العدد 219 -

السنة التاسعة عشرة ربيع الأول 1426هـ – أيار 2005م

من خطب عثمان بن عفان رضي الله عنه

من خطب عثمان بن عفان رضي الله عنه

– أخرج ابن سَعْد أن عثمان رضي الله عنه لما بويع، خرج إلى الناس، فخطبهم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إن أول مركب صعب، وإن بعد اليوم أياماً، وإن أعش تأتكم الخطبة على وجهها، وما كنا خطباء، وسيعلمنا الله.

– وأخرج ابن جَرِير الطَبَري: لما بايع أهل الشورى عثمان، خرج وهو أشد كآبة، فأتى منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إنكم في دار قُلعة (تحول وارتحال) وفي بقية أعمار، فبادروا آجالكم بخير ما تقدرون عليه؛ فلقد أُتيتم، صُبِّحتم أو مُسِّيتم، ألا وإن الدنيا طويت على الغرور (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ) [لقمان] اعتبروا بمن مضى، ثم جدّوا، ولا تغفلوا؛ فإنه لا يغفل عنكم. أين أبناء الدنيا وإخوانها  الذين أثاروها وعمروها ومُتِّعوا بها طويلاً؟! ألم تلفظهم؟! ارموا الدنيا حيث رمى الله بها، واطلبوا الآخرة؛ فإن الله قد ضرب لها مثلاً، وللذي هو خير، فقال عز وجل: (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا* الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا) [الكهف] وأقبل الناس يبايعونه.

– أخرج الدينَوَرِي وابن عَسَاكِر عن مُجَاهِد قال: خطب عثمان بن عفان، فقال في خطبته: ابن آدم اعلم أن ملك الموت الذي وكل بك لم يزل يخلِّفك، ويتخطى إلى غيرك منذ أنت في الدنيا، وكأنه قد تخطى غيرك إليك وقصدك، فخذ حذرك واستعدّ له، ولا تغفل فإنه لا يغفُل عنك. واعلم ابن آدم، إن غفلت عن نفسك ولم تستعد، لم يستعد لها غيرك. ولا بد من لقاء الله، فخذ لنفسك، ولا تكلها إلى غيرك، والسلام.

– وأخرج ابن جرير الطبري في تاريخه عن آخر خطبة خطبها عثمان في جماعة: إن الله عز وجل إنما أعطاكم الدنيا لتطلبوا بها الآخرة، ولم يعطكموها لتركنوا إليها، إن الدنيا تفنى والآخرة تبقى، فلا تبطرنَّكم الفانية، ولا تُشغلنّكم عن الباقية، فآثروا ما يبقى على مايفنى، فإن الدنيا منقطعة، وإن المصير إلى الله. اتقوا الله جل وعز؛ فإن تقواه جُنَّة من بأسه، ووسيلة عنده، واحذروا من الله الغِيَر، والزموا جماعتكم، لا تصيروا أحزاباً (وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) [آل عمران 103]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *