العدد 305 -

العدد 305 – السنة السادسة والعشرون، جمادى الآخرة 1433هـ، الموافق أيار 2012م

نحو ترشيد ثورات المسلمين: القيم الرفيعة التي يجب أن تتحلَّى بها

نحو ترشيد ثورات المسلمين:

القيم الرفيعة التي يجب أن تتحلَّى بها

لاشكَّ أن كل ثورة، أيّاً كانت هذه الثورة، هي تعبيرعن رفض الواقع السياسيّ والاجتماعيّ والفكريّ القائم، والانتفاض في وجه القيِّمينَ عليه من طبقة الحكام (سواء أكانوا في الحكم أم في المعارضة) ومن طبقة السياسيين والإعلاميين والفكريين والاقتصاديين الذين يدورون في فلكهم، ومعهم العسكريون والأمنيون الذين يشكلون الذراع القاسية لهؤلاء الحكام…

بما أن دول الغرب الرأسمالي الكافر هم الذين يقودون سفينة الصراع الدولي، وتسيطر على دول العالم بما فيها بلاد المسلمين التي تحدث فيها الثورات وتجعلها تدور في فلكها فإنه يمكن القول، وعلى سبيل القطع، إن هذه الثورات هي كذلك رفض لهيمنة الغرب السياسية والاقتصادية والإعلامية والفكرية التي يمارسها وتؤدي إلى مثل هذه الأوضاع الكارثية التي يعيشها المسلمون اليوم.

والثورات في بلاد المسلمين لم تخرج عن هذا المنحى من حيث رفض الواقع بكل من يمثله وما يمثله… ولكنها في الوقت نفسه حملت الولاء للإسلام فانطلقت مظاهراتها من المساجد وأيام الجمع وبعد خطبها، ورددت صيحاتها ألفاظاً إيمانية ما جعل الغرب يدرك أنه لا يمكنه الالتفاف على هذه الثورات إلا من خلال اللعب بورقة الحركات الإسلامية (المعتدلة) التي فرض عليها شروطه لتسليمها الحكم من مثل سن دساتير مدنية(علمانية)، وإقامة دولة مدنية (علمانية)، وقبولها بالديمقراطية، أي حكم الشعب، وتدوال السلطة، والقبول بنتائج الانتخابات ولو أتت بامرأة أوغير مسلم… إلى غير ما هنالك من أفكار وأنظمة تتصادم مع الإسلام.

ويمكن القول إن هذه الثورات لم تستطع أن تحقق إسلاميتها بسبب ما تحمله من أفكار عامة غير واعية عن الإسلام، فهي تريد الإسلام وتتوق إلى عودته إلى حياتها وتتشوق إلى تاريخها المشرق الذي كانت نجومه الزاهرة أمثال أبي بكر الصديق والفاروق عمر والخليفة العادل عمر بن عبد العزيز والسلطان محمد الفاتح والمحرر للقدس ولبلاد المسلمين من الصليبيين صلاح الدين الأيوبي…. ولكنها بعموميتها لم تستطع أن تحققه إذ لا تستطيع ذلك إلا حركات وأحزاب تتبنى الإسلام كعمل سياسي وكمشروع حضاري. وهنا جاء الغرب الذي ما زال يقبض على مقاليد الأمور في بلاد المسلمين ليتجاوز قطوع هذه الثورات وليعمل على إجهاضها عبر استخدام ورقة الحركات الإسلامية (المعتدلة)، والتي لن يغير وجودها في الحكم من واقع سيطرته على بلاد المسلمين … وهنا يذكر أن الحركات الإسلامية الواعية والمخلصة لم تتمكّن من النجاح في قيادة هذا التوجّه المخلص؛ لأن إمكاناتها المادية والإعلامية هي أقل بكثير من قدرات الغرب، وقد ساهم تعاون الحركات الإسلامية (المعتدلة) معه في عدم النجاح هذا، لو قيِّض لهذا التيار الواعي من الحركات الإسلامية امتلاك مثل تلك الإمكانات لكان نجاحه منقطع النظير.

ويمكن القول كذلك إن تعامل الغرب مع ما يحدث من ثورات لا يرقى إلى المستوى المطلوب، ولا يشي بإدراك الغرب لحقيقة هذه الثورات. فالحقيقة التي لا مراء فيها أن هذه الثورات، كما هي رفض للواقع بما فيه، هي كذلك تلمس لواقع مرتجى ولنظام صحيح ولعيش كريم…والمتعمق فيما يجري يرى أن الغرب يشهد إفلاساً حضارياَ، وأصبحت حضارته مولّدة للأزمات المستعصية، وبات لا يستطيع أن يقود العالم بفكره بل بقوته ومؤامراته واستخباراته وشراء الذمم… وحتى شعوبه باتت رافضة لهذه الحضارة ودعت الى وأدها عبر آلاف المظاهرات في مختلف المدن في دول أوروبا وأميركا التي توجهت إلى وول ستريت ومثيلاتها من دوائر التحكم في الاقتصاد العالمي الرأسمالي مطالبة بإسقاطها… وعليه فإن ما يحدث في بلاد المسلمين هو صورة من صور رفض الفكر الغربي وحضارته، وتلمس للإسلام كدين حضاري يريد أن يعبّر عن نفسه بواسطة مشروع حضاري تقوم على تحقيقه خلافة راشدة على منهاج النبوة، ويحتاج لمن يحقق واقعه المرتجى هذا.

وكذلك يمكن القول إن ما يحدث من ثورات في بلاد المسلمين، إنما هو إرهاصات تشير إلى تغيير كوني، ويجب التعامل معها على هذا المستوى، وإن ما جرى من الالتفاف على هذه الثورات من قبل الغرب لن يدوم، بل سيكون قصيراً جداَ… فهناك مواقف حقيقية ومطالب حقيقية تقف وراء هذه الثورات لم ولن يجريَ تلبيتها.

وكذلك يمكن القول إن العالم بعد فشل الحضارة الغربية، بات خالياً من أي فكر مبدئي إلا من الإسلام، والغرب يعمل على طمس هذه الحقيقة، وتشويهها، والدس عليها، والهيمنة عليها من خلال تأويل نصوص الشرع بما يوافق طريقته في التفكير والتشريع، ومن خلال استخدام أدواته من العلماء والحركات الإسلامية، ويتنازعه خطران: خطر تفلت بلاد المسلمين من سيطرته وقطع يده عن استغلال ثرواتها… وخطر تحقيق المشروع الحضاري الإسلامي الذي يهدده بأخذ القيادة العالمية منه، بل بإسقاط حضارته وإزالتها من الوجود.

وعلى سبيل ترشيد ما يحدث ثورات في بلاد المسلمين، وعلى سبيل خوض الصراع الفكري والحضاري مع الغرب على أسس سليمة، فإنه يجب أن تكون لها قيماً رفيعة تسعى إلى تحقيقها وإحداث التغيير الحقيقي على أساسها.وهذه القيم الرفيعة يجب أن تنبثق من فكرها الذي تؤمن به، ويمثل تطلعاتها ويحقق أهدافها،وهذه القيم يجب التعامل معها على أنها قيم لا تمس، ويسقط كل من يخالفها، أو يحاول اللعب أو المتاجرة بها، أو تأويلها… ومن هذه القيم:

أن تكون ثورات تسعى إلى تغيير حقيقي ينبثق من عقيدة الأمة القائمة على (لا اله الا الله   محمد رسول الله)، ويكون انبثافه هذا منضبطاً بطريقة الإسلام التي تؤدي إلى تحكيمه كاملاً شاملاً وبصورة نقية صافية…

أن تكون ثورات تهدف إلى إقامة المجتمع الإسلامي الفاضل الذي يقيم الحق والعدل وينشرهما في العالم عن طريق الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.

أن تكون ثورات تنطلق من كون الشعوب الإسلامية تشكل فيما بينهاالأمة الإسلامية الواحدة ما يجعلها تنفتح على بعضها في ثوراتها، ويجعلها ثورات واحدة بمشروعها: مطالبها ووجهتها وهدفها…

أن تكون ثورات تؤدي إلى المحافظة على غير المسلمين تماماً كالمسلمين، وتجعل الجميع في ميزان الرعاية سواء، وقد كان للدولة الاسلامية في السابق صورتها المشرقة في ذلك، وستعيد هذه الثورات تظهير تلك الصورة على أحسن ما يكون، إن شاء الله تعالى.

أن تكون ثورات تقطع كل صلة فكرية للغرب في بلادنا، وتمنع تدخله سياسياً، وتعتبره من الآثام التي لا يُتساهل في محاربتها. وتقطع كل أثر لوجود عملاء له في بلادنا.

أن تكون ثورات تهدف إلى حمل الإسلام كمشروع حضارة عالمي عن طريق الجهاد؛ لإدخال العالم في إسلام الحكم، ونور الهداية من غير إلزام غير المسلمين في أمور العقيدة والعبادات والمطعومات والملبوسات ضمن النظام العام.

إننا ندعو هذه الثورات أن تكون منطلق خير لا لرفع الظلم عن المسلمين فحسب، بل وكذلك من أجل هداية البشر جميعاً، وتحقيق أمر الله تعالى في نشر دينه وإظهاره على الدين كله، قال تعالى: (هوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *