العدد 224 -

السنة العشرون رمضان 1426هـ – تشرين الأول 2005م

مظاهر الوحدانية (4) حظر التحليل والتحريم على المخلوقين

مظاهر الوحدانية (4)

حظر التحليل والتحريم على المخلوقين

إن تفرد الله تعالى بالحكم (الأمر والنهي) يقتضي حظر التشريع على البشر، حتى ولو كانوا من الأنبياء، قال تعالى: ( مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ) [المائدة 79] أي: «ما ينبغي لبشر آتاه الله الكتاب والحكم والنبوة أن يقول للناس اعبدوني من دون الله بالطاعة في الحلال والحرام دون إذن من الله، كما كان يفعل أهل الكتاب مع الأحبار والرهبان، فإنهم كان يعبد بعضهم بعضاً من هذا الوجه، فيتبعون في التحليل والتحريم. أما الرسل وأتباعهم من العلماء العاملين فإنهم إنما يأمرون بما يأمر الله، وينهون عما نهى الله، أداءً للرسالة وإبلاغاً للأمانة» كما ذكر ابن كثير. ولقد ورد في مناسبة نزول هذه الآية أن وفد نجران الذين نزلت فيهم آيات المباهلة، جاء اثنان منهم وهما: أبو رافع القرظي والسيد النجراني، فقالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتريد أن نعبدك ونتخذك رباً؟ -كما كانت عادتهم مع من يعظمونه من الأحبار والرهبان- فقال صلى الله عليه وسلم: «معاذ الله أن يعبد غير الله تعالى، وأن نأمر بعبادة غيره تعالى، فما بذلك بعثني، ولا بذلك أمرني» قال الإمام الشافعي، رحمه الله، في الرسالة: «ليس لأحد أبداً أن يقول في شيء حلَّ ولا حَـرُمَ إلا من جهة العلم، وجهة العلم الخبر في الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس».

وقال تعالى: ( قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ) [التوبة 29] قال القرطبي: «أمر الله سبحانه وتعالى بمقاتلة جميع الكفار لإصفاقهم (لإجماعهم) على هذا الوصف، وخص أهل الكتاب بالذكر لكتابهم، ولكونهم عالمين بالتوحيد والرسل والشرائع والملل، وخصوصاً ذكر محمد صلى الله عليه وسلم وملته وأمته، فلما أنكروه تأكدت عليهم الحجة، وعظمت فيهم الجريمة».

وقال تعالى: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) [المائدة 78] قال الشوكاني في تفسيرها: «لا تعتدوا على الله بتحريم طيبات ما أحل الله، ولا تعتـدوا فتحـلوا ما حرم الله عليكم، فهو اعتداء في الحالتين؛ ولهذا قال تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ).

قال عبد العزيز مصطفى كامل في كتابه القيّم «الحكم والتحاكم في خطاب الوحي»: «وبهذا يعلم أن التحليل والتحريم موصد الأبواب، مقطوع الأسباب، على كل المخلوقين، ولو كانوا من النبيين والمجتبين، فضلاً عن عموم البشر أجمعين؛ لأن التحليل والتحريم من خصائص الألوهية. فتحريم ما أحل الله، أو تحليل ما حرم الله، إنما هو اعتداء فوق اعتداء، وظلم فوق ظلم؛ ولهذا نجد أن معصية الاستحلال يخرج بها المرء من دين الإسلام إذا توافرت فيه شروط المؤاخذة على الفعل» وقال أيضاً: وكما حظر على المخلوقين التشريع تحليلاً وتحريماً بغير سلطان من الله، كذلك حظر عليهم تشريع الجزاء على ما يحل أو ما يحرم، فهذه الأمور من شأن الله وحده، كحد الحدود، ووضع العقوبات، وترسيم الجزاءات المترتبة على أفعال المكلفين في الدنيا».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *