العدد 155 -

السنة الرابعة عشرة _ ذو الحجة1420هــ_ آذار 2000م

كلمة الوعي: (ورضِيتُ لكمُ الإسلامَ دِيناً)

 في مثل هذه الأيام، في يوم الوقفة على جبل عرفات، في حَجّة الوداع التي حجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نزل قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً).

نطرح هذا الموضوع على الناس كافة، وبخاصة على المسلمين، وبشكل أخص على أولئك المسلمين الذين تأثروا بأفكار العلمنة، وخُدِعُوا بأفكار الحضارة الغربية، وتوهّموا أنها هي الصحيحة المناسبة للعصر، مثل: الحريات، والديمقراطية، وتحرير المرأة، واقتصاد السوق من خصخصة وعولمة، وحوار الأديان للتوفيق بينها، ومحاربة الإرهاب (بعد أن وصموا الإسلام السياسي بالإرهاب)…الخ.

نقول لهؤلاء المخدوعين بحضارة الغرب: هل تؤمنون بالله؟ وهل تؤمنون بأن محمداً صلى الله عليه وسلم هو رسول الله؟ وهل تؤمنون بأن القرآن هو كلام الله؟

 فمن يَقُلْ: (لا)، أو يترددْ في الإجابة فهو كافر حقيقةً، غيرُ مسْلم. وهذا يكون الحديث معه من منطلق آخر. وأما من يؤمن بكل ذلك فهذا لا يبقى لديه أي مبرر لأن يهجر أحكام الله وينساق وراء أحكام البشر.

 المسلم الذي يؤمن بأن القرآن هو كلام الله، الذي لا يأتيه الباطل، إذا أنعم النظر في الآية الكريمة المذكورة أعلاه:

  *  يرى أن الدين قد أُكمل فليس المسلمون في حاجة إلى زيادة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رَدٌّ». وكما أن الزيادة لا تجوز فكذلك الإنقاص لا يجوز، يقول تعالى: (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خِزْيٌ في الحياة الدنيا ويوم القيامة يُرَدّون إلى أشد العذاب).

  *   ويرى أن النعمة قد تمت على المسلمين، بهذا الدين، فإهمال الدين هو ترك للنعمة، وهو دخول في النقمة، تركٌ لنعمة الدنيا والآخرة ودخولٌ في نقمة الدنيا والآخرة. وقد أكد الله سبحانه وتعالى هذا المعنى بقوله: (فإمّا يأتينّكم مني هدىً فمن اتّبع هداي فلا يَضلُّ ولا يشقى @ ومن أعرض عن ذكري فإنّ له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى @ قال ربِّ لمَ حشرتني أعمى وقد كنتُ بصيراً @ قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتَها وكذلك اليوم تُنسى).

  *   ويرى أن الدين الذي رضيه الله هو الإسلام. وقد جاء في آيات أخرى (إن الدين عند الله الإسلام)، (ومن يبتغِ غيرَ الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين). وكلمة (الإسلام) أُطلقت على الأديان التي أنزلها الله على الأنبياء السابقين. لكن بعد نبوة محمد صلى الله عليه وسلم صارت عبارة (دين الإسلام) تطلق، حصراً، على الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. وكل من تبْلغْه رسالةُ محمد صلى الله عليه وسلم ولا يؤمنْ بها فهو كافر من أهل النار، قال تعالى: (ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيراً).

  ونقول للمسلمين المخدوعين بحضارة الغرب وبريقها الزائف:

 *   الله أعلم من البشر، وهو يعلم ما يُصْلِحُ البشر وما يفسدهم، وما يضرهم وما ينفعهم، لأنه هو خالق الإنسان وخالق كل شيء، قال سبحانه: (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسُه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد)، وقال: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير).

  *  الله سبحانه لا ينحاز إلى قوم دون قوم، كما توهم اليهود وغيرهم، ولا ينحاز إلى الذكر دون الأنثى، ولا إلى الأبيض دون الأسود، فالكل خلقه وعبيده، وأكرمهم عنده أتقاهم له (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، «لا فضل لعربي على عجمي ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى»، فلا يخافَنَّ أحدٌ أن يحيف الله عليه في شرعه (أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسولُه بل أولئك هم الظالمون).

  *   الشريعة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم هي خاتمة الشرائع الإلهية، وقد نسخت ما قبلها، ولا يأتي بعدها ما

ينسخها، قال تعالى: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسولَ الله وخاتَمَ النبيين)، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «لا نبيَّ بعدي».

 الشريعة الإسلامية فيها السعة والشمول والقدرة على تنظيم أمور الناس، جميعِ الناس، وحلِّ مشاكلهم في كل زمان ومكان. وهذا الأمر يصعب تصوره عند بعض المفكرين أو المشرعين، لأنهم يقيسون الشريعة الإسلامية على الشرائع الوضعية، ويروْن أن أية شريعة وضعية يظهر نقصها وقصورها بعد فترة من وضعها، مهما سمت عبقرية واضعيها. ويظنون أن الشريعة الإسلامية هي كذلك.

الشريعة الإسلامية لا تقاس على شرائع البشر، إذ إن الله سبحانه لا يقاس على البشر، وقدرة الله لا تقاس على قدرة البشر. البشر يعتريهم العجز والنقص، أما الله فإنه على كل شيء قدير، وكتابه لا يأتيه الباطل مهما تغيرت الأحوال والأمكنة والأزمنة (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد). والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتابَ الله وسنتي».

 *  يجوز للمسلم أن يترك أمراً منسوباً للشريعة فقط إذا لم يصح عنده النص (من السنة) الذي تضمّن هذا الأمر، أو إذا كان النص حمّال أوجه، فذهب مجتهد إلى فهم، وذهب مجتهد غيره إلى فهم آخر، فالمسلم يأخذ ما يراه الأقوى من هذه الأفهام. أما حين يكون النص صحيحاً، ويكون معناه واضحاً واحداً، فلا مناص للمسلم من الالتزام به، قال تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخِيَرَةُ من أمرهم ومن يَعْصِ اللهَ ورسولَه فقد ضل ضلالاً مبيناً) وقال تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيتَ ويسلّموا تسليماً).

   سمحتْ لنا شريعتنا الإسلامية أن نأخذ من عقولنا ومن خبراتنا، وأن نأخذ من خبرات الشعوب الأخرى (حتى الكافرة منها): سائر العلوم التجريبية، والتنظيمات الإدارية، والخبرات الصناعية والزراعية، والمكتشفات في البر والبحر والجو، وكل ما يدخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم: «أنتم أعلم بأمر دنياكم».

* أما الأمور المتعلقة بالعقيدة والغيب والعبادة والأخلاق والاجتماع والمعاملات والمطعومات والملبوسات، وأسس الحكم والاقتصاد والعقوبات، ومعنى الخير والشر، والحلال والحرام، التي شرعها الله، فإنا لا نأخذها إلا من دين الله: من كتاب الله وسنة رسوله. وهذه الأمور هي وحدها الصحيحة، وما خالفها هو ضلال، قال تعالى: (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدي به الله من اتبع رضوانه سُبُلَ السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم).

  ونقول للمفتونين بالحضارة الغربية: بالأمس كان الناس مفتونين بالاشتراكية أكثر من فتنتكم اليوم بحضارة الغرب، وها هي الاشتراكية سقطت لأنها قائمة على باطل. ولن يمر وقت طويل، بإذن الله، حتى تسقط حضارة الغرب لأنها أيضاً قائمة على باطل. كان الصراع بين الرأسمالية (الحضارة الغربية) والاشتراكية. والآن صار الصراع بين الرأسمالية والإسلام. ولكن وسائل الإسلام أضعف من وسائل الرأسمالية: لا توجد للإسلام دولة تحمله، أما الرأسمالية فلها دول كثيرة. والدول القائمة في البلاد الإسلامية تحارب الإسلام وهي عميلة للدول الرأسمالية. وكثير من أبناء المسلمين مبهورون بالرأسمالية بسبب تقدمها العلمي والتكنولوجي، وليس بسبب صحة حضارتها. فحضارتها تقوم على إباحية الجنس، وإباحية الخمور والمخدرات، وإشباع الشهوات والرغبات الجسدية، والأنانية الفردية. ومقياسُ الأعمال عندها هو النفعية والأَثَرَة، ولذلك هي تشعل الحروب في العالم من أجل السيطرة على ثروات الآخرين واستعمارهم ومص دمائهم. وهي تفتقر إلى الإيثار والتضحية والقيم الرفيعة التي تقوم عليها المجتمعات الإنسانية الناهضة. وهذه كلها من أسس الباطل التي تشكل عوامل السقوط.

أما الإسلام فإنه قوي في عقيدته وفي أفكاره وفي شريعته، إنه الحق. وقد بين الله لنا ناموس الصراع بين المبادئ بقوله: (وقل جاء الحق وزَهَقَ الباطل إن الباطل كان زَهوقاً). الباطل زهوق في طبعه، ولكن زهوقه يحتاج إلى مجيء الحق ليصول بعض الجولات معه، فيخر الباطل بعدها صريعاً.

 فعليكم أيها المسلمون أن تتمسكوا بشريعتكم ودينكم وأن تعضوا عليه بالنواجذ، واحذروا أن يفتنكم عنه دعاة الضلال، فأنتم على الحق المبين، وأنتم تحملون الهدى والنور، وأنتم (خير أمة أخرجت للناس).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *