العدد 157 -

السنة الرابعة عشرة _ صفر 1421هــ _ أيار 2000م

كلمة الوعي: الإسلام هو الدواء الناجع للعالم من مرض الرأسمالية الخبيث

اختتمت “قمة ألـ 77” المنعقدة في هافانا، أعمالها في 15/04/2000 وقد كان عدد الدول المشاركة في هذه القمة 122 دولة. وهي الدول الواقعة جنوب الكرة الأرضية حيث ينتشر الفقر عموماً. وفي نهاية المؤتمر طلبوا من الدول الصناعية، والمؤسسات المالية الدولية التي تتركز في الشمال «اتخاذ سلسلة من الإجراءات العاجلة والكفيلة بالقضاء على الجوع والأمية والمرض والفقر في العالم الثالث». وطالبوا بمشاركة أكبر في «تقرير طبيعة النظام الاقتصادي العالمي»، ووجهوا دعوة إلى إقامة «نظام عالمي جديد وعادل وديمقراطي يسمح بردم الهوة بين أغنياء العالم وفقرائه».

 إن هذه القمة هي شكل من أشكال التعبير الصارخ عن أن العالم، اليوم، تقوده دول الغرب الرأسمالية، بنظام دولي فاسد وظالم يفتقر إلى أبسط قواعد الرحمة والإنسانية، ويفتقد إلى القيم الخُلُقية والروحية، ولا يقوم إلا على تحقيق قيمه المادية، وتأمين مصالحه على حساب، ليس ملايين البشر بل بلايينهم. لقد أدت سياسات الغرب الرأسمالي وعلى رأسه أميركا، وممارساته، بعد سيطرته على العالم إلى إفقار الشعوب، وتجويعهم، وتجهيلهم، وإغراقهم في الديون وفوائدها ما قضى على كل أمل لهم بالتنمية، وجعل البلاد مرهونة له وللمؤسسات الدولية التابعة له من مثل صندوق النقد الدولي.

 إن هذه القمة تبين حاجة العالم إلى نظام عالمي جديد، لا تقوده أميركا والغرب الرأسمالي، ولا يقوم على أفكار الديمقراطية التي ما أنتجت إلا الاستعمار الذي تطورت وسائله، وتقدمت أساليبه، وخفيت ممارساته، والذي استطاع أن يحقق أهدافه ويجعل من نفسه، في الوقت ذاته، مثالاً للدول الفقيرة، تطالب أن يفسح لها المجال أن يطبق عليها النظام الديمقراطي.

 فكيف يقود الغرب وأميركا العالم اليوم؟ وكيف وصلت الأمور إلى هذا السوء؟ وما الحل الذي يخرج العالم من هذا المأزق؟

   ـ   إن دول الغرب، وعلى رأسها أميركا، تعتنق الرأسمالية كمبدأ لها يسيّر أعمالها. وهذا المبدأ جعل هذه الدول تعتبر أن مصلحتها مقدمة على كل شيء وفوق كل اعتبار، وحولها إلى دول ذئاب تعتبر سائر الدول غنماً لها. حتى إن هذه الدول تتنافس فيما بينها لتكون المكاسب الأكبر لها. وما سعي أوروبا إلى الوحدة بين دولها إلا من أجل أن تشكل قوة سياسية وعسكرية واقتصادية وإعلامية لتقف في وجه العملاق الأميركي في صراعها معه على المصالح. وهذه الدول في تنافسها مع بعضها على المصالح تتفق فيما بينها حينما تدعو مصالحها إلى الاتفاق، وتختلف حينما تدعو مصالحها إلى الاختلاف. واتفاقها واختلافها لا يكون إلا على حساب الدول الأخرى التي تعمل على استعمارها. وصراعها وتنازعها لا يكون مباشراً بل عن طريق أدواتها من الدول التابعة لها فيرتد على هذه الدول التابعة حروباً، ومآسي، ومجاعات، مذابح، وتشريداً ودماراً. وكل ما يحدث في العالم هو برسم الدول الغربية ومن صنعهم وتخطيطهم. وما تظاهرهم بتقديم المساعدات الإنسانية لهذه الشعوب المنكوبة نتيجة صراعاتهم إلا أسلوب آخر من أساليب استعمارهم لهذه الشعوب، وتدخلهم في شؤونها. فما لم تحققه الحروب من استعمار، قد تحققه المساعدات الإنسانية.

  ـ    إن الدول الغنية تمنع الدول الأخرى من التحول من دول مستهلكة إلى دول منتجة كي تبقى أسواقاً لها. وتمنع فيها العلوم التطبيقية، وإنشاء المصانع الضخمة والصناعات الثقيلة. وهي من أجل ذلك وضعت سياسة تعليمية لتلك الدول تؤدي بها إلى عدم الانتفاع بأبنائها المبدعين أو فتح المجال لهم لتنمية قدراتهم فينتقلوا إلى الدول الغربية. وهناك تعرض المغريات المادية على من يظهر نبوغاً وتجنده لمصلحتها، ويعطى الجنسية ويصبح واحداً منها. فيرتد تخصصه خيراً على الدول المستعمرة وشراً على الدول التي هو واحد منها أصلاً.

   ـ   إن الدول الفنية تقوم سياستها على إفقار البلاد الأخرى، وذلك بتشجيعها على الاقتراض من أجل مشاريع غير ذات نفع اقتصادي، فتغرقها من أجل ذلك بديون ضحمة مع فوائدها، فتقضي هذه الدول عمرها في وفاء الفوائد التي تعجز عنها، ويبقى المبلغ الأساسي بل يزيد. وعندما تغرق الدول الفقيرة بالديون وتنشغل بتسديد الفوائد، تتعطل لديها كل إمكانية بتحسين وضع الناس، ويصبح كل إنتاج البلاد هذه وكل سياساتها الضريبية قائمة على تسديد الديون.

   ـ  إن حكام الأنظمة في العالم الثالث هم صنيعة الدول الغربية في صراعها فيما بينها من أجل الحصول على أسواق لتجاراتهم وصناعاتهم. وما من حاكم يخالف هذه القاعدة. وهؤلاء الحكام ترسم لهم الدول الغربية التابعين لها سياستهم الاقتصادية وتأمرهم بالاستدانة من البنك الدولي من أجل تنفيذ هذه السياسة. وصار من المعروف الشائع أن هؤلاء الحكام عندما يقترضون يحولون معظم الأموال المقترضة إلى حساباتهم الشخصية في الخارج، ومن ثم يحملون شعوبهم تبعة تسديدها مع فوائدها. والغرب يعلم ذلك بل ويباركه لأن هذا ينسجم مع سياساته ويجعله يملك ورقة يستطيع أن يهدد بها هذا الحاكم متى فكّر بالخروج عن الخط المرسوم له.

   ـ   إن الدول الغربية أنشأت المؤسسات الدولية كأدوات لها من أجل التدخل في سياسة البلاد الفقيرة اقتصادياً من مثل البنك الدولي، وسياسياً من مثل هيئة الأمم المتحدة، وقضائياً من مثل هيئة المحكمة الدولية، وثقافياً من مثل الأونيسكو، وإنسانياً من مثل الصليب الأحمر الدولي، وإعلامياً من مثل المحطات الفضائية… وحتى تكمل لها السيطرة، وحتى تظهر نفسها أنها تنعم بالحياة الجميلة والسليمة فتكون قدوة لسائر الدول.

 هذا غيض من فيض، فالغرب قد طوّر استعماره للعالم، واستفاد من كل المكتشفات العلمية التي توصل إليها، ومنعها عن غيره إلا بالمقدار الذي فيه مصلحة له. واستطاع أن يجعل العالم كله كأنه قرية من أجل أن يشرف على سياستها، ويضع يديه على مقدراتها، ويحدد لها مفاهيمها وتصوراتها ويسوّق عبرها طريقة حياته الفاسدة، ويمنع عنها كل إمكانية بالخروج من الحلقة التي وضعها فيها، وضعضع أفكار الجميع كي لا يهتدوا إلى سبيل النهضة.

وما يجدر ذكره هنا أن ما ينعم به الغرب من بحبوحة في العيش وما يظهر عليه من استقرار ليس نتيجة صحة فكره وصدق مبدئه، بل نتيجة استعماره ونهبه لمقدرات العالم ومصه لدماء الشعوب. ومثل الغرب كمثل اللص الذي لم يؤخذ على يديه فهو يعيش مرفهاً منعّماً من سرقته.

 وإنه لمؤسف أن تنادي الدول ألـ 122 المجتمعة في هافانا بنظام عالمي يقوم على الديمقراطية، إذ إنها تداوي نفسها بالذي كان هو الداء. وإنها لتهرب إلى الذي تهرب منه. وإنه لمن المؤسف أكثر أن يكون بين المجتمعين عدد من حكام المسلمين قد طرحوا مع الآخرين طرحهم ولم يطرحوا الإسلام. قال تعالى: (أفحكم الجاهلية يبغون، ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون).

 وإننا نعلن للناس جميعاً: أفراداً ودولاً وجماعات، أن الجميع اليوم أحوج ما يكونون إلى الإسلام. فهو يختلف اختلافاً جوهرياً عن الرأسمالية:

   ـ   فالإسلام يقوم في أساسه على عبادة الله، حيث يشرّف الإنسان ويأخذ قيمته، ويقوم على إبعاد الناس عن عبادة المصالح والشهوات، حيث يحتقر الإنسان ويمتهن، ويسخّر لفئة تعتبر أن لها الحق في ذلك، وأنها فوق الجميع. وهنا نتذكر قول ربعيّ بن عامر لكسرى ملك الفرس عندما قال له: «ما الذي جاء بكم». فأجابه: «جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام».

   ـ  إن الإسلام يقوم على الدعوة إلى الإيمان بالله الخالق، وإلى الاحتكام إلى شريعته التي لا يظلم فيها أحد. ويقوم الجهاد فيه من أجل منع أي دولة، أو سلطة بيدها قوة، من الوقوف في وجه الاختيار الحر للعقيدة عند غير المسلمين ومن أجل تطبيق نظامه العادل عليهم.

   ـ  إن الإسلام يجعل البلاد التي تطبق عليها النظام الإسلامي جزءاً من الدولة الإسلامية، ولا يتبع حيال شعوبها أي سياسة فيها تمييز بل يعتبر فيها أهل الذمة كالمسلمين من رعايا الدولة، وهم سواء مع المسلمين في الحقوق والواجبات، لهم ما للمسلمين من الإنصاف، وعليهم ما على المسلمين من الانتصاف. وإن من سياسة الدولة الإسلامية أن تجعل من حسن تطبيق النظام الإسلامي عليهم دافعاً لهم كي يُسْلموا.

   ـ  إن في الإسلام ملكية عامة كالبترول، والمناجم، والمصانع التي تقوم عليها هي كذلك من الملكية العامة… وهذه الملكية العامة يعود خيرها على جميع رعايا الدولة الإسلامية.

   ـ  إن الإسلام يحرّم التعامل بالربا أو الفوائد تحريماً شديداً ويعدّه من الكبائر. ولو نظرنا إلى الربا اليوم، نرى بأنه سبب معظم المشاكل الاقتصادية التي تواجه الدول الفقيرة.

   ـ  إذا حصل في أي قطر من أقطار الدولة الإسلامية أية مجاعة، أو جفاف، أو إعصار، أو زلزال… فإن خيرات باقي الأقطار في الدولة الإسلامية تصب على المكان المصاب. قال رسول الله صلى الله الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر».

هذا غيض من فيض ما في الإسلام من أحكام تحتاج إليها البشرية حاجتها إلى الحياة الكريمة. وبانتظار أن يعود الإسلام إلى سدة الحكم فسيبقى العالم يصطلي بنار الغرب الرأسمالي.

قال تعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *