العدد 213 -

السنة التاسعة عشرة شوال 1425هـ – تشرين الثاني 2004م

لولا إقامة الدين لما حصلت بدر، ولما كان فضلها

لولا إقامة الدين لما حصلت بدر، ولما كان فضلها

من المعروف فضل بدر، ومن شهدها، وفي ذلك أحاديث كثيرة في الصحاح، منها قوله صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: «وما يدريك، لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفر الله لكم». وفي البخاري عن جابر «إن عبداً لحاطب جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو حاطباً، فقال: يا رسول الله، ليدخلن حاطبٌ النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذبت لا يدخلها، شهد بدراً والحديبية»، وعند أحمد على شرط مسلم من حديث جابر مرفوعاً «لن يدخل النار أحد شهد بدرا».

إلا أن الناس قد غاب عن ذهنهم حدثٌ، لولاه لما أُقيمَ الدين، ولما حصلت بدر، ولا غيرها، ولما انتصر الإسلام وأهله.
قال ابن كثير في تفسيره: قال ابن عباس: «إنما شرع الله تعالى الجهاد في الوقت الأليق به؛ لأنهم لما كانوا بمكة، كان المشركون أكثر عدداً، فلو أُمِرَ المسلمون، وهم اقل من العشر، بقتال الباقين لشق عليهم؛ ولهذا لما بايع أهل يثرب ليلة العقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا نيِّفاً وثمانين، قالوا: يا رسول الله، ألا نميل على أهل الوادي، يعنون أهل منى، ليالي منى، فنقتلهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لم أومر بهذا» فلما بغى المشركون، وأخرجوا النبي صلى الله عليه وسلم من بين أظهرهم، وهمّوا بقتله، وشردوا أصحابه شذر مذر، فذهب منهم طائفة إلى الحبشة، وآخرون إلى المدينة، فلما استقروا بالمدينة، وافاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتمعوا عليه، وقاموا بنصرته، وصارت لهم دار إسلام، ومعقلا يلجأون إليه، شرع الله جهاد الأعداء».
من هذا النقل يتبين أن بيعة العقبة بها تم إقامة الدولة، أي دار الإسلام، وبها أصبح للمسلمين منعة، فحينئذٍ شرع الجهاد، وحصلت بدر وغيرها.
والدولة، التي بدئت بعد إعطاء النصرة للرسول في العقبة، هي أصل، يتفرع منها حصول الجهاد، ويتفرع منها تطبيق الإسلام، وتتفرع كل الخيرات… وبدر فرع منها.
وفي ذلك قول لصحابي جليل، موافق لما قدمنا من فضيلة النصرة. روى البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن كعب، ‏أن‏ ‏عبد الله بن كعب، و‏‏كان قائد ‏كعب ‏من بنيه حين عمي، قال سمعت ‏كعب بن مالك ‏يحدث حديثه، حين تخلف عن رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم ‏ ‏في‏ ‏غزوة‏ ‏تبوك‏، ‏قال‏ ‏كعب بن مالك: «لم أتخلف عن رسول الله‏ صلى الله عليه وسلم ‏ ‏في غزوة غزاها قط إلا في‏ ‏غزوة ‏‏تبوك، ‏‏غير أني قد تخلفت في ‏‏غزوة ‏‏بدر،‏‏ ولم يعاتب أحداً تخلف عنه، إنما خرج رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم والمسلمون يريدون عير ‏‏قريش، ‏‏حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد، ولقد شهدت مع رسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‏‏ليلة ‏‏العقبة، ‏‏حين ‏‏تواثقنا ‏‏على الإسلام، وما أحب أن لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر‏ أذكر‏ ‏في الناس منها» فهذا الصحابي الجليل يفاضل نصرته للرسول صلى الله عليه وسلم على بدر. أما قوله إن بدر أذكر منها عند الناس، فليس بقادح في كلامه؛ لأن النصرة حصلت مرة، وتنوسيت بعد إقامة دار الإسلام، ولم يعد أحد يذكر لا النصرة، ولا المرحلة المكية، وهذا محسوس ومطرد حتى زماننا هذا.
وينبغي أن يعلم أن فضيلة النصرة حكم شرعي ثابت، تحصل فضيلته لكل من يقوم بالنصرة في كل زمان، وفي كل مكان. فالله حين يقول مثلا ﴿وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا﴾ [الأنفال 72] وحين يقول: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ﴾[التوبة 100] فإن هذه الألفاظ وهي ﴿وَنَصَرُوا﴾ و﴿وَالْأَنصَارِ﴾ أوصاف ليست جامدة، بل هي أوصاف مفهمة وجه العلية فيها، فتحصل الفضيلة لكل من يقوم بحكم النصرة في كل زمان ومكان.
. فقد أخرج مسلمtولأهل النصرة اليوم أسوة حسنة بسيد الأنصار، وهو سعد بن معاذ  وغيره أنه لما مات سعد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ».
وأخرج الترمذي وصححه من حديث أنس قال: «لما حملت جنازة سعد بن معاذ، قال المنافقون: ما أخف جنازته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الملائكة كانت تحمله».
وجاء عند الحاكم قوله صلى الله عليه وسلم «مَنْ هذا الميت الذي فتحت له أبواب السماء، واستبشر به أهلها؟».
وفي مسلم من حديث البراء: «‏أهديت لرسول الله ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‏‏حلة حرير، فجعل أصحابه يلمسونها، ويعجبون من لينها، فقال: ‏أتعجبون من لين هذه؟ لَمناديل ‏‏سعد بن معاذ، ‏‏في الجنة، خير منها وألين». رضي الله عن سعد بن معاذ، وعن الأنصار جميعهم، وقيّض للدعوة اليوم أنصاراً كأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنه على ذلك لقادر وهو وليه

عبد المنعم – أميركا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *