العدد 154 -

السنة الرابعة عشرة _ ذو القعدة 1420هـــ _شباط 2000م

كلمة الوعي: الأمّة قادرة الآن على تحقيق المنهاج الإسلامي

أميركا جاهدة الآن للسيطرة على العالم بأسره، ليس من أجل خدمة العالم وراحته وهدايته بل من أجل استعماره والاستئثار بخيراته. فالمرشح للرئاسة الأميركية جون ماكين قال في مؤتمر الحزب الجمهوري في كاليفورنيا في 05/02/2000 (بأن أفضل ما يمكن للعالم أن يفعله هو أن يقترب أكثر من النموذج الأميركي، وإنه للولايات المتحدة أن تفعل كل ما بوسعها  لإعادة صوغ العالم وفق صورتها هي بالذات)، وأضاف: إن «عالماً تملك فيه مثلنا فرصة واقعية لأن تصبح عقيدة شاملة كان هدفنا الرئيسي في هذا القرن». ثم يبيّن أن ذلك ليس من أجل القيم الأميركية بل من أجل المصالح الحيوية الأميركية: إن «إسرائيل حليف قوي وديموقراطي في منطقة لا تلقى قيمنا السياسية فيها الترحيب بشكل عام وحيث توجد لنا مصالح حيوية كثيرة». وهو يَعِدُ بأن (يتدخل بوسائل عسكرية مباشرة أو بدعم علني لحركات المعارضة للإطاحة بأية قوة في العالم تفكر في أن تتحدى تفوّق أميركا الثقافي والسياسي والاقتصادي والعسكري).

  نحن الأمة الإسلامية نرفض أن نبقى مزرعة أو مصلحة حيوية لأميركا وغيرها من الدول الاستعمارية. ونرفض أن نبقى محكومين من عملاء أميركا وغيرها من الدول الاستعمارية. ونرفض أن نبقى ممزقين إلى بضع وخمسين دويلة كرتونية. ونرفض أن تُطبَّق علينا أنظمة الكفر والضلالة التي يسمونها النموذج الأميركي والقِيَم الأميركية والمُثُل الأميركية. ونحن قادرون على تجسيد هذا الرفض وإبرازه إلى حيّز الوجود بعون الله.

  نحن أمة أعزها الله بالإسلام، ومهما طلبنا العزة بغيره أذلّنا الله. نحن، الأمّةَ الإسلامية، قادةُ العالم وليس أميركا ولا غيرها من دول الغرب أو الشرق. نحن لا نقود العالم لاستغلاله ومصّ دمائه بل نقوده إلى الهدى وإلى مصالحه وإلى مساواته بأنفسنا فيصبح أخاً لنا حين يحمل عقيدتنا وقِيَمَنا ومُثُلَنا، وتاريخُنا شاهد على ذلك.

  إن قيادة العالم هي رسالة اختار الله الأمة الإسلامية وحدها بعد محمد صلى الله عليه وسلم لحملها للناس، قال سبحانه: (كنتم خير أمة أُخْرِجَتْ للناس تأمرون بالمعروف وتنهوْن عن المنكر وتؤمنون بالله) وقال: (وكذلك جعلناكم أمّةً وَسَطاً لتكونوا شهداء على الناس). والأمة الإسلامية وحدها تحمل الهدى والنور، وجميع الأمم والملل الأخرى تعيش في الضلالات والظلمات، قال تعالى: (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات). فليثقْ أبناء الأمة الإسلامية بإسلامهم ولْيتمسكوا به ويَعَضُّوا عليه بالنواجذ، فإنهم على المَحَجَّة البيضاء، ولا يلتفتوا يمنة ويسرة، فالدجّال الأميركي يحاول إغواءهم وفتنتهم عن الحق المبين، وكثير من أبناء المسلمين أصابتهم هذه اللوثة وفُتِنُوا بها، نسأل الله أن يعيدهم إلى الهدى.

  هذه الكلمة ليست لعقد مقارنة بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية: أيهما أفضل وأصلح للناس والمجتمعات، إذ يكفي أن نعرف أن الحضارة الإسلامية هي من الخالق سبحانه، والحضارة الغربية من أهواء بعض الأفراد وشهواتهم وجشعهم. ولكن القصد الأول من هذه الكلمة هو تبيان، بإشارات مختصرة، أن الأمة الإسلامية الآن قادرة ليس فقط على التحرر من ربقة الكفار وأنظمتهم وثقافتهم وعملائهم، بل قادرة

أيضاً على إقامة المنهاج (النموذج) الإسلامي واستئناف الحياة الإسلامية، وقادرة على حمل الدعوة إلى العالم ومنه أميركا وأوروبا.

  l      لا يوجد في البلاد الإسلامية نظام يُكِنُّ له الناس الاحترامَ أو يحملون له الولاء. والاستفتاءات أو الانتخابات التي يعلنون فيها عن 99 بالمائة هي تدجيل. فلا يوجد سند من الأمة لهذه الأنظمة، فهي مفروضة ومسنودة بقوى بوليسية قمعية. وكيف يكون لهذه الأنظمة احترام أو ولاء وهي تذلّ شعوبها بهرولتها للركوع أمام اليهود، وبإفقارها شعوبَها بنهب ثروة الدولة للحاشية وللأسياد المستعمرين! فالسعودية التي تُعَدُّ أغنى دولة في البلاد الإسلامية عليها ديون مقدارها (131.416) بليون دولار حسب تقرير رسمي أصدره د. عبد العزيز الدخيل ونشرته الصحف في 07/02/2000، وهذه الديون تزداد وتتراكم عاماً بعد عام للإنفاق على الجيش الأميركي الذي يحتل السعودية وغيرها.

  l      لقد ثبت للأمة الإسلامية جميعاً، عرباً وغير عرب، فشلُ كل الأنظمة التي طُبقت عليها: الاشتراكية والقومية والبعثية والملكية والجمهورية والعلمانية… وفشلت الأنظمة البوليسية. وسقطت الشيوعية في عقر دارها. وفشلت أيضاً الأنظمة الليبرالية الغربية في جنوب شرق آسيا وفي روسيا حين حاولت تطبيقها بدل الاشتراكية. والعافيةُ التي تبدو على النظام الأميركي وبعض الأنظمة الأوروبية سببها الاستعمار ونهب ثروات الدول المستعمَرة وليس سببها صحة النظام الليبرالي الغربي. ولذلك فالأمة الإسلامية صارت عندها قناعة أن خلاصها لا يكون إلا في النظام الإسلامي بعد أن لمست فشل جميع الأنظمة الأخرى.

  l      المسلمون تحركوا عملياً من أجل إعادة الإسلام كاملاً إلى معترك الحياة. والجميع يريد إقامة الدولة الإسلامية (الخلافة)، وتطبيق الإسلام كاملاً في الحكم والاقتصاد والعلاقات الدولية والعقوبات… الخ  وهذا يشير إلى أن الأمة في غالبيتها الساحقة تسعى إلى إقامة الإسلام، ولا يمنعها إلا أنظمة القمع البوليسية الموجهة من أنظمة الكفر الاستعمارية من خارج البلاد. والناظر إلى خارطة العالم الإسلامي يرى أن لا عمل للأنظمة الحاكمة إلا محاربة الدعاة إلى الإسلام واعتقالهم وقتلهم وتشويه سمعتهم. وعلماء السلاطين يوافقون الأنظمة الحاكمة على فسادها وظلمها!

  l      المسلمون الآن مستعدون للتضحية والبذل إلى أبعد الحدود، ومستعدون لمجابهة قوات ليس فقط تفوقهم بعشرة أضعاف بل بمئات الأضعاف، ونحن نرى نماذج حية من ذلك في الروح الاستشهادية البادية في مقاومة الشيشان للروس وفي المقاومة الإسلامية لإسرائيل.

  l      دول الغرب، وعلى رأسها أميركا، رأوا أن العاملين لعودة الإسلام إلى الحكم (يسمونهم أصوليين) سيصلون إلى الحكم. هناك تيار في الغرب يرى أنه لا بد من سحق جميع (الأصوليين) في مهدهم. وهناك تيار يرى أن ذلك السحق مستحيل وأنهم واصلون لا محالة إلى السلطة، ولذلك فالحكمة تقتضي التمييز بين المتشددين والمعتدلين من (الأصوليين) والعمل على مساعدة المعتدلين الذين يمكن التفاهم معهم ومحاربة المتشددين. غراهام فولر (رئيس CIA سابق) هو من هذا الرأي. والخبير الألماني مارسيل بوت هو أيضاً من هذا الرأي (أنظر ص12 من هذا العدد). وقد لاحظنا أن الحكومة الأميركية تبنت هذا الرأي. فقد كانت استدعت د. حسن الترابي ليقدم شهادته عن الأصولية الإسلامية أمام الكونغرس، وحاولت تسويقه. وحاولت تسويق حزب أربكان في تركيا، وأفشلها الجيش التركي العلماني. وكانت أميركا قد ساعد المجاهدين في أفغانستان وسخّرتهم لمحاربة الروس، ثم أوقعت الفتنة بينهم لتري المسلمين أن الإسلام لم يعد يصلح في هذه الأيام. فأميركا تريد إجهاض العمل الإسلامي الصحيح بإيصال من تستطيع أن تحرفهم عن الإسلام باسم الاعتدال وجَعْلِهم عملاءَ لها. ولكن مكر أميركا والكفارِ جميعاً سيعود إلى نحورهم بإذن الله (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *