمد على قوى عسكرية ضعيفة. ومن دلائل فشلها تراجع تصريحاتها عما كانت عليه قبل الحرب على العراق، حيث لم تسأل عن أمم متحدة، ولا مجلس أمن، ولا قانون دولي، وسخرت من أوروبا ووصفتها بالقارة العجوز… فإذا بها تعود إلى مجلس الأمن وتدافع عن حربها ضد العراق بأنها شرعية، رداً على اتهام كوفي عنان لها، وصارت تستجدي أوروبا لمساعدتها في المال والرجال.

نعم، إن أميركا فشلت استراتيجياً، ولم تستطع أن تحقق نصراً عسكرياً قريباً، وأصبحت حالها كحال (إسرائيل)، ذلك الكيان الخبيث، الذي رغم كل الدعم الذي تلقاه، وما يزال، من دول العالم، وبخاصة أميركا، وبالرغم من خيانات الأنظمة التي تحكم المسلمين بالقوة والتسلط، وبالرغم من كل ما يرتكبه هذا الكيان الخبيث من أبشع أنواع القتل، والتدمير، والتشريد، بحق المسلمين… لم يستطع أن ينتصر، بل إن الأمور تجري عكس ما يشتهيه. وها هي أميركا اليوم تنزلق إلى نفس المنزلق، ولا شك أن هذا الانزلاق يعد انتصاراً كبيراً للسياسة الإسرائيلية، وغباءً ما بعده غباء لأميركا، وهذا ما بدأ السياسيون والمفكرون وحتى العسكريون الأميركيون يعونه، الذين يبدو لهم واضحاً كيف أن هذه الحرب ستشغل أميركا عن تحقيق مشروعها الإمبراطوري في العالم، وستمنعها من التفرد بقيادة العالم كما هو مخطط لأميركا في هذه المرحلة.

إن الحروب حتى يقال إنها حققت انتصاراً، فإنها تعني أن يستسلم الطرف الأضعف، ويخضع لإرادة، وإملاءات، وشروط، المنتصر.. أما إذا حقق الطرف الأقوى تفوقاً في الآلة العسكرية، وألحق خسائر مادية وبشرية كبيرة بالخصم، من غير أن يستسلم ذلك الخصم، فإن هذا يعني أنه لم يحقق انتصاراً، وهذا ما حدث لـ(إسرائيل)، وما هو مرشح له أن يحدث مع أميركا.
أما الذي جعل أميركا في هذه الورطة، فإنه ولا شك المقاومة، التي لولاها لاستقر لأميركا، ولـ(إسرائيل) من قبلها، كل شيء. فالمسلمون لما رأوا أنهم لا يستطيعون القضاء على يهود، ولا مقاومة أميركا عبر الأنظمة الخائنة، قامت لهم مقاومة تعمل على تحقيق ما يمليه الشرع عليهم، وسمي من قام منهم على أساس الإسلام بالمجاهدين، على اعتبار أنهم يقومون بجهاد الدفع.

إن جهاد الدفع عندما بحثه فقهاء المسلمين، بحثوه في دار الإسلام، واعتبروا أن العدو الكافر إذا دُفع عاد الحكم للمسلمين كما كان قبل الغزو، أي للإسلام. وبما أن الحكم في العراق لم يكن قبل الغزو للإسلام والمسلمين، فإذا دفع العدو، فأي حكم سيعود؟ وإن جهاد الدفع إذا حقق غايته، وعادت الأرض التي اقتطعها العدو الكافر بالقوة من أرض المسلمين، فإلى أي أرض إسلامية ستعود؟

إن مشروع المقاومة مشروع في محله، وقام لهدف مشروع، وهو دفع العدو، ولكنه ليس مشروعاً كافياً. وإن المشروع الأوحد الذي يستطيع أن يوحد الأمة على صعيد واحد، ويقضي على كل أثر للاستعمار، وينهي حالة المآسي، والتخبط، والتشرذم، والضعف، والذل، الذي يعيشه المسلمون اليوم هو الإسلام كدولة، الذي لا يكتفي بجهاد الدفع، بل يضيف إليه جهاد الطلب مع ما يعنيه…

ومع بقاء المقاومة تقوم بواجبها الشرعي الضروري، نوجه الدعوة لكل المهتمين بالعمل الإسلامي أن يفكروا تفكيراً شرعياً حين الجواب على هذا السؤال: هل من سبيل للخلاص، خلاص كل المسلمين، في كل مكان، غير الدولة الإسلامية؟ قد يقال: صحيح، ولكن الغرب وعلى رأسه أميركا، لن يسمحوا بذلك، وسيسخرون كل إمكانياتهم لضربه، قد يقال ذلك، ولكننا نسأل: إننا لا نريد إلا جواباً واحداً: هل الدولة الإسلامية هي المخرج الشرعي الوحيد، لما نحن فيه أو لا؟ فإذا كان الجواب “نعم” (وهذا هو الجواب الصحيح)، فمعنى هذا أننا إذا لم نعمل على إقامة الدولة الإسلامية، فلا خلاص لنا، وستكون أعمالنا ترقيعات، ولا تخفف الآلام بل تزيدها. وإذا كان الجواب “نعم” (وهذا هو الجواب الصحيح) نقول: بقي لنا أن نحدد الطريق التي يجب أن تسلك، والأعمال التي يجب القيام بها، لتحقيق وجود الدولة الإسلامية… وهذه قد  قد سلكها من قبلنا، فإذا سلكنا الطريق نفسها، نبأنا الشرع الحنيف سبيلها. فالرسول صلى الله عليه وسلم فإننا ولا بد واصلون إلى تحقيق الهدف نفسه، وهو إقامة الدولة الإسلامية، أي دار الإسلام، قال تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف: 108].

إن الأمر بين، فلا تجعلوا، أيها المسلمون، لله عليكم سبيلا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *