العدد 160 -

السنة الرابعة عشرة _جمادى أولى1421هــ _ آب2000م

كلمة الوعي: مسـلسـل كامـب ديفيـد أبطـولة هـو ؟ أم ذل وخـذلان ؟

يقولون إن وفد السلطة الوطنية الفلسطينية ورئيسها قد أبلوا بلاءً حسناً في مفاوضات كامب دافيد، وأنهم لم يتنازلوا عن ثوابتهم ولم يتزحزحوا عن مواقفهم!

 ويقولون إنهم لم يفرطوا في الحقوق، ولم يخضعوا للضغوط، وأنهم كانوا أبطالاً في الكامب، ثم عادوا أبطالاً أمام الشعب، وأن إنجازاتهم هنا وهناك يتغنى بها الركب!

 أليس هذا هو العجب العجاب؟! اليهود اغتصبوا فلسطين، واقترفوا الموبقات، وارتكبوا المجازر… استحلوا الحرمات وانتهكوا الأعراض وأهانوا المقدسات… هؤلاء هم يهود، فإذا قام نفر ينتسبون إلى فلسطين، فاعترفوا بحق يهود في ما اغتصبوه، وأقروا لهم كياناً ودولة، وجعلوا يهود إخوة لهم وخير جيران، وفعلوا وفعلوا…، وكل ذلك مقابل أن يجلس يهود معهم في مفاوضات حول شيء من فلسطين، لعل يهود يعطون السلطة شيئاً من هذا الشيء، فهل هذا يكون بطولة أو خيانة؟

ثم ما الذي بقي ليتنازلوا عنه؟ وما الذي بقي من ثوابتهم، حتى يقال إنهم لم يتنازلوا عن ثوابتهم؟ ثم ما الذي بقي لم يتزحزحوا عنه؟ وما الذي بقي من مواقفهم، حتى يقال إنهم لم يتزحزحوا عن مواقفهم؟

 ألم يكونوا يقولون فلسطين من النهر إلى البحر؟ فأصبحت فلسطين عندهم أشلاء ممزقة. ثم ألم يكن القرار 242 عندهم قمة الخيانة أقاموا الدنيا ولم يقعدوها عليه؟ فأصبح لهم حجر الزاوية في أعمالهم السياسية ومطلباً وطنياً قومياً. ثم ألم يكن اليهود عندهم شر عدو، يوصم بالخيانة العظمى من يشتبه في اقترابه من يهود، مجرد شبهة؟ فأصبح العناق مع يهود بالأحضان، ومصافحتهم بالقبلات، غاية القصد والمراد وعنوان البطولة والوطنية؟ ثم ألم يكونو يعلنون أن لا فرق بين اللد والخليل، ولا يافا وجنين، أو القدس الشرقية والقدس الغربية، أو ما احتل سابقاً وما احتل لاحقاً، وأنه كله مطلوب تحريره؟ فنكصوا عما قالوا وتناسوا ما صرحوا وأعلنوا.

 فما الذي بقي من الثوابت والمواقف لم يتنازلوا عنه حتى يقال إنهم جاؤوا بعمل بطولي عظيم، بثباتهم في كامب ديفيد؟

إن المسألة هي أنهم تنازلوا عن اللحم والشحم في فلسطين وبقيت عظام الرقبة، وهذه تحتاج إلى تهيئة للتنازل التدريجي عنها، فكانت هذه الهالة من البطولة التي أضفوها على رئيس السلطة ووفده، وأنهم لا يفرطون في الحقوق، حتى يمكنهم تسويق أية تنازلات لاحقة على عامة الناس، وإلاّ فإن الذي يتنازل مرة، يتنازل مرات، والذي يفرط بشبر يفرط بأشبار، ومن يعلن على رؤوس الأشهاد أنه يتنازل عن فلسطين التي احتلت عام 48 يسهل عليه التنازل عن جزء أو أجزاء مما احتل 1967:

         مَنْ يَهُـنْ يَسْـهُلِ الهَـوانُ عَلَيْـهِ                  مَـا لِجُـرْحٍ بِـمَـيِّـتٍ إِيـلاَمُ

 إن فلسطين بلد إسلامي فتحه المسلمون بدمائهم، فلا يكاد يخلو شبر فيها من غبار فرس لمجاهد أو قطره دم لشهيد. وقد أصبحت فلسطين بالفتح جزءاً من ديار الإسلام، تبذل المهج والأرواح في الحفاظ عليها، وإن التفريط في شبر منها جريمة عند الله ورسوله والمؤمنين، لا فرق بين ما اغتصب في 48 أو 67 أو قبل أو بعد، وهكذا كل شبر من أراض المسلمين يحتله كافر، وهذا الحكم الشرعي معلوم من الدين بالضرورة، وينطبق على كل أرض إسلامية مغتصبة، فكيف إذا كانت هذه الأرض أرض الإسراء والمعراج، الأرض التي بارك الله فيها وما حولها.

 إن فلسطين قد احتلها الصليبيون فقاتلهم المسلمون مائتي سنة دون كلل أو ملل حتى طهروها من رجس الصليبيين، وأعادوها إلى ديار الإسلام.

 هكذا تعاد فلسطين، أن تزحف جيوش المسلمين لقتال يهود في ميدان القتال، لا أن تتوجه الوفود للمفاوضات في ردهات الاستقبال.

 إن مصيبة المسلمين أن لا خليفة لهم يحكمهم بما أنزل الله ويقود جيشهم للقتال في سبيل الله، قتال ينسي يهود وساوس الشيطان ويشرد بهم من خلفهم، يقضُّ مضاجعهم ويقضي على كيانهم، ومصيبة أخرى أن الحكام الحاليين في بلاد المسلمين، لا يقاومون عودة الخـلافة فحسب بل كذلك عطلوا الجهاد وحالوا بين الجيوش وبين عملها الأصلي في قتال العدو وإنقاذ أرض المسلمين المغتصبة، وأشغلوا هذه الجيوش بالعرض والاستعراض والمراسم وحماية عروشهم وسلطانهم.

إن المفاوضات لا تعيد فلسطين إلى ديار الإسلام ولا تقضي على كيان يهود، بل تزيده تثبيتاً ورسوخاً وتزيده عنجهية وصلفاً، كما تغمر الطرف المقابل في الذل والهوان. فالقضية ليست أن يعيد اليهود شيئاً من فلسطين هنا أو هناك، ولا هي قيام كيان هزيل باسم فلسطين على أشلاء ممزقة منها، وليست المسألة كذلك، رفع علم على المسجد الأقصى دون سيادة أو سلطان، ولا حتى ان ينسحب اليهود من معظم الضفة والقطاع أو حتى كلها، بل إن مجرد القبول ببقاء كيان ليهود على جزء من فلسطين، صغر أم كبر، هو خيانة لله ولرسوله والمؤمنين.

 إن فلسطين ليست للبيع والمساومة، والقدس ليست للسياحة والمقايضة، والأقصى لا يعود بكلمات معسولة في مفاوضات هزيلة، بل يعود بالفاروق الذي فتحه وصلاح الدين الذي حرره، والخليفة الراشد الذي يعيد تحريره… هكذا تعود فلسطين وتعود القدس ويعود المسجد الأقصى، عندما تختلط صيحات الله أكبر مع أزيز الصواريخ والطائرات والمدافع والدبابات. أما أولئك الذين يعدّون ثباتهم على الاعتراف بكيان يهود بطولة، واستمرارهم في التفاوض معه على ضياع فلسطين شجاعة وفضيلة، أولئك سيبوءون بالخسران المبين وإن غداً لناظره قريب .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *